الزواج رباط قلبي مرماه التعاون على شؤون الحياة. غير أنّ العادات قد حوّلت معناه إلى لهو وزينة وغلوّ في المهر وأثاث ورياش تفيض على الحياة بهجة ورقة في نظر الزائرين والمحتفلين بالعرس فوق ما يلزم لنصب الموائد المتعاقبة لجموع الرجال والنساء وإقامة الحفلات بالليل والنهار حتى يتمّ بذلك توفير الحظوظ اللائقة بالزائرين والزائرات والمهنئين والمهنئات بالزفاف الذي لا تنتهي حفلاته دون انتقاص يوجّه إليه من كل وجوهه وذلك ما يخشاه الزوجان وأهلهما ويعمل جميعهم للتوقّي منه حبّاً في الشهرة وحسن الأحدوثة والظهور بمظهر الموسرين القادرين على البذخ والترف. وهذا ما فتح للناس ميداناً فسيحاً لتنافس العائلات في جهاز البيوت وضخامة الولائم دون نزول عند حد الاستطاعة وبالوجه اللائق والمعقول.
لو اقتصر هذا على بيوت اليسر الموروث وكان في حدود ما تستطيع لهان الأمر ولكن العادات التي نشأت عن الغلط الفاحش قد دفعت الناس في تيار التنافس بين المتقاربين شهرة في الثروة وتيار محاكاة الطبقات العاملة والمتوسطة في اليسر لمن هو أرفع منها وذلك ما حقّق الخراب العاجل لكثير من هذه البيوت. وقد يكون أنّ الرجل يكتسب من عمله ما يدّخره ليوم البناء بزوجه. أمّا البنات فهنّ في الأكثر عبء على الآباء حتى يبلغن الأزواج وكم كان ثقيلا ما يتحمّله أبو البنات في إعداد زفافهنّ من المصاريف التي ينوء بها بيد أنّ العادات تفرضها عليه فرضاً لا مناص منه فجميع نساء العائلة يؤيدنه إن لم ينضمّ إليهم الرجال في ذلك وهو يختار أخف الضررين فيفضل دفع الماء بأي وجه على نشوب تشويش عائلي. أما جانب الزوج وأهله فقد ينتقصون الجهاز أو يفقدون بعض أدوات فيه فيرفضون قبوله وقد يشترطون شروطاً معينة في الأثاث أن يكون على صفة كذا وكذا وكثيراً ما يقع فسخ النكاح لفقد بعض تلك الشروط. وقد يكون أنّ الزوجين عن رغبة أو حبّ يعلمان الاقتناع بالموجود أو يلحّان في ذلك ليتمّ الزواج غير أنّ العائلات التي تفهم في أثاث المنزل وأدواته المخصوصة ركناً لازماً لتقريره تأبى عليهما ذلك فتنقض العقد وتحيلهما على الصدف لتجمع كلاً منهما بمن تشاء!
إنّ مثل هذه الحالة قد أثقلت كواهل الطبقات الفقيرة والمتوسّطة أكثر من غيرها فهي إذ لا تجد ما تسدّد به هذه العادات حاضراً تبيع ولو عقّاراً أو تستدين ولو برهن أراضيها حتى تذهب ضحيّة ذلك الدين. وكم كان الناس يشعرون بفداحة هذه العادات وسوء عاقبتها ولكنّهم مقهورون على الرضوخ لها والتمادي فيها بعامل حبّ الظهور بين العائلات وعامل العطف على أبنائهم ونسائهم والخوف من شغبهنّ والمرأة عندنا ومن لا يعرفها؟ فهي حقيقة الشهوة وعبد العادات وروح لحبّ الظهور وما ذلك إلا من سذاجتها وجهلها الذي أردناه لها وما زال أكثرنا يريده وهي به اليوم تملي على الرجال شهواتها في تأييد العادات الضارة من دون أن تنفع وما وسعهم إلا تنفيذها حرصاً منهم على العائلة حتى لا يتصدع بناؤها بإصرار المرأة وإنكار الرجل عليها وما هي في ذلك إلا معذورة وهكذا كان كلّ شيء في هذه الدنيا له حساب.
أمّا العائلات التي عجزت من كلّ الوجوه عن مجاراة غيرها في هذا السبيل فإنّها تبقى واقفة في انتظار القدرة على ذلك لتشرع في تحضير شؤون الزواج وذلك ما نشر العزوبة في أغلب الشبان والشابات وكان أكبر عائق عن الزواج. وليس المتزوجون على نحو ما أسلفنا بأقلّ تعاسة من هؤلاء فقد يصبحون من أوّل يوم أسرى الديون وفوائضها فتسوء حالة المنزل بعد الحسنى وتضيق به المرافق بعد سعة الإنفاق وينكشف أمر ذلك الرياء الكاذب وربما بيع جهاز العرس في الديون وهو بحاله لم يتغير. وكثيراً ما يعدّ ذلك من شؤم طالع المرأة التي كانوا يتفاءلون خيراً في ناصيتها.. ومن مجموع هذه الحالة تأخذ المرأة في الشعور بالخيبة في آمالها والملل ينمو في نفسها ومن جانب الرجل أو أهله تتوفّر أيضاً عوامل النفرة فتتعذّر الحياة بهدوء وراحة ويختم أمرها في مرّات كثيرة بالطلاق ولكن قبل أن يتمّ ذلك ينبغي أن نتصوّر النزاع الهائل بين جانب الرجل وأهله وجانب المرأة وأهلها في جهاز البيت وشواره فجانب الرجل يريد أن يأخذه غنيمة من زوج لم تصلح أن تكون له وبعكس ذلك يرى جانب المرأة ويبقى كلّ منهما باحثاً عن أحابيل القضاء و"حيل المذاهب الشرعية".
منقوووووووووول