ولعل من أهم وأبرز لوازم التربية على الإيمان ما أُجمله في الفقرات التالية:
أ- العمل الصالح:
من أصول أهل السنة والجماعة أن العمل الصالح يدخل في مسمى الإيمان فلابد مع الإيمان من العمل الصالح، وعليه فالإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، وعلى هذا المفهوم ينبغي أن تكون تربية الآباء وتنشئتهم الأولاد، توخيا لمنهج السلف في الاعتقاد ووقاية من الانحراف العقدي.
تأمل قول الله تعالى: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه: 82]، قوله: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، وقال: ﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ﴾ [الإسراء: 19]وقال: ﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾ [الأنعام: 132] فذكر في هذه الآيات البينات الإيمان الذي ينتفع به صاحبه مقترنا بالعمل الصالح.
ومن أسس التربية الإيمانية التي ينبغي أن تقوم عليها تنشئة الأولاد، تعميق الوعي بمفاهيم الإيمان، ومن ذلك:
♦ أن الإيمان كما يشمل العمل الصالح على نحو ما سبق تقريره، فإن العمل الصالح يشمل العبادات كما يشمل المعاملات، أما العبادات فكما في قوله تعالى: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99].
وأما المعاملات فكما في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "أتدرون من المفلس"؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: "إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار"[1].
♦ والمعاملات لا تنحصر في التعامل مع بني الإنسان بل تتجاوزه إلى البهائم والعجماوات كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "دخلت النار امرأة في هرة حبستها لا أطعمتها ولا سقتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض"[2].
وكذلك تتضمن كل ما في وسع الإنسان عمله لخير الغير مما حوله من مظاهر الكون، ومن الأمثلة عليه حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له"[3].
وأن تربية الناشئة على هذا يجعلهم أعضاء صالحين في المجتمع يكثر خيرهم ويقل شرهم ويعم النفع بهم.
ب- حب الله تعالى ورسوله – صلى الله عليه وسلم:
وهو مطلب تربوي في غاية الأهمية لاسيما أنه قد أصبح الأولاد في عصرنا هدفا للغزو الفكري الشرس الذي يرمي إلى اجتثاث الإيمان من قلوب الناشئة بشتى الوسائل والأساليب ببث الشبهة وتزيين الشهوة بالإغواء والإغراء! حتى يصبحوا رويدا رويدا من الكارهين للدين الصادين عن سبيل الله الراغبين عي هديه والعياذ بالله!
وكما حذرنا الله تعالى من ذلك فقال: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ﴾ [البقرة: 109] وبعد أن حذر من مكر اليهود والنصارى وأساليبهم في إغواء المسلمين، أمر بأعظم ما يحصن السلم من نزغات الشياطين وهو إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فقال: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 110].
فالولد ينبغي أن يربى على حب الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم -، كي يكون قوي الإيمان صلب الإرادة لا يتزعزع في الفتن ولا يضطرب إبان المحن، وحب الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – الحب الحق يقتضي الاستمساك بالدين، بالإخلاص لله تعالى والإتباع لنبيه – صلى الله عليه وسلم – وهما شرطا قبول العمل والعاصم بإذن الله من الزلل، لا يتوانى في ذلك ولا يغفل عنه قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ [آل عمران:31].
والإتباع هو اقتفاء هدي القرآن والاقتداء بسيد الأنام والحذر من الابتداع في الإسلام وفي حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"[4].
قال ابن حجر: هذا الحديث معدود من أصول الإسلام وقاعدة من قواعده، فإن معناه: من اخترع في الدين ما لا يشهد له أصل من أصوله فلا يلتفت إليه[5].
إن الإيمان بالله ورسوله وإتباع هدي الإسلام وحبه وبغض ما يناقضه يورث الاعتزاز بالدين والتضحية في سبيله والحياة من أجله! وحبه الله تعالى يقتضي كثرة ذكره وشكره آناء الليل وأطراف النهار، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الأحزاب: 41، 42].
وكذلك الإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
وإيثار أقواله وأفعاله على قول كل أحد وفعله، والتمسك بذلك والعض عليه بالنواجذ، واعتقاد أنه سبيل المتقين وطريق الفوز برضوان رب العالمين والنجاة من عذاب الجحيم، فإن حب الله ورسوله مبدأ إيماني عقدي وهو كذلك مقصد تربوي جليل به يكمل الإيمان، فمن أنس – رضي الله عنه – قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم -:"لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين"[6].
وفي أثر هذه المحبة الإيمانية ما رواه أنس – رضي الله عنه – أن أعرابيا قال لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -: متى الساعة؟ قال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "ماذا أعددت لها"؟ قال: حب الله ورسوله. قال: "أنت مع من أحببت"[7].
قال النووي: قال ابن بطال: ومعني الحديث أن من استكمل الإيمان علم أن حق النبي – صلى الله عليه وسلم – أكد عليه من حق أبيه وابنه والناس أجمعين لأن به – صلى الله عليه وسلم – استنقذنا من النار وهدينا من الضلال.
قال القاضي عياض: ومن محبته – صلى الله عليه وسلم – نصرة سنته والذي عن شريعته وتمني حضور حياته فيبذل ماله ونفسه دونه، قال: وإذا تبين ما ذكرناه تبين أن حقيقة الإيمان لا تتم إلا بذلك، ولا يصح الإيمان إلا بتحقيق إعلاء قدر النبي – صلى الله عليه وسلم – ومنزلته على كل والد وولد ومحسن ومفضل[8].
ج- حب السلف الصالح:
وهو من مقتضيات الإيمان، وحبهم من محبة الله ورسوله، لاسيما الصحابة الكرام رضوان الله عليهم الذين شرفهم الله بصحبة نبيه – صلى الله عليه وسلم -وعن طريقهم وبجهادهم وجهودهم بعد فضل الله تعالى وصلت إلينا رسالة الإسلام.
ولقد زكاهم الله تعالى حيث قال: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100].
وقال في صفاتهم الحميدة وخصالهم الفريدة: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: 29].
وكما مدحهم الله تبارك وتعالى لسبقهم إلى الخير وما اتصفوا به من خصال الخير، فقد مدح الخلف الذين جاؤوا من بعدهم وأحبوهم لله تعالى فقال: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].
وأفضل هذه الأمة بعد نبيها – صلى الله عليه وسلم – هو أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – خليفة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وصاحبه في الهجرة ووزيره الأول، – والفاروق – عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أمير المؤمنين الخليفة الثاني والإمام الملهم، وعثمان بن عفان – رضي الله عنه – ذو النورين- الخليفة الثالث، – وأبو السبطين – علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – الخليفة الرابع، وإن تربية الولد على حب هؤلاء الخلفاء الأربعة بقص قصص إسلامهم وجهادهم في سبيل الله وسابقتهم في الإسلام وما خصهم الله به من المناقب والفضائل لمن واجبات الآباء نحو الأبناء، وكذا باقي الصحابة رجالا ونساء وأمهات المؤمنين رضوان الله عليهم جميعا.
وكيف لا يحبهم مسلم وقد شهد الله لهم بالسبق والفضل ورضي عنهم من فوق سبع سموات فقال: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100][9].
د- التوسط والاعتدال:
وهو من مستلزمات العقيدة، إذ الإسلام دين الوسطية حيث لا غلو ولا تهاون، بين الإفراط والتفريط، وبين التساهل والتنطع، والأمة المحمدية وهي خاتمة الأمم وأفضلها هي أمة وسط كما قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143].
ولئن كان الشرع قد نهى عن التشدد في الدين والغلو فيه كما في حديث ابن مسعود – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: "هلك المتنطعون"[10]، فإنه جعل في المقابل التخاذل والتكاسل في الدين مذموما أيضا وجعله من النفاق إذ قال عن المنافقين: ﴿ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 142].
والمسلم المقصر في أمور دينه لا يخرج عن مسمى الإيمان ما لم يأت بما يناقض أصل الإسلام، فلا يكفر بكبيرة، ولا يفسق أو يبدع إلا ببينة وتثبت، وبالطرق المشروعة، ولا يقتات المسلم على ولاة الأمر في إقامة الحدود ولا فيما هو من اختصاصاتهم بحكم ولاياتهم ومسئولياتهم من التحري والإدانة.
وليس من أهداف التربية الإسلامية أن يحب الأولاد الدين ويرغبوا فيه فحسب، بل أن يتمسكوا به على النهج الراشد في اعتدال وتوسط وإلا كانت نتائج التربية عكسية سلبية!!.
فالتدين المشوب بالغلو لا ينتج إلا التطرف والخروج عن منهج الإسلام بتأويلات فاسدة ومبالغات ممجوجة، وكذلك التهاون والتخاذل لا ينهض من بلي به بعزائم الأمور.
هـ- الولاء والبراء:
يقيم المسلم علاقاته بإخوانه المسلمين، وبغيرهم على أساس الدين، فيوالي ويعادي لله تعالى وفي الله، وعلى هذا المبدأ ينبغي أن تكون تربية الولد كي يبقى محافظا على كيانه صينا واقيا لمعالم دينه من الانحلال والذوبان، عارفا بمعايير المفاضلة بين الناس، مدركا لمقاييس القبول والرفض لما يسمع ويرى و يدرك.
والدين الحنيف يرفع وشيجة الدين وعروته الوثقى فوق كل الوشائج والعلاقات الأخرى، ويجعل رابطة الدين مقدمة على رابطة الدم والنسب والمصالح، وحتى العلاقات بين الآباء والأبناء ليست ترتقي إلى مستوى الرابطة الدينية.
ولنتأمل ذلك في النصوص التالية:
♦ في قصة نبي الله نوح عليه السلام لما دعا ابنه وقد أشرف على الغرق ناداه كما قال تعالى: ﴿ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ ﴾ [هود: 42]، فلما لم يستمع إلى الأب الشفيق وآثر الكفر على الإيمان وكان من المغرقين نادى نوح ربه: ﴿ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [هود:45- 46]، فولاية الإيمان فوق كل ولاية.
ذكر الإمام الطبري بسنده عن سعيد بن جبير أنه جاء إليه رجل فسأله فقال: أرأيت ابن نوح ابنه؟! فسبح طويلا ثم قال: لا إله إلا الله، يحدث الله محمدا – صلى الله عليه وسلم -: ﴿ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ ﴾ [هود: 45]! وتقول ليس منه؟ ولكن خالفه في العمل فليس منه من لم يؤمن.
♦ قول الله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة: 51]، فللو الدين البر والإحسان حتى وإن كانا كافرين، وللأولاد حق الرعاية والتربية وتعليم أمور الدين، لكن لا تعلو علاقة الأبوة والبنوة ولا ترتقي إلى مستوى علاقة الدين.
♦ قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ﴾ [الممتحنة: 1].
ففي هذه الآية أن ولاية الكفار لا تجوز، لأن المودة إذا حصلت تبعتها النصرة والموالاة فخرج العبد من الإيمان وصار من جملة أهل الكفران كما يقول الإمام ابن سعدي[11].
ولموالاة الكفار في عصرنا صور كثيرة، قد يقع فيها الناشئة وهم لا يشعرون! كالافتتان بحضارتهم وما فيها من مساوئ وأوضار، وكالتعلق بمن يسمونهم نجوم الفن والألعاب الرياضية، والتشبه بهم وتقليدهم وتمني مؤاخاتهم ونحو ذلك مما قد يبتلى به الفتى المسلم أو الفتاة المسلمة، وهو – راجع – كما ترى إلى ضعف التربية الأسرية على مستلزمات العقيدة الإسلامية.
هذا وللتنشئة على العقيدة القويمة مستلزمات أخر، كحب الجهاد في سبيل الله لاسيما في بلاد المسلمين المنكوبة كفلسطين وتركستان وبورما والشيشان وغيرها، وأيضا حب الدعوة إلى الله تعالى والرغبة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة، والاهتمام بأمور المسلمين، والعمل على إسعاد البؤساء والمحرومين… وغير ذلك كثير، مما تسكبه العقيدة الإسلامية في قلوب الآباء ووجدانهم، فيربون عليه الأبناء، ويؤدون بذلك الأمانة التي ائتمنهم الله عليها.
فليست العقيدة إيهانا يقر في القلب فحسب، بل وعملا يصدق ما وقر، ويكون أمارة عليه.
وفي حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "الإيمان بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق" وفي رواية "والحياء شعبة من الإيمان"[12].
_______________________________
[1] رواه مسلم في كتاب البر والصلة (2581) واللفظ له، والترمذي في كتاب صفة القيامة (2342) وأحمد في مسند المكثرين (7686).
[2]متفق عليه رواه البخاري في كتاب بدء الخلق حديث (3318)، ومسلم في كتاب السلام حديث (2242).
[3] متفق عليه رواه البخاري في كتاب الأذان (654)، ومسلم في كتاب الإمارة (1914).
[4] متفق عليه رواه البخاري في كتاب الصلح (2697)، ومسلم في كتاب الأقضية (1718).
[5] الفتح 5/302
[6] متفق عليه: رواه البخاري في كتاب الإيمان (15)، ومسلم في كان الإيمان (44).
[7] متفق عليه: رواه البخاري في كتاب الأدب (6167)، ومسلم في كتاب البر والصلة (2639).
[8] المنهاج للنووي 2/ 375.
[9] وانظر تفسير القرطبي في موضع الآية 8/235 فقد ذكر مسائل جليلة تتعلق بعقيدة المسلم في الصحابة وفضلهم وسابقهم وما يجب علينا تجاههم.
[10] رواه مسلم في كتاب العلم الحديث (2670) وأبو داود في كتاب السنة حديث (4608)، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة حديث رقم (3473).
[11] تفسير الطبري 12/52.
[12] متفق عليه رواه البخاري في كتاب الإيمان حديث رقم (9)، ومسلم في كتاب الإيمان حديث رقم (35).