العلاج الجراحي الفعال لفقدان السمع الحسي
إن حاسة السمع هي نعمة منّ بها الله سبحانه وتعالى على الإنسان ليحيا حياة طبيعية ويتفاعل مع العالم الخارجي .
فإذا ولد الطفل فاقداً لحاسة السمع فلن يمكنه النطق بالكلمات ولاالتعلم أو التواصل مع الاخرين لانه ينطق مايسمعه ويتعلم بالمحاكاة ،كذلك فإن الشخص البالغ إذا ماتعرض لفقدان حاسة السمع فإنه يعيش معزولاً غير قادر على أداء عمله ويصبح معتمداً على الاخرين.
ويعتبر العامل الوراثي هو السبب الرئيسي لحدوث فقدان حاسة السمع لدى الأطفال حديثي الولادة كذلك فإن الإصابة بمرض الإلتهاب السحائي (الحمى الشوكية) قد تسبب فقدان حاسة السمع لدى الأطفال، أما بالنسبة للبالغين فإن من أسباب فقد السمع لديهم التعرض للضوضاء أو تناول بعض العقاقير المدمرة لخلايا الأذن الداخلية أو التعرض للإصابة بفيروسات قد تصيب الأذن الداخلية وكذلك ضعف السمع الناتج عن تقدم العمر.
والطفل الذي يعاني من ضعف السمع يلاحظ أهله تأخره في النطق أو عدم إستجابته لندائهم المتكرر له أو حاجة الطفل لرفع صوت التليفزيون بشكل غير عادي، وفي كل هذه الحالات يجب أن يحضر الأهل طفلهم الى الطبيب المختص للكشف عليه حيث ان الإكتشاف المبكر لسبب فقدان السمع هو أول خطوات العلاج السليم لهذا الطفل ، فإذا كان سبب ضعف السمع هو وجود مشكلة بالأذن الخارجية أو الوسطى وهو مايسمى بالصمم التوصيلي فإن علاجه يكون إما بالدواء أو الجراحة، أما إذا كان السبب نتيجة مشكلة بالأذن الداخلية
(القوقعة) وهو مايسمى بالصمم الحسي العصبي فإن الحل الأول لمثل هذه الحالات هو استخدام معينات السمع أو مايسمى بالسماعة .كذلك بالنسبة للمرضى البالغين المصابين بالصمم الحسي العصبي فإن المعينات السمعية هي الحل المتاح لهم للتغلب على هذه المشكلة . وفي حالة عدم جدوى المعينات السمعية في تحسين السمع بالنسبة لهؤلاء المرضى سواء كانوا أطفالاً أو بالغين فإن الحل التالي لهم هو دراسة إمكانية عمل زراعة القوقعة الإلكترونية.
والقوقعة الإلكترونية هي جهاز إلكتروني مصمم لإلتقاط الأصوات وفهم الكلام المحيط بالأشخاص الذين يعانون من فقد السمع الحسي العصبي ، وضعف السمع لدى هؤلاء الأشخاص عادة مايكون شديدا إلى متناه أو عميق الدرجة في كلتا الأذنين .وهؤلاء الأشخاص لايمكنهم الإستفادة من استخدام المعينات السمعية التقليدية حيث ان هذه المعينات السمعية غالباً ماتكون ذات قدرة محدودة على تحسين إلتقاط الكلام وفهمه بالنسبة لهم ، وهذا الحال لايرجع الى عدم قدرة المعينات السمعية على تكبير الأصوات بالصورة المطلوبة ولكن السبب يرجع الى تلف الخلايا الحسية المسئولة عن السمع أو عدم وجودها بقوقعة الأذن، ولذلك فإن الأصوات التي يتم تكبيرها عن طريق المعينات السمعية التقليدية لاتصل الى مراكز الإحساس بالسمع في المخ وبالتالي فإن هؤلاء الأشخاص لايستفيدون من هذه الأجهزة التقليدية في تحسين السمع .ومن هنا يأتي دور جهاز القوقعة الإلكترونية حيث يعمل على تخطي الخلايا السمعية التالفة أو المفقودة بقوقعة الأذن ومن ثم إثارة العصب السمعي مباشرة.
ويتكون جهاز القوقعة الإلكترونية من جزءين رئيسيين، جزء داخلي وجزء خارجي .الجزء الداخلي يزرع في الأذن عن طريق عملية جراحية بالرأس خلف الأذن ولايظهر بالخارج .اما الجزء الخارجي فيشتمل على الميكروفون ومعالج الكلام وقطعة الرأس التي يمكن تركيبها وفصلها من على الرأس بسهولة. وتعتمد طريقة عمل جهاز القوقعة الإلكترونية على إلتقاط الأصوات والكلام عن طريق الميكروفون ثم تتم معالجتها عن طريق معالج الكلام وإرسالها الى الجهاز المزروع داخل الأذن من خلال الجلد حيث يتم برمجتها ثم تنقل هذه الإشارات المبرمجة الى مصفوفة الأقطاب المزروعة داخل قوقعة الأذن والتي تقوم بدورها بإثارة العصب السمعي ليرسل هذه الإشارات الى المخ الذي يستقبلها كأصوات.
إن خطوات العلاج الأولى بعد اكتشاف الإصابة بالصمم الشديد هي المبادرة باستشارة طبيب الأنف والأذن والحنجرة أو أخصائي السمعيات الذي يقوم بتحويل المريض الى مركز متخصص في زراعة القوقعة الإلكترونية حيث يمكن تقييم مدى نجاح هذه العملية وذلك عن طريق إجراء مجموعة من الفحوصات الطبية والسمعية والنفسية وكذلك الأشعات اللازمة لقياس مدى الفائدة المحتملة من عملية زراعة القوقعة.
وتعتمد درجة نجاح زراعة القوقعة الإلكترونية على عدة عوامل تؤثر على النتيجة ككل وتتضمن هذه العوامل طول المدة التي تعرض فيها الشخص لفقد السمع ونسبة السمع السابقة لفترة فقد السمع وعمر المريض عندما فقد السمع وكذلك حالة عصب السمع لدى المريض ، كما تتضمن هذه العوامل مدى إلتزام الشخص المستخدم لهذه القوقعة بالتدريب والتأهيل اللازم له بعد زراعة القوقعة.
إن جهاز القوقعة الإلكترونية يتيح للمرضى المصابين بالصمم حياة أفضل حيث ان الأشخاص البالغين يريدون الإستقلالية والإندماج في الحياة الإجتماعية بدلاً من العزلة وكذلك الاباء الذين لديهم أبناء مصابون بالصمم يريدون إتاحة الفرصة لأبنائهم للتعلم والتحدث والتواصل مع الاخرين .كما أن التطور الذي حدث على مدى العقد الأخير في زراعة القوقعة الإلكترونية هو حقيقة واقعة حيث استفاد مستخدمو هذه الأجهزة من سماع الأصوات المحيطة بهم كذلك استمتعوا بقدرتهم على فهم الكلام بدون الحاجة الى قراءة الشفاة وخاصة في الأجواء الهادئة .كذلك فإن هذا التطور الحديث في تقنية زراعة قوقعة الأذن سمح لمستخدميها بالتفاعل مع أحداث الحياة اليومية مثل السمع في وجود ضوضاء في الجو المحيط بالشخص أو سماع الكلام الخافت أو الاحساس بالموسيقى وكذلك استخدام التليفون في التواصل مع الأخرين.
د/ هشام الفقي
إستشاري الأنف والأذن والحنجرة
بمركز مغربي للعيون و الأذن- الدمام
أستاذ بكلية الطب – جامعة القاهرة
بارك الله فيكى
بارك الله فيكى