كان النّبيّ الصّالح زكريا عليه السّلام يحبّ الأطفال و الذّريّة ، فقد حرم لسنواتٍ من ذلك ، فمرأته عاقرٌ لا تلد و هو شيخٌ كبيرٌ ، و عندما نذرت امرأة عمران ما في بطنها لله سبحانه فولدت مريم ، تشوّق زكريا عليه السّلام لكفالة هذه البنت فقد كان زوج أختها الكبرى ، فهو محتاجٌ لضمّ هذه البنت إليه و أن تكون تحت رعايته و حمايته ، فقد كان قلبه مليءٌ بالحنان و العطف الذي لم يجد له مكاناً يفرغه فيه لأنّه لم يرزق بولد ، فكفل زكريا مريم و كانت نعم الخادمة لبيت الله ، قائمةً صائمةً تعبد الله آناء اللّيل و النّهار ، و قد كفاها الله هم التّفكير بالمادّة و الطّعام و الشّراب فكان يأتيها رزقها عند محرابها إكراماً من عند الله لها ، فالله هو الذي يرزق من يشاء بغير بحساب ، و عندما رأى سيّدنا زكريا تلك الكرامات و أحسّ بفيض الكرم الربّاني مدّ يديه ليدعو ربّه بأن يهبه ذريةً طيبةً ترث ما عنده من العلم و النّبوّة فاستجاب له ربّه ذلك فأكرمه بغلامٍ اسمه يحيى .
و قد جعل الله سبحانه هذا الطّفل مميزاً عن أقرانه ، فهو عطيّة الله سبحانه و هو ثمرة استجابة الدّعاء من نبيٍّ صالحٍّ صبر كثيراً حتى نالها ، فكان يحيى معجزةً في ولادته من أبٍ شيخٍ كبيرٍ و أمٍّ عاقرٍ لا تلد ، و كذلك قد تكلّم الله عنه بأنّه لم يكن له سميّا أي شبيه ، فقد أمر سيّدنا يحيى عليه السّلام بأن يتمسّك بكتاب الله التّوراة و أن يأخذها بقوةٍ ، و قد آتاه الله الحكم صبياً فكان لا ينشغل كغيره من الفتيان باللّعب بل كان همّه الإنعكاف على دراسة التّوراة و دعوة النّاس إلى دين الله و الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر .
و قد كان في عصر سيّدنا يحيى عليه السّلام ملكٌ فاجرٌ لا يخاف الله ، و قد حدث أن رغب هذا الملك بأن يتزوّج بنت أخيه و كان هذا الأمر مخالفٌ في شريعتهم كما في كلّ الشّرائع التي أنزلها الله ، فذهبوا إلى يحيى ليجيز لهم ذلك بفتوىً باطلةٍ ، فأبى سيّدنا يحيى ذلك فظلّ الملك حانقاً عليه حتى حانت له الفرصة في أحد اللّيالي و قد كانت بنت أخيه و هي راقصةٌ فاجرة تغنّي و تحيي اللّيل بالرّقص و الغناء ، فإذا بالملك يراودها عن نفسها فتأبى إلا أن يكون ذلك بعد الزّواج و تطلب رأس يحيى مهراً لها ، فيلبّي الملك الفاجر طلبها لتقطع الرّأس الطّاهرة و تقدّم للبغيّ على طبقٍ من ذهبٍ .
لا حول ولا قوة الاباللّه