السؤال :
هل يجوز صرف الزكاة في الدعوة إلى الله ؟ فيصرف منها على الدعاة وعلى طلبة العلم ، وتفتح مكاتب للدعوة بما فيها من أثاث وأجهزة ، ونشتري كتباً وتوزع على المدعوين ؟ .
الجواب :
الحمد لله
بَيَّن الله تعالى مصارف الزكاة بقوله : (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60 .
وجمهور العلماء على أن المراد بقوله تعالى : (وفي سبيل الله) الجهاد في سبيل الله .
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الجهاد في سبيل الله يشمل الجهاد بالنفس والسلاح ، ويشمل أيضاً : جهاد العلم ، والرد على شبه المشركين ، وبيان بطلان ما هم عليه من الدين ، وبيان محاسن الإسلام ، والدعوة إليه .
وقد ورد في النصوص الشرعية إطلاق "الجهاد" على جهاد العلم والدعوة إلى الله .
1- قال الله تعالى في سورة الفرقان ، وهي سورة مكية ، لم يكن جهاد السلاح شرع حينئذ : (فَلَا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : (وجاهدهم به) أي : بالقرآن . تفسير ابن جرير (19/280).
وقال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (3/5) :
"فهذه سورة مكية أمر فيها بجهاد الكفار بالحجة والبيان ، وتبليغ القرآن" انتهى .
"وإذا كان كذلك فمعلوم أن الجهاد منه ما يكون بالقتال باليد ، ومنه ما يكون بالحجة والبيان والدعوة ، قال الله تعالى : (وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا * فَلَا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) سورة الفرقان/51، 52 ، فأمره الله سبحانه وتعالى أن يجاهد الكفار بالقرآن جهادا كبيرا ، وهذه السورة مكية نزلت بمكة ، قبل أن يهاجر النبي صلى الله عليه وسلم ، وقبل أن يؤمر بالقتال ، ولم يؤذن له ، وإنما كان هذا الجهاد بالعلم والقلب والبيان والدعوة ، لا بالقتال" انتهى .
"منهاج السنة النبوية" (8/86) .
وقد اختار هذا القول بعض علمائنا المعاصرين ، وبه صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي . قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله :
"وها هنا أمر هام يصح أن يصرف فيه من الزكاة ، وهو إعداد قوة مالية للدعوة إلى الله ، ولكشف الشبه عن الدين ، وهذا يدخل في الجهاد ، هذا من أعظم سبيل الله .
"مجموع فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ" (4/142) .
"بعد تداول الرأي ومناقشة أدلة الفريقين قرر المجلس بالأكثرية ما يلي :
1- نظرا إلى أن القول الثاني قد قال به طائفة من علماء المسلمين وأن له حظا من النظر في بعض الآيات الكريمة مثل قوله تعالى : (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) ، ومن الأحاديث الشريفة مثل ما جاء في سنن أبي داود أن رجلا جعل ناقة في سبيل الله فأرادت امرأته الحج فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : (اركبيها فإن الحج في سبيل الله).
3- ونظرا إلى أن الإسلام محارب بالغزو الفكري والعقدي من الملاحدة واليهود والنصارى وسائر أعداء الدين، وأن لهؤلاء من يدعمهم الدعم المادي والمعنوي، فإنه يتعين على المسلمين أن يقابلوهم بمثل السلاح الذي يغزون به الإسلام وبما هو أنكى منه.
4- ونظرا إلى أن الحروب في البلاد الإسلامية أصبح لها وزارات خاصة بها، ولها بنود مالية في ميزانية كل دولة ، بخلاف الجهاد بالدعوة ، فإنه لا يوجد له في ميزانيات غالب الدول مساعدة ولا عون.
لذلك كله فإن المجلس يقرر-بالأكثرية المطلقة- دخول الدعوة إلى الله تعالى وما يعين عليها ويدعم أعمالها في معنى (وفِي سَبِيلِ اللّهِ) في الآية الكريمة."انتهى .
"إن مصرف في سبيل الله يراد به الجهاد بمعناه الواسع الذي قرره الفقهاء بما مفاده حفظ الدين وإعلاء كلمة الله ويشمل مع القتال الدعوة إلى الإسلام ، والعمل على تحكيم شريعته ، ودفع الشبهات التي يثيرها خصومه عليه، وصد التيارات المعادية له. وبهذا لا يقتصر الجهاد على النشاط العسكري وحده ، ويدخل تحت الجهاد بهذا المعنى الشامل ما يلي :
ب- تمويل مراكز الدعوة إلى الإسلام التي يقوم عليها رجال صادقون في البلاد غير الإسلامية بهدف نشر الإسلام بمختلف الطرق الصحيحة التي تلائم العصر، وينطبق هذا على كل مسجد يقام في بلد غير إسلامي يكون مقرا للدعوة الإسلامية.
ج- تمويل الجهود التي تثبت الإسلام بين الأقليات الإسلامية في الديار التي تسلط فيها غير المسلمين على رقاب المسلمين، والتي تتعرض لخطط تذويب البقية من المسلمين في تلك الديار" انتهى .
"فتاوى وتوصيات ندوات قضايا الزكاة المعاصرة" (25) .
يعطيكى العافيه