جهاز المناعة
يوقن الباحث في العلم ، ويشعر المتأمل في الكون حينما يقرأ آيات القرآن المتعلقة بخلق الأكوان والإنسان ، يوقن ، ويشعر أن كل خلية في جسمه ، وبكل قطرة في دمه أن هذا القرآن كلام الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ،
ونبدأ الحديث عن الإنسان ، فكل ما نراه يدل على عظمة الخالق في خلق الإنسان .
في قوله تعالى :
(سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم) (سورة فصلت)
فكما أن الإنسان مكلف أن يجول جولات وجولات في أرجاء الكون مكلف أيضاً أن يجول جولات وجولات في دقائق خلقه ، بل إن الآيات التي في خلقه أقرب شيء إليه ، وهذا معنى قوله تعالى :
(سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم)
هناك في حياة كل منا آيات معجزة صارخة دالة على عظمة الله عز وجل ، منها جسمنا الذي هو أقرب شيء إلينا ، ففي رأس كل منا ثلاثمئة ألف شعرة ، لكل شعرة بصلة ، ووريد ، وشريان ، وعضلة ، وعصب ، وغدة دهنية ، وغدة صبغية ، وفي شبكية العين عشر طبقات ، في آخرها مئة وأربعون مليون مستقبل للضوء ، ما بين مخروط ، وعصية ، ويخرج من العين على الدماغ عصب بصري يحتوي على خمسمئة ألف ليف عصبي ، وفي الأذن ما يشبه شبكية العين ، ففيها ثلاثون ألف خلية سمعية لنقل أدق الأصوات ، وفي الدماغ جهاز يقيس التفاضل الزمني لوصول الصوت إلى كل من الأذنين ، وهذا التفاضل يقلّ عن جزء وألف وستمئة جزء من الثانية ، وهو يكشف للإنسان جهة الصوت ، وعلى سطح اللسان تسعة آلاف نتوء من أجل تذوق الطعام ، لمعرفة الطعم الحلو والحامض ، والمر والمالح ، وإن كل حرف ينطق به الإنسان يسهم في تكوينه سبع عشرة عضلة ،
فكم عضلة تسهم في خطبة تلقى في ساعة ؟
في كل حرف يسهم في صنعه سبع عشرة عضلة ، ويضخ القلب من الدم في عمر متوسط ما يمل أكبر ناطحات سحاب في العالم ، وفي دماغ الإنسان أربعة عشرة مليار خلية قشرية ، ومئة مليار خلية استنادية لم تعرف وظيفتها بعد ، بل إن دماغ الإنسان هو أعقد ما فيه ، ومع ذلك فهو عاجز عن فهم ذاته .
إن في جدار المعدة مليار خلية تفرز من حمض كلور الماء ما يزيد على عدة ليترات في اليوم الواحد ، وقد جهد العلماء في حل اللغز ، لمَ لا تهضم المعدة نفسها ؟ أليست المعدة معجزة ؟ وفي الأمعاء ثلاثة آلاف وستمائة زغابة معوية للامتصاص في كل سنتيمتر مربع ، وهذه الزغابات تتجدد كلياً كل ثمانٍ وأربعين ساعة .
إن تحت سطح الجلد ستة عشر مليون مكيف لحرارة البدن ، وهي الغدد العرقية ، وفي الكبد ثلاثمئة مليار خلية يمكن أن تجدد كلياً خلال أربعة أشهر ، ووظائف الكبد خطيرة وكبيرة ومدهشة ، حيث لا يستطيع الإنسان أن يعيش بلا كبد أكثر من ثلاث ساعات ، وفي الكليتين مليونا وحدة تصفية ، طولها مجتمعة مئة كيلو متر يمر فيها الدم في اليوم الواحد خمس مرات ، هذا جسمنا الذي نحن نعيش معه هذا أقرب شيء إلينا ، هذه حقائق مسلَّم بها عرفها الأطباء من عشرات السنين ، وليست خاضعة للمناقشة إطلاقاً ، قال تعالى :
(سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم)
، تكلمنا أن لكل إنسان عددًا معيَّنًا من الخلايا ، سواء في الدماغ أو العين ، إلى ما هنالك من أجهزة في الجسد ، ولكن هناك تمايز بين الناس ، نرى هناك أشخاصًا بشرتُهم صفراء ، وبعضهم بشرته سوداء ، فهناك تمايز وتفاضل بين الناس ، والإعجاز في هذا الكلام الذي نتحدث عنه .
الإنسان مكرم عند الله ، ولكرامته عند الله أعطاه بعض صفاته ، فالله عز وجل فردٌ ، والإنسان فرد ، وهذا بحث علمي دقيق ، الآن اكتشف أن لكل إنسان زمرة نسيجية ، لا يمكن أن تتوافق زمرتان في الأرض ، ستة آلاف مليون إنسان ، لكل إنسان زمرة نسيجية ، والآن اكتشف أن قزحية العين لا يمكن أن تشبه قزحية إنسان آخر ، وقبل أشهر صدر قرار بوضع سمة قزحية العين على الجواز ، فإذا دخل إنسان بلدًا أوروبيًّا تفحص قزحية عينيه ، ويؤخذ رسمهما ، فإذا لم تتطابق فالجواز مزور **!! الآن هناك أقفال في أمريكا تصنع على قزحية العين ، يكفي أن تضع عينك على نافذة فيفتح الباب ، ولا يمكن أن يفتحه أحد غيرك ، فالقزحية ينفرد بها الإنسان ، ورائحة الجلد ، ولولا هذا الانفراد لما كان هناك من فائدة من الكلاب البوليسية ! والبصمة أيضاً فيها مئة علامة ، لو تشابهت سبع علامات مع إنسان آخر لكانت ا لإنسان واحد ، بل إن بعض المجرمين في أميركا خلعوا جلد بصمتهم ، وصنعوا جلوداً من أرجلهم بعد حين ظهرت علامات البصمة على هذا الجلد الجديد ، البصمة هوية ، فلكرامة الإنسان عند الله جعل له زمرة نسيجية يتميز بها ، وجعل له قزحية يتميز بها ، ورائحة جلد يتميز بها ، وتركيبًا دمويًّا خاصًّا به ، هذه ينفرد بها الإنسان ، وجعل له بصمة يتميز بها ، بل إن نبرة صوته يتميز به ، ولا يمكن لإنسان أن يكون له نبرة كنبرة إنسان آخر ، هذه الصفات التي ينفرد بها الإنسان تؤكد أنه فرد ، والفردية من صفات الله عز وجل ، ولكرامته عنده أعطاه هذه الصفة .
شيء آخر ، الله مبدع ، لكنه لكرامة الإنسان عنده من حيث الخلق والجينات والمورّثات سمح له أن يبدع ، فالإنسان طوّر وردة ، جعلها سوداء ، وطوّر بعض الأشجار العملاقة ، جعلها مقزّمة ، طوّر بعض الخضراوات والفواكه ، مهجّنة من صنفين ، والآن البذور تحتل المرتبة الأولى في العالم ، لكرامته عند الله جعله يبدع ، ولأن بعض النصوص ظنية الدلالة أيضاً لكرامته عند الله سمح له أن يشرّع ، وقد قبِل الله أن نعبده باجتهاد العلماء ، فالإنسان يشرع ، ويبدع ، وهو فرد ، ثم لكرامته عند الله جعله مختاراً ، أنت مخير وبقية المخلوقات مسيَّرة .
التمايز بين الأفراد هذا إعجاز فعلاً ، فالبصمة تختلف عن مختلف الناس ، أو كما ذكرنا عن قزحية العين ، ولكن هناك تمايز ليس فقط على صعيد الأفراد ، بل على صعيد اللون والألسنة ، وما إلى هنالك ، نرى أن هناك شعوباً كلها تحمل تمايزًا ، ولكن هذا بين شعوب ، وليس بين أفراد .
يوجد وراء هذه الظاهرة حقيقة علمية رائعة ، ذلك أن الجينات التي تشكل الجنين تقسم على قسمين قسم يشكل الجنين وقسم يودع في جهاز الجنين التناسلي ، من أجل أن تكون الشعوب على لون واحد ، ونمط واحد ، وبصمات واحدة ، فالصينيون لهم سمة واحدة ، حينما ترى شخصًا من الصين تعرف أنه من الصين ، لأن هذه الجينات التي تساهم في تشكيل الجنين تنقسم إلى قسمين ، قسم يسهم في تشكيله ، وقسم يودع في جهازه التناسلي ، ليكون الابن مشابهاً لأبيه ، لتكون الشعوب ذات سمة موحدة ، هذا أيضاً من عظمة الله عز وجل .
كلما مر بنا الزمن نرى أمراضًا تتجدد ، وحوادث كثيرة تصيب الإنسان ، فمنها جهاز المناعة الذي يصاب عند الإنسان ، فما هو الإعجاز في ذلك ؟
جهاز المناعة المكتسب جهاز عجيب ، هذا الجهاز ـ ولا أبالغ ـ هو يشبه جيشاً بكل ما في هذه الكلمة من معنى ! جيش يدافع عن الإنسان ، عن أنسجته ، وأعضائه ، هذا الجيش مؤلف من خمس فرق ، الفرقة الأولى فرقة الاستطلاع ، هذه مهمتها معلوماتية فقط ، لو دخل إلى الجسم جرثوم تنتقل إليه لتأخذ شفرته الكيماوية ، وتأخذ نقاط ضعفه ، وتعود إلى معامل تصنيع السلاح ، وتعطي تقريراً عن نتائج هذا الجرثوم ، وعن خصائصه ، وتركيبه ، ونقاط ضعفه ، في فرقة ثانية مهمتها تصنيع المصول المضادة للجراثيم ، هي بمنزلة معامل الأسلحة ، فالفرقة الأولى استخبارية استطلاعية ، مهمتها نقل المعلومات ، تنطلق إلى الجرثوم ، وتأخذ شفراته الكيماوية ، وتأخذ نقاط ضعفه وخصائصه ، وتعود على العقد الليمفاوية ، وهي مكان تصنيع المصول ، الفرقة الثانية تصنع السلاح ، أعجب ما في هذه الفرقة أنها تتمتع بذاكرة عجيبة ، لو أن طفلاً أصابه مرض ، ثم أخذ أفراد الفرقة الأولى المعلومات الدقيقة عن هذا الجرثوم أعطوها للعقد الليمفاوية مكان تصنيع السلاح ، وصنعت سلاحًا مضادًا لهذا الجرثوم ، أو بالتعبير الطبي مصلا مضادًّا ، هذه الفرقة فرقة تصنيع السلاح تتمتع بذاكرة عجيبة ، لو أن هذا المرض شفي منه هذا الطفل ، وعاد إلى صاحبه بعد سبعين عاماً وأكثر ملف هذا الجرثوم محفوظ في ذاكرة هذه الفرقة ، فلا يضطر لأخذ معلومات جديدة ، بل إنه يستخدم معلومات هذا الملف في تصنيع مواد مضادة لهذا الجرثوم ، ولولا هذه الذاكرة العجيبة لما كان هناك من فائدة إطلاقاً ، لألغي التلقيح ، ففائدة التلقيح أن يعطى الإنسان جرثومًا مضعفًا ، فيصنع جرثوم المناعة المكتسب مصلاً مضاداً له ، في أي وقت عاد الجرثوم فالمصل جاهز ، ويكافح به الجرثوم مباشرة .
أما الفرقة الثالثة فهي فرقة المشاة ، تحمل السلاح ، وتقاتل به ، هذه كلها كريات بيضاء ، لكنها متمايزة ، بعضها استخباراتية ، بعضها لتصنيع سلاح ، بعضها مقاتلة .
بقيت هناك فرقة أخرى ، فرقة خدمات سلاح المهندسين ، مد الجسور ، تنظيف أرض المعركة من الجثث وآثار الدماء ، هذه فرقة الخدمات ، فرقة رابعة .
في عام ألف وتسعمئة وسبعة وستين اكتشفت فرقة خامسة من أخطر هذه الفرق اسمها فرقة المغاوير ، بالتعبير الأجنبي الكومندوس ، هذه الفرقة لولاها لكان السرطان شائعاً في كل الناس ، ثبت الآن علمياً أن في كل إنسان خلايا سرطانية ، لكن عليها قامع يمنعها من أن تفعل فعلها المؤذي ، هذه الفرقة تكتشف الخلايا السرطانية في وقت مبكر جداً ، وتنتهي منه .
لذلك حينما يصاب جهاز المناعة المكتسب عن طريق مرض الإيدز ما الذي يحصل ؟ يظهر السرطان ، وتسعون بالمئة من المصابين بمرض الإيدز مصابون بالأمراض الخبيثة ، لأن فرقة المغاوير تعطلت عن التهام خلية سرطانية .
لذلك تضعف هذه الخلايا وتظهر هذه السرطانات .
يقول الشيخ محمد راتب النابلسي مرة كنت في أمريكا ، أحد طلابي جزاه الله خيراً تخصصه في الغدد الصماء ، أنبأني عن حقيقة مفيدة جداً ، هي أن كل خلية سرطانية عليها قامع يمنعها من أن تكون فعالة ، ما الذي ينزع هذا القامع عنها ؟ ذرة البترول ، فكل إنسان يعمل في إصلاح السيارات إذا تناول طعامه ، وهو في أثناء العمل ، وفي يديه آثار البنزين أو مواد بترولية احتمال إصابته بالسرطان كبيرة جداً ، فذرات البترول تنزع القامع عن خلية سرطانية .
الشيء الثاني البلاستيك ، إذا تفاعل مع الحرارة ، وانصهر أحد أجزائه كشرب كوب شاي بوعاء بلاستيكي خطير ، أو مع الحامض كالسَّلطات توضع في وعاء بلاستيك ، الحمض قد يذيب أحد أجزاء الوعاء ، أو حينما نقشط كيساً فيه لبن ، ونأخذ من الكيس دون أن نشعر بالسكين بعض ذراته فممنوع أن نستعمل البلاستيك مع الحرارة والحمض والقشط الميكانيكي ، هذا كله يسبب نزع القامع عن الخلية ، ثم إن الإشعاع الذري له علاقة بنزع القامع ، فكل مكان فيه بقايا إشعاع هذا يؤثر في جسم الإنسان ، فيصاب بالسرطان ، أما أقوى شيء الشدة النفسية ، كالخوف ، والقلق ، هذا يسبب سرطان ، لأن الخوف والقلق يضعف جهاز المناعة المكتسب .
لذلك التوحيد صحة ، والشرك ضعف ، الشرك أن تخاف من كل إنسان ، كالتهديد أو التربص لك من إنسان ، إذا استمر الخوف ينتج منه ضعف في جهاز المناعة ، لذلك أنت حينما توحّد ، وترى أن الأمر بيد الله وحده ، وأن الله لن يسلمك لمخلوق شرير ، أمرك بيده ، قال الله عز وجل
(واليه يرجع الامر كله فاعبده وتوكل عليه) (سورة هود)
هذا الذي يملأ نفس الإنسان طمأنينة ، وصحته تكون في استقرار مستمر .
ثبت الآن أن الإنسان المتوازن المتصل بالله عز وجل الذي تلقى وعد الله بالحفظ والرعاية ، والذي تلقى قوله تعالى (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) (سورة طه)
الذي قرأ قوله تعالى(ان الله مع الذين اتقوا) (سورة النحل)
وكلمة ( مع ) تعني أنه معه بالحفظ والتأييد والتوفيق ، فهذه المعاني الإيمانية تنعكس تفاؤلاً وصحة ، وجهاز المناعة المكتسب ما الذي يقويه ؟ الحب والود والشعور بالأمن ، قال تعالى
(فاي الفريقين احق بالامن ان كنتم تعلمون الذين امنوا) (سورة الأنعام)
الذين آمنوا وحدهم يتمتعون بنعمة الأمن ، هذه النعمة من لوازم المؤمن ، أما الإنسان غير المؤمن ، ولو كان أقوى أقوياء الأرض ، فقذف في قلوبهم الرعب بما أشركوا ، فنعمة الأمن لا تعدلها نعمة ، إنها نعمة خاصة بالمؤمن .
(فاي الفريقين احق بالامن ان كنتم تعلمون * الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون)
نعمة الإيمان ليست فقط نعمة روحية ، إنما هي جسدية وصحة ، وتقوي جهاز المناعة ، ولا تضعفه ، ولذلك } أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ { ، فإذا اطمأن قلب المسلم والمؤمن بالإيمان اطمأن جسده أيضاً .
بعض الأطباء يقول : طبيعة عصور السلف الصالح كانت حياتها خشنة ، تحتاج إلى جهد عضلي ، بينما هناك راحة نفسية ، والراحة النفسية وبذل الجهد وراء الصحة ، الآن كل شيء بالأزرار ، مصعد ، مركبة ، غسيل ، فالكسل عضلي ، والشدة نفسية وراء معظم الأمراض ، لا يوجد بذل جهد ، ولا رياضة ، ويقابلها خوف وقلق ، وقهر وحسد ، وغيبة ونميمة ، وتهديد ، فهذه مشكلة كبيرة ، فأنت حينما تؤمن بالله يلقي الله في قلبك السكينة فأنت في صحة جسمية عالية جداً
منقـــــــــــول للفائدة