التربية الوالدية والتحصين النفسي للتلاميذ ، مشروع برنامج الاصلاح السيكولوجي الاخلاقي ، المنظومة التربوية . التربية الحديثة
● ـ .
* ـ تمهيد .
• تشخيص الأزمة ومقترحات حلول :
سنعمل في هذا التمهيد، وقبل تقديم مشروعنا، على استعراض مختصر لوجهات نظر تناولت بالتحليل والنقد برامج الإصلاح التي تعاقبت على منظومة التعليم ببلادنا دونما جدوى تذكر، ومن بينها الميثاق الوطني للتربية والتكوين والبرنامج الاستعجالي، بغرض مساءلة عوامل تعثر تلك الإصلاحات والتي تجاوزت 10 محاولة منذ 1957، وعلى تقاسم العناصر التشخيصية الأساسية للمنظومة التربوية وتحليل أسباب اختلالاتها الكبرى، ضمن مقاربة لا تتنكر للمكتسبات وتقرّ بموضوعية بمختلف التعثرات .. آملين المساهمة في مساعي بلورة تعاقد مجتمعيّ حول مداخل التغيير ذات الأولوية، الكفيلة بإنجاح التحول الجوهري في المدرسة المغربية.
• نقدم إذن في البداية وقبل تفصيل الحديث عن مكونات مقترحنا حول ما نسميه "بالإصلاح السيكولوجي / الأخلاقي"، نماذج من تشخيص أزمة التعليم ومقترحات الحلول والتي انتهت إليها بعض الدراسات العلمية أو التي عبرت عنها بعض الجمعيات و النقابات وبرامج الأحزاب :
1- هناك من يقول بعدم توفرنا على فلسفة تربوية واجتماعية واضحة التوجهات والأهداف، تمتلك تصوراً واضحاً للإنسان / المواطن الذي نريد بناءه من خلال التربية والتكوين، وعدم توفرنا على إستراتيجية معقلنة ومخططة لمشروعنا التربوي.
وبالتالي فإننا في حاجة إلى تحديد الإنسان المغربي المنشود .. وفي حاجة إلى سياسة أو فلسفة وطنية جديدة، تكون لها القدرة على ضمان الانخراط الجاد لجميع المواطنين ومختلف هيئات المجتمع، في الفعل الكفيل بالنهوض بقطاع التربية والتعليم.
2- وفي نفس السياق نجد من يتحدث عن ضرورة إيجاد مشروع وطني مجتمعي شامل يهم مختلف القضايا الوطنية، وتكون له القدرة على تعبئة الأفراد والجماعات للمساهمة الحقيقية في الرقي بأوضاع البلاد المختلفة، وفي مقدمتها ما يخص الشأن التربوي.
3- لا يمكن عزل إصلاح التعليم عن إصلاح البناء الاجتماعي المغربي بنظرة نسقية استراتيجية، ويلاحظ أصحاب هذا التوجه عدم الربط بشكل جدلي ديناميي وتكاملي شامل، ما بين برامج وخطط ومشاريع التنمية والتجديد والإصلاح، وما بين أسس ومقومات ومقاصد النظام التربوي، ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى أن أهم "نقائص" الميثاق الوطني للتربية والتكوين على سبيل المثال : غياب النظرة الشمولية لموضوع الإصلاح، حيث لم يندرج الميثاق في إطار منظور سياسي شامل، مع غياب ملحوظ لبلورة تصور للإنسان المنشود ولمميزات الإنسان المغربي الذي نطمح إلى تكوينه والتي كان من المفروض أن تتشخص في سمات وكفايات عقلية ومعرفية وفي مميزات وجدانية وفي قيم المواطنة (الحرية والمساواة والمشاركة والمسؤولية ..) "وليس قيم سيادة الرأسمال المحلي والعالمي والشركات متعددة الجنسيات .." ولم يكن بإمكان الميثاق تخليص المدرسة المغربية، باعتبارها مؤسسة أيديولوجية، "من الاستمرار في السهر على دوام سيطرة الطبقة الحاكمة" لذا لم يكن بإمكان الإصلاح كما استهدفه الميثاق ، أن يضمن لبلادنا استقلالها داخل مجتمع دولي تسوده هيمنة العولمة المتوحشة.
4- وهناك في الطرف الآخر مواقع / مواقف ذات توجهات تقنية (تقنوقراطية) تنظر إلى الإصلاح في حد ذاته كمعطى له أهدافه المضبوطة ومحدد في الزمان والمكان (البرنامج الاستعجالي على سبيل المثال)، يمكن التعامل معه كمجال خاص وبخطة / أداة مستقلة إلى حد ما وقائمة بذاتها وتؤدي، إذا ما طبقت بأمانة، إلى إصلاح أحوال التعليم باعتباره منظومة متكاملة، دونما الحاجة إلى ثورة أو قطيعة أو تغيير شامل ودونما حاجة إلى المس بالأنظمة السياسية والاجتماعية القائمة.
5- ونجد من يتحدث عن تعبئة داخلية عامة لإنقاذ التعليم، بروح وطنية فاعلة متفاعلة مع المجتمع بمختلف مؤسساته، إن كسب الرهانات الكمية والنوعية للمدرسة المغربية يظل في حاجة إلى تعبئة مجتمعية شاملة وإلى نهج مقاربة تشاركية وتشاورية على أوسع نطاق مع القطاعات الحكومية المعنية ومع مجلسي البرلمان ومع المنظمات السياسية والنقابية ومع القطاع الخاص للتعليم ومع جمعيات الآباء والأمهات والأولياء ومع منظمات المجتمع المدني .. على أساس شراكات ممأسسة، مستديمة وخاضعة للتقويم .. وينبغي أن يقترن هذا التوجه بقيام كل طرف بمسؤوليته وأن تكون هذه المسؤولية مرتبطة بالتقويم والمحاسبة.
6- تفعيل الإصلاح التربوي رهين بتغيير ثقافتنا التربوية وممارساتنا المهنية المقاومة للتغيير ورهين أيضاً بتدبيرنا لهذا الإصلاح من حيث تسطير أولوياته.
7- كما نقرأ توجيهات تذهب إلى أن كل مشروع إصلاحي يجب أن يتسم ضرورة، بسمات الواقعية والموضوعية والمرونة والقابلية للتطبيق والإنجاز، وتجنب التعامل الاختزالي مع ضرورة اعتماد المنظور الشمولي.
8- وكثر من يدعو إلى إعادة الثقة في المدرسة المغربية، ورد الاعتبار للمدرسة الوطنية، لأن أزمة التعليم في المغرب، حسب أصحاب هذا التشخيص، أزمة مجتمع بأكمله، يختلط فيها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتربوي، وتتحمل مسؤوليتها كل الأطراف، وأول خطوة ينبغي تحقيقها قبل الحديث عن إصلاح التعليم، "هي تخليق الحياة العامة لإعادة الثقة في الدولة والإدارة، والقضاء على كل مظاهر الفساد الإداري، وسرقة المال العام، وغياب المحاسبة والمراقبة، وشراء أصوات الناخبين، واعتماد المحسوبية في إسناد المناصب العليا والدنيا".
9- في حين ننطلق نحن في دراستنا وفي مشروعنا هذا، من القول بأننا في حاجة قبل هذا وذاك إلى إعادة الثقة في أنفسنا أولاً نحن في حاجة إلى طاقة روحية (نفسية – أخلاقية) وإلى قوة في الشخصية والشعور بالأمن النفسي والطمأنينة وبقدر من معرفة الذات وتحصينها بالإيمان وترسيخ المبادئ الأخلاقية وقيم المواطنة، ضد مختلف أشكال الاضطراب والانحراف والفساد، إننا في حاجة إلى "إصلاح سيكولوجي / أخلاقي"، مستندين إلى قوله تعالى : ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ بمعنى أن ينتقلوا من الإيمان إلى الكفر ومن الطاعة إلى المعصية، أو من شكر نعم الله إلى البطر بها، فيسلبهم الله إياها، وكذلك إذا غير العباد، ما بأنفسهم من المعصية، فانتقلوا إلى طاعة الله، غير الله عليهم، ما كانوا فيه من شقاء وفقر وضلال، إلى الخير والغبطة والهداية.