الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70].
أما بعد:

فإنه من المتعارف لدينا أن لكل باب مفتاحاً خاصاً لا يمكن النفاذ من خلاله إلا إذا وجد هذا المفتاح وإلا يظل مغلقاً أو أن فتحه بوسيلة أخرى تأخذ وقتاً أو تحدث ضرراً بالباب . والنية بالنسبة لأي عمل هي المفتاح والأساس والقاعدة الذي بدورانها ووضعها في محلها يصيب المرء مراده مما يقوم به .

وليست النية خاصة بعمل دون آخر بل لابد منها في سائر الأعمال أياً كانت سواء الأعمال القلبية أو الفعلية ، ولهذا جاءت الوصية النبوية بالحرص على النية والتنبيه على حضورها الدائم في القلب؛ قال صلى الله عليه وسلم:" إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى " وقال: " ألا إن في الجسد مضغة إذا صلُحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب" . ومن أجل هذا حرص الأولون على تعلمها وتعليمها قال الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى : ( ألا ترى أن الساجد لله تعالى والساجد للصنم في صورة واحدة وإنما كانت هذه عبادة وهذه كفراً بالنية ) فلله درُّهم عرفوا الطريق وأحسنوا السير عليه ، حملوا وصية نبيهم صلى الله عليه وسلم على عواتقهم فطبقوها وما توانا في ذلك " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى ".

النية والرقية خطّان متوازيان:
ولما كان لحضور النية هذه الأهمية ووجد لها من الأثرٌ البالغ على قلب المرء وجوارحه لَزِم حث المريض على استحضار النية المناسبة لحالته أثناء الرقية؛ فليست النية واحدة من بداية العلاج إلى نهايته ، وليست النية استشفاءً فحسب بل هي تتعدد وتختلف بإختلاف حال المريض وما يحتاج إليه من العلاج وبحسب تقدمه والتزامه بما يمليه عليه من يعالجه . فالغالب في المرضى البدء بالرقية بنية الشفاء من كل مرض عضوي أو روحي كونها النية العامة والشمولية التي تكون بمثابة الأشعة والكشف الأولي الذي يبين الأعراض ويحدد مواطن المرض وما يحتاجه المريض ، ثم بعد ذلك بحسب ما يراه المريض من نفسه .

ما هي النية الشمولية ؟
يركز المريض على النية العامة وهي الشفاء من كل داء ، فهي للسليم وقاية وللمريض علاج .
ويجب على المريض أن يقرأ بنية الشفاء من مرضه إن علمه مهما كان روحياً أم عضوياً أم نفسياً، وإن جهله فلا مناص من الرقية العامة بالشفاء من كل داء وكلما أتقن المريض استحضار النية حقق نتيجة أكبر .
وليحذر المريض والراقي كل الحذر من القراءة بنية حضور العارض فليس في ذلك من مصلحة بل ربما أهدر جهده الماضي بإحضاره العارض وتسبب له بالتشتيت ، وإن كان يقصد من إحضاره معرفة بعض الأمور التي وإن أخبر بها فلا يمكن تصديقه فالغالب في كلامهم بعيدٌ عن الصدق ، قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة "صدقك وهو كذوب" .

يقول الشيخ عبدالله الخليفة :
من ضمن المناهج التي أسير عليها هي الاستغناء عن تحضير العارض؛ فهي طريقة يعمد لها بعض الرقاة بأن يقرأ بنية التحضير اجتهاداً منه، وهي طريقة غير صحيحة فماذا سأجني من محاورة العارض إن كان من طبائعهم أن الكذب عندهم كالصدق عندنا ؟
فأنا لا أتحاور إلا مع من نفعت معه المحاورة، ومن هو المحاوَر حتى يتحاور معي -وقد يكون كافراً-؟
ومن هو حتى يقطع كلام الله بجدل عقيم ؟

تعلّموا؛ فليس من وُلد متعلماً :
ومن لم يعتد على إستحضار نيته فسيجد صعوبة في بداية أمره لكن مع إحسان الظن بالله، والمجاهدة، وبذل التوكل على الله، ونبذ الإتكال على الجهد يسهُلُ كل عسير ومع الممارسة والمران يجدُ أمرها سهلاً فقط "استعن بالله ولاتعجز" .

قال بعض العلماء : من لم يهتد إلى النية بنفسه فليصحب من يعلمه حسن النية .
وليُعلم أن الحديث عن النية لا يقتصر فقط على القراءة المباشرة ؛ كأن يقرأ الراقي على المريض أو أن يقرأ المريض على نفسه ، بل النية لا بد من استحضارها حتى عند سماع الرقية المسجلة صوتياً فلهذا نفعٌ بإذن الله ومع التجربة يتضح ذلك ، وقد أورد الشيخ عبدالله الخليفة في برنامج 10/10* مثالاً على ذلك لمريضة طالت مدة رقيتها ولم تكن تستحضر النية أثناء سماعها لرقية المسجلة فما أن نبهها الشيخ لذلك واستطاعت إختيار النية المناسبة لحالتها سرعان ما أثمر سماعها للرقية وخروج العارض بفضل من الله . وأخرى تخلصت الورم بداخلها بتوفيق من الله ثمّ بتأثير الرقية المسجلة صوتياً .

نية الراقي أم نية السامع ؟
سُئل الشيخ عبدالله الخليفة :
إذا تم تسجيل الرقية ثم سماعها من قبل جهاز التسجيل هل تكون فاقدة للنية أم أن نية السماع هي المطلوبة وليست نية الراقي ؟
الأهم هو نية السماع وتبقى بركة كلام الله وإخلاص الراقي أسباباً أخرى وإن قلنا أن الأفضل الرقية المباشرة فقد يحقق المريض نفعاً طيباً من حسن استماعه بحسن نيته وحسن توكله على الله سبحانه كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام : "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله ، لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً" .
وعلى العاقل الحصيف أن يستشعر نعمة الله عليه أن فتح له حين ابتلاه باباً عظيماً وهو الفرصة لإصلاح قلبه وتزكيته عن ما أصابه من دنس الحياة فليستشعر ولينو عند رقيته أن يطهر قلبه من أمراض القلوب ، وكما يدعو بأن يشفيه وأن يخرج داءهُ من جسده فليدعُهُ بأن يهديه للنية الحسنة ، فإنها متى ما عظُمت النية في القلب بقدر ما زكى القلب وترفّع وطهُر . وليعلم أنه ما اختلف الناس وتفاوتوا إلا من هذا الباب – النية- .
قال الإمام أبو حامد الغزالي :
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجميعين .
