
فريشت.. فريشت.. فريشت..
الصوت يحطم الأعصاب. يمكنك أن تجن
بلا مبالغة. هناك تلك النغمة المكتومة،
وهناك ذلك الإحساس القوي بالتربة
الرطبة.. قليلة هي الأصوات التي تنقل
لك رائحة العفونة، لكنها الحقيقة..
فريشت.. فريشت.. فريشت..
كلب ينبح من بعيد وهو مولع بأن يطيل
نغمة النباح لتتحول إلى عواء طويل
موحش. أما عن ذلك الصوت فأنا لم
أسمع صوت البومة إلا في السينما..
ربما كانت بومة.. لو لم تكن فهي كارثة..
على ضوء الكشاف يعمل اللحَّاد في فتح
القبر. لا تراه إلا بصعوبة، لكنك تعرف
مهمته المشئومة.. بينما يقف هشام
وصلاح خارج القبر متوجسين يتلفتان في
ذعر.. أخوان.. يمكنك أن تدرك هذا من
الملامح المتشابهة..
هذه ملامح أكلة لحوم بشر أو مصاصي
دماء.. لا شك في هذا.. الوجه الأسمر
والنظرات الزائغة والخدان الغائران..
الحقيقة هما ليسا مصاصي دماء
بالمعنى الحقيقي بل بالمعنى المجازي.
هشام يمسك بلفافة تبغ متوترا وينفث
كميات دخان لا يمكن وصفها.. السبب هو
أنه يريد أن ينسى الرائحة الكريهة
الخانقة. صلاح لا يدخن، لذا لف أنفه
بمنديل وحاول ألا ينظر..
فريشت.. فريشت.. فريشت..
الهواء يدخل إلى العمة التي توفيت منذ
أسبوع.. طبقة الأسمنت ما زالت هشة
بليلة من الداخل. الرائحة قاتلة.. وفكرة
أن تفتح العمة عينيها القاسيتين لتقول
لهما:
– مش عيب كده يا ولد منك له؟
لن يعيشا بعدها. سوف يسقطان ميتين.. هذا أكيد.
لكن اللحَّاد بالداخل، وهو يعرف ما
يفعله.. مع اللحَّاد أنت مطمئن. الطمأنينة
الرتيبة للاحتراف.. هذا أقوى من أي
شبح أو مسخ. هناك على الأرض بعض
من لا يخافون الموتى.. من يؤمنون أن
هذا القبر لا يحوي إلا بروتينا متحللا
وكبريتا وكربونا وهيدروجينا..
سحابة دخان أخرى..
أخيرا تظهر الساقان النحيلتان للحَّاد وهو
يخرج.. بالطبع يمارس عمله بالكلسون
الداخلي، وعندما يخرج تدرك أنه رجل
نحيل ضامر..
– سيجارة !
ناوله هشام سيجارة بيد راجفة وأشعلها
له. جفف اللحَّاد عرقه وسحب نفسا
عميقا ثم قال:
– هذه هي..
في يده كان الصندوق الصغير..
الصندوق الذي يذكرك بعلبة شاي مبطنة
بالقطيفة. بالطبع صارت لهذا الصندوق
أهمية سيكولوجية ثقيلة بعد ما ظل في
كفن الفقيدة أسبوعا كاملا. لقد اتسخ
بتابوت الموت لو كنت تفهم ما أعنيه..
كانا يعرفان أن الصندوق يحوي سرا
مهما.. ويعرفان أن العجوز ظلت تحتفظ
به حتى آخر لحظة في حياتها، ويعرفان
أنها طلبت أن يدفن معها فلا يراه أحد
سواها..
كان الصندوق مفعما بالاحتمالات..
صندوق بهذا الحجم لا يمكن أن يضم
مالا.. على الأرجح يضم حجرا نفيسا أو
قطعة حلي لا تقدر بثمن. إن أسرة
الفقيدة نفذت الوصية حرفيا.. العمة لديها
أغبى مجموعة من الأولاد يمكنك أن
تجدها في حظيرة.. لم يخطر ببال
أحدهم أن يفتح الصندوق أو يلقي نظرة.
نفذوا وصية أمهم حرفيا وخاطوا الكفن
على السر..
حسن.. هناك أشخاص لا يقبلون الأمور
كمسَلّمات. هذه هي العجينة التي جاء
منها المستكشفون القساة الذين ذبحوا
شعوب أمريكا الجنوبية، ولم يكن هشام
وصلاح يحبان عمتهما البتة، كما أنهما
كانا من الطراز.. لن أقول الطراز
المفلس.. بل هما من الطراز الذي تتجاوز
طموحاته وشهواته دخله. هكذا وجدا
أنهما يرغبان فعلا في معرفة محتويات
ذلك الصندوق..
لن يؤذي هذا العمة العزيزة.. الشاه لن
يضيرها سلخها بعد ذبحها، والقصة كلها
رمزية على كل حال.. تغيير وصية ميت
أمر ذو قيمة معنوية أخلاقية لا أكثر.
وعندما أخذا الصندوق كانا يشعران
باحتقار بالغ نحو اللحَّاد برغم كل شيء..
كل اللحَّادين لصوص قبور بطبعهم، وهم
مستعدون لبيعك لمن يطحن عظامك
ليجعلها سمادا أو لطلبة الطب أو لمن
يطعمك للخنازير.. لكن يظل السؤال
قائما: هل فتح اللحَّاد الصندوق؟
هل أخذ شيئا ما؟
احتمال قائم خطر.. لكن كيف يثبتان
العكس؟.. خطر لهما على كل حال أن
الوقت ضيق.. لم يجد اللحَّاد فرصة
ليسرق ما في الصندوق.
وأخيرًا نقدا اللحَّاد ماله، واتجها
بالصندوق المريع نحو البيت..
**********


وانا نقلاها لكـــــــــــــــــــم اذا عجبكم هذا الجزء هكـــــــــمل


كملى كملى
ابعتى الرابط يارب يخليكى
اهئ اهئ اهئ
ما بحبش الانتظار
ببقى مولعه نااااار
