تخطى إلى المحتوى

قصة الأعمى الذي غير العالم .لويس بريل 2024

(( كثير من حالات الفشل في الحياة كانت لأشخاص لم يدركوا كم كانوا قريبين من النجاح عندما أقدموا على الاستسلام )) توماس أديسون . هذا المقال يفسر لنا معنى هذه المقولة الرائعة عن طريق قصة نجاح واحد من ألمع العظماء :

في عام 1809 و في قرية صغيرة اسمها كوبفراي على بعد حوال أربعة مئة ميل من باريس ولد لويس بريل و كان طفلاً ذا عينين جميلتين يحسده عليهما كل من رآه ، وكان على درجة عالية من الذكاء وعنده حب استطلاع كبير بالنسبة لسنه و كان أحياناً يساعد والده في عمله بتصنيع سروج الخيل و اللجام .

وذات مرة بينما كان والده منهمكاً في عمله قرر لويس أن يتعلم هو أيضاً الحياكة على طريقته فأخذ إبرة كبيرة و مطرقة و قطعة من الجلد ووضع قطعة الجلد على الأرض و ثبت عليها الإبرة و أخذ يطرق عليها بالمطرقة محاولاً إدخال الإبرة في الجلد و كان يجد مقاومة كبيرمن الجلد لدرجة أن الإبرة أفلتت من يده و للأسف جرحت عينه جرحاً عميقاً ووقع على الأرض يبكي و يصرخ من الألم و تسبب الجرح بسرعة في التهاب العصب البصري و فقد الإبصار بعينه اليسرى .

و لما بلغ سن ثلاث سنوات أصاب الالتهاب عينه الأخرى و أصبح كفيفاً تماماً، و سأل نفسه (( لماذا يحدث كل ذلك لي أنا بالذات ؟ )) و شعر بالحزن و الوحدة . و مرت الأيام و أرسله والده لأخذ دروس في العزف على البيانو و أصبح أيضاً ماهراً جداً في ذلك ، و لما بلغ سن ثمانية سنوات أصبح مشهوراً جداً في فرنسا، و عندما بلغ العاشرة من عمره بدأ الدراسة في المعهد القومي للعميان في باريس و كان نابغاً في الموسيقى و الرياضيات و العلوم و الجغرافيا، و كانت طريقة تدريس القراءة في المعهد هي بلمس حروف كبيرة من المعدن كانت تقطع و تلصق على الورق ، وكان الأطفال يتعلمون لمس الحروف المعدنية بالأصابع و يتعرفون على أشكالها ، و في اعتقاد لويس أن هذه الطريقة كانت غير عملية لأن طول الحروف كان يبلغ حوالي ثلاث بوصات، بالإضافة إلى أنها كانت ثقيلة جداً مما دفعه إلى أن يقضي وقتاً طويلاً مع نفسه أنه لا بد أن تكون هناك طريقة أفضل من هذه، و حاول أن يبدأ بعمل حروف من الجلد السميك و لكن التقدم في هذا الطريق كان بطيئاً بالإضافة إلى المتاعب التي واجهته في محاولة تنفيذ ذلك .

ولما بلغ العشرين من عمره تم تعيينه مدرساً في المعهد ، وفي يوم من الأيام بينما كان جالساً في أحد المقاهي سمع شخصاً يقول أن واحداً من ضباط الجيش الفرنسي اكتشف طريقة للاتصال الصامت بالجنود التابعين لوحدته ، و كان يستعمل جلداً مدموغاً بأشكال ورموز اتفق عليها. فقفز لويس بريل من الفرحة و قال : ((وجدتها .. وجدتها )) و خلال أسبوع قام بمقابلة الضابط الفرنسي و سأله عن الطريقة التي يستعملها فشرح له الضابط أنه يمكن عمل علامات معينة باستخدام الضغط على قطعة من الورقة فمثلاً نقطة واحدة معناها تقدم ، و نقطتين معناها تراجع و كان النظام الذي اتبعه هذا الضابط يشتمل على استخدام 12 نقطة وقام الضابط بسؤال لويس عما إذا كان يعتقد أنه بهذه الطريقة يمكنه تكوين حروف الكتابة كاملة وكان رد لويس بالإيجاب وأنه سيكون أول ضرير في العالم يشكره بعمق. وبدأ بريل في العمل وكان مصراً على أن يصل إلى هدفه و أيضاً أن يستخدم في ذلك أقل عدد ممكن من النقاط بحيث تكون هذه الوسيلة سهلة التعليم.

و في عام 1829 نجح في تكوين حروف الكتابة باستخدام ست نقاط فقط وبدأ بتجربتها واستخدامها في المعهد ، وفي عام 1839 نشر طريقته حتى يطلع العالم على اكتشافه، وواجه مقاومة كبيرة من الجميع بما فيهم المعهد نفسه، و ألف أول كتاب له يحتوي على ترجمة قصائد للشاعر الإنجليزي الأعمى جون ميلتون ، و حتى يمكنه الكتابة استعمل إبرة كبيرة مشابهة لتلك التي تسببت في إصابته بالعمى في البداية ، ولكنه لم يستسلم وظل مداوماً على تعليم طريقته لتلاميذه وحاول مرات عديدة أن يقدم مشروعه للأكاديمية الفرنسية و لكن مشروعه كان يقابل دائماً بالرفض.

وفي أحد الأيام كانت إحدى تلميذاته تقوم بالعزف على البيانو في أحد أكبر مسارح باريس ولما انتهت من العزف صفق لها الحاضرون بإعجاب شديد و نهض الجميع وقوفاً معبرين عن تقديرهم لأداء هذه التلميذة ، فاقتربت من الجمهور و قالت (( لست أنا التي أستحق كل هذا التقدير ولكن الذي يستحقه هو الرجل الذي علمني عن طريق اكتشافه الخارق . و هو الآن يرقد في فراش المرض وحيداً منزوياً بعيداً عن الجميع )) فبدأت الجرائد و المجلات حملة قوية تساند لويس بريل و تؤيد و تدعم طريقته وكان من نتيجة هذه الدعاية المكثفة أن اعترفت الحكومة الفرنسية باكتشافه و جرى أصدقاؤه يبلغونه بالأخبار الجميلة وقال لهم بريل والدموع تملأ عينيه (( لقد بكيت ثلاث مرات في حياتي أولها عندما فقدت بصري و الثانية عندما اكتشقت طريقة حروف الكتابة و هذه هي المرة الثالثة و هذا يعني أن حياتي لم تذهب هباءً )) .

و في عام 1852 توفي بريل بمرض السرطان ولم يتعدى عمره 43 عام. و في عام 1929 أي بعد مائة عام من توصل بريل لحروف الكتابة في مرحلتها المتقدمة احتفلت فرنسا بذكراها فأقاموا لها تمثالاً في قريتها الأصلية. و عندما أزيح الستار عن التمثال ، رفع المئات من المكفوفين أيديهم حتى يتمكنون من لمس وجه الرجل الذي أنار لهم الطريق . واليوم يوجد أكثر من عشرين مليون ضرير حول العالم يدينون بالشكر لهذا الرجل الذي ساعدهم على القراءة و الكتابة و الوصول لأعلى درجة ممكنة لهم ، و كل هذا الإنجاز بدأ برجل واحد كرّس حياته لمساعدة نفسه و مساعدة الآخرين ، و فهم تماماً قوة الصبر .

    شكراااااااا

    نورتى ياقمر

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.