إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
الغاية من خلق الخلق.
عباد الله:
خلقنا الله لعبادته، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِالذاريات:56، ليقروا بعبادتي طوعاً أو كرها، لآمرهم وأنهاهم، معدين للعبادة، ثم منهم من يتأتى منه ذلك، ومنهم من يأبى، فمن قام بعبادة الله، فقد حقق الغاية من وجوده، ومن قصر فيها، أو نكل عنها، فقد أبطل غاية وجوده، وأصبح بلا وظيفة، وباتت حياته فارغة من القصد، خاوية من المعنى، والله تعالى خلق الزمان والمكان، وهو الذي يفضل منه ما يشاء ويختار، وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُالقصص:68، أي: المتفرد بالاختيار والتفضيل في الأزمان والأماكن، ولذلك فليس من حق العباد أن يفضلوا زمناً على زمن بلا دليل شرعي، والله تعالى جعل لنا مواسم الخيرات لنعبده فيها، وأوقات الطاعات لنشكره على نعمه فيها.
فضائل شهر رمضان.
ورمضان أفضل شهور العام، شهر العبادة والطاعة، كان السلف رحمهم الله يعرفون له قدره، وأحوالهم فيه عجيبة، من تلاوة، وذكر، ودعاء، وبذل، وجود، وعكوف، والمحروم من حُرم فضل هذا الشهر، (رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له)، وإن من مزايا هذا الشهر الكريم أن صومه من أعمدة الإسلام، وهو السر بين العبد وربه، (إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به)، وقد جاءت الأحاديث الصحاح والحسان بفضله كقوله: (الصوم لا عدل له)، (ثلاث دعوات مستجابات: ومنها: دعوة الصائم)، (للصائم فرحتان)(يشفع للعبد يوم القيامة يقول: ربي منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه)(لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)(الصوم جنة وحصن حصين من النار)(من صام يوماً في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا)الريان باب الجنة العظيم للصائمين، صيام رمضان يعدل صيام عشرة أشهر، (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، (ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة)، فكل يوم من رمضان عند غروب الشمس لله في ذلك الوقت عتقاء، فمن الناس من أدرك قيمة الشهر، وعرف قدره، فهو يغتنمه، ويستعد له، ومنهم الساهي اللاهي، وقد قال الله: قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِسورة الجمعة11، وهذا اللهو اليوم إما أن يصفقون في الشهر، في الأسواق، فصار موسماً عظيماً للتنزيلات والمبيعات، وهذا يهون؛ لأن كثيراً منه من المباحات، ولكن اللوم على من ضيعه في هواية التسوق، والله عز وجل نهانا أن تلهينا الدنيا عن الآخرة، وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُالعنكبوت:64، يعني: الحياة الدائمة التي لا زوال لها ولا انقضاء، الحيوان الممتلئة بالحياة المستديمة للحياة.
خطورة الفساد في رمضان، وكيف نقاوم ذلك.
عباد الله:
إن المصيبة إذا أشغل اللهو عن الطاعة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (كل لهو باطل)واستثنى منه أموراً من المباحات، من ملاعبة الزوجة، والرماية، وتأديب الفرس، واللهو الباطل ما أشغل عن ذكر الله، قال البخاري رحمه في صحيحه: "باب كل لهو باطل إذا شغله عن طاعة الله"، وإذا كانت الشياطين تصفد فإن المصيبة في شياطين الإنس.
كل الشياطين قد باتت مصفدة *** فما السبيل إذا الشيطان إنسان
ولذلك فقد حرص أرباب الفساد، وأعداء الأمة، لما عرفوا فضل الشهر، وكثرة من يتوب فيه، واجتهاد الناس فيه بالطاعة، والإقبال على الله، والترك للمنكرات، عمدوا إلى إفراغ الشهر من محتواه ومضمونه، وإلى قطع الطريق، فهم لصوص في الحقيقة، لصوص رمضان
حرص أرباب الفساد، وأعداء الأمة، لما عرفوا فضل الشهر، وكثرة من يتوب فيه، واجتهاد الناس فيه بالطاعة، والإقبال على الله، والترك للمنكرات، عمدوا إلى إفراغ الشهر من محتواه ومضمونه، وإلى قطع الطريق، فهم لصوص في الحقيقة، لصوص رمضان
، يشغلون الناس بالطرب والألحان، والأمسيات الفارغات، وهكذا الأفلام والمسلسلات، حتى غدا الإنتاج لهذا الشهر في البرامج الملهية لا يقارن ببقية شهور السنة، فعمد أصحاب شركات الإنتاج والقنوات إلى ملء هذا الشهر بما يغضب الله تعالى، ويقطع الطريق على الناس، وأموال طائلة، وأجور لهؤلاء الممثلين والممثلات متصاعدة، هذا شهر التوبة والإنابة إلى الله، فكيف يملئ بمثل هذا، وبعض هؤلاء لهم بواعث مادية فيقولون: الناس مجتمعون حول الشاشة، وهذه فرصتنا لبث البرامج، والتي من خلالها نأتي بالإعلانات التجارية التي تدر علينا الأرباح، فلا عجب أن يصل وقت الإعلانات في مثل هذه المسلسلات إلى خمسة وعشرين بالمائة، وإذا نظر المرء في محتواه فإنه يجد فيها ما يسمى بالكوميديا، الفكاهة والضحك، وفيها ما يخدش الإيمان والحياء، وفيها قمار وميسر، واتصالات مدفوعة الثمن للاشتراك في مسابقات يعلن عنها، ميسر في رمضان، ما أعظم الإثم! وأيضاً إشغال بتشويه شخصيات المسلمين العظيمة عبر التاريخ، كما فعلوا في عمر بن عبد العزيز، وخالد، وصلاح الدين، وابن تيمية، وما سيفعلونه بالإمام الشافعي رحمه الله، ولا شك أن تقديم الشخصيات العظيمة للأمة بهذا الشكل المهلهل، بل السيئ، والذي فيه معاصي واضحة يهون من قدرها في نفوس من ينظر إليها، بل ويمثل أدوارهم من أهل المجون والفسق من يشارك في هذه السلسلة الخطيرة من الإغارة على تراث الأمة، وشخصيات الأمة، وأبطال الأمة، وعلماء الأمة، وهكذا.
عباد الله:
توظيف للباطل، وإشغال للناس، ساعات هائلة حتى يبيت الناس في حيرة، يثبتون على أي قناة، وينظرون إلى أي فلم، ومسلسل،(ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم)، فإذا كان الأمر كذلك، فإنهم ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، فوزر هؤلاء عليهم، ومثل ذلك أوزار الذين التهوا بما قدموه من الباطل دون أن ينقص من أوزار المشاهدين شيء، والواجب مقاطعة كل قناة تصد عن سبيل الله، وتلهي عن طاعة الله، وتعرض ما يغضب الله تعالى، وينبغي أن يغار المسلم على صومه، وأن يحفظه، وهذا الصوم عبادة عظيمة، وركن ركين من أركان الدين، لسلفنا فيه حياة الليل والنهار.
يحيون ليلهم بطاعة ربهم *** بتلاوة وتضرع وسؤال
وعيونهم تجري بفيض دموعهم *** مثل انهمال الوابل الهطال
إن الله قال: أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍسورة البقرة184، فلا تستطيلوها، ولا تستكثروها، إنها تنقضي سراعاً، وهكذا ما أن يبدأ الشهر حتى يتصرم الثلث، ثم الثلثان، ثم تنقضي العشر الأواخر، وإذا كان الله تعالى قد فرضه لأجل التقوى، لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَسورة البقرة21، وذكرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله: (رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر)فلا بد من صيانة العبادة عما يبطلها، وعما يحبطها، وحتى عما ينقص أجرها.
عباد الله:
لماذا لا نلغي في رمضان كل شيء يلهي عن ذكر الله، ويجر الناس حتى للتأخر عن صلاة العشاء والتراويح لتسمرهم وانجذابهم إلى مثل هذه الملهيات، ولماذا لا يكون عندنا صبر، وإرادة، فلا نفتح أي باب للشر، تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَاسورة البقرة187، (ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه)، ومثلها مواقع في هذه الشبكة تشغل كثيراً من الصائمين والصائمات عن طاعة الله تعالى، والأمانة لابد من القيام بها، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْسورة الأنفال27وينبغي أن يكون هذا الشهر فرصة لتربية أنفسنا، وأولادنا، وأهلينا على طاعة الله تعالى، وليس المطلوب أن يفاجئ الأئمة بظهور الناس بكثرة في رمضان في أوله، فلماذا لا تكون هذه المفاجئة الآن؟ وهل المطلوب أن ننتظر حتى يبدأ الشهر لنتحمس للمساجد؟!
عباد الله:
لقد كان السلف يجتهدون في شعبان أيضاً، والتوبة لا تؤخر إلى رمضان، بل الآن حتى قبل دخول رمضان، وتعظم في رمضان، والدعاء الآن، ويعظم إذا دخل رمضان، والقرآن الآن، ويكثر إذا دخل رمضان.
عباد الله:
إن الفرح بقدوم الشهر من علامات الإيمان، وتحري هذا الهلال أيضاً مما كان يحرص عليه السلف رحمهم الله، وكان القاضي يخرج مع الناس إلى ظاهر البلد لتحري الرؤية، وينبغي التزود بالعلم النافع من معرفة الأحكام المتعلقة بالعبادات في هذا الشهر ففيه صيام، وقيام، وكثير من الناس يخرجون فيه الزكاة، وفيه اعتكاف، وكثير من الناس يعتمر فيه، وفي نهايته صدقة الفطر، وهكذا من عبادات حتى في أحكام المساجد يحتاج الناس إلى تعلمها استعداداً لدخول هذا الشهر، هذه المساجد بيوت الله في الأرض التي يحبها سبحانه وتعالى.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.
أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.