حكم سماع الاغاني في رمضان
رمضان شهر الطاعات، والزيادة في السنن والنوافل، وهو شهر القرآن والإيمان، يرجو فيه المسلمين عفو الله وغفرانه، هو شهر لتغيير النفوس، وهو ثلاثون يومًا، لو استمر سلوك المسلم فيها على شيء بقي عليه ؛ لذا فهو فرصة كبيرة للتغيير نحو الأفضل، وهذا التغيير يكون في طاعةٍ كان مقصرًا بها قبل رمضان، فأصبح عليها مداومًا، في سننٍ مؤكدة بعد صلاة الفريضة لم يكن يؤديها، فالتزم بعد رمضان بآدائها، وكذلك بالنسبة للمعاصي والذنوب، فرمضان يحيل بينها وبين المسلم، إذا عزم على تغيير نفسه وإزالتها، وهكذا بالنسبة لسماع الأغاني.
قبل الدخول في الأحكام الشرعية، التي ما جاءت إلا موافقة لكل عقلٍ سليم، ثمة تساؤلات: هل يستوي من يقرأ القرآن، ومن يسمع الأغاني أو الغناء؟ بل هل يستوي الشخص نفسه في نظر ذاته، عندما يكون قارئًا للقرآن، وعندما يكون مستمعاً للغناء؟ هل يستوي خشوعه بالقرآن، وانسجامه بالغناء؟! هل يوجد بينهما رابط ممكن أن يجمعهما؟
إن كلام الله -عز وجل- منزه عن كل آفات البشر، من كلامٍ هابطٍ ولهوَ الحديث، وقد ورد في القرآن بصريح الآيات أنه لا يجتمع في جوف المرء قلبين، فلا يوجد إنسان صادقٌ خالصٌ في أعماله، يزواج بين متناقضين، بين كلام الله -عز وجل-، وبين لهو الحديث والغناء، بين السكينة والوقار التي تحملها آيات القرآن، وبين الصخب والطرب التي تحملها كلمات الأغاني، لايستويان مثلاً !!
وقد ورد الغناء في القرآن بلفظ (لهو الحديث)، وقال العلماء إنه الغناء والغيبة، وكل ما هو سيئ ينطق به اللسان، أو تستمعه الأذن، قال تعالى: "ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علمٍ ويتخذها هزوًا اولئك لهم عذابٌ مهين" .
قال الواحدي: "أكثر المفسرين على أن المراد بلهو الحديث الغناء"، وقال أبو الصهباء: "سألت ابن مسعود عن هذه الآية فقال: (والله الذي لا إله غيره هو الغناء) يرددها ثلاث مرات"، وهذا الحكم بحرمانية الغناء، ذو الكلمات الماجنة الفاتنة، هو لكل الأيام، وليس لرمضان وحسب، ولكن في رمضان حرمانية أكثر، وتوجهٌ نحو الطاعاتِ أكثر ؛ لذا فإن حرمانيته أكثر وأخطر.
فمن أراد أن يجمع في قلبه غناءٌ وقرآن، أمامه أمر بين أمرين: إما أن يقبل أن يقال فيه إنه منافقٌ ؛ لأنه يحمل تناقضاتٍ في داخله، أو أن يتنازل عن أحدهما، يتنازل عن النور، الذي يضيء طريق حياته، أو يتنازل عن اللهو، الذي يُشعر بسعادةٍ مزيفة لوقت قصيرٍ ثم ينتهي .
وهذه أدلة على أن سماع الأغاني حرامٌ من الكتاب والسنة:
قال تعالى مخاطبا المشركين الذين أعرضوا عن سماع القرآن: "أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ . وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ . وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ" .
وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة، مزمار عند نعمة، ورنة عند مصيبة) .