تخطى إلى المحتوى

فضل الصبر على المكاره والشكر على المحاب 2024

فضل الصبر على المكاره والشكر على المحاب

العبد لا يخلو في تنقلاته في الحياة ، وأطواره فيهــا ، مـــن حــالتين
لا ثالث لهما: إما أن يحصل له ما يحب ، ويندفع عنه مايكره . وهذا
حبيب للنفوس ، ملائم للقلوب ، مطلوب لكل عاقل ، وهـو من أعظم
نعم الله علــى العبد ، فوظيفته في هذه الحال : الشكر والاعتراف أن
ذلك من نعم الله عليه، فيعترف بها ، متحدثا بها ، مستعينا بها على
طاعة المنعم . وهـــذا هـــو الشاكر ، فـــإن ألهته النعمة وأبطرته ،
وأوصلته إلى الأشر والبطر ، وغفل عن الشكر ، فهــذا الـذي كفر
نعمة الله ، أو استعمل منن الله في غير واجبها وطريقها .
الحالة الثانية : أن يحصل للعبد المكروه، أو يفقد المحبوب ، فيحدث
له هما وحزنا وقلقا . فوظيفته: الصبر لله، فلا يتسخط ولا يضجر ،
ولا يشكو للمخلوق ما نزل به ، بل تكون شكواه لخالقه .
ومــن كــان في الضراء صبورا ، وفي السراء شكورا ، لم يزل يغنم
على ربه الثواب الجزيل ، ويكتسب الذكر الجميل . قـــال صلــى الله
عليه وسلم « عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد
إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته
ضراء صبر فكان خيرا له » (1)
النعــم والنقــم ، والمحاب والمكاره : أضياف . فأكرم قراها بالقيام
بوظيفتها ، ليستريح قلبك ، وترضي ربك ، وينقلب ضيفك شاكرا
ولمعروفك ذاكرا .
متــى حصل لك محبوب من رياسة أو مال أو زوجة أو ولد أو صحة
أو رزق ، أو توابع ذلك ، أو اندفع عنك مكروه : فاعلم أن هــذه نعم
مـن الله ، فاعترف بها بقلبك ، واخضع لربك الـــذي أوصلها إليك ،
وازداد له حبا وثناء ، فإن النفوس مجبولة على محبة من أحسن
إليها ، فكيف بمن منه جميع الإحسان ؟!

وأكثر من الثناء على الله بها جملة وتفصيلا :

أما الأجمال فأن تقول : اللهم ما أصبح ـ أو ما أمسى ـ بي من نعمة
أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر.
وأما تفصيلا فقل : أنعم الله علي بالنعمة الفلانية ـ دينية أو دنيوية ـ
وصرف عني كذا وكذا ، وتوسل بها إلى طاعة المنعم ، وسلــــه أن
يجعلها معونة على الخير، وأن يعيذك من صرفها في غير ما يحبه
الله ويرضاه ، واحمد الذي وفقك لشكرها ، فالتوفيق للشكر نعمة
أخرى .

ومتى أصابك مكروه في بدنك ، أو مالك أو حبيبك ، فــاعلـم أن الذي
قدره حكيم لا يفعل شيئا عبثا، ولا يقدر شيئا سدى ، وأنه رحيم ، قد
تنوعت رحمته على عبده يرحمه فيعطيه، ثم يرحمه فيوفقه للشكر ،
ويرحمه فيبتليه، ثم يرحمه فيوفقه للصبر . فرحمة الله عليك متقدمة
على التدابير السارة والضارة ، ومتأخر عنها . ويرحمه أيضا ، بأن
يجعل ذلك البلاء لذنوبه كفارات ، ولمقامه خيرا ورفعة درجات .
ويرحمه بأن يجعل ذلك المكروه منميا لأخلاقه الجميلة ، مربيا عــلى
الأعمال والأقوال الزكية . فــإذا فهم العبد في التقدير هذه الرحمات ،
ولحظ هذه الألطاف المتنوعات ، لم تتأخر نفسه – إن كــانـت نفسا
حرة – عن الصبر على المكاره والاحتساب ، ورجــاء الأجـــر
والارتقاب ، ثم رجاء السلامة والفرج من الملك والوهاب .
من استكمل مراتب الصبر والشكر ، فهو الكامل في كل أحواله ، فإن
الصبر آلة عظيمة تعين العبد على جميع الأمور الصعبة . قال تعالى
{ وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ } ، أي : على جميع أموركم .
فمن شرع في عمل من الأعمال ،وصبر عليه وثابر ، رجي له
النجاح ، ومن ضعف صبره وثباته ، لم يتم له فلاح .
إذا أصيب العبد بمصيبة، فلجأ إلى الصبر والاحتساب خفت وطأتها ،
وهانت مشقتها ، وتم له أجرها ، وكان من الفضلاء الكرام . ومـــن
ضعـــف صبـره وحضر جزعه ، اشتدت مصيبته ، وتضاعفت آلامه
القلبية والبدنية ، وفاته الثواب ، واستحق العقاب ، ولابد أن يعود
في آخر أمره فيسلو سلو البهائم ، وذلك من أخلاق اللئام .

بشـــر الصابرين عـــلى مشقة الطاعات ، وتـــــرك المخالفات وآلام
المصيبات بتوفية أجرهم بغير حساب . وأنذر الجازعين المتسخطين
لأقدار الله بتضاعف المكاره ، وفوات الأجر وحلول الوزر والعقاب ،
إن الجزع لايرد الفائت ، ولكنه يحزن الصديق ويسر الشامت .
الصبر : مؤذن بالقوة ، والشجاعة ، والثبات ، والإيمـــــان .
والجزع : عنوان الجبن ، والضعف ، والهلع ، والخسران .
ما نال من نال من خير الدنيا والآخرة إلا بالصبر ، ولا حرم من حرم
إلا بفقده قال تعالى { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ ، سَلاَمٌ
عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } الرعد 23- 24

بالصبر يرتقي العبد إلى أعلى المقامات ، وهـو مقام الشاكرين الذين
يشكرون الله علــى الســراء والضراء واليسر والعسر . يشكرون الله
فــي كـل أحوالهــم . يشكرونه على نعمة العافية والصحة ، وسلامة
الأبدان ، ويشكرونه على نعمة الأسماع والأبصار والعقول والبيان ،
ويشكرونه على تيسير الرزق ، والأسباب المتنوعة التي بها تكتسب
الأرزق، وخصوصا إذا يسر الله للعبد سببا مريحا لقلبه ، معينا على
الخير ، فإن هــذا من بركة الرزق وكماله ، ويحمدون الله على دفع
المكاره والملمات . وكـــذلك يحمدون الله – أبلــغ حمد – على نعمة
الإسلام والإيمان ، والهداية إلى الخير والتوفيق وللإحسان .
نعمة الله بالتوفيق للتقوى ، أجل النعم وأعلاها .

{ لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو
عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ
لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ } آل عمران 164
من حصلت له نعمة العلم والإيمان ، فقد تمت عليه النعمة مــن
جميع الوجوه ، وقد نال من ربه كل ما يؤمله ويرجوه .
فيا من توالت عليه النعم، وصرفت عنه النقم ! اشكر الله على ذلك،
لتبقى وتكمل ، فالشكر مقرون بالمزيد ، وكفران النعم مقرون
بالمحق والعذاب الشديد .

وشكرانك للنعم : نعم أخرى ، تحتاج إلى شكر آخر وتجديد ، ولكــن
الله تعالى رضي منا بالاعتراف بالعجز عـــن شكره ، وأن نفعــــل
ما نستطيعه من الثناء والتمجيد .

الشاكرون أطيب الناس نفوسا ، وأشرحهم صدورا ، وأقرهم عيونا ،
فإن قلوبهم ملآنه من حمده ، والاعتراف بنعمه ، والاغتباط بكرمه ،
والابتهاج بإحسانه ، وألسنتهم رطبة فـي كــل وقـت بشكره وذكره ،
وذلك أساس الحياة الطيبة ، ونعيم الأرواح ، وحصـول جميع اللذائذ
والأفراح ، وقلوبهم في كل وقت متطلعة للمزيد ، وطمعهم
ورجاؤهم في كل وقت بفضل ربهم يقوى ويزيد .

لو علم العباد : ماذا أعد للشاكرين من الخيرات ، لاستبقوا إلى هذه
الفضيلة العليا ! ولو شاهدوا أحوالهم في السرور والابتهاج ،
لعلموا أنهم في جنة الدنيا .

إذا قضيت المصائب والمكاره على الخلق انقسموا فيها أربعة أقسام:
أحدها : الظالمون ، وهم أهل الجزع والسخط .

والثانــــي : الصابرون ، وهم الذي حبسوا قلوبهم عن التسخط على
المقدور وألسنتهم عن الشكوى ، وجوارحهم عن أفعال الساخطين ،
فهؤلاء لهم أجرهم بغير حساب .

والثالث : الراضون عن الله ، الذين كملوا مراتب الصبر ، واطمأنت
قلوبهم لأقدار الله المؤلمة ، ورضـــوا بهــا ، ولـــم يــودوا أنهـــم
لم يصابوا بها ، بل رضوا بما رضي الله به لهم ، فرضوا عن
الله ، ورضي الله عنهم .

والــرابع : الشاكرون ، وهم من ارتفعت على هؤلاء كلهم درجاتهم ،
فصبروا لله ، ورضوا بقضاء الله ، ولكنهم شكروا الله على الضراء ،
كما شكروه عـــلى السـراء ، وحمدوه على المصائب والمضار ، كما
حمدوه على المحاب والمسار ، فهؤلاء الشاكرون الأصفياء الأبرار ،
وهم الأقلون عددا ، الأعظمون عند الله قدرا . قال تعالى { وَقَلِيلٌ
مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } سبأ13 ،.

وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان صحيحان ، فيهما
بشارة وخير عظيم للصابرين والشاكرين .

أحــدهما : قوله « ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه
راجعون اللهــم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا أجره
الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها »(2) فهذا يشمل أي مصيبة
كانت ، وإن من قال هذا القول بصدق ، جمع الله بين الخلف
العاجل ، والثواب العاجل والآجل .

والثــاني : « إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها
أو يشرب الشربة فيحمده عليها » (3) فهذا وعد بأن من حمد الله
بعد الأكل والشرب ، حصل له من الله الرضا ، الذي هو أكبر من
نعيم الجنات .
وعموم العلة يقتضي أن جميـــع النعــم إذا حصلت للعبد ، فحمد الله
عليها ، حصل له هذا الثواب ، فاجتمع له نعمة الدنيا والدين .
ومن لطفه: أن العبد إذا استغنى بما أحله الله له عما حرمه ، وتناول
الحلال الملائم للنفوس بهذه النية ، كان له حسنات ، كمــا قال صلى
الله عليه وسلم حين ذكر أنواعا من الصدقات ، حتى قال «وفى بضع
أحدكم صدقة»قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهـوته ويكون له فيها
أجر ؟ قال « أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر فكذلك
إذا وضعها في الحلال كان له أجر »(4)، فتبارك الكريم الوهاب .

    بارك الله فيك.

    الونشريس

    نورتوووووووووووووني

    جزاكي الله كل خير

    واياااااااااااكي حبيبتي

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.