أسباب السعادة الزوجية
الحمد لله رب العالمين… والصلاة والسلام على نبينا محمد, عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم.
إن الله عز وجل لم يخلق الخلق عبثا ولم يتركهم سدا. وإنما خلقهم ليعبدوه ويحموا الدين وينصروه.
من تأمل في حال الإنسان, وجد أنه لا يمكن أن يعيش فردا في الحياة. لا, بل إن الإنسان مدنيّ بطبعه لا بد أن يحتك بالناس , لا بد للرجل من زوجة وأولاد, ولا بد للمرأة من زوج وأولاد. لابد لشخص من جار, من زميل, من صديق, من أم, من أب, من أخ وأخت. لا يمكن أن يعيش لوحده؛ لا بد أن يكون معه قوم يعيش هو وإياهم سواء.
أقف معكم اليوم على قصص لرسول الله مع زوجته عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها.كيف كان يعيش معها ؟ وكيف كانت تعامله في بيته؟ وما هي المواقف التي وقعت بينه وبينها؟
نعلم جميعا أن الزواج نعمة من نعم الله تعالى على عباده, بل هو سنة الله تعالى في خلقه.
كما قال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } ثم قال: {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً }.
رتب الله عز وجل الأجر العظيم على العناية بالزوجة والأولاد.
كما قال : (دينارٌ تنفقه على عيالك, ودينار تتصدق به على مسكين, ودينار تنفقه في سبيل الله, خيرها وأحبها إلى الله الدينار الذي تنفقه على عيالك).
بل قال : (اللقمة تضعها في فيّ امرأتك, لك صدقة). حتى اللقمة التي يضعها الرجل في فم امرأته يكتبها الله عز وجل عنده صدقة.
وقال : (كفى بالمرء إثما, أن يضيّع من يعول). أن يضيّع زوجته, أو أن يضيّع أولاده. ولابد للزوج والزوجة أن يحترما عقد الزوجية الزواج عقد شرعي محترم ينبغي عليك أنت أن تعظّمه, كما ينبغي على المرأة أن تعظّمه.
لذا قال : (الدنيا متاع, وخير متاعها المرأة الصالحة).
وبالحديث الآخر قال : (خيركم خيركم لأهله), ثم قال: (وأنا خيركم لأهلي). ولا بد أيضا أن يتحمل المرء تبعات الزواج. كذلك الذي يتزوج, لا بد أن يتحمل تبعات ذلك: من العناية بزوجته, العناية بأولاده, استئجار المنزل أو شراءه, الإطعام لهم, الإنفاق عليهم, معالجة مريضهم. كذلك الزوجة, ما دام وافقت أن تتزوج معناه وافقت أن تخدم زوجها, وافقت أن تحمل منه,
إنك إذا تأمّلت بتعامله ـ مع عائشة ـ رضي الله عنها, لا, بل بتعامله أيضا مع بقية زوجاته لتجدن من ذلك عجبا!
تقول عائشة كما في صحيح مسلم: "كنت أشرب من الإناء وأنا حائض ثم أناوله النبي . فيضع فاه على موضع فيّ, ثم يشرب".تقول: "وكنت أتعرّق العرق وأنا حائض" يعني تمسك القطعة من اللحم, ثم تأخذ منها لقمة, تعضّها, فيأخذها النبي منها فيضع فاه على موضع فمها ثم يعضّ من نفس الموضع, تلطفا منه مع زوجته.
بعض الناس يقول: إحنا فاضيين نفعل هذا؟
النبي فاضي يفعله. هذا نبي من الأنبياء, وخاتم الأنبياء, ومشغول بهموم أمة, ومع ذلك يجد النبي وقتا لأجل أن يتلطف مع أهله بمثل ذلك
تزوّج النبي صفيّة بنت حيي بنت أخطب, أم المؤمنين,. تدرون يا جماعة كيف تعامل معها؟ أول ما جاءت لتركب, الآن تزوجها ما دخل بها, أول ما جاءت لتركب البعير (البعير رفيع) فجاء النبي وقعد على الأرض ونصب لها ركبته. قال: اصعدي على ركبتي انظر إلى هذا التعامل الرائع منه مع زوجاته.
مرة من المرات, كان النبي راجعا من سفر مع أصحابه. في أثناء الطريق ـ كانت معه عائشة ـ شعر النبي أن عائشة تعبت, يريد أن يوسّع صدرها. فقال للجيش, (تقدموا عنا). تقدم الجيش عنهم, ثم التفت إلى عائشة. قال عائشة. قالت: لبيك. قال: (تسابقيني؟)؟ قالت نعم. تقول: "فسابقته , فسبقته".. فلما كان بعد زمان, رجعنا من سفر. فلما اقتربوا قال لها, عائشة. قالت: نعم. (قال للجيش تقدمو فتقدموا). قال: (تسابقيني؟) قالت: نعم. تقول: "فسابقني, فسبقني." . تقول: "فلما مرّ بي" ضرب بين كتفيّ". يعني: سبقتكِ. ثم عندما وصلت إليه. قال لها: يا عائشة. قالت نعم. قال (هذه بتلك). يعني وحدة بوحدة. إنتِ سبقتي المرة الأولى, وسبقتكِ المرة الثانية
عند البخاري أن عائشة سألتها امرأة, قالت "هل كان النبي يصنع شيئا في بيته؟" فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: " كان يخسف نعله" عليه وسلم يخسف نعله" إذا انقطع النعال بنفسه يخيطه, "ويخيط ثوبه, ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته" ثم قالت: "وكان ألين الناس" بسّاما, ضحّاكا…
ما كان النبي يا إخواني, ما دام الملاحظات ملاحظات دنيوية, يلتفت إليها. يقول أنس: "خدمت رسول الله تسع سنين, والله ما قال لي لشيء قط فعلته لمَ فعلته,؟ ولا لشيء تركته لم تركته؟"
كان يدخل أحيانا على أهل بيته في الضحى وهو جائع. جائع! فيقول لهم: عندكم طعام؟ فيقولون, لا ما عندنا طعام. فماذا كان يقول؟ ؟ يقولون لا, فيقول: (إني إذا صائم). انتهى الموضوع. يكمله صوم إلى المغرب. ولا كان يعمل قضية كبيرة لسبب مثل هذا. تقول عائشة كما عند مسلم: "ما ضرب رسول الله أحدا من نساءه قط, ولا ضرب خادما قط, ولا ضرب شيئا بيمينه قط إلا أن يجاهد في سبيل الله". ثم قالت: "وما نيل منه شيء قط فانتقم لنفسه, إلا أن تنتهك حرمة من محارم الله". إذا كان الأمر حرام, نعم.. يغضب النبي . لكن ما دام المسألة أمور الدنيا, لم يغضب.
الله تعالى جميع هؤلاء الرسل على دينٍ واحد (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) [الأنبياء/ ٢٥ ]، فجعل جميع الرسل يدعون أقوامهم إلى التوحيد وإلى نبذ الشرك وبين الله تعالى في
كتابه أن الغلبة دائما تكون لهؤلاء المرسلين كما قال الله جل في علاه: [وكان حقا علينا نصر المؤمنين]
[الروم]، وقال الله جل وعلى: [حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ]
[يوسف]، وقال الله جل في علاه وهو يتكلم عن نصرته للمؤمنين ومدافعته عنهم قال سبحانه وتعالى: [ِإن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور ] [الحج/ ٣٨ ]، فجعل الله تعالى هذا المبدأ سائرا في
الحياة كلها عند جميع الرسل سواء ممن كانوا من الرسل الذين بعثوا إلى بني إسرائيل أو من محمدا -صلى الله عليه
وآله وسلم- ولقد كان نبينا صلوات ربي وسلامه عليه يطعم أصحابه دائما هذا المبدأ حتى وهم في أحلك
المواقف وفي أشد الظروف كان –– يعلمهم دائما ويذكرهم أن النصر للإسلام ألم ترى إليه
–– وقد جلس يوما واتكأ على بردة له في ظل الكعبة والصحابة يعذبون في ذلك الحين بلالٌ
يعذب وخبابيعذب وغيرهم كان يعذب فينطلق خباب يوماً متفلتاً من العذاب ثم يأتي إلى -النبي عليه الصلاة
والسلام- وهم قلة ربما لم يتجاوزوا عشرة أشخاصٍ أو خمسة عشر شخصاً من المسلمين فيجيء خباب إلى رسول
الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فيقول:{ يا رسول الله ألا تدعوا لنا ألا تستنصر لنا؟ } فيقوم النبي -صلى الله
عليه وسلم- يقوم من اتكاءه ثم يقول له:{ يا خباب لقد كان من كان قبلكم يؤتى بالرجل فيوضع المنشار على
مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصده ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحمٍ أو عصبٍ ما
يصده ذلك عن دينه يا خباب والله َليتمن الله هذا الأمر…} يتم هذا الأمر وإن عذبت يتم هذا الأمر وإن قيل
علي مجنون وساحر وكاهن وكذاب، يتم هذا الأمر وإن أذوني الكفار في كل موطن، يتم هذا الأمر وإن سجدت
عند الكعبة وألقوا على رأسي سنى الجزور ولم يبعده عني إلا ابنتي فاطمة الصغيرة، يتم هذا الأمر وبلالٌ يعذب
وسمية تعذب وعمار.. يعذب كلهم يعذبون فكان –– جازماً أن الله تعالى سيتم الأمر قال:
{والله َليتمن الله هذا الأمر} يعني ينشر الإسلام {حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله
والذئب على غنمه} ثم قال: {ولكنكم تستعجلون ولكنكم تستعجلون}، وكان –– في
أحلك المواقف يبين لأصحابه أن الإسلام هو قدر الله تعالى في العالم في الكرة الأرضية كلها وأنه سيبلغ ما بلغ
الليل والنهار.
ولنكن على يقين بنصر الله تعالى لعباده المخلصين..المصدر : موقع الشيخ محمد العريفي
بارك الله فيكى
تسلمى