أما بعد:
فقد رُفعت راية الجهاد على رقاب المسلمين من كل جهة وصوب، جهاد مستمر متواصل لم ينقطع منذ قرنٍ، إن أغلق في بلد فتح في بلد أُخرى، واقترن مع ذلك على نحوٍ عجيب إطباق جميع سياسات دول الإسلام على تحريم وتجريم الدفاع عن النفس والمال والعرض المستباح، إلا في أحوال يسيرة، ووصْفِه بـ"العبث" تارة وبـ"الإرهاب" تارات، والإعلام الإسلامي برجال المسلمين وأموالهم يروِّض القلوب والنفوس ويطبعها على ذلك، يفتح العين على ما يريد ويغمضها عما لا يريد، فمن الذي يستطيع في طول بلدان الإسلام وعرضها أن يرفع راية دعمه لإخوانه المقاتلين في فلسطين بغير اللسان .. حاكماً أو محكوماً .. من؟!
تجرّع أهل فلسطين الأذى والقتل والجراح والتشريد والتهجير والغيظ فصبروا، ولكن شرّ اليهود عتيد، والبلاء منهم يزيد أعواماً بعد أعوام، فهل دواءُ هذا الشجب والاستنكار، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ((ما من امرئ يخذل امرءاً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته وما من امرىء ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته))[رواه أبو داود4884].
سُلب المسلمون في فلسطين حتى ذلوا، وقتلوا حتى ملوا، والبقية بين مأسور ومقهور لا حول له ولا قوَّة، يخشى أن يَرفع الرأس فيوصف بالإرهاب والتطرف والغلو والتشدد، والإعلام عبدٌ مأمورٌ.
ملايين المسلمين في فلسطين يُحاصرون، لا يُجبى لهم طعام، خرقوا الأرض لإيصال الطعام والشراب واللباس، عبر أنفاق وجحور على صفة لا تَعرفها البشرية، فضرب عليهم المسلمون الأسوار من الفولاذ من باطن الأرض، أغلقوا عليهم باطن الأرض بعد ظهرها، ولكن باب السماء مفتوح، والله يسمع ويرى.
كل ذا بأيدي مسلمين، ودُول المسلمين من فوقهم ومن أسفل منهم، فأي كبدٍ للإسلام والفطرة.
دخلت امرأة النار في هرة حبستها، فكيف بملايين المسلمين، ففي صحيح البخاري قال صلى الله عليه وسلم:((دنت مني النار حتى قلت: أي رب وأنا معهم، فإذا امرأة تخدشها هرَّة، قال: ما شأن هذه ؟ قالوا: حبستها حتى ماتت جوعاً))[رواه البخاري745].
فماذا ستفعلون يوم القيامة بأطفال آلاف المسلمين الذين ماتوا جوعاً وعطشاً من الحصر والقهر والقسر في فلسطين، ولا بد لمن ظُلم من أن يتظلّم عند العدل سبحانه {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}(سورة فصلت46) {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}(سورة الأنبياء47).
ضُربت الذلة على كثير من المسلمين وهم كالسيل، لأنهم خالفوا أمر الله فهانوا عنده فهونهم بأعين عدوهم، ولولا الذلة المضروبة لدافعوا المنايا مكاثرة وغالبوا السيوف مصابرة وفتحوا البلدان بالأجساد، فإذا كان اليهود قد قضى الله عليهم بالذلة الدائمة في كل زمان ومكان {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ}(سورة آل عمران112)، فليسوا هم اليوم في عزة، ولكنهم في ذلة الله كما هم، وفئام من المنتسبين إلى الإسلام دونهم، ، لأنهم شاركوهم بنسيان ما أمر الله به مع استدامة ذلك بالغفلة والتغافل عنه فكان مأخذة من الله بلا أسف قال تعالى: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ}(سورة الأعراف165)، والمسلمون إن تركوا دينهم كانوا دون غيرهم من البشر منزلة، لأن جزاء التارك وعقابه يكون بقدر وضوح الحجة وبيانها عنده وقيامها عليه، ولا أوضح من حجة الإسلام على أهله.
اللّهم كن لأهل فلسطين نصيراً، وعلى أعدائك ظهيراً، ومن انتقام إخوة الخنازير كفيلاً، اللّهم قوّ من ضَعُفت حيلته منهم فأنت القوي المعين، وانصر من لا نصير له إلاّ أنت فإيّاك نعبد وإيّاك نستعين، اللّهم ثبّت أقدامهم وانصرهم عند تزلزل الأقدام، اللّهم اجعلهم على تيقّظِ وتذكر من{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}(سورة آل عمران173).