من ثنايا علوم العلامة الكبير محمد أمين شيخو
ـ المستشرق الغربي: هل الطلاق خيرٌ أم الوفاق، هل الإخلاص خير أم نكران الصحبة والحب السامي بالحلال! أوَ ليس الزواج عقداً بين شريكين بإذن الله، فلِمَ أنتم أيها المسلمون تطلِّقون زوجة أخلصت وضحَّت بأسرتها من أجلكم وتلقون بها بأحضان البؤس والشقاء بعد أن قطفتم زهرة شبابها، أهذه إنسانيتكم المثلى؟
لا ريب بأن أبغض الحلال إلى الله الطلاق ولكن يا ترى لم كان هذا التفريق بهذه العلاقة الزوجية المقدّسة محلَّلاً لديكم؟
ـ العالم المسلم: لا شك أننا إذا وقعنا بين أمرين أحلاهما مُرٌّ، فاختر وما فيهما حظٌّ لمختار، ولكن إذا وقعنا بين شرَّيْن فلا ريبَ أننا نختار الأهون والأبسط. هب أن زوجاً اختار زوجة لجمالها أو للطفها أو لرقَّتها وبعد انقضاء فترة على عقد الزواج تبيَّن أن هنالك تبايُنٌ في الطباع، وتضارب في المزاجين وتنافر في الأخلاق وانكشفت متناقضات النفوس وتنافرها واختلاف الأذواق وتباينها فحلَّ الخصام محلَّ الوئام، والشقاق محل الوداد، والجفاء بدل المحبة فأصبح الزوجان كغريبين لا كحبيبين وانقضت شهوة علاقة الجسد بعد اشتعالها فخبت وحلَّ العداء والخصام واستشرتِ الخصومات فغدت الأسرة محطَّمة بما تحمله هذه الكلمة من معنى وضاقت النفوس ولم يعد بإمكان الزوجين البقاء تحت سقف واحد، ففي مثل هذه الحالة أليس من الأفضل للطرفين إلغاء عقد الرابطة الزوجية الذي عُقد للسعادة فغدا عقداً للشقاء والخصام وحرمان السعادة ليبحث كلٌّ منهما عن شريك لحياته يناسبه ويسعده حقّاً! وإذا أجبرناهما على البقاء بهذا الحال المريع بالإكراه، فماذا سيتم؟! سوف يفرُّ الزوج مشرِّقاً ويسلك سبُل تحقيق شهواته بالفواحش، فمتى شرَّق الزوج التعيس فستغرِّب زوجته بالمثْل وهناك القذف وتبادل الخيانات والله تعالى لا يجبر الناس على عبادته بالإكراه، لذا فلا طريق إلاَّ الفراق والإطلاق بالطلاق، فالإجبار على إبقاء متباغضيْن تحت سقفٍ واحد بالإكراه لا يرضى به الضمير الإنساني وما هو غَصْبٌ ترفضه كافة الدول الراقية فهنا غدا الطلاق بغيضاً لا بدَّ منه وما حاجَكَ للمرِّ إلاَّ الأمرُّ.
ـ المستشرق الغربي: حقّاً هذا كلام منطقي مدهش، فبعد هذا البيان لمثل هذه الأحوال لا سبيل إلاَّ بالطلاق وأنا أرضى بالحقيقة والحق وأكره النفاق. هذا هو الصواب وما سواه عذاب.. لأني أعلم أن الشرَّ سيسْتشري على الأبناء فيتشربون الكرهَ والخصام من الأب والأم، واختلاف الأبوين يمزِّق الأسرة بؤساً وسيهوي مركب الزوجية ببحر الجحيم الأسروي وسيشقى الأبناء حتماً، فأنا بهذا الحال مع الطلاق والحق أحقُّ أن يتَّبع ونحن على خطأ حين حذفنا كلمة الطلاق من قاموسنا بالإطلاق ولا بد منه في مثل هذه الأحوال.
فالحق، والحق أقول أن في الإسلام سمو وإنسانية راقية ما كنت أعلمها، ولكن هناك استفسار بسيط في لفظه مريع وفظيع في حقيقته، بل إنه ليشوِّه حقيقة الدين الإسلامي ويهبط به إلى الحضيض في القيَمِ الإنسانية، بل إنه يشوِّه الإسلام وينسف مكارمه نسفاً فلا تجد فيه قِيَماً سامية أبداً.
ـ العالم المسلم: ماذا تقول! بالله عليك يا أخي هاتِ ما عندك فلقد روَّعت قلبي وفؤادي وسرَّبت إلى مهجتي أمواج القلق والأرق فأقلع بنا إلى بحر هذا الاستفسار الذي وكما تقول يخسف بإنسانيتنا خسفاً ويزلزلها زلزالاً؟
ـ المستشرق الغربي: هل أنتم كما يقولون حقيقةً أعداء الإنسانية؟ أي هل هبطت قيمة حوَّاء إلى ما دون الصفر لديكم؟ عفواً أخي الحبيب ما كنتُ أجرؤ للنطق بهذه اللهجة القاسية لو لم أسمع منك قولاً بليغاً وحكمة عليَّةً بخصوص تعدد الزوجات وسموِّ أهدافه الإنسانية.
ـ العالم المسلم: لا بأس عليك يا أخي وفي تقديري أن بهذا الاستفسار أمرٌ عظيم وخطرٌ جسيم جرح قلبك ومشاعرك فأنا لا أُؤاخذك على لهجتك، بل أرتقب من شفتيك مضمون ومحتوى هذا السؤال الذي أثارك وأقضَّ مضجعك.
ـالمستشرق الغربي: إنه يا أخي الطلاق لديكم ولا أقول الطلاق، بل لفظة كلمة (الطلاق) هذه الكلمة الخفيفة على اللسان المرعبة في الميزان. هل حقاً أنكم تقضون على حياة شريكة عمركم وأمُّ أطفالكم وأولادكم، أبناءكم وبناتكم بلفظة طلاق تُكرَّر ثلاث مرات من فم أحدكم فتُدمِّر الأسرة بكاملها وتُشقي الأولاد أبد الآباد ناهيك عن بؤس وتعاسة الزوجة التي صدرت بحقِّها لفظة الطلاق وما يحل بها من جحيم في حياةٍ لا تُطاق، فهل المرأة سلعة تُباع أو أدنى بكثير من أدنى سلعةٍ في الوجود، فلو كانت فرساً وأراد صاحبها أن يطلق سراحها لمالك آخر فالقانون يُلزمه بكتابة عقد بيعٍ ومهرها بتوقيع مع شاهدي عيان وإلاَّ يُعتبر من أخذها سارقاً وهذه حيوانة. ولا تكفي بلغة القانون كلمة أعطيتك أو أطلقت سراح هذه الفرس لك أبداً فما بالك بمخلوقةٍ مكرَّمة عند الله من جنسك ولكنها أنثى وعند الله لا فرق بين ذكر وأنثى إلاَّ بالأعمال، فمن الذي خفض المرأة عندكم إلى الحضيض ورفع الرجل تعسُّفاً وطغياناً حتى صارت قيمة زوجته هواءً فارغاً سامّاً سمَّ الزعاف يقضي على حياتها ويحرمها من فلذات أكبادها ومُهَجِ روحها؟ بالله عليك يا أخي بيِّن لي ما هي الحكمة في لفظٍ بغيضٍ (كطلَّقتُكِ بالثلاث) إن كانت هناك أية حكمة.
العالم المسلم: يا أخي الباحث الحرُ الغربي أنا لا ألومك أبداً في أمرٍ لن يستطيع أي إنسان عاقلٍ أو فيه ذرَّة منطق أن يقبل به.
المستشرق الغربي: إذاً قد وافقتني على أن الطلاق اللفظي مطعنٌ في كبدِ الإسلام حتى أنه ليشوِّه كل محاسنه لأنه طعنةٌ سامّةٌ في ضمير الإنسانية.
العالم المسلم: مهلاً يا أخي الباحث الحر صاحب الضمير الرحيم وليكن الحلم رائدك لأنني لم أجيبك عن حكمة الطلاق بعدُ، لأن نصف الكلام ليس له جواب.
المستشرق الغربي: ويا لهفي على جوابٍ يقنعني ويزيل من قلبي استنكارٍ هذا المبدأ في الإسلام، فبالله عليك أن تشفي غليلي وتروي ظمأي بجواب يمحو من نفسي نزغات الشيطان ضد الإسلام.
العالم المسلم: ولكن قبل أن أُجيبك هل أنت متأكد أن لفظة الطلاق هي حقاً من الإسلام في شيء أو أنها وردت بكتابنا المقدَّس كلام الله حتى نسبتها على ظلمها لديننا القويم؟
المستشرق الغربي: حقاً لا أعلم مأتاها من القرآن الكريم فإن لم تكن موجودة في الكتاب المقدَّس أي القرآن، فأنا شديد الأسف، بل لأعتذر من صميم قلبي من هذا الأمر، ولكن الذي بلغنا نحن معاشر الأوربيين الغربيين أن علماء دينكم وجلّ مذاهبكم تقرِّها.
العالم المسلم: إذاً فهل تقبلوا بكلام الخالق، أم ترضى بكلام المخلوق المزيَّف عكس ما ورد في القرآن؟
المستشرق الغربي: لا أبداً نرفض اتِّهام الإسلام إلاَّ من خلال ما ورد في كتابكم المقدَّس القرآن.
العالم المسلم: إذاً يا أخي الحبيب في الإنسانية أعرني سمعك لأبلغك حكم الله الحاسم في الطلاق.
المستشرق الغربي: يا أخي المسلم الأبي بالله عليك أغثني من قرآنكم ما يقشع الظلمات حول دينكم وأنا عما ورد في أحكام كتابكم المقدَّس راضٍ وكلي آذانٌ صاغية.
العالم المسلم: إذاً فالقرآن حَكَمنا ولا جدل في ما نص به صريح القرآن.. كما أن الزواج ليس بكلمة هو قائلها، بل له مراحل معلومة، كذا الطلاق له مراحل وقوانين ينبغي إتباعها وذلك عند حصول نزاعاتٍ حقيقية بين الطرفين (الزوج والزوجة) وساءت أحوال معيشتهما سوياً، فإذا وعلى سبيل المثال لم تستجب معه لأوامر الله ولما يودي بمركب الزوجية إلى الهلاك، عندها أباح الله له سلوك خطوات الطلاق الأربع التالية:
1ـ الوعظ.
2ـ الهجر.
3ـ الضرب.
4ـ حكمٌ من أهله وحكمٌ من أهلها.
ثم بحال فشلها كلها تتم طلقةٌ واحدة يمكن التراجع عنها ورجوع بيت الزوجية بحال الاتفاق. وهذه المراحل (الطويلة المدى) كي تعود بها المرأة لرشدها وخضوعها لأمر الله لتدخل دائرة السعادة دنيا وآخرة وإلاَّ فالفراق البغيض الذي لا بد منه.
قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ..}: أي خروجهن عن طريق الحق وهذا فقط الذي يستدعي سلوك قوانين الطلاق. {فَعِظُوهُنَّ}: أي ذكرها بالموت، بالآخرة يجب أن تتعلم أنت وتعلِّمها، فإن لم تستجب لك أي للحق، عندها تسلك الخطوة الثانية وهي الهجر. قال تعالى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}: أي لا تلتفت نحوها في الفراش، أَحْسِن معاملتها في النهار واهجرها في المضاجع ويمتد الهجر بالفراش أقصى حدّه لمدة أربعة أشهر لقوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} وهذا حد صبرها عن المقاربة، لا تصبر أكثر.. إن ما رجعت عندها تسلك الثالثة وهي الضرب، قال تعالى: {وَاضْرِبُوهُنَّ}: ضرباً إنسانياً خفيفاً لا ضرباً مبرحاً، لأنها تفهم من الضرب أنه عازمٌ على الطلاق فإن كان في قلبها ذرة محبة لزوجها عندها ترضى بالعودة لطاعة الله (مع أن الإسلام يحرِّم الضرب إطلاقاً وعموماً إلاَّ في هذا الحال)، وإن لم تعبأ حتى بهذا الضرب فمعنى ذلك أنها لا تعبأ بزوجها ولا قيمة له عندها، أما إذا أطاعته فتعود مياه المحبة والمودة والرحمة إلى مجاريها كما قال تعالى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً}: أي لأنها رضخت للحق.
هذا وإن لم تستجب رغم اتخاذ الخطوات الثلاث كاملة، عندها تتم الخطوة الرابعة بقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا}: أي أهلها خافوا الشقاق. {فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً}: الحكمان يحاولان الإصلاح عسى أن يتم ولا يقع الفراق.
المستشرق الغربي: أرجو المعذرة لمقاطعتك لهذا القول الذي لم يُبيِّنه أحدٌ من قبل على الإطلاق ولكنه عين المنطق وروح الإنسانية ولا ردَّ أبداً عليه لأنه ورد في كتابكم المقدَّس، ولكن أستميحك عذراً فرجال الدين الذين يقبلون بالطلاق اللفظي من أين جاؤوا به، هل هو حقّاً في كتاب الله؟
العالم المسلم: يا أخي الباحث ليس له بكتاب الله أثرٌ إطلاقاً فهو قولهم وليس قول الله وهو الحق وما دونه باطل.
المستشرق الغربي: إن رجال الدين الذين يقولون بذاك الرأي الذي لا يرضى به المنطق والضمير الإنساني ينسبونه لنبيكم رسول الله، فهل هذا صحيح؟
العالم المسلم: إن رسول الله يا أخي هو سفير الله في أرضه والسفير يُبلِّغ كلمات دولته، كذا رسول الله لا يبلِّغ ولا يشرح ويوضِّح إلاَّ كلام الله لأن نبينا لا ينطق عن الهوى إن هو إلاَّ وحي يوحى، وهو يقول في محكم التنزيل بسورة يونس: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ}.. و(إن) هنا أداة حصر، فهو لا يضيف ولا يغير ولا يبدل من عنده على كلام ربه شيئاً. وإثباتاً لما ذكرته لك قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ}: ألا وهي مدة الهجر بالشرط الثاني التي ذكرناها. إذاً هنا بيان لاتِّباع قوانين الطلاق من وعظ وهجر وضرب. وخلال الهجر يعاملها أفضل المعاملات الإنسانية، ولكن عند النوم يدير لها ظهره ويمتنع فقط عن المقاربة لمدة أربعة أشهر كما بين تعالى، وبعد ذلك يا إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. {فَإِنْ فَاءُوا}: للحق الطرفان. {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ}: بعد أربعة أشهر. {فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
فهذا بيان من الله ينفي أن الطلاق مجرد لفظةً نفياً قاطعاً ولا طلاق إلاَّ بإتباع هذه القوانين حتى ولو عُقد اليمين يترتَّب عليه فقط دفع كفارة يمين الطلاق، أي إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم، ولا كلام لبشرٍ يعلو على كلام الخالق العظيم.
المستشرق الغربي: حقاً إن هذا دين الحق.. دين الإنسانية وأعلم أنما شوَّه صفحة الدين الإسلامي إلاَّ الدسوس المغرضة على القرآن فما قاله القرآن هو عين الإنسانية وما زعموه عن الطلاق باطلٌ لا دليل عليه. فالحق أن هذا الموضوع شغف قلبي فزدني من فضلك مما أفاضه الكتاب المقدّس عليكم.
العالم المسلم: إذاً لأتمم البحث من كامل وجوهه حتى لا يبقى مجالٌ لطاعنٍ بديننا بغير الحق.
هذا فإن حصل الطلاق لا سمح الله فله أيضاً قوانينه لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ..}: أي تبقى في بيت زوجها ثلاث حيضات. {وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}: إذ بهجره لها أربعة أشهر ثم ببقائها من بعد الطلاق في بيته (ثلاث حيضات أي ثلاثة أشهر تقريباً) يصبح لها سبعة أشهر مهجورة (أربعة قبل الطلاق وثلاثة بعده) عن المقاربة فقط، فإن كانت حامل حتماً سيظهر حملها واضحاً ولا تستطيع النكران لتخلص من البقاء في بيت زوجها لأن عدتها تصبح ممتدة (لتلد حملها) وخلال ظهور الحمل جلياً يعود الزوجان للتفكير بمصير المولود ولربما تذعن للحق فيلغي الطلاق، وهذا ما يريده الله وتلك من حِكَمِ الله تعالى من تلك الخطوات. {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاَحًا}: من أجل الولد، وخلال مُدَّة القروء الثلاثة أي الحيضات. {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}: أي يعاملها كزوجة وله الحق خلالها بإرجاعها، عندها يرفع الله شأنه. وقد بيَّن تعالى أنه لا يجوز إخراج الزوجة المطلقة من بيت زوجها مدة العدة والقروء الثلاثة والحاكم يشرف على ذلك {لا تدري لعلّ الله يحدث أمراً}: عند بقائها في بيت زوجها لعل ترجع للحق، فبرؤيتها لمعاملته الإنسانية الجيدة خلال فترة بقائها في بيته ترى أن معاملته لها كانت لله ليس لشهوة أبداً فبذا يمكن أن تفكر وتعدل عن غيها وتؤوب للحق.
المستشرق الغربي: إذاً يحقُّ للمطلقين في دينكم أن يتراجعا عن الطلاق ويعودا ليرفلا بحياةٍ زوجيةٍ مبنيةٍ على وفاق فلعلّ هذه الزوجة عادت إلى شذوذها مرةً ثانية فهل يجوز طلاقها ثم عودتها بردةٍ ثانية إلى بيت الزوجية وثالثة ورابعة وخامسة؟
العالم المسلم: تعلم يا أخي الباحث عن الحقيقة أن قانون النفس لتعقل أمراً وتوقن به ولا تنساه تكرار هذا الأمر ثلاث وهذا ما يقرره علم النفس، كذلك عندنا في القرآن قد قرر هذه الفطرة النفسية من ثلاث، فإن تم الطلاق ثلاثاً فلا يجوز بعد الثالثة أن ترجع لزوجها لأن علة الشذوذ هي علة نفسية غريزية، فكلما ازداد الزوجان ومعها هذه العلة بقاءً وتطليقاً وإرجاعاً كلما ازداد عدد البنين والبنات، والشقاق والخصام يعود شرهما على الأبناء فالأفضل إيقاف التمادي بالعلل المتمادية بالشرور لإيجاد حل وبعد ثلاث طلقات على القوانين التي سنّها القرآن لا تعود لزوجها إلاَّ بعد أن تتزوج غيره، فإن توفي زوجها الثاني أو طلقها بعد عمر طويل وعرفت بالمقارنة بين الزوجين ميزات الزوج الأول وذلك بعد اقترانها مع الثاني ومقارنتها به، عندها يحل لهما أن يتراجعا إن ظنا ذلك خيراً لأن لكل أمرٍ حدود ومتى تمَّ تجاوز الحدود تمَّ الطغيان وهلك الحرث والنسل، وبعد سؤالك القيم نعود لاستكمال مجريات ونتائج الطلاق.
قال تعالى: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}: الطلاق الأول حيث حقَّ له إرجاعها ثم حدث الطلاق الثاني (بقوانينه كاملةً) أيضاً يحق له إرجاعها. {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}: بفترة القروء التي ببقائها في بيت زوجها إن حصل نزاع وأرادت أن تفدي نفسها بالمال (أي سامحته) إن كرهته وما أرادت البقاء ببيته وخافت أن تقع بالحرام وكذلك خاف الرجل عليها، عندها يحق لها فداء نفسها بالمال وتذهب حرة لتتزوج إن أرادت. (فإن طلقها): ثالث مرة بعد رجعتين بطلاقين على ترتيب الإله كما ذكرنا: {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا}: الزوج الثاني. {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا}.
للزواج شرطان:
1 البقاء مدى الحياة.
2 المهر.
ولو استعرضنا الحكمة من إمكانية إعادتها بعد زواجها الثاني من الزوج الثاني مع شرطيْ البقاء مدى الحياة ودفع المهر، وطلاقها منه لتبين لنا بطلان زواج التجحيشة. إذ بعد زواجها الشرعي الذي أحله الله بشرطيهما (البقاء والمهر) وعند حصول الخلاف والطلاق بقوانينه كاملة (وعظ فهجر فضرب معنوي فحكمان) عندها ترى محاسن زوجها الأول مقارنة مع الثاني كما ذكرنا.. وتدرك أنها كانت متسرعة مخطئة بعدم الانصياع للحق معه ولا تعود تسوِّل لها نفسها التمرد على الحق فإن أرجعها الأول بعد موت زوجها الثاني أو طلاقها منه، عادت راضية منصاعة للحق وأمكن استمرار الحياة السعيدة بينهما. بعد حدوث الطلاق لا يجوز أن يمسكها ضراراً لسلب مالها فالله تعالى حذَّر من هذه النقطة بقوله الكريم: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}. كما حذَّر من إعضالها بعد طلاقها: أي التوقف بطريق زواجها بالتكلم عليها بالسوء حتى تبغّض الزوج الجديد بها. {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ}: أرفع لشأنكم ولاسمك عند الخلْق. {وَأَطْهَرُ}: لقلوبكم من التعلُّق بها. {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}: نتائج من يخالف. والمطلقة ينفق عليها زوجها حتى زواجها من آخر أو انقضاء أجلها ذلك لمن اتقى، ومن لم يطبِّق أحكام الله فسوف يحل به البلاء، قال تعالى في سورة الطلاق: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا}.
الدين الإسلامي دين إنسانية وشرع الله الكامل كله لنعامل بعضنا بالإحسان وبعد الموت نلاقيه تعالى بوجه أبيض بإحساننا فندخل الجنان.
المستشرق الغربي: حقاً ليس بعد هذا البيان بيان ونحن معشر الأوربيين الغربيين لا نقتنع بأمر إلاَّ إذا أورده الكتاب المقدَّس (القرآن) وغيره مرفوض لدينا.
ولكى احلى تقييم
وتستاهلي تقييم على الموضوع الجميل