بقلم : محمد يوسف جبارين(أبوسامح) *
الشمس تجري حول مركز مجرتنا ( مجرة درب التبانة ) ، وليست الشمس وحدها التي تمتاز بهذه الحركة وانما تشاطرها حركتها الدورانية حول مركز المجرة كل الكواكب السيارة (عطارد ، الزهرة ، المريخ ، المشتري ، زحل ، أورانوس ، نبتون ) ، وأيضا بلوتو ( فلم يعد بحكم التعريف الجديد كوكبا من الكواكب السيارة) ، وكذلك النيازك ، والمذنبات ، والمنطقة المحيطة بالمجموعة الشمسية ( حزام كوبر والتي تأتي منها المذنبات ) ، كلها ، بل كل ما تراه العين المجردة ، ويكون تابعا لمجرة درب التبانة ، في كافة فصول السنة من نجوم وكواكب تتلألأ زينة في كبد السماء ، فكل هذه وتلك تجري حول مركز المجرة . فإذا علمنا بأن مجرتنا تحتوي على ما يقارب 200 بليون نجما وكوكبا على أقل تقدير ، أو حتى ضعف هذا العدد من النجوم ، أدركنا أن ما نراه في السماء ، من فوقنا ، من النجوم والكواكب التابعة لمجرتنا ( مجرة درب التبانة ) ، لا يتعدى أن يكون نزرا يسيرا من النجوم والكواكب التي تحتويها مجرة درب التبانة .
مجرتنا هذه أشبه ما تكون بقرص في وسطه انتفاخ . هذا الانتفاخ نطلق عليه اسم نواة المجرة ، ومن النواة يتفرع ذراعان لولبيان كبيران يلفان نواة المجرة . ونحن أو المجموعة الشمسية ، بل ما نراه من مجرتنا بالعين المجردة أو بغيرها ( منظار فلكي ) ، إنما يقع بين ذراعي المجرة ، بعيدا عن نواتها ، وقريبا من طرفها الخارجي ، وما نراه في الصيف في السماء من فوقنا غير ما نراه في الشتاء ، وذلك لأن الرؤية في الصيف تكون في اتجاه نواة المجرة ، ولكنها الرؤية تكون في الشتاء في الاتجاه البعيد عن مركز المجرة ، ومن حيث أن أكثر مادة مجرتنا تقع في ناحية درب التبانة ، لذلك كان البحث عن تكوينها ومبانيها يتجه بالرصد الفلكي في هذه الناحية ، ولقد تبين أن أجزاء المجرة ( أذرعها ، نجومها كواكبها ، مجموعتنا الشمسية …) كلها تجري حول مركز المجرة .
وهنا يتوجب علينا أن نلفت النظر الى أن هذه الأجزاء لو توقفت في مساراتها ، ولو حتى للحظة
زمانية واحدة ، لكانت سقطت جميعا في نواة المجرة ، ولو حدث هذا الحدث ، وكان هناك من يحيا في الارض ، لكان شاهد ما في السماء يقع على الأرض ، وهذه حقيقة كونية جاءت تتحد مع الحقيقة القرآنية في الآية الكريمة ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ( 65 الحج))
ما من مجرة في هذا الكون الا وتلف حول نفسها خلال اندفاعها في الفضاء ، مثلها في ذلك كمثل قرص ترميه في الهواء فانك ولا شك تراه يلف حول نفسه خلال اندفاعه في الهواء ، هكذا حال مجرتنا ( مجرة درب التبانة ) فانها تلف حول نفسها خلال اندفاعها في حركتها عبر الكون ، ولأن مجموعتنا الشمسية ، أو نقول الشمس تقع على بعد 2600 سنة ضوئية من مركز المجرة ( أو نقول من نواة المجرة ) ، والمجرة مع ذلك تدور حول نواتها ، فان كل جزء من أجزاء المجرة يدور هو أيضا حول مركز المجرة ، وكذلك الشمس ، فهي تجري حول مركز المجرة في مسار أشبه ما يكون بقطع ناقص (مسار أهليليجي ) ، وهي في خلال جريانها تعلو فوق المستوى المجري وتهبط من تحته ، تحت تأثير جاذبية أذرع المجرة ، فكأنما الشمس في جريانها في مسارها تتذبذب حول مستوى المجرة ، فمسار الشمس قطعا ناقصا عليه تموجات توضح هذه الذبذبة ، وسرعة الشمس في مسارها هذا تصل الى 217 كيلومترا في الثانية ( على ذلك هي تقطع سنة ضوئية في خلال 1400 عاما ) ، هذا في الوقت الذي نجد فيه سرعة الأرض في مدارها حول الشمس تصل الى 30 كيلومترا في الثانية .
الشمس عندما تتم دورة كاملة حول مركز المجرة ، فانها تكون قد قطعت مسافة 190 ألف سنة ضوئية تقريبا ، لذلك الشمس تتم دورتها الكاملة حول مركز المجرة في فترة زمنية قدرها 226 مليون سنة ، وهذا هو بالفعل زمن الدورة الكاملة للشمس ، حول مركز مجرة درب التبانة ، وهذا الزمن يحمل اسم السنة المجرية ، ومن حيث أن عمر الشمس هو خمسة بليون سنة تقريبا ، لذلك هي تكون قد أكملت حتى الآن 20-25 دورة كاملة فقط حول مركز مجرتنا ، من هنا نقول بأن العمر الحالي للشمس هو 20 أو 25 سنة مجرية فقط .
وتدل نتائج الرصد الفلكي بأن الاتجاه العام لحركة الشمس حول مركز المجرة ، انما هو صوب جنوب غرب النجم فيغا القريب في خريطة السماء من مجموعة هركولس ، ولأننا نعلم أن الأرض تجري حول الشمس ، وكذلك الشمس تجري هي أيضا حول المركز المجري لمجرتنا ، لذلك ، من هذه الحركات كلها نستخلص الحركة المطلقة لمجرة درب التبانة كلها عبر الكون . ولقد دلت القياسات على أن مجرة درب التبانة تجري في طريقها في الكون بسرعة يندهش لها العقل ، فهي تعادل 600 كيلومترا في الثانية ( مليون وثلث المليون ميل في الساعة ) ، وهي ولا شك سرعة هائلة ، من هنا ولأن الشمس تابعة لمجرة درب التبانة ، اذن الشمس تجري في الكون حركة انتقالية مع مجرتنا وبسرعة تعادل سرعة المجرة ذاتها .
ومن النادر أن نجد مجرة تجري في الكون وحيدة من دون صحبة لها ، في طريقها الذي شاء الله تعالى لها أن تجري فيه ، وفيما يتصل بمجرة درب التبانة ، فهي مجرة واحدة من بين مجموعة من المجرات التي يقارب عددها الثلاثين ، فانها معا تشكل مجموعة واحدة ( أو نقول عائلة واحدة ) وتتسمى بسم العائلة المحلية تأكيدا على انتماء مجرتنا اليها ، وهي مجموعة من مجرات تسبح في الفضاء الكوني ، في حركة تكاد تشبه الى حد بعيد حركة سرب من الطير يسبح في الهواء . وسرعة كل منها بالنسبة للأخرى ليست كبيرة ، فمثلا سرعة مجرتنا بالنسبة لمجرة الاندروميدا هي على وجه التقريب 80 كيلومترا في الثانية ، ويمكن القول بأن مجرتنا التي هي ضمن العائلة المحلية تجري بسرعة 300 كيلومترا في الثانية ، في اتجاه حشد آخر من المجرات ، يدعى بأسم حشد العذراء ، ولقد تدل مشاهداتنا الكونية ، على أن العائلة المحلية ، انما هي واحدة من بين مجموعة من عائلات أخرى ، كل منها تحتوي على عدد معين من المجرات ، وتشكل كل هذه العائلات معا حشدا واحدا ، يتحرك عبر الكون في طريق واحد ( مسار واحد ) واتجاه واحد ، نحو مستقر واحد .
مجرات العائلات اياها كلها تجري في حركات تتكامل في حركة واحدة هي حركة الحشد الكبير هذا ، في الكون الفسيح . فاذا تصورنا بأن هذا الحشد له مركز دوران ، وبأن عائلاته من المجرات تدور حول هذا المركز ، فمن هنا العائلة المحلية ، وأيضا مجرة درب التبانة تجري حول ذلك المركز ، في حركة دورانية ، وذلك لأنها من أفراد العائلة المحلية ، ومن هنا أيضا الشمس تجري في حركة دورانية حول مركز ذلك الحشد الكبير ، وذلك لأنها من أفراد مجرة درب التبانة ، ولأن الحشد كله يندفع في الفضاء الكوني ، والشمس تكون محمولة معه في مساره الذي يسبح فيه في الفضاء . اذن الشمس تشاطره سرعته واندفاعه عبر الكون ، أي أن الشمس تجري عبر الكون في حركة مركبة .
وها نحن نرى من خلال متابعة علمية لحركات الشمس، بأنها تجري في المكان والزمان ولا تستقر في مكان ما من هذا الكون ، لكنها في حركة دائبة محسوبة مضبوطة تجري نحو مستقرها ، وفي حديث التكوير ، قلنا فيما يتعلق بالتكوين المادي للشمس ، بأنها تمر عبر الزمان في أطوار متصلة تنبثق من بعضها البعض ، وتظل هكذا تجري الى أن يتم لها تكويرها ، فيذهب ضؤوها ، وينقطع دورها ويكون ذلك ايذانا بأنها اقتربت من مستقرها .. ان الاستقرار قرين الثبات ، وجريان الشمس يعني أنها في طريقها نحو المستقر .
فاذا جاءت الحقيقة الكونية تتحد مع الحقيقة القرآنية ، ولتكون دليلا على أن العلم يدعو الى الايمان ، فكذلك الايمان يدعو الى العلم لأن مردوده اليه .. تأتيه حقائقه تدل عليه وتشير لابن آدم اليه . كأنها الحقيقة الكونية جاءت تنطق في عقل ابن آدم وتنير له دربه وعملية تفكيره نحو الحقيقة القرآنية . فان كان هو تذوق معاني الخير والجمال وفاضت روح القرآن العظيم في روحه وعقله ونفسه ، تكون له الحقيقة الكونية نورا يضاف الى نور الهداية وقد كانت أشرقت في تكوينه الإنساني ( ۚ نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35 النور)).
وتمضي الحياة بالقرآن نور حياتها ، ويمضي القرآن بالحياة حياة نورها ، فبالقرآن تحيا الحياة ، وبالقرآن يحيا نورها .. وتنحاز حقائق الكون الى حقائق القرآن ، تهتف في وجوه الكفار ، القوا سخافاتكم في البحر واغتسلوا واركعوا لله تعالى ذكره مع الراكعين .
ويبقى أن نبين للناس كيف أن الشمس تلف حول نفسها ( حول محورها ) .. ويكون دليلنا العلمي في تبصير الناس بذلك ، تلك البقع الشمسية التي تكون محمولة على سطح الشمس ويتابعها العلماء ، ويتخذونها دليلا قاطعا على أن للشمس حركة دورانية حول محورها ، ودليلا ايضا على أن مادة الشمس ليست مادة صلبة . .هذه البقع الشمسية تدور في نفس الاتجاه الذي تدور فيه الشمس حول محورها ، وهو الاتجاة الذي تدور فيه كواكب مجموعتنا الشمسية حول الشمس .
أما الحركة الظاهرية للشمس ( شروق الشمس من ناحية الشرق وغروبها في ناحية الغرب ) فانها لا تكون دليلا على جريان الشمس ، ولكنها الدليل على أن الأرض تدور حول نفسها من ناحية الغرب الى ناحية الشرق .
نلخص الآن حركات الشمس كما يلي :
الشمس تدور حول نفسها ( أو نقول مادة الشمس تجري حول محور الشمس ، أو الشمس تجري حول نفسها ) .
الشمس تجري حول نواة مجرة درب التبانة ( مجرتنا ).
الشمس تجري حول مركز حشد من عائلات من مجرات ( من بينها مجرتنا ) تجري جميعها حول ذلك المركز .
الشمس تجري عبر الكون وذلك لأن الحشد اياه يجري عبر الكون .
من ذلك كله يتضح لنا أن الشمس تجري في الكون في حركة مركبة من كافة الحركات التي ذكرناها هنا
جزاكى الله خيرا
جزاكِ الله خيراً