ونادى المسلمون بمقاطعة تلك البلد ومنتجاتها وبضائعها المختلفة وهز اقتصادها كي تتراجع عن الإساءة لخبر البرية .
وكانت النتيجة رائعة التي كان عنوانها الحب الجم للحبيب المصطفى والغيرة الدينية على حبيبنا ونبينا وخاتم المرسلين ودينه ورسالته التي أتت للعالمين كافة .
وانطلقت الصيحات المعبرة عن تذمرنا وأسفنا عما حدث : إلاك رسول الله , فداك رسول الله , لو عرفوه لأحبوه , وغيرها من الشعارات التي تنم عن حب وخوف على هذا الدين .
ولكن هؤلاء على عظم جرمهم إلا أن لهم عذرهم في أن يسبوا أو يهينوا أو يستهزئوا لأنهم لا يعرفوه أو لكونهم على غير دينه أو أتى السب من منطلق عقيدتهم .
ولا اختلف على أنها جريمة وعلينا التصدي لها , ولكن الأخطر في الأمر هو ظهور سب علني من بني جلدتنا وديننا , فقد شاهدنا في الآونة الأخيرة أكثر من شخص يستهزئ ويسخر ويتعامل مع حضرة النبي وكأنه شخص عادي بل أقل من العادي
فقد تجرا على كريم الأخلاق وعظيم الصفات الرحمة المهداة وقال له :
في يوم مولدك لن أنحني لك، لن أقبل يديك، سأصافحك مصافحة الند للند، وأبتسم لك كما تبتسم لي وأتحدث معك كصديق فحسب”.
يالجراءته وفجاجة أخلاقه يتحدث إلى رسول الله بتلك الطريقة الوقحة والبذيئة والتي تخلو من أي أدب ونسي انه يتحدث عن سيد ولد ادم , ولو تحدث مع غيره من البشر من ملوك وسادة العرب لكان أكثر تحفظا وأدبا وخضوعا وتذللا .
ونسي أن الله عز وجل نهى من هم أفضل منه ومنا جميعا عن مناجاة الرسول كمناجاتهم بعضهم البعض وانزل قرآنا يتلى إلى يوم الدين يأمر فيه الصحابة ومن ثم يأمر جميع المسلمين بالأدب في التحدث مع الرسول صلى الله عليه وسلم
قال اللّه تعالى : " لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ "النور63
قال ابن كثير : " لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم
وقال ابن عباس: كانوا يقولون: يا محمد، يا أبا القاسم، فنهاهم اللّه عزَّ وجلَّ عن ذلك إعظاماً لنبيه صلى اللّه عليه وسلم، قال: فقولوا: يا نبي اللّه، يا رسول اللّه .
وقال قتادة: أمر اللّه أن يهاب نبيه صلى اللّه عليه وسلم وأن يبجل وأن يعظم وأن يسود .
وقال مقاتل في قوله:{لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا}
يقول: لا تسموه إذا دعوتموه يا محمد، ولا تقولوا: يا ابن عبد اللّه ، ولكن شرِّفوه فقولوا: يا نبي اللّه ، يا رسول اللّه.
ونهاهم عن التحدث في حضرته بصوت مرتفع لان هذا ينافي الأدب والخشوع والتقدير لشخص الرسول
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي، ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون}الحجرات .
فهذا كله من باب الأدب في مخاطبة النبي صلى اللّه عليه وسلم والكلام معه وعنده .
أين نحن الآن من هذا الأدب الجم مع حبيبنا صلوات الله عليه ؟
ولماذا يأتي التجريح ممن ينسبون إلى الدين الإسلامي ؟
وما سبب الخلل الرهيب في ظهور عدم الاحترام والتوقير الذي من الواجب أن يتعامل به المسلم مع صاحب الرسالة والرحمة والشفاعة ؟
أرى أن السبب الحقيقي وراء ما حدث سواء من كاشغري أو من الفتاة اليمنية – بشرى المقطري – التي تعدت كل الحدود في التحدث عن رسول الله بل وعن الذات الإلهية أيضا وللأسف تكرم ويستضيفها الإعلام على قنواته المختلفة بدلا من أن تحاكم على تجرئها وبذاءة لسانها .
أراه نقصا في التربية الإيمانية ونهج يسير عليه المجتمع للأسف في السنوات الأخيرة من التهاون المقصود في تأصيل محبة الله ورسوله وتوقيرهما , واستبدال القدوة والمثل الأعلى بقدوات غير مسلمة وغير محبة للدين , ونشر الاستهزاء بالدين ومن ينتسبون إليه ومن يتمسكون بالنهج الإيماني القويم
والبيت هو الأساس واللبنة الأولى ودرع الحماية لأبنائنا منذ الصغر , فلو ربي الأبناء على أهمية توقير الله في القلب والفعل والقول والخفاء والعلن وكذا توقير وتبجيل واحترام رسولنا والتحدث عنه بوافر الاحترام والقدسية مع أبنائنا منذ نعومة إظفارهم وتربيتهم على شدة الخوف من الله والرجاء فيه والحب له والتماس رحمته والسعي إلى مرضاته ونيل مغفرته وحب رسوله الكريم .
وقد امرنا الله عز وجل في كتابه العزيز بحسن الأدب مع رسول الله وتوقيره وتعظيم شأنه والتحدث إليه بصوت منخفض .
قال الله تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا،لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ) (الفتح:8،9)
أوجب الله عز وجل تعزيره وتوقيره صلى الله عليه وسلم ، وألزم إكرامه وتعظيمه .
قال المبرد : وَتُعَزِّرُوهُ أي ((تبالغوا في تعظيمه))
ونهى عن التقدم بين يديه بالقول وسوء الأدب بسبقه بالكلام
فقال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ)
في إهمال حقه، وتضييع حرمته (إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
والأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقتصر على الصحابة فقط أو عليه وهو حي , بل إن الأدب معه في كل شيء حيا وميتا وعند مسجده .
آداب زيارة المسجد النبوي :
الدخول إلى المسجد بالرجل اليمنى والتمسك بالأدب والسكينة، وتجنب رفع الصوت فيه .
الصلاة في الروضة الشريفة ما تيسر فقد قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة "
الذهاب في خضوع وخشوع وسكينة إلى قبر رسول الله والسلام عليه والتحدث اليه بصوت منخفض ، فإنَّ التأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم واجب حياً .
نماذج من أدب الصحابة مع رسول الله :
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((كانت أبواب النبي صلى الله عليه وسلم تـُقـْرعُ بالأظافير)).رواه البخاري
وقيل للعباس أنت أكبرُ أو النبي صلى الله عليه وسلم؟
قال : هو أكبر، وأنا ولدتُ قبله
موقف المغيرة بن شعبة في صلح الحديبية مع عمه عروة بن مسعود:
دخل عروة بن مسعود على النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل يحدثه ، ويشير بيده إليه ، حتى تمسَّ لحيته ، والمغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله صلى عليه وسلم بيده السيف ، فقال له : ((اقبض يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن لا ترجع إليك !)) فقبض يده عروةُ. رواه البخاري
أتدرون ما هي درجة الصلة بين المغيرة وعروة ؟
إن عروة عم المغيرة ومع ذلك فلا قرابة أقوى من قرابة النبي للصحابة , ولا مودة لأحد أكثر من مودتهم لرسولهم الكريم , ولا منزلة تعلو فوق منزلة حبيبهم وصفي الله وعظيم الشأن والقدر عندهم من أي احد مهما كانت درجة قرابته لهم , فهاهو المغيرة يتمعر من شدة الغضب على الطريقة التي تعامل بها عمه عروة مع نبي الله التي أظهرت عدم التوقير للحبيب المصطفى الذي أحبوه أكثر من أنفسهم وأهليهم وأموالهم .
وفي نفس الموقف في صلح الحديبية أيضا قال عروة بن مسعود في صلح الحديبية : جعل يرمق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينيه، قال : فوالله! ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم ، فدلك بها وجهه وجلده ، وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وَضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ، وما يُحِدُّون إليه النظر تعظيمًا له .
فرجع عروة إلى أصحابه ، فقال : أي قوم ! والله ! لقد وفدت على الملوك ؛ وفدت على قيصر وكسرى والنجاشي ، والله! إن رأيت ملِكًا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدًا . رواه البخاري
موقف عمرو بن العاص :
قال عمرو بن العاص –رضي الله عنه- ( ما كان أحد أحب إليَّ من رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ولا أجل في عيني منه , وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له ، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت ، لأني لم أكن أملأ عيني منه) رواه مسلم.
موقف أبو أيوب الأنصاري :
لما قدم رسول الله المدينة " نزل على أبي أيوب ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم السفل ، ونزل أبو أيوب العلو ، فلما أمسى وبات؛ جعل أبو أيوب يذكر أنه على ظهر بيتٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم أسفل منه ، وهو بينه وبين الوحي ، فجعل أبو أيوب لا ينام يحاذر أن يتناثر عليه الغبار ، ويتحرك فيؤذيه ، فلما أصبح غدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: يا رسول الله ما جعلت الليلة فيها غمضًا أنا ولا أم أيوب
فقال: " ومم ذاك يا أبا أيوب؟ "
قال: ذكرت أني على ظهر بيتٍ أنت أسفل مني ، فأتحرك ، فيتنار عليك الغبار، ويؤذيك تحركي ، وأنا بينك وبين الوحي " الحديث رواه أحمد ومسلم
وعن أبي أيوب قال : لما نزل علي رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – قلت : بأبي أنت وأمي إني أكره أن أكون فوقك ، وتكون أسفل مني ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – : " إني أرفق بي أن أكون في السفلى لما يغشانا من الناس " قال : فلقد رأيت جرة لنا انكسرت فأهريق ماؤها ، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا ما لنا لحاف غيرها ننشف بها الماء فرقا أن يصل إلى رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – شيء يؤذيه .
إن من عقيدة أهل السنة أن من آذى الصحابة ولاسيما من تواتر فضله فإسلامه على شفا جرف هار، يجب ردعه وتأديبه، فكيف بمن آذى نبياً من الأنبياء، فكيف بمن آذى محمداً صلى الله عليه وسلم؟ (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً) [الأحزاب:57].
فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فليحذر الذين يخالفون عن طاعته ودينه وسنَّته، { أن تُصيبَهم فتنةٌ }؛ محنة في الدنيا؛ كقتل أو زلازل وأهوال، أو تسليط جائر، أو عدو، أو قسوة قلب. أو كثرة دنيا؛ استدراجاً وفتنة .
قال القشيري :إن سعادة الدارين في متابعة السُّنَّة ، وشقاوتهما في مخالفتها ، ومما يصيب من خالفها : سقوط حشمة الدين عن القلب.
منقول للافاده
مبروك تثبيت موضوعك