تخطى إلى المحتوى

العدوانية لدى الأطفال‏ 2024

العدوانية لدى الأطفال‏

الونشريس

‏ يمثل السلوك العدواني هاجساً كبيراً لدى الوالدين، فعوضا على أنه قد يتسبب ‏الطفل العدواني في إيذاء الآخرين، فهو يشكل حرجاً كبيرا للوالدين أمام ضيوفهم أو ‏من يزورون، وقد يتعدى ذلك إلى مشاكل مع أسر الأقارب والجيران.‏

‏والسؤال المهم: هل يمكن أن يولد الطفل عدوانيا ؟ أم أنه أمرٌ مكتسب!

في ‏الحقيقة و وفقا لعلم النفس التربوي تظهر معالم العدوانية لدى الطفل في مرحلة ‏ما بين السنة والسنتين وذلك لتحقيق رغبة التملك لدى الإنسان بدفاعه عن ممتلكاته ‏من ألعاب أو أشخاصٍ وأعني بذلك الوالدين وخاصة الأم.‏

ولكن سرعان ما تتلاشى هذه السمة لاكتشافه أنه يحتاج للعب مع الآخرين وأنه ‏سيفقدهم كلما آذاهم، وتبقى درجة ذلك العدوان خاضعة للفروق الفردية التي نؤمن ‏بها والتي تميزنا عن بعضنا بعضاً كأشخاص.‏

‏ إذاً ما دون ذلك من تصرفات وسلوك عدواني وعنف يظهر من الطفل إنما هو ‏سلوك مكتسب.

واسمحا لي أيها الوالدان أن أتجرأ بقولي أنكما الأكثر تأثيرا بإيجاد ‏ذلك السلوك، وإليكما السبب.‏

‏حينما يؤتي لي بطفل عدواني يكون أول سؤال لدي أطرحه على الوالدين هو: ‏في حال خطأ أبنكما كيف تتعملان معه؟ كيف يكون سلوككما؟ وأكاد أجزم أن الإجابة ‏عادة لا تخلو من استخدام الضرب. ويفاجئني الكثير من الآباء والأمهات بأنهم لا يتذكرون متى بدأ ذلك. فأبدأ أقرب. هل هو قبل سن السابعة؟ ويفاجئني بأنهما ‏يجزمان على أنه قبل سن الثالثة ولكن لا يتذكران.

لماذا يضرب طفل لم يبلغ الثالثة من عمره؟ وهل لذلك تأثير على شخصيته؟

دعونا نقف مكان الطفل وننظر كيف ينظر إلى ما يحدث من حوله، بل مايحدث له ‏ولا يخفى علينا ما تنشره الأخبار من حوادث في المدارس والشوارع تعكس عنفاً ‏شديداً أبطاله شبابنا تلامذة المدارس، فمن اعتداء على طالب، إلى طعن معلم، إلى ‏تخريب ممتلكات الغير.‏

‏ونتكلم قليلا بلغته الجميلة المبعثرة، ونحاول أن نكون بعقلية الأطفال ذات الآفاق ‏الواسعة بلا حدود.‏

يخطىء الطفل – وهو بطبيعة الحال لا يعلم أنه مخطىء أو لا يدرك حجم خطئه – ، ‏فهو قد يخطىء حباً بالاستكشاف أو إثبات الذات، أو جذب نظر الوالدين، وكلها في ‏شريعة الأطفال مباحة بل قد تصل إلى مستويات الفريضة.

الونشريس

فكيف هي ردة فعل ‏الوالدين، كلمات قاسية وضرب على اليد أو أكثر من ذلك.‏

يفاجأ الطفل فهو لا يعلم بالضبط لماذا ضرب، إن الوالدان الغضوبان ينسيان غالبا ‏حتى توضيح ما هو الخطأ، وإنما يضربون وهم يصرخون بصوت عالٍ بأداة النفي ‏‏"لا….لا….لا"، و"لا" هنا لا تعطي أية معلومة لدى الطفل.‏

وهنا يبدأ الطفل بتعلم لغة العنف، فهو يقول في داخله إن هذان الوالدان الكبيران ‏يعرفان كيف هو التصرف الصحيح، فإذا غضبت على أحد فعليك أن تضربه، ولتكن ‏قاسيا في ضربك وغاضباً أيضا.‏

‏ هذه لغة الحوار التي يتعلمها الطفل بكل بساطة: "إذا أخذ أحد لعبتي فسأغضب ‏وأضربه، لأن والديَّ إذا غضبا ضرباني".‏

وبذلك يكتسب الطفل السلوك العدواني بشكل منطقي ويكرس الوالدان تأثيرهم ‏السلبي على الطفل حينما يضربانه حين يضرب الآخرين، فيتسبب ذلك الطفل الذي ‏لا يدري ما هو سبب ضربه حين يضرب فهو يستخدم نفس لغة الوالدين، فلماذا ‏يغضبان؟

وبذلك تتشكل لديه عشوائة في العدوان، فهو يضرب حين يغضب، ويضرب حين ‏يلعب، ويضرب حين لا يجد شيئا يفعله.‏

هذا هو السبب الأول والرئيس الذي أراه من خلال لقاءاتي الكثيرة بأمهات ‏وآباء لأطفال عدوانـيـيـن، وإن كنت أقول ليس هو الأوحد، ولذلك سنعرض أسباباً آخرى لعدوان الأطفال والشباب في الأسطر التالية.‏

* * * * *

كم كانت صدمة ذلك الأب كبيرة حينما دخل منزله على صراخ الخادمة و هي تستنجد، و لكم كانت الصدمة أكبر ‏حينما عرف أن استنجادها كان من ولده الذي لم يبلغ الست سنوات. منظر غريب تجري فيه الخادمة بذعر و ‏خلفها ذلك الطفل الصغير ممسكاً بسكينٍ في يده يريد طعنها.. صرخ الأب على ابنه صرخة المذعور: " ماذا تفعل؟ " ‏و هو يأخذ السكين من بين يديه. فقال ذلك الطفل في براءة: "سوف أقتل الخادمة لكي يأتي كونان إلى منزلنا ‏فيفتش عن القاتل، فأنا أحب كونان و أريد أن أراه".
هذا ما قاله لي أحد الزملاء عن حادثة حدثت لصديق له و هو ‏يطلب الاستشارة.‏

ترى هل يصنع الإعلام من أبنائنا عدوانيين و مجرمين؟

لقد تكلمنا عن العنصر الأساسي للتأثير على عدوانية الطفل ألا و هما الوالدان و اللذان يأتيان في ‏المرتبة الأولى. ثم يأتي بعد ذلك الإعلام و الذي يشكل عنصراً أساسياً من بين أفراد الأسرة حيث أنه يشارك الأسرة ‏في كل مكان. فهو في الصالة و في غرف الطعام و غرف النوم و الألعاب، حتى لقد أدركنا في سياراتنا.‏

و توضح الدراسات النفسية و التربوية أن هناك تأثيراً واضحاً للإعلام على سلوك الأطفال، و أن الأطفال يتعلمون ‏بنسبة كبيرة من الكرتون و الدعايات التلفزيونية. و نتيجة لتحليل ست دراسات أجريت في أمريكا الشمالية أجراها ‏كيفين و كاترين هاميلتون جياتشريتسيس من جامعة برمنجهام أظهرت أن مشاهد العنف التي يعرضها التلفزيون ‏و ألعاب الكمبيوتر العنيفة أسهمت في زيادة العنف بين الأطفال.

و وجدت الدراسة أدلة متسقة على أن الأطفال ‏الصغار الذين شاهدوا لقطات عنيفة في التلفزيون أو مارسوا ألعاب فيديو عنيفة أظهروا سلوكاً يتسم بالعدوانية. ‏

و يعرض الإعلام مشاهد العنف دون مراعاة لقيم أو دين أو سنٍ يعيشه الطفل. ففي محطة فضائية كمثل سبيس تون ‏تعرض في اليوم الواحد 12 مسلسلاً كرتونياً، تسعة منها هي مسلسلات عنف كاملة، و البقية تحمل بعض مشاهد ‏العنف.‏

و لا يخفى على ذي البصيرة أن أفلام الكرتون تمجد الأقوى و تبسّط الجريمة. فعلى سبيل المثال يعد مسلسل دراغن ‏بول من المسلسلات الأكثر مشاهدة لدى الأطفال و هو يمجد العنف و يجعل البطل الحقيقي هو من يستطيع في نهاية ‏المطاف إفناء الآخر. و يولع اليوم الأطفال بشخصية يوغي يو و الذي يكون انتصار الشخص فيه بقدر ما يكون من ‏قدرة لدى الوحش الذي يمتلكه البطل فيحطم بكل عنف و قسوة الوحش الآخر.‏

كل تلك المشاهد التي تتكرر على أبنائنا في اليوم و الليلة تطبع في عقولهم معانٍ و مفاهيم خطيرة.‏

إن الإنسان حينما يتعود على مشاهد معينة في حياته يصبح في مرحلة الإلغاء من التأثير. فالدم الذي كان يمثل ‏مشهداً مخيفاً له لم يعد سوى لقطات مثيرة من انتصار البطل على المجرم. ثم ينتقل إلى مرحلة أخرى و هو انتظار ‏ذلك المشهد بعد أن يلغى التأثير السلبي إلى أن يكون شعوراً بالفرحة مع قدومه و ظهوره على الشاشة. ثم يتحول ‏إلى مرحلة التشكيل و الذي يتطلع فيه الطفل إلى أن يكون المشهد أقسى و أعنف لكي يشعر بلذة انتصار البطل. ثم ‏تكون مرحلة الاستكشاف بتقليد البطل.‏

الطفل لا يشعر بطبيعة الحال بهذه المراحل و لكنها تتكون بانسيابية مع اعتياد عينيه على هذه المشاهد و لكن ‏تختلف الاستجابة من طفل لآخر. فمن الأطفال من يقلد تقليداً كاملاً و منهم من يقلد بعض الحركات. و أخالك أيها ‏القاريء ممن تأثروا بشخصية سوبر مان حينما ظهرت، فكم من الأمهات و الآباء اشتكوا بأن أبناءهم يقفزون من ‏فوق أسطح منازلهم، و قد سلم الله الكثير منهم، و رحمة الله على من لم يسلم.‏

و مما يبثه الإعلام في نفوس أبنائنا هو استبساط العنف و الجريمة، ففي ضربة واحدة قد يقضي البطل على أكثر ‏من شخص دون الاكتراث لما أحدث من عنف و قتل. بل إن البطل الأقوى هو الذي يفعل ذلك و هو يضحك و ‏يمارس الحياة الطبيعية، و هو بعيد أشد البعد عن واقع الحياة البشرية.

و يتضح التبسيط أيضاً ببساطة العقوبة أمام ‏فداحة الجريمة. فرغم أن شرعنا يحكم على القاتل المتعمد بالقتل إلا أنه مع كل نهاية حلقة من حلقات كونان بعد أن ‏يفتضح فيها أمر المجرم يتضح أن القاتل يواجه عقوبة السجن لمدة سنوات و هو ما يعطي انطباعاً للطفل بأن ‏عواقب العنف و الجريمة لن تكون إلا أمراً محتملاً.‏

كل ذلك يوضح كم يساهم الإعلام في تربية العنف و تشجيعه في نفوس أبنائنا، الإعلام الذي قد يقضي أبناءنا نصف ‏عمرهم أمامه. و إذا كنا نظن بأن التلفاز مجرد تسلية و لا يرقى لأن يكون له هذا التأثير الكبير فإننا حقاً نتعامل ‏بسذاجة مع مؤثر من أكبر المؤثرين في حياتنا.‏

إنّ هذه المشاهد العنيفة و العدوانية لتعبر عن حقيقة أو نفية مؤلفها، فلك أن تتخيل كيف يشعر هو تجاه غيره، و ‏قد يكون ذلك ليس وفق النفسية بقدر ما هو بغرض الإثارة للربح المادي. فهل نترك عقول أبنائنا أسيرة بين مريض ‏نفسي و جشِع غير مبالٍ؟

الونشريس

علاج العدوانية:

‏ من أهم المهام التي يشرع بها فريق للدفاع المدني حينما يريد إخماد حريق ‏ما هو قطع الكهرباء أو الغاز أو أي شيء من شأنه أن يؤجج النار أكثر، و أول ‏ما يفكر فيه جيش حين يواجه عدوا هو أن يقطع خط الإمداد الذي يستمد منه العدو ‏عدته وعتاده، ويعتبر السد من أفضل الأساليب للمزارعين الذين قد تتعرض ‏مزارعهم للفيضانات.‏

‏ويعمد المربي الذكي إلى أن يمنع أسباب وجود الخطأ لدى المتربي ويقطع ‏خطوط الاتصال بين سبب السلوك ومسببه، أجل – فكما ذكرنا – ‏فإن هناك أسباباً واضحة أثبتت الدراسات مدى تأثيرها على عدوانية الطفل، وقد ‏أوردت سببين هما الرئيسيين بحسب الدراسات و مشاهدتي من خلال الإرشاد ‏الأسري، ولا أعني بذلك أنه لايوجد أسباب أخرى ولكني أعتبرها ثانوية بالنسبة ‏لهذين السببين، و أيا كان السبب فلا بد على المربي من ملاحظته والتعرف عليه ‏بتفحص، فإن لم تعرف الأسباب لم يعرف طريق العلاج، بل إنه وكما نعلم فإن ‏التشخيص نصف العلاج.‏

‏وبمجرد معرفة أسباب العدوانية يتحتم على الوالدين وضع هدف وخطة ‏للتخلص منها ولقطع الطريق أمام أي زيادة محتملة في عدوانية الطفل.

فإن كان ‏السبب هو عنف الوالدين في التعامل مع الأبناء فعلى الوالدين أن يضعا هدفا ‏واضحا لضبط سلوكهما وعدم استخدام أسلوب العنف الجسدي أو الكلامي تجاه ‏الأبناء إلا في الحالات التي يحتاجونها حقا ( وسنتكلم عن هذا في مقال قادم ).‏

‏ثم تكون لديهما خطة واضحة للتخلص من هذه المشكلة والوصول إلى الهدف ‏المنشود.

وهنا قد يطرح القارىء سؤالا طالما سمعته من المراجعين الذين يشكون ‏عدوانية أبنائهم، يقولون: وماذا نفعل بأبنائنا؟ هل نتركهم يفعلون مايشاءون؟ ثم ‏إنهم يضطروننا لضربهم نتيجة سلوكهم.‏

‏أيها الوالدان، يقولون: أخر الدواء الكي، وليس أوله. إننا وللأسف نجعل ‏الضرب والعنف هو الدواء الوحيد لسلوكيات أبنائنا الخاطئة، وهذا يقع فيه الكثير ‏للأسف.‏

‏إنكم إن تركتم العنف في تربية أبنائكم فذلك لايعني أنكم ستتركوهم للضياع، ولم ‏يطلب منكم أن تتركوا تربيتهم، ولكننا نترك العنف لشيء أفضل منه، وقد علمنا ‏حبيبنا المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم من آداب النبوة أن: " الرفق ماكان ‏في شيء إلا زانه، ومانزع من شيء إلا شانه "، فنحن نريد أن نستبدل العنف والصراخ ‏بالرفق، " فمن لايرحم لايرحم "، ولا تحاول أن تبرر ضربك رحمة به ‏وحبا له، فلم نسمع يوما بحبيب دلل لحبيبه على حبه بأن أوسعه ضربا، إن الضرب ‏بالنسبة للمضروب دليل كره وليس دليل حب وإن كانت نيتك طيبة.‏

و لا زلت أتذكر نبرة تلك الأم الفرحة و التي كانت تضحك من شدة فرحها و هي ‏تقول " إن ابني قد تغير تماماً خلال أسبوع " إنه يقترب مني ، يسلم على أهله ، ‏ارتفع صوته و قلّت مظاهر الخجل.‏

كانت تلك الأم قد زارتني هي و زوجها و ابنها الذي كان يعاني من الخجل الشديد و ‏هو لا يتكلم مع أي غريب ، بل إنه لا يسلّم على أخواله و أعمامه، أن الإبن ضعيف ‏الثقة بنفسه، و صوته ضعيف جدا لا يكاد يُسمع ، يستسلم لكل من أراد أن يقوده و ‏يأمره و ينهاه. سألتهم عن أسلوبهم في التعامل معه، فكانت أهم الأساليب المعتمدة ‏في المنزل هي الضرب و الصراخ. و لذلك نفهم أن الطفل بسبب هذه المعاملة قد أصيب ‏بضعف في تقدير الذات. فكانت وصيتي للوالدين: " توقفا عن ضرب الولد و ‏الصراخ عليه " ظهرت علامات الاستفهام على الوالدين و هما يقولان: " أهذا كل ‏شيء ؟؟ " قلت : لا .. هذه هي البداية السليمة ، و إن استطعتما السيطرة على ‏هذين الأمرين كان الباقي أبسط بكثير . ثم بدأنا في التحدث عن أساليب ضبط النفس ‏و السيطرة على الانفعالات لدى الوالدين ، و ما أن انصرف الوالدان مع ابنهما حتى ‏بدأا بالتطبيق على أكمل وجه، فكانت المكالمة التي ذكرت بعد أسبوع.

و لذلك فإنه ‏يكمن سر نجاح الوالدين في معالجة أي سلوك بمدى الحساسية التي يحملانها في ‏معرفة أسباب المشكلة أولاً ، ثم بعد ذلك إيقاف ذلك السبب سواء كان سلوكاً ‏للوالدين أو نشاطاً يقوم به الطفل ، أما الخطوات القادمة فهي أسهل بكثير و ‏سنعرض لها في مقالنا القادم بإذن الله.‏

أ. أحمد محمد الشيبة
مستشار في علم النفس التربوي

منقووووووووول

    بارك الله فيكي يا ريموووو وجعله فى ميزان حسناتك

    جزاكى الله كل الخير ريموو حبيبتى

    جزاكي الله خيرا

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.