تخطى إلى المحتوى

رحلة المياه في جسم الإنسان 2024



الونشريس

الأرض هي موطن لتنوع هائل من المخلوقات، وكلها تستخدم عنصر واحدًا، ألا وهو الماء، وبفضل الله يصل الماء إلى كل مكان سواء أحببنا هذا الأمر أم لا.

كل المخلوقات الحية تتشارك في استخدامها للماء، ولكن يبدو أن الكمية المتوفرة محدودة. لذا ما هي القصة الحقيقة وراء هذا العنصر المهم.

رافقونا في رحلة مشوقة، بين مناظر الطبيعة الخلابة، لتشهدوا على أجمل رحلة على وجه الأرض.

كل المخلوقات تستخدم الماء حتى الكائن البشري، وما من مخلوق يمكنه البقاء من دونه قال تعالى: ?وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ?.

ثلثا الجسم البشري مكون من الماء، وهذا الماء الموجود في داخلك لديه تاريخ مذهل، الماء الذي تشربه اليوم نبع في السابق من أعماق المحيطات. في كل قطرة ماء نتشارك مع بقية المخلوقات كلما شربت هذه القطرة، تصبح جزءًا من دورة الماء اللامنتاهية.

في هذه الحلقة سنتابع حركة المياه ومصادرها الرائعة في العالم سنرافقها أحيانًا خلال جريانها السريع، وأحيانًا أخرى ستكون رحلة بطيئة جدًا بهدف اكتشاف العناصر العلمية وراء حركتها اليومية.

المياه هي المادة الأكثر وجودًا على الأرض وتتجلى بفضل الله تعالى في ثلاثة أشكال على شكل ثلج يغطي قمم العالم، وعلى شكل سائل يدعم المخلوقات البحرية، وعلى شكل بخار يرطب الغابات المطيرة، وبفضل الله يضمن استمرار الحياة فيها.

من الصحارى الجافة إلى أعلى القمم، تخضع المياه إلى عملية تدوير مستمرة وفي أي لحظة يمكن العثور على اثني عشر مليون طن منها في الغلاف الجوي، ولكن قبل الشروع في رحلتنا علينا معرفة خاصية مهمة، ما الذي يجعل المياه مميزة؟ فهي لا لون لها ولا رائحة ولا مذاق لاكتشاف المزيد لنلقي نظرة فاحصة داخل قطرة واحدة.

هذه هي إحدى جزيئات المياه "h2o" ذرتان من الهيدروجين وذرة من الأوكسجين، وكل جزيئة متصلة بالأخرى بسبب طاقة كهربائية تعرف باسم روابط الهيدروجين، وهذه الروابط هي التي تجعل المياه عنصرًا متميزًا.

المياه هي المادة الأكثر انتشارًا على وجه الأرض كيف اتخذت المياه شكلاً مهمًا في حياتنا، لمعرفة ذلك، رافقونا في رحلة مشوقة عبر التاريخ.

يقول بعض العلماء أن جزءً من مياه الأرض مصدره الفضاء الخارجي وعندما تمازجت كميات مهولة من الأوكسجين والهيدروجين لتشكل ما يعرف باسم الجليد الفضائي، يتكون النيزك المتوسط الحجم من أكثر من مليارات الأطنان من الجليد.

أنت وأنا وكل مخلوق نستخدم هذا العنصر المائي المهم.

هناك مصدر آخر لتشكل المياه وهو امتزاج الهيدروجين والأوكسجين في أعماق كوكب الأرض، هذه العملية تنتج البخار، الناتج عن غليان المياه ومصدرها الثوران الجوفي المتمثل في التفجرات المائية والتصدعات في طبقة الأرض.

على مر السنوات تشبع الغلاف الجوي للأرض بكميات هائلة من البخار، غطى البخار الأرض وساهم بفضل الله تعالى في حماية الكوكب من أشعة الشمس الحارقة كما أنه امتص حرارة الشمس، ومع مرور الأيام أصبح الغلاف الجوي أكثر دفئًا.

ومن دون أثار ظاهرة الدفيئة الأصلية، لبقي متوسط حرارة الأرض ثماني عشرة درجة مئوية تحت الصفر، ولغطى الجليد سطح الأرض، ولما أدركنا الحياة التي نعيشها اليوم، فالحمد الله الذي سخر لنا كل هذه الأشياء.

ارتفعت حرارة الغلاف الجوي فتشكلت الأمطار. ملأت مياه الأمطار المحيطات لتتبخر لاحقًا بفعل حرارة الشمس الشديدة لتتشكل دورة المياه على الأرض، ولتصبح بفضل الله نظامًا حياتيًا شاملاً.

يظن بعض العلماء أن الأمطار التي هطلت في السابق، قد جالت العالم ثمانية ملايين جولة حتى يومنًا هذا، تعمل دورة المياه على الطاقة الشمسية، تبخر حرارة الشمس المياه عن سطح البحر، وكل ما تفقده المياه من جراء هذه العملية هو الملح فقط، محافظة على نقائها ومنتشرة في أرجاء الكوكب.

الماء أثمن مصدر طبيعي على الأرض لكن مع مرور الوقت يتطاير جزء منه إلى الفضاء من الغلاف الجوي. هل هذا يعني أن مصدر المياه سيجف يومًا ما؟ للإجابة على هذا السؤال سنذهب إلى جوف الأرض.

تتخطى الحرارة في عمق المناطق الجوفية الألف درجة مئوية وهي منطقة الذوبان، المنطقة الفاصلة بين جوف الأرض وسطحها، وتتكون في معظمها من الصخور الصلبة، لكن في مناطق أكثر عمقًا يمكن العثور على المياه، يفوق حجمه مياه المحيطات مجتمعة عشرة أضعاف، هذا الخزان الضخم يحل مكان المياه المتبخرة إلى الفضاء الخارجي، وهو يطلق البخار بفضل لله خلال أي ثوران بركاني.

تتفاعل البراكين على الأرض منذ قرون عديدة، كانت معظمها مغطاة بالمياه فثارت في الأعماق مطلقة البخار مباشرة إلى البحار.

تدفقت كميات إضافية من المياه إلى المحيطات بسبب تصدعات القاع. استعدوا لخوض هذا القاع المظلم.

هذه هي أعمدة الدخان الأسود، وهي مداخن طبيعية في القاع تنفث مياه ساخنة جدًا، ممتزجة بمعادن سوداء، بدأت أولى بوادر التغير في أماكن عميقة ومظلمة كهذه، وتجانست المياه مع الحياة لتصبح من أعمدتها الرئيسة التي سخرها الله لكل المخلوقات الحية.

لا تعيش في هذا المكان مخلوقات صغيرة جدًا على عمق كيلو مترين ونصف الكيلو متر متحملة الضغط الشديد، وعوضًا على اعتمادها على أشعة الشمس مثل معظم مخلوقات الله، فهي تتكاثر بفضل الله بسبب المعادن المتفجرة والحرارة البركانية.

تعد مياه البحر من أهم المراتع لتكاثر المخلوقات، حيث الحرارة مستقلة وخزان هائل من العناصر المغذية، إنه مكان مثالي خلقه الله كي تعيش كثير من المخلوقات الحية فيه.

تيارات قوية تحركها قوة الشمس، وتنقل معها أشكال الحياة في أرجاء الكوكب، مع مرور الأيام والقرون، أصبحت الحياة البحرية مليئة بالمخلوقات البحرية المتنوعة، في البحار الدافئة القريبة من المدار تحولت الحيود المرجانية إلى أجمل المواطن البحرية على كوكب الأرض.

تعج المحيطات بالمخلوقات المائية من الأشكال والأحجام كافة، هذه هي أكبر سمكة تعيش في بحار اليوم وهي الحوت القرش، إنه ضخم جدًا -سبحان الله- إنه يبدو مثل جزيرة عائمة تعيش حولها مجموعة ضخمة من المخلوقات البحرية.

مع ذلك يقتات الحوت القرش من العوالق المجهرية، ويجرف كميات كبيرة منها مستخدمًا فكين ضخمين، يتسعان لابتلاع كائن بشري.

لننتقل الآن من الحياة البحرية إلى اليابسة، حياة المخلوقات على اليابسة تختلف قطعًا عن حياة المخلوقات الأخرى في الماء.

"مود سكيبر" هي نموذج مثالي عن المخلوقات التي تعيش على اليابسة وقد وهبها الله طريق خاصة للتنفس باستخدام الحرافيش.

إن وفرة المياه على اليابسة سبب رئيسي للحياة وحيوانات اليابسة بحاجة إلى سبل جديدة تمكنها من تخزين المياه في أجسادها وقد هيأ الله تعالى لها ذلك.

تملك الحشرات الضخمة طبقة جلدية رطبة تحتجز المياه وتساعدها على نشرها، وقد خلق الله تعالى مخلوقات أخرى وعلمها كيفية التأقلم مع ندرة المياه، بدأت زواحف ضخمة تضع البيوض على اليابسة، قشورها سميكة جدًا تحمي الصغار من الجفاف بفضل الله، لكن حتى صغار التماسيح هذه لا تزال بحاجة إلى اتصال مباشر مع المياه، فتعمل الأم على تأمينها لها.

يمسك نوع آخر من المخلوقات بعنصر المياه ألا وهو الطيور ما ساعدها على استعمار بعض المناطق الأكثر عدائية على الأرض.

هيأ الله الثدييات لأن تكون بارعة في تخزين المياه في أجسامها، وبعضها تأقلم على العيش في الصحراء. لكن حتى هذا المخلوق لا يقوى على الاستمرار من دون عنصر المياه. يمكن للجمل أن يشرب مائة وعشرين لترًا في دفعة واحدة، وتحتوي المياه التي يشربها على مئات الجزيئات المترسبة.

عالمنا نظام مقفل مثل هذا الكوب فهو يحوي كميات لا تحصى من المياه، ماذا يحدث لقطرة ماء عندما تترك البحر وتتبخر في الفضاء؟ عندما تتخبر المياه تبدأ بالانتشار والفتور. تتكثف حول جزيئات مجهرية من الغبار واللقاح وتتشكل سحابة من هذه العملية، عندما تتصادم قطيرات الماء مع السحابة يهطل الماء بفضل الله علينا على شكل مطر، يعيد المطر كمية المياه التي تبخرت وتبدأ الدورة من جديد

دورة المياه هي أشبه برحلة رائعة، نظام مستمر من التبخر والتكثف والترسب، في السحابة، تتخذ المياه أشكالها الثلاثة، السائل والبخار وجزيئات الجليد. عندما تنتقل الجزيئات من شكل إلى آخر، تنفصل روابط الهيدروجين التي تصلها ببعضها بعضًا وتتصل من جديد، لتمتص الطاقة تارة وتحررها تارة أخرى. وعملية النقل السريع لهذا الحجم الهائل من الطاقة داخل السحابة هي التي تولد الرياح بقدرة الله تعالى وتغذي العواصف.

لكن هذه هي بداية رحلة قطرة المياه من السحابة إلى البحر، وأنتم على وشك أن ترافقوها في رحلتها الرائعة، تتباطأ هذه الرحلة أحيانًا فتظهر الآثار التي تخلفها على بعض الحيوانات، لتعود وتتسارع مستعدة للرحلة المقبلة.

كيف تبدأ هذه الرحلة؟ تبدأ قطرة المياه رحلتها في يوم حار على شكل جليد. تتكون معظم العواصف الصيفية من جزيئات مياه شديدة البرودة، وعندما تصطدم هذه ببلورات جليدية عائمة في السحابة تتحول إلى كرة جليدية، أي حبة برد.

تلعب الجاذبية دورها فتتهاوى حبة البرد إلى الأرض، لكن معظم حبات البرد تذوب خلال الرحلة، عندما تصطدم بالهواء الدافئ السفلي وتتحول إلى قطرات كبيرة من المطر، لا تتخذ قطرات المطر شكلاً بيضاويًا بل شكلاً دائريًا يشبه رغيف الخبز. تنحرف عن مسارها خلال المعركة الدائرة بين ضغط اليابسة والهواء العاصف.

ما يحدث لاحقًا لقطرة الماء هو تدبير من الله تعالى لهذا الكون، إنها عملية دفع مجهزة بطاقة، وبالنسبة إلى حشرة صغيرة يعد هطول المطر أشبه بعملية قصف مركز.

في المناطق الجبلية تسبب العواطف هطول أمطار شديد تؤدي إلى فيضانات سريعة. كيف تتعامل المخلوقات الصغيرة مع الفيضان؟

لا يقوى النمل في أمريكا الجنوبية على مقاومة فيضان كهذا. لا يبق أمام الحشرات سوى ربط قوائمها ببعضها بعضًا لتنساب مع التيار. ومن يدري إلى أين ينتهي بها المطاف؟

سيل جارف كهذا يتدفق فوق هضبة، يمكنه أن يقطع صخر الجرانيت الصلب ضمن مساحة عشرة كيلومترات، يمكن للسيل بقدرة الله تعالى أن يحول صخرة جرانيت عرضها عشرين سنتيمترًا إلى حصى صغيرة يبلغ عرضها سنتمترين، بعد قطع مسافة عشرة كيلومترات أخرى، يقضي على كل شيء ولا تبقى إلا الرمال.

عندما تفقد المياه ارتفاعها وسرعتها، تتباطأ سرعة السيل ويتدفق بهدوء، يمكن للحيوانات الآن أن تستفيد من الماء بطرق متعددة. تسير عظاءة "البازيليسق" على المياه لكن يجب أن تركض كي تبقى على سطح الماء، تدفع نفسها إلى الأعلى من خلال إحداث فقاقيع هوائية بقوائمها فسبحان من علمها ذلك.

هذا ما يفعله أيضًا نمل النار المنساب مع التيار، بحيث تبقي الملكة وبيوضها في الوسط الآمن، وتترك المياه التي أوشكت أن تقتلها بأن تجرفها ببطء إلى الضفة، العامل المنقذ هو ضغط السطح، بعد أن تهدأ المياه، تصبح فرصتها نفاذها عالية جدًا، لتمتصها بعض المخلوقات الحية فسبحان الله.

في رحلة اليابسة يمكننا ملاحقة قطرات المياه ودخول هذا العالم الرائع، ثلثا الشجرة مكون من الماء مثل جسد الإنسان، تتنقل المياه في داخلها بسرعة مذهلة تبلغ ستين مترًا في الساعة.

النباتات بحاجة إلى الماء لإتمام التركيب الضوئي، وتمزجه مع أشعة الشمس وثاني أكسيد الكربون لإنتاج الغذاء وتقذف الماء الزائد على شكل بخار.

ورقة الشجر هي رحلة قصيرة بين قطرة المياه وبين مخلوقات حية أخرى، فسبحان الله الذي سخر لنا المياه ليستفيد من كل الكائنات الحية، يأكل القرد ورقة شجر رطبة فتتخذ رحلة اليابسة انعطافًا مختلفًا.

تولد الأشجار كمية هائلة من البخار، بحيث تشكل بعض الغابات مناخًا خاصًا بها. نصف كمية الأمطار في العالم تتساقط فوق مكان واحد، ألا وهو حوض الأمازون في أمريكا الجنوبية وخمسة وسبعون في المائة من هذا المطر يتطاير على شكل بخار من الأشجار الموجودة في الأسفل.

في النهاية تبلغ كل قطرة مياه نهر الأمازون الضخم الذي يحوي خمس مياه العالم العذبة،

الرَّقة هو الوجهة النهائية في رحلة قطرة المياه خلال عودتها إلى البحر، وأخيرًا، انتهت دورة المياه، وعادت كل قطرة مياه إلى نقطة بدايتها.

تبقى جزيئات المياه العادية في هذا المكان نحو ألفي عام إلى أن تتبخر يومًا ما وتنطلق في رحلتها الطويلة من جديد، إلى أن يحين ذلك الوقت، تكون تيارات المحيطات قد نقلتها إلى الجهة المقابلة من العالم.

تغطي المياه أكثر من ثلثي مساحة الأرض، وتشكل اليابسة ثلاثين في المائة من تلك المساحة، ويعتمد بقاء مخلوقات اليابسة بإذن الله تعالى على كمية المياه المتوفرة.

يعد النبات أساس السلسلة الغذائية ولا ينمو من دون ماء. تخزن المياه في جذورها خلال عملية تعرف باسم "الفعل الشَّعري"، أضف كمية قليلة من المياه تنبت الشتول بفضل الله بسرعة في أرض جافة.

توفر المياه دعمًا ميكانيكيًا، ومن دونها تذوب النبتة لكنها لا تستسلم، فهي تنمو بفضل الله من جديد إن وفرت لها القليل من الماء.

نجد مخلوقًا آخر قادر على نقل المياه من خلال "الفعل الشَّعري" تمامًا كما تفعل النباتات. في الصحراء الأسترالية يمكن لهذه العظاءة أن تشرب المياه من بركة صغيرة من خلال الوقوف فيها فقط، بواسطة الروابط التي تصل جزيئات المياه ببعضها بعضًا.

الروابط متينة جدًا بحيث تدفع جزيئات المياه إلى الأعلى متحدية الجاذبية. تنتقل الجزيئات عبر قنوات موجودة في جلد العظاءة الشائكة إلى أن تصل فاهها.

كمية الأمطار التي تهطل في مختلف المناطق في العالم تؤثر تأثيرًا واضحًا على المخلوقات التي تعيش عليها، كلما كانت المنطقة جافة أثرت دورة المياه في حياة الحيوانات مباشرة.

بعد قليل ستنقلك رحلة اليابسة إلى مناطق تندر فيها دورة المياه، وهي المناطق الأكثر جفافًا في العالم.

هنا، في شرقي السفناء الأفريقية، تواجه رحلة المياه السريعة بعض المشاكل. يتوالى موسمان قصيران من الأمطار، ينتجان مترًا من الأمطار كل عام، لا تكفي المياه لنمو الأشجار، لذا نرى العشب يغطي معظم المساحة.

وعندما تهطل الأمطار يتحول الأمر إلى طوفان، على السطح يوفر هذا الموسم وقتًا جيدًا لبعض المفترسات مثل الفهد الصياد، عندما تهب العاصفة تقبع الغزلان في مكانها، بحيث يضعف بصرها وتفقد حاسة السمع، ما يمنعها عن تحديد مكامن الخطر.

لكن في الحقيقة، يسبب المطر المشاكل للصياد أيضًا، الفهد الصياد هو من أسرع الحيوانات ويفضل أن تكون التربة جافة تحت قوائمه، من الصعب جدًا التقاط فريسة فوق سطح لزج، ها قد ضاعت الوجبة.

في المناطق الجافة يسبب هطل المطر في جلب مجموعات كبيرة من الحيوانات القادمة من مناطق بعيدةي، لا تتخطى كمية الأمطار الهاطلة أكثر من نصف المتر سنويًا، فلا تدوم برك المياه الثمينة طويلاً. وقد حلقت طيور القطاة الأفريقية هذه مسافة ستين كيلو مترًا، قادمة من أعشاشها لشرب المياه.

ولكنها تواجه معضلة كبيرة، إذ أن البالغة تنهال على المياه وتنعم بوفرتها، ولكن ماذا عن فراخها التي لا تقوى على الطيران؟

لقد هيأ الله لهذه المخلوقات حلول مناسبة وهي موجودة في صدره. يتمتع ريش صدره بقدرة امتصاص تفوق قدرة ورق النشاف بأربعة أضعاف، ويستخدمها لنقل المياه إلى صغاره، في العش ترتشف الفراخ المياه عن ريشه وتجففه.

مساحات الصحاري في تغير مستمر بسبب التغيرات التي تطرأ على المناخ. لكن خلال القرون المنصرمة أصبح هذا التغير أكثر وضوحًا. باتت الصحاري تغطي الآن خمس مساحة الأرض. تعد صحراء "أتكاما" في تشيلي من أكثر الصحاري جفافًا، ولم تهطل الأمطار إلا قليلاً في بعض الأماكن هنا، في هذه المنطقة تحديدًا وصلت رحلة المياه إلى نهايتها.

لربما تعكس الكثبان الرملية طبيعة الصحراء التي نتخيلها، لكنها ليست شديدة الحرارة، وليست مصنوعة دائمًا من الرمال، في الواقع يتكون المكان الأكثر برودة في معظمه من الصحاري.

يمكن العثور على المياه في القطب الجنوبي لكنها محتجزة على شكل جليد. من أين يأتي المياه المتجمد؟ عندما تكون الظروف المناخية ملائمة، تتشكل بلورات الجليد في السحاب تكبر وتنمو لتتحول إلى رقاقة ثلج ثقيلة.

تتكون رقاقة الثلج من ست جهات عندما تتحد كل جزيئة مياه مع خمس جزيئات أخرى، تأتي الرقائق بأشكال متنوعة وجميلة لكنها لا تخرج عن إطار الشكل السداسي.

عندما تتساقط الثلوج فوق قمم الجبال تتراكم لتشكل أنهارًا من الجليد المضغوط ويعرف بالنهر الجليدي، تستغرق رحلة بلورة جليدية واحدة ألاف السنوات لتعبر نهرًا جليديًا ضخمًا، ولكن هذه البلورة ستتحرر يومًا ما، إما على شكل ماء، وإما كجزء من جبل جليدي.

اليوم يغطي الجليد نحو عشر مساحة الأرض، الجليد فريد كفرادة الماء السائل. تمكنه صلابته من إحداث حفر في الصخر بقدرة الله تعالى، ومع ذلك فهو خفيف بحيث يطوف في الماء.

في الواقع المياه هي المادة الوحيدة التي يكون شكلها الصلب أخف وزنًا من شكلها السائل، وإن لم تكن كذلك ما الذي قد يحدث لهذه البطاريق.

البطاريق تستطيع أن تطفو على سطح الماء بقدرة الله، ولكن إن غرق الجليد كما تغرق معظم المواد الصلبة، لواجهت البشرية مشكلة كبيرة، لما كانت الحياة الني نعرفها اليوم، لتجمدت البحار كلها في فصول الشتاء القاسية، ولعكس الجليد أشعة الشمس باتجاه الفضاء، وما كان الكوكب ليتمكن من الاستمرار.

ولكن لماذا يطوف الجليد؟ ويمنع بحارنا من التجمد؟

عندما تتجمد جزيئات المياه تشكل بنية سداسية الجوانب الصلبة، وهي أقل كثافة من الماء السائل. وهناك ثغرات بين الجزيئات تمنحها ميزة الطوف.

يكون الماء أكثر كثافة في مناخ تبلغ حرارته أربع درجات مئوية مباشرة تحت طبقة الجليد، تبقى البحار غير متجمدة وتشكل موطنًا لتنوع مذهل من المخلوقات.

لكن في هذه المناطق النائية التي تشكل نهاية رحلتنا، نجد حيوانات البطريق بالإضافة إلى مخلوقات أخرى ضعيفة جدًا. إن بدلت رحلة المياه وجهتها، قد تسبب أثارًا مأساوية على القطبين.

أراد الله تعالى بألا يطرأ أي تعديل جذري أو مأساوي على دورة المياه في تاريخنا الإنساني كما يحدث في وقتنا الحاضر، ما الذي يخبئه لنا المنعطف المقبل من رحلة المياه، لا أحد يدري إلا الله.

في السنوات الأخيرة عمد الإنسان إلى تحويل كميات كبيرة من المياه باتجاه المدن وصناعاتنا. بنى الإنسان أعظم مدنه قريبًا من المياه واستخدم المياه للهندسة، والسبب هو تعلقه الشديد بها.

من المستغرب جدًا أن يستخف المرء بقيمة الماء، هل على الإنسان أن يسيطر على رحلة المياه؟ أم أننا نسعى إلى مواجهة مشاكل جمة. تنتج عن تدخل الإنسان في رحلة المياه عواقب مفاجئة من خلال بناء سدود ضخمة، نستطيع الآن أن نخزن مياه القطبين الذائب عند ارتفاعات منخفضة. لكن نقل ملايين الأطنان من المياه عبر العالم له أثر مذهل.

لقد أبطأت دوران الأرض، وأصبح النهار أطول مما كان عليه منذ نصف قرن هذا كما يظن بعض العلماء، كمية الاستهلاك هذه تطرح سؤالاً مهمًا. هل نحن نستهلك كمية تفوق الحصة المتوفرة لنا من مواردنا المائية المحدودة؟ إن صح ذلك ما هي العواقب؟

عناصر عديدة قد تؤثر في دورة المياه في القرن المقبل لكن معظم العلماء يؤكدون أن تحولاً جذريًا سينتج عن التغيرات المناخية التي تعرف باسم الدفيئة العالمية.

سجل العام ألف وتسعمائة وثمانية وتسعون أعلى درجة حرارة، وفي عام ألفين وواحد اكتشفت المياه السائلة في القطب الشمالي لأول مرة في التاريخ البشري. في القطب الجنوبي قطع كبيرة من الجليد بدأت بالذوبان.

أثار التغيرات المناخية على القطبين ليست واضحة، ولكن جليد البحر آخذ في الاختفاء، الأمر الذي قد يسبب المشاكل لبعض الحيوانات من بينها أكبر آكل لحم يجوب الأرض اليوم، وهو الدب القطبي.

يعيش الدب القطبي على جليد البحر حيث يجعله منصة تساعده على صيد فريسته المفضلة وهي الفقمة. وباختفاء جليد البحر يختفي الدب القطبي أيضًا إلا أن يشاء الله، لكن يواجه الدب معضلة كبيرة؛ لأنه قد يختفي الجليد كليًا.

عند هذا المنعطف لا أحد يدري الاتجاه الذي ستسلكه رحلة المياه، هل ستتضاعف حالات الجفاف أو الفيضانات أم هل ستهب عواصف مدمرة؟ لا يعلم مستقبل هذه المياه إلا الله سبحانه وتعالى، لكن إن صحت توقعاتنا قد تحدث كوارث في وقت زمني قريب، التغيرات التي تطرأ على دورة المياه قد تحدث أضرارًا دائمة. والوقت يداهمنا بسرعة.

النتيجة ليست واضحة ولم تنحرف رحلة المياه عن مسارها بعد. ومن المؤكد أن الإنسان سيبقى على متن هذه الرحلة حتى نهايتها. إن كنت لا تقوى على إيقاف هذه الرحلة، فإما تحاول إبطاء حركتها، وإما تترجل عنها.

كلما شربنا كوب ماء واحد، تصبح المرحلة المقبلة من رحلة المياه سريعة.

ذهبنا إلى كل المناطق التي سبق أن وصلت إليها المياه إلى مناطق بعيدة جدًا حيث تعيش حيوانات ونباتات غريبة.

المياه فريدة جدًا وهي تدعم كافة أشكال الحياة على الأرض بفضل الله تعالى وأمامها حياة طويلة الأمد.

تبقى المياه من أهم مصادر الحياة، ومن دونها تواجه الحياة التي نعيشها مشاكل جمة، وتختفي رحلة المياه المذهلة التي تدل على عظمة وقدرة الله تعالى في خلقه.

الونشريس

    يسلموووووووووووووووووووو

    سبحان الله
    بارك الله فيك وجزاك كل خير
    سبحان الله خلق من الماء كل شىء حى

    شكرااااا لك حبى

    الونشريس

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.