ضرب الله الأمثال للناس في القرآن ليبرز لهم المعاني في صور حسية متمثلة
في أشخاص بعينهم
و إخراج الألفاظ الخفية إلى الجلية ، و تقريبها إلى الأذهان
أو تأتي مشتملة على بيان تفاوت الأجر بالمدح و الذم ، و الثواب و العقاب
فتزيد المعاني دقة و وضوحاً في الأذهان ..
معرفته من علوم القرآن .
و لا أدلَّ على ذلك مما رواه البخاري في صحيحه في كتاب التفسير
( حديث رقم 4538 )
قال يوماً لأصحاب النبي : فيم ترون هذه الآية نزلت "
(أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ لَهُ
فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ
فَاحْتَرَقَتْ ) ؟
قالوا : الله أعلم ، فغضب عمر،
فقال : قولوا نعلم أو لا نعلم
فقال ابن عباس : في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين !
قال عمر: يابن أخي قل ولا تحقر نفسك
قال ابن عباس : ضربت مثلاً لعمل
قال عمر: أي عمل ؟
قال : لعمل .
قال عمر: " لرجل غني يعمل بطاعة الله عز وجل ، ثم بعث الله
له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله ."
– 1- إن الأمثال تكشف عن الحقائق ، وتعرض الغائب في معرض الحاضر
كما في قوله تعالى { بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق }
الأنبياء 18
فهنا صوّر القرآن للذهن الحق بقذيفة ثقيلة تُرمى على الباطلِِ
الهشِّ الواهي فيرديه جثة هامدة .
– 2 و القرآن يستعمل أسلوب التشبيه للترغيب أو الترهيب ، و ذلك ليقرر
الأمر المرغب فيه كي تُقبل النفس عليه ، و يبين المرهب منه كي تنفر النفس
منه ، استمع إليه و هو يرغب المؤمنين كي تلتئم و تلتحم صفوفهم في الجهاد
( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص )
ولم يكتف بذكر كلمة " بنيان " فحسب
وإنما هو بنيان قد رُصّ بعضه فوق بعض, لئلا تبقى فيه ثغرات تتسلل من خلالها الأهواء
و تعشش في داخله الحيّات .
– 3 -استقباح صفة في الممثل به ، كما جاء في ذم اليهود ، واستقباح
صفاتهم الخسيسة كما في قوله تعالى
{
والمقصود بها هنا صورة من يُتعب نفسه ،
و يجهدها بكل نفيس دون أن يحصل من ذلك على طائل ،
كما جاء كذلك في دقة تمثيل القرآن لذلك الرجل الذي انسلخ عن آيات الله ؛
بالكلب اللاهث .
– 4 – و الأمثال أبلغ في الوعظ ، وأوقع في النفس ، وأقوى في الزجر ،
وأقوم في الإقناع ، فإنك عندما تعظ وتريد أن تكون موعظتك بليغة فإنك
تستخدم مثالاً ليكون مؤثرا في النفس فتقول لمن أردت زجره عن ارتكاب
المعاصي : لا تكن " كالسائمة "
التي تهيم على وجهها ثم تُعلق في المسمط لكي تُذبح و هي لا تدري
وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى زاجراً
{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} (44) سورة الفرقان
أماآن لنا إن نتأمل ، ونتدبر أمثاله التي لم تأت لمجرد التلاوة ،أو لمجرد المعرفة
و التسلية !
وإنما جاءت لتحقيق أغراض معينة ؛ كالتفكر، والاعتبار والاستماع :
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ..} (73/سورة الحـج …"
وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون .."
القرآن ، فقطعوا من أجل تبليغه الفيافي و القفار، فنالوا بذلك أعلى الدرجات ؟!
أم أننا اكتفينا بالسباحة أمام سواحله وتغافلنا عن الغوص في محيطاته المليئة بالآلئ والصدفات
و ضاع منا العيش ظلاله الوارفة ؟! </B>
منقول