تخطى إلى المحتوى

خطر المعاصي والذنوب 2024

خطر المعاصي والذنوب

إن خطر الذنوب والمعاصي على الفرد والمجتمع يكمن في كونها مبعدة عن الله – تبارك وتعالى -، وعن رحمته، ومقربة إلى سخطه والنار – عياذاً بالله -، وأي فلاح يرجوه العبد بعد أن سخط عليه ربه – تبارك وتعالى -، وكلما استمر العبد في فعل المعاصي والذنوب ابتعد عن ربه أكثر، ولذلك جاءت النصوص الكثيرة تحذر من الذنوب، وتبين عقوباتها وما أصاب الأمم الماضية بسبب ذنوبها كما قال الله – تبارك وتعالى – في محكم التنزيل: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ}1، وقال – تعالى -: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ}2؛ وقال: {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}3، وثبت من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((اجتنبوا السبع الموبقات))، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: ((الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات))4 فأمر النبي – عليه الصلاة والسلام – في هذا الحديث باجتناب الذنوب، وذلك أبلغ من كونه نهى عن اقترافها؛ وذلك لأن الاجتناب يقتضي ترك الذنب وما يوصل إليه، ثم قال: الموبقات أي المهلكات لمن واقعها.

وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه -: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه))، وان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ضرب لهن مثلاً كمثل قوم نزلوا أرض فلاة، فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود، والرجل يجيء بالعود، حتى جمعوا سواداً فأججوا ناراً، وأنضجوا ما قذفوا فيها"5 فهذا الحديث فيه النهي عن التهاون بالذنوب والمعاصي ولو كانت صغيرة.

خل الذنوب صغيرها وكبيــرها ذاك التقى

واصنع كماشٍ فوق أرض الشوك يحذر ما يرى

لا تحقرنَّ صغيرةً إن الجبـــال من الحصى

وقال بلال بن سعد – رحمه الله -: "لا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر إلى من عصيت"6.

وقد تتحول الصغيرة إلى كبيرة وذلك بالاستمرار عليها قال رجل لابن عباس: "كم الكبائر؟ سبع؟ قال: "هن إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع، غير أنه لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار"7، وكذلك تتحول إلى كبيرةٍ بالفرح بفعلها، والافتخار بها لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – يقول: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه))8، وكذلك قد تصدر من شخص يقتدى به فيتسبب في إضلال غيره، فيكون عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لحديث: أن النبي – عليه الصلاة والسلام – قال: ((من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء))9.

ومن عواقب الذنوب الوخيمة حرمان الرزق لحديث ثوبان – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلا الدعاء، وإن الرجل ليحرم الرزق بخطيئة يعملها))10.

ثم إنّ للمعاصي آثاراً وشؤماً تزول بها النعم، وتحل النقم قال الله – تعالى -: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}11.

عبد الله: إذا كنت في نعمة فارعها، وحافظ عليها، واحذر أن تكون مذنباً غير تائب، فتصبح من النادمين قال الله – تبارك وتعالى -: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }12، قال عبد الله بن المبارك – رحمه الله -:

رأيت الذنوب تُميت القلوب *** وقد يورث الذلَّ إدمانُها

وتركُ الذنوب حياةُ القلوب *** وخيرٌ لنفسك عصيانُها

ويقول آخر:

إذا كنت في نعمة فارعها *** فإن المعاصي تزيل النعم

وداوم عليها بشكر الإله *** فإن الإله سريع النقـم13

ويقول الحق – تبارك وتعالى-: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ}14.

عبدالله: إن ضرر الذنوب والمعاصي في القلب كضرر السموم في البدن، وما في الدنيا والآخرة من بلاء، ولا شر، ولا داءٌ إلا وسببه الذنوب والمعاصي، وإن سَبَبَ المصائب والفتن كلِّها هو الذنوب والمعاصي، فإنها ما حلّت في ديار إلا أهلكتها، ولا في قلوب إلا أعمتها، ولا في أجساد إلا عذبتها، ولا في أمة إلا أذلتها، ولا في نفس إلا أفسدتها، أليست هي سبب طرد إبليس من رحمة ربه؟ أليست هي التي كانت سبباً في خروج آدم من الجنة؟ أليست هي سبب إغراق قوم نوح، وهلاكِ قوم عاد وثمود، وهدم قرية لوط، وأخذِ قوم شعيب بيوم الظلة؟ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}15، فماذا دهى المسلمين اليوم في هذا الزمان حتى أصبحوا في سبات عميق، وانهمكوا في الذنوب واللهو والفجور؟ {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}16؛ لكن الله حليم يعفو ويصفح، ولو عاقب هؤلاء العصاة المجرمين على أفعالهم لجعل ديارهم بلاقع، ولدمرهم تدميراً {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}17، يمهل ولا يهمل، حتى إذا أحذ الظالم لم يفلته {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}18.

فاتق الله عبد الله، وتب إليه توبة نصوحاً بإتْبَاعِ كل الذنوب بالاستغفار فقد أخرج الإمام مسلم من حديث ابن عمر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة))19، وخذ بأسباب المغفرة إذ ليس هناك أجل، ولا أحسن من الاعتراف بالذنب والندم عليه والاستغفار فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: قال الله: ((يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيك بقرابها مغفرة))20، فالتوبة التوبة قبل فوات الأوان، قبل أن لا ينفع الندم؛ وفقنا الله – تعالى – لطاعته، والإقلاع عن الذنوب والمعاصي، ورزقنا توبة نصوحاً تكفر بها أعمالنا السيئة بمنِّه وكرمه، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الكريم والرسول العظيم، وعلى آله وصحبه أجمعين.


_________________________________________

1 سورة المائدة (49).

2 سورة الأعراف (100).

3 سورة العنكبوت (40).

4 رواه البخاري في صحيحه برقم (2615)؛ ومسلم برقم (89).

5 رواه أحمد بن حنبل في المسند برقم (3818)، وقال الألباني: صحيح لغيره كما في صحيح الترغيب والترهيب رقم (2470).

6 صفة الصفوة (4/150)؛ وسير أعلام النبلاء (5/91) في ترجمته.

7 تفسير ابن كثير (2/283)؛ تفسير القرطبي (5/159).

8 رواه البخاري برقم (5221).

9 رواه مسلم في صحيحه برقم (1017).

10 رواه ابن ماجه في سننه برقم (90)؛ وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم ( 3248).

11 سورة الشورى (30).

12 سورة الأنفال ( 53).

13 موسوعة فقه الابتلاء (4/274).

14 سورة الأعراف (100).

15 سورة الشعراء (8-9).

16 سورة الأعراف (99).

17 سورة النحل (61).

18 سورة هود (102).

19 رواه مسلم برقم (2702).

20 رواه الترمذي في سننه برقم (3540)؛ وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم (2805).

    بارك الله فيكِ

    بارك الله فيكي

    جزاك الله كل خير

    الونشريس

    شكرًا على المـــرور الجمــــيل

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.