ص _072
12 – يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد.
ص – يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم..
14 – يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم.
15 – يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم.
16 – يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية…
وهناك نداءان للنبى خاصة بوصف الرسالة
1 – يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر.
2 – يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك…
وهناك خمسة نداءات لأهل الكتاب بعضها مباشر مثل
1 – يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم
2 – يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل.
وبعضها بوساطة الرسول الكريم مثل
3 – قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله
4 – قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم.
5 – قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم…
وهذه النداءات تعقبها إفادات وإضاءات وتعليمات وتوجيهات تحتاج إليها الجماعات حتى تقوم بأمر الله وتستقيم على منهاجه..
وقد عدها الشارع عقودا حقيقة بالوفاء.
ألا ترى أن الجهاد عقد بين الله والعباد " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة… " .
وفى هذه السورة نداء للمؤمنين بالوضوء قبل الصلاة… والصلاة نفسها هى أول بنود الميثاق المأخوذ على بنى إسرائيل كما سترى..
وبعد عدد من التعليمات التى شرعها الله لبناء المجتمع الإسلامى قال سبحانه: " واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور" .
والعلاقات المؤكدة تتطلب مسالك صارمة، وعملا محكما، وتأمل فى قول الشاعر لنفسه:
لا لا أبوح بحب بثينة إنها أخذت علي مواثقاً وعقودا !!
ص _073
يتبع…
ص _074
والغريب أن الله يختم هذه النصيحة بقوله " فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين" . وكما أخذ الله الميثاق على اليهود أخذه على النصارى، وإن كان التعبير الوارد فى ذلك يدفع إلى التأمل لأنه يشير إلى بعد الشقة. بين نصارى العصور الآخرة، وبين عيسى والحواريين أصحاب الدين الحق. لذلك قال: " ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون". وتاريخ المسيحية شاهد صدق على هذا الشقاق الدامى بين شتى الكنائس. ولن تنسى أوربا الحروب الدينية الكثيرة التى ملأت ساحاتها بالدماء! وقد وضعت هذه الحروب أوزارها، إلا أن الكراهية ناشبة فى أعماق الصدور يخفيها انشغال الكل بالعلمانية التى أقصت الدين وسيطرت على الدولة. ونرى أن هذه الهدنة عارضة، وأن الخصام عائد إلى الظهور حتما لأن أسبابه قائمة،. وهو ما تؤكده الآية. والواقع أنه لا سلام إلا فى الإسلام، ولن تطهر الأيدى من الدماء إلا إذا عمرت الأفئدة بالاعتقاد الحق فى الإله الواحد! وهذا معنى قوله تعالى موقظا القوم إلى ما يجب عليهم "… قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم " . إذا فرق الأمم الباطل فلن يجمعها إلا الحق!!
ص _075
يتبع…
ص _076
ونحن نذكر القراء بأن موقف النصارى من عيسى بن مريم شديد الإبهام كما أومأت إلى ذلك سورة النساء فى قوله تعالى: "ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا" إن الله وحده هو الحق المبين، وذاك سر غضبه الشديد عندما يقول " لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا.. " واليهود – وإن أنكروا التثليث – يصفون الله. بصفات رديئة ويتطاولون عليه بألسنتهم، وليس فى قلوبهم خشوع ولا إخلاص. ومع ذلك يزعمون أنهم الشعب المختار، وأن الله خلق العالم من أجلهم ولخدمتهم.. وكلا الفريقين من أهل الكتاب يزعم صلة خاصة بالله، ومكانة فريدة عنده! وكل يدعى وصلا لليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا…!! ونحن نعلم أن الإيمان الحق والعمل الصالح وحدهما هما أساس القبول الأعلى، وبهما تسبق الأفراد والأمم، ولذلك لم يعجبنى قول البوصيرى فى تفضيل الأمة الإسلامية على غيرها. لما دعا الله داعينا لطاعته بأشرف الخلق كنا أشرف الأمم!! إن المسلمين لا يشرفهم إلا الإخلاص لله، والتفانى فى طاعته، والشجاعة فى نصرته والجراءة على عدوه. والانتماء المجرد لمحمد عليه الصلاة والسلام – وهو أفضل الخلق يقينا – لا يغنى عن العاطلين شيئا… وقد ساقت سورة المائدة قصتين تكشفان أن أصحاب الدعاوى لا وزن لهم ما لم تؤيدهم بينات! الأولى قصة بنى إسرائيل عندما كلفوا بمقاتلة الجبارين ودخول أرضهم، لقد استثارهم موسى، وذكرهم بنعم الله عليهم " لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين.. " وهذا كلام يحتاج إلى شرح. إن بنى إسرائيل حملوا دعوة التوحيد بين جماهير من البشر هامت فى عبادة الأصنام، فكانوا – بالدعوة التى حملوها – أعلى من غيرهم قدرا… وقد أرسل الله إلى العرب أنبياء يعدون على الأصابع على حين أرسل فى بنى إسرائيل عشرات الأنبياء!! أما جعلهم ملوكا فهو بالاكتفاء والاستغناء على نحو ما جاء فى الحديث " من أصبح آمنا فى سربه، معافى فى بدنه، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها "!!
ص _077
يتبع…
والقرآن الكريم يربى المسلمين على ضوء ما وقع فى العصور الخوالى، ويشرع لهم من الأحكام ما يجنبهم مزالق الأمم الأولى، ومن ثم فقد ذكر بعد هذه القصة حكم المفسدين فى الأرض المعتدين على الأنفس والأموال.
ص _078
فشرع عقوبة قطع الطريق، وعقوبة السرقة، وبين التشريعين نبه إلى ضرورة تقوى الله. ان ابن آدم الفاشل إنما ضاع لفراغ قلبه من التقوى، فعلى أهل الإيمان أن يتجنبوا ذلك المصير " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون" والوسيلة المطلوبة هى الأعمال الصالحة، والعمل الصالح يحتاج فى أدائه إلى عزيمة تقهر العقبات، وتسترخص النفس والنفيس، وهذا هو الجهاد المؤدى إلى الفلاح. * * * * والوحى الإلهى هو المصدر الفريد لشرائع العبادات، وشرائع المواريث، وشرائع الحدود والقصاص، ولا مكان هنالك لرأى أو قياس أو مصلحة. وأهل الأديان المتعاقبة يتوارثون هذه الحقيقة، ولكنهم يحيدون عنها أحيانا لغلبة الأهواء، وضعف مبدأ السمع والطاعة!! إن الجرائم التى تقع على الدماء، والأموال والأعراض خطيرة الآثار، ولذلك تولى الله سبحانه الحكم فيها، ولم يتركها لاجتهاد أحد، لأن الناس سوف يتساهلون فى التطبيق الواجب، ويحتالون باختلاق بدائل لا تسمن ولا تغنى من جوع… والبشر عندما يسنون قانونا يتصورون أنفسهم مكان الجانى فتخف حدتهم، وتذهب غيرتهم على الحق، فإن لم يضعوا أنفسهم مكان الجانى وضعوا أولادهم وأقاربهم، فكانوا أميل إلى تخفيف العقوبة والرحمة بالمجرمين! وربما كان للأوضاع الاجتماعية أثرها فى مؤاخذة الضعيف ومسامحة الشريف! وقد شاع ذلك فى أهل الكتاب الأولين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد! وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".. وقد تطورت الأمور بين أهل الكتاب فأهمل حكم القطع وتنوسى عمدا، وحلت مكانه عقوبات بالسجن مددا مختلفة مما جعل جرائم السرقة لا حصر لها. وعد ذلك عدالة أرقى من عدالة السماء. وكذلك وقع التغيير فى جرائم شتى وانتهى الأمر إلى إلغاء الحدود كلها..!!
ص _079
يتبع…
ص _080
والآية لا توهم الجبر فإن المراد منها أن من ركب قطار الشر انطلق به، ومن زرع الشوك فلا يجنى فاكهة! الآية هنا كقوله تعالى فى سورة مريم: " قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ". والمفروض أن شرائع الدماء والأموال والأعراض تنفذ فى الدولة على كل من يستظل برايتها، وإن اختلفت الأديان.. والذى نراه أن اليهود كان لهم كيان مستقل، والمعاهدات التى عقدت معهم أول الهجرة لم تلغ هذا الاستقلال. ومن ثم لم يرغمهم الرسول على إقامة الحكم الذى أصدره، بل قيل له: " فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط " . والمسلمون مكلفون بإقامة حكم الله داخل سلطانهم، ولا طاقة لهم على إقامته فى كل مكان، وأهل الأديان الأخرى تترك لهم شعائرهم وعقائدهم دون مساس بها. أما بقية الشرائع العامة فتتناول الجميع… وحكم الرجم فى سفر التثنية أن من تزوج عذراء، فوجدها ثيبا ترجم عند باب بيت أبيها، وإذا وجد رجل مضطجعا مع امرأة ذات بعل يقتل الاثنان.. ويقول السفر المذكور: " إذا كانت فتاة عذراء مخطوبة لرجل فوجدها آخر فى المدينة فاضطجع معها، فأخرجوهما كليهما إلى باب تلك المدينة وارجموهما بالحجارة حتى يموتا!! الفتاة من أجل أنها لم تصرخ، والرجل من أجل أنه أذل امرأة صاحبه، بذلك تنزع الشر من وسطك… " ثم ذكر القرآن الكريم تاريخا موجزا لموقف أهل الكتاب من شرائع الدماء والأعراض، فبين أنها نزلت فى التوراة ليلتزم بها اليهود. ثم تأكدت فى الإنجيل ليحكم بها النصارى. فمن تركها جحدا أو جور أو فسقا فهو داخل فى الكفر أو الظلم والفسوق.. وهذا التاريخ ذكر لواقع مضى، فالتوراة تحكم أتباعها مادامت التوراة باقية. فإذا جاء بعدها الإنجيل انتقل الحكم إليه وعلى أتباعه تنفيذ ما جاء به. فإذا جاء القرآن فإن على الفريقين الالتفات إلى الوحى الجديد والأخذ عنه، لاسيما وهو
ص _081
يتبع…
بالله وبالناس على دعائم عقلية راسخة… قال الشيخ رشيد رحمه الله بعد بحث طويل " من فقه ما حققناه علم أن حجة الله تعالى فى إكمال الدين بهذا القرآن الكريم. وختم النبوات بمحمد عليه الصلاة والسلام. وجعل شريعته عامة دائمة.. هذه الحجة لا تظهر إلا ببناء هذا الدين على أساس العقل، وبناء هذه الشريعة على أساس الاجتهاد، وطاعة أولى الأمر – الحقيقيين، وهم جماعة أهل الحل والعقد!! فمن منع
ص _082
الاجتهاد، فقد منع حجة الله تعالى وأبطل مزية هذه الشريعة على غيرها، وجعلها غير صالحة لكل الناس فى كل زمان… فما أشد جناية هؤلاء الجهال على الإسلام. يقول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء…" فمن هم أولئك اليهود والنصارى الذين نهينا عن موالاتهم؟. إن السياق وحده هو الذى يحدد أوصاف هؤلاء، والآيات التى تليت من قبل أو التى تتلى من بعد تشرح حقيقتهم. وعند التأمل تظهر لنا ثلاث فئات… الفئة الأولى تكره شريعة الإسلام، وتجمح بها الكراهية جماحا شديدا. فهى تفضل عليها كل شرائع الجاهلية! وأذكر أن مسيحيا عربيا سئل: إنكم تدعون ما لقيصر لقيصر، وتذعنون لأى حكم يضمن لكم شعائركم الدينية، فلم لا ترضون بشريعة محمد – وهو عربى منكم – وتتركون المسلمين يستعيدون أحكامهم السماوية التى سلبهم إياها الاستعمار الصليبى؟؟. فكان جوابه: نحن نقبل تشريعا استراليا أو أمريكيا، ولا نقبل شريعة محمد. إن المسلمين سيتطاولون فى ظل تشريعهم، ولا نحب ذلك!! موقف هؤلاء الكتابيين واضح قديما وحديثا وفيهم نزلت الآيات: " وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون * أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون". هذه فئة من الناس أخرجتها الضغائن عن وعيها، وحرمتها الإنصاف، فلا غضاضة فى النهى عن موالاتهم، إنك قد تعدل مع من تكره، ولكنك لا تستطيع محبته…! الفئة الثانية من هذا الصنف هم المائلون بقلوبهم إلى أعدائنا، وتخاف خيانتهم عندما تسنح فرصة! إن المسلمين يشتبكون فى حروب مع أعدائهم، وينبغى أن تكون جبهتهم الداخلية متصلة لا ثغرة فيها، فإذا وجد من يتمنى لهم الخبال وينتظر لهم الهزيمة فالأمر صعب. وقع هذا قديما وذكرته الآية الكريمة "فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين"
ص _083
يتبع…