تخطى إلى المحتوى

تاريخ اليهود فى مصر History of the Jews in Egypt 2024

تاريخ اليهود فى مصر History of the Jews in Egypt

تاريخ اليهود فى مصر History of the Jews in Egypt

تاريخ اليهود فى مصر History of the Jews in Egypt

تاريخ اليهود فى مصر History of the Jews in Egypt

العلاقة بين اليهود و مصر في العصر الفرعوني
بدأ تأسيس الجالية اليهودية في مصر

رغم الخروج اليهودي من مصر، بما فيه الخروج من سيناء، فإن العلاقة بين اليهود بعد هزيمتهم للكنعانيين و إستيطانهم مكانهم بفلسطين، لم تنقطع تماما، فيرد ذكر مصر و بعض حكامها في التاناخ ( المعروف في المسيحية بالعهد القديم أو التوراة و المزامير و الأمثال و كتب الأنبياء)، و قد تراوحت العلاقة بين علاقات طيبة إلى عدائية، فنجد على سبيل المثال ذكر لزواج الملك سليمان، س، ثاني ملوك بني إسرائيل، من ابنة فرعون مصر – أي حاكم مصر – كتاب الملوك الأول، الفصل الثالث، الآيتان 1 و 2. مثلما أيضا نجد أيضا تحالفات أقامها بعض الملوك من نسل داود، س، مع حكام مصر، تلك التحالفات التي أدانها أنبياء بني إسرائيل في التاناخ. و على الجانب الأخر نجد أيضا علاقات عدائية أحيانا أخرى كما في النص الذي أمر بنقشه الملك مرينبتاح بن رمسيس الثاني، و الذي يخلد فيه إنتصاره على إسرائيل بقوله: و إسرائيل هزمتها لم يعد لساكنيها من وجود

و في أوقات الأزمات التي بدأ يتعرض لها اليهود من سكان المملكة الجنوبية، و التي حكمها الملوك من نسل داود، س، مع نهايتها، بدأ سكانها في النزوح لمصر، برغم نهي التوراة الصريح لهم بالعودة لمصر. و برغم تحذير النبي إرميا من النزوح لمصر، كتاب إرميا الفصول 41 و 42 و 43 و 44 . و إن كان هذا النزوح لا يمنع أن تكون هناك جاليات يهودية سابقة على نزوح اليهود في عهد إرميا، ذلك إن العلاقات التجارية كانت قائمة بين مصر و اليهود المقيمين بفلسطين، كما ذكر في التاناخ إستيراد سليمان، س، بواسطة تجاره، لخيول و مركبات مصرية، كتاب الملوك الأول، الفصل العاشر، الآيات 28 و 29.

و كان نزوح اليهود في عهد إرميا النبي، معاصرا لحكم الملك المصري إبريس من ملوك الأسرة السادسة و العشرين الفرعونية. كما أن بعض اليهود عملوا كمرتزقة في جيوش الأسرة السادسة و العشرين الفرعونية، فأقام لهم أحد ملوكها مستعمرة في جزيرة الفنتين – فيلة – في جنوب مصر و سمح لهم بإقامة معبد هناك، و تواجد اليهود في مدينة أسوان، و قد إغلق المعبد في العصر الفارسي بأمر من الملك داريوس توددا للكهنة المصريين للإله خنوم المقيمين بالجزيرة، حيث شكل وجود المعبد اليهودي بالقرب منهم شوكة في أعينهم على حد تعبير أودلف أرمان (عالم المصريات الشهير)، كما إختفت المستعمرة و الوجود اليهودي في بدايات القرن الرابع قبل الميلادي. أما عن اليهود النازحين، الناجين من السبي البابلي، و القادمين في عصر النبي إرميا، فقد إستقروا أولا في مدينة تحفنحيس الواقعة على مشارف دلتا النيل، و منها تفرقوا في أنحاء مصر المختلفة فمنهم من إستقر بمنف و تانيس و منهم من أقام بالدلتا و الصعيد

حكامها في التاناخ ( المعروف في المسيحية بالعهد القديم أو التوراة و المزامير و الأمثال و كتب الأنبياء)، و قد تراوحت العلاقة بين علاقات طيبة إلى عدائية، فنجد على سبيل المثال ذكر لزواج الملك سليمان، س، ثاني ملوك بني إسرائيل، من ابنة فرعون مصر – أي حاكم مصر – كتاب الملوك الأول، الفصل الثالث، الآيتان 1 و 2. مثلما أيضا نجد أيضا تحالفات أقامها بعض الملوك من نسل داود، س، مع حكام مصر، تلك التحالفات التي أدانها أنبياء بني إسرائيل في التاناخ. و على الجانب الأخر نجد أيضا علاقات عدائية أحيانا أخرى كما في النص الذي أمر بنقشه الملك مرينبتاح بن رمسيس الثاني، و الذي يخلد فيه إنتصاره على إسرائيل بقوله: و إسرائيل هزمتها لم يعد لساكنيها من وجود.

اليهود والعصر البطلمى
كان اليهود أهم العناصر الأجنبية بعد الإغريق في دولة البطالمة. وقد يمم اليهود وجههم شطر مصر واستقروا فيها قبل الفتح المقدوني بأجيال كثيرة. ونستخلص ذلك من قصة سيدنا يوسف ومن أشكال الأجناس الأسيوية المصورة على آثار الدولة الوسطى. ويبدو أنه قد وفدت على مصر أفواج كبيرة من اليهود في العصر الصاوي، لأنه يقال إنه في خلالالقرن السابع كان ملوك إسرائيل يستبدلون بالجنود خيولاً مع ملك مصر، ولأن ملوك مصرفي هذا العصر كانوا يشجعون الأجانب ومن بينهم اليهود على القدوم إلى مصر للاشتغالبالتجارة والجندية، ولأنه عندما استولى نبوخذ نصر (Nebuchadnezzar) في عام 586 علىبيت المقدس هاجر إلى مصر كثير من اليهود.

وعندما أثار حامية الفنتين عطف أبسمتيك الأول (663-609) على الإغريق إلى حد أنهاهربت إلى بلاد النوبة، مما اضطر أبسميتك إلى تجنيد حامية أخرى من المرتزقةالآسيويين، يحتمل أن هذه الحامية الجديدة كانت تتضمن عدوًا من اليهود. ويحتمل كذلكأن جيش أبسمتيك الثاني (594-589) الذي قاده إلى النوبة كان يضم جنودًا من اليهود.

وقد عثر في الفنتين على مجموعة قيمة من الوثائق الأرامية. وبالرغم من أن أقدم وثيقة أرامية وصلت إلينا ترجع إلى السنة السابعة من حكم دارا الأول (522-486م) فإن إحدى هذه الوثائق تشير إلى أن المعبد الذي أقامته المستعمرةاليهودية في الفنتين يرجع إلى عهد ملوك مصر، أي إلى ما قبل الفتح الفارسي. وإزاءذلك وإزاء ما أسلفناه عن احتمال انخراط اليهود في سلك الجيش المصري على عهد ابسمتيك الأول والثاني لا يبعد أن تاريخ المستعمرة اليهودية في الفنتين يرجع إلى أواخرالقرن السابع أو أوائل القرن السادس قبل الميلاد.

ويستوقف النظر أن يهودالفنتين، وغيرهم من يهود مصر، كانوا لا يعبدون إلهًا واحدًا، إذ تذكر الوثائقالأرامية خمسة آلهة. ولما كان لمعبدهم في الفنتين خمسة مداخل، فإنه يظن أن كل مدخلمنها كان تحت رعاية واحد من هذه الآلهة. ولاشك في أن "يهوه" كان إلههم الأكبر ولافي أن معبدهم في الفنتين كان يسمى "معبد يهوه"، أما الآلهة الأربعة الأخرى فكانتعنات وبتل واشوم وحرم (Anath, Bethel, Ishur, Heren).

وقد كانت العلاقات ودية بين يهود الفنتين وكهنة الإله المصري خنوم حتى أواخر القرن الخامس قبلالميلاد، لكن الحال لم تلبث أن تبدلت. ولعل عطف الفرس على اليهود كان السبب فيإثارة المصريين عليهم، إذ بينما انتهك الفرس حرمة المعابد المصرية لم يمسوا معبد يهوه في الفنتين بسوء. وتلمس هذا العطف كذلك في وثيقة أرامية من عام 419 ق.م. تتضمن أمرًا من دارا الثاني إلى حاكم مصر الفارسي ليسمح بأحياء أحد أعياد اليهود. وتحدثنا وثيقة أرامية أخرى بأنه في عام 431 أثار كهنة الإله المصري خنومم الأهالي ضد اليهود فاعتدوا على معبدهم في الفنتين وحرموهم متابعة عبادتهم. ويبدو أنه منذ ذلك الوقت فقدت جالية اليهود في الفنتين أهميتها وأنه لم يعد بناء معبدهاثانية.

ويحدثنا المؤرخ اليهودي يوسف بأن الإسكندر الأكبر عندما فتح مصر أسكنفي منطقة طيبة جنود سانبالات (Sandallat) حاكم ساماريا، وأنزل عددًا من اليهود فيحي خاص بهم في الإسكندرية. لكنه لم يقم بعد دليل على وجود السامريين في طيبة على عهد الإسكندر ولا على أن الإسكندر هو الذي خصص حيًا لليهود في الإسكندرية، بل إن يوسف نفسه يعود في موضع آخر فيعزو إلى خلفاء الإسكندر تخصيص حي لليهود في الإسكندرية. وعندما ضمت فلسطين إلى مصر في بداية عهد البطالمة نزحت أفواج من اليهودإلى مصر من تلقاء نفسها، هذا فضلاً عن أن بطلميوس الأول نقل أفواجًا أخرى منهمليستقروا في مصر. وقد ازداد توافد اليهود على مصر في عهد بطلميوس الثاني الذي وصفبأنه صديق اليهود بسبب ما كلأهم به من الرعاية أكثر من أي ملك آخر من ملوك البطالمة حتى قيل إنه أفتدى أسراهم من ماله الخاص، وأجزل الهدايا القيمة لمعبدهم في بيت المقدس. وقد أنزل بطلميوس الثالث في الأراضي المستصلحة بالقيوم عددًا من اليهود الذي أسرهم في أثناء الحرب السورية الثالثة.

وتشير النقوش والوثائق البرديةوالآثار إلى انتشار اليهود في أنحاء مصر طوال عصر البطالمة، ففي الجبانة اليهوديةبالإبراهيمية في الإسكندرية وجدت مقابر لليهود من عهد البطالمة الأوائل وقد وجدتهياكل لليهود في أثربيس (Athribis= بنها) وماجدولا وسخديا وهرموبوليس بارفا وواديالنطرون وجزنفيريس (Xenephyris) وكروكديلون بوليس وأرسبنوي والكسندرونيسوس (Alexandrou Nesos) بالفيوم، وكذلك في ليونتوبوليس (Leontopolis) وهو الهيكل الذيمنحه بطلميوس الثالث حق حماية اللاجئين إليه ومما يجدر بالذكر أنه كانت توجد فيالفيوم قرية تدعى ساماريا وأنه وجدت نقوش يهودية في معبد بان في أبولونوبوليس (أدفو) بمنطقة طيبة.

وقد كان اليهود يمارسون في مصر مختلف الحرف والمهنكالزراعة وتربية الماشية وإدارة المصارف المالية والتزام الضرائب والجندية وأعمالالحراسة على النيل وقد تولى بعضهم مناصب ذات شأن في خدمة الحكومة، إذ نعرف (من بينهم ضابطًا وقائدًا ورئيسًا للشرطة في أثريبيس وسكرتيرًا للملك (هيبومنيما توجرفوس) وموظفًا كبيراً في الإدارة لعله كان حاكم إقليم هليوبوليس.

وقد لوحظ أنما وصل إلينا من الرسائل المعادلة لليهود التي ترجع إلى العصر الهلينيسي والعصرالروماني لا يتضمن اتهامهم بالاشتغال بالربا.
ومع ذلك فإن تاجرًا إغريقيًا كتب في عام 41 ميلادية إلى صديق له في الإسكندرية كان يعاني ضائقة مالية يوصيه بألا يدخر وسعًا في الوفاء بالتزاماته على أن يبتعد عن اليهود. والواقع أن البرديات الأرامية ترينا أنه قبل عصر البطالمة كان اليهود رجالاً ونساءً يقرضون الأموال بفوائد قد تصل أحيانًا إلى 60% غير أن الوثائق البردية لا تبرر الرأي القائل بأن العمل الرئيسي ليهود مصر كان الاشتغال بالتجارة وإقراض الأموال.

ولقد نزل اليهود بأنحاء مصر المختلفة، إلا أن أكثرهم كانوا يعيشون في الإسكندرية في الحي الرابع من هذه المدينة، وكانت تنقسم إلى خمسة أحياء يحمل كل منها اسم حرف من أولى حروف البجاء الإغريقية. وكان الحي اليهودي في الإسكندرية يحاور الحي الملكي من الناحية الشمالية الشرقية، ويمتد حتى شاطئ البحر، لكن اليهود لم يكونوا مرغمين على السكنى في الحي الرابع، فقد انتشروا فيما بعد حتى شغلوا الجانب الأكبر من حي آخر فضلاً عن انتشارهم في أحياء أخرى من المدينة، إلا أنهم كانوا يفضلون أن يعيشوا متكتلين بالقرب من بعضهم بعضًا، كما يفعلون اليوم في المدن التي ينزلون بها. وكان يوجد بالإسكندرية بطبيعة الحال عدد من الهياكل اليهودية لمثل هذه الجالية الكبيرة. وكان أكبر هذه الهياكل في العصر الروماني من أعظم المباني في الإمبراطورية، ويقال إنه كان كبيرًا إلى حد أن صوت الكاهن الذي يقوم بالمراسم الدينية كان لا يسمع من آخر القاعة فكان يقف شخص في الوسط يحمل عامًا يشير به في اللحظات التي يجب أن يقال فيها "آمن". وقد ورد في الوثائق ذكر هياكل يهودية في الإسكندرية من عهد البطالمة، ومثل ذلك الهيكل الذي بناه شخص يدعى أليبوس (Alypus) ـ وكان دون شك أحد أثرياء اليهود ـ باسم كليوبترا السابعة وبطلميوس "للإله الأكبر السميع".

يتبع

    تكوين الجالية اليهودية بالاسكندرية
    فى عصر البطالمة

    وعندما ازداد عدد يهود الإسكندرية كونوا لهم جالية، منحتقسطًا من الحكم الذاتي لم يمنح لأي جالية أخرى في أي مدينة إغريقية، حتى يقال إنهمبعد القرن الثالث منحوا الحق في ألا يحاكموا إلا أمام قضاتهم ووفقًا لقانونهم، أيقانون موسى. أما في حالة اختصام يهودي مع شخص غير يهودي، فلابد من أن المحكمةالملكية هي التي كانت تفصل في الأمر، كما كانت الحال في عهد الإمبراطورية الرومانيكان رئيس الجالية اليهودية يدعى جنارخس Genaches أو إثنارخس Ethuarches، وكان يديرشئون الجالية ويصرف العدالة فيها، ويتولى إصدار القرارات كما لو كان حاكمًا في دولة مستقلة وكان يهيمن على شئون الجالية عندئذ مجلس يدعى جروسيا (Geruusia) يبدو أن أغسطس هو الذي أنشأه إحياء لمجلس قديم كان يتمتع بالاختصاصات نفسها. وكان حكام هذه الجالية في العصر الروماني يدعون أخونتس (Archontes)، ويحتمل أنهم كانوا لجنة مؤلفة من بعض رجال المجلس. أما في عهد البطالمة، فإن الوثائق لا تطلق على حكام هذه الجالية سوى لقب الشيوخ (Presbyteroi). وتذكر بعض المصادر موظفًا يهوديًا يدعى ألابارخس (Aralarches) الذي سنذكره فيما بعد، إلا أنه ليس في وسعنا أن نحدد مهام الألابارخس، ولا أن نقرر إذا كان يمكن أن نرى فيه الأثنارخس أوالجنارخس.

    ويحدثنا المؤرخ اليهودي يوسف تارة بأن الإسكندر جعل يهودالإسكندرية متساوين في الحقوق المدنية مع المقدونيين، وتارة بأن الإسكندر خصصلليهود حيا معينا في الإسكندرية وساواهم في الحقوق المدنية مع المقدونيين، وبأنهحتى العصر الروماني كان يهود الإسكندرية يدعون مقدونيين، وتارة بأن الإسكندر سمح لليهود بالإقامة في الإسكندرية على قدم المساواة مع الإغريق وأن خلفاءه أيدوا هذا الحق فضلاً عن أنهم خصصوا لليهود حيًا معينا. ويحدثنا يوسف أيضًا استقروا في تلك المدنية منذ البداية.

    وقد فسر بعض المحدثين ذلك بأن يهود الإسكندرية كانوايتمتعون بالحقوق المدنية كاملة. ونحن نعتقد أن هذا هو فعلاً ما أراد يوسف إدخاله فيروع الناس تأييدًا ليهود الإسكندرية في كفاحهم المرير مع الرومان من أجل الفوزبحقوق المواطنة حتى لا يدفعوا ضريبة الرأس. ومن البديهي أنه لو كان اليهود يتمتعونفعلاً بحقوق المواطنة في الإسكندرية منذ إنشائها لما حرمهم الرومان تلك الحقوقوفرضوا عليهم ضريبة الرأس، فقد أبقى الرومان على الأوضاع التي وجدوها في البلادعندما فتحوها.

    ويحدثنا يوسف بأن يوليوس قيصر قضى بأن يقام في الإسكندرية نصبمن البرونز أثبت عليه أن يهود العاصمة مواطنون إسكندريون. وقد أوضحنا في مجال الكلام عن يوليوس قيصر واليهود بطلان زعم يوسف وإذا سلمنا جدلاً بأن قيصر قد فعل ذلك فإنه يحق لنا أن نتساءل عما حدا بقيصر إلى اتخاذ هذه الخطوة إذا صح أن الإسكندرية كان قد منح يهود الإسكندرية حقوق المواطنة وأن البطالمة كانوا قد أيدوا ذلك؟

    ومن ثم فإن كل القرائن تشير إلى عدم تمتع يهود الإسكندرية بالحقوق المدنية ومرد ذلك إلى المساهمة في الحكومة الإدارة نتيجة للتمتع بالحقوق المدنية كانت تقتضي عبادة آلهة المدينة وهو ما كان اليهود في عصر البطالمة يعتبرونه كفرًا. فقد كان يصاحب الراسم المدنية والحفلات الرياضية تقديم القرابين للآلهة الوثنية والقسم بتلك الآلهة والمشاركة في الأكل مما قدم إليها من قرابين، وكان ذلك لا يتفق ومراعاة الشريعة اليهودية مراعاة دقيقة.

    حقًا إننا رأينا أن يهود الفنتينكانوا يعبدون قبل عصر البطالمة آلهة وثنية، لكن يبين أنه بمضي الزمن التزم اليهودحدود ديانتهم بدليل ما سنراه من إصرارهم في عهد فيلوباتور على رفض عبادة ديونيسوسبرغم ما انطوى عليه ذلك من الإضرار بهم ولو أن الإسكندر والبطالمة الأوائل كانوا قدمنحوا يهود الإسكندرية فعلاً الحقوق المدنية لما منهم فيلوباتور بمنحهم حقوقًا مساوية لحقوق مواطني هذه المدينة إذا أقبلوا على عبادة ديونيسوس. وفضلاً عن ذلكفإنه عندما كانت الإسكندرية تعاني قحطًا وأمرت كليوبترا السابعة بتوزيع منح منالقمح على مواطني الإسكندرية لم يكن لليهود نصيب من هذه المنح لأنهم لم يكونوا فيعداد مواطني العاصمة. ويرى "بل" أن خطاب كلاوديوس إلى الإسكندريين يتضمن فقرة تدلدلالة قاطعة على عدم تمتع اليهود بحقوق المواطنة. ونص هذه الفقرة أن يهودالإسكندرية يستفيدون مما في حوزتهم ويستمتعون بثروة عريضة في م دينة ليست مدينتهم. وإزاء كل هذه الاعتبارات يمكننا الجزم بأن اليهود لم يتمتعوا إطلاقًا بحقوق المواطنة في الإسكندرية. ونحن نرى أنه لا يجوز أن تفهم من عبارات يوسف للتوبة أكثرمن السماح ليهود الإسكندرية بالإقامة فيها في حي خاص وتكوين جالية قومية لهم علىنحو ما فعل الإغريق والمقدونيون.

    اليهود فى عصر بطليموس الاول والثانى والثالث
    وقد أظهر البطالمة الثلاثة الأوائل عطفهمنحو اليهود، فقد رأينا كيف أن بطلميوس الأول أحضر أعدادًا كبيرة منهم وأسكنهم مصر،وكيف أن بطلميوس الثاني كلأهم برعايته. ويحدثنا المؤرخ اليهودي يوسف بأن فيلادلفوسأراد أن يترجم إلى الإغريقية كتب اليهود المقدسة، فأرسل إلى العازار (Eleazar) كبيرالكهنة بأورشليم بعض الهدايا وكتابًا، يطلب إليه فيه أن يرسل إلى مصر بعض علماءاليهود الدينيين وفقهائهم لينقلوا إلى اللغة الإغريقية كتبهم المقدسة. وعندما أرسلالطراز إلى بطلميوس سبعين شيخًا من خيرة اليهود، أحسن ملك مصر وفادتهم، ووقفواأنفسهم على الترجمة حتى أنجزوها في خلال اثنين وسبعين يومًا. ولا شك أن هذه القصةمخترعة، لكن قد يكون مبعثها رغبة فيلادلفوس في أن تضم مكتبته ترجمة إغريقية للكتبالمقدسة لفريق من رعاياه أو أن يهود الإسكندرية في عهد بطلميوس الثاني كانوا قدأهملوا لغتهم وأصبحوا يستعملون الإغريقية، فباتوا في حاجة إلىترجمة كتبهم السماويةإلى الإغريقية؛ أو بطلميوس الثاني كان يعطف على اليهود إلى حد أنهم عزوا إليه ترجمةكتبهم المقدسة. ومن المحتمل أن تكون ترجمتها قد بدأت في عهد هذا الملك، لكنها لمتترجم دفعة واحدة وإنما جزءًا فجزءًا في خلال الثلاثة القرون التي سبقت مولد السيدالمسيح، وأن تكون التوراة أول ما ترجم من هذه الكتب. وإذا كانت القرائن تشير إلىتغلغل الحضارة الإغريقية بين يهود ليونتوبوليس (Lentopolis = تل اليهودية بالقرب منشبين القناطر) على بعدهم عن عاصمة الحضارة الإغريقية، فلابد من أن حظ يهودالإسكندرية من هذه الحضارة كان أتم وأوفر. ومع ذلك فإن البعض يرى أن اصطباغ اليهودبالحضارة الإغريقية لم يكن أكث رمن طلاء سطحي. وعلى كل حال فإن اليهود لا في مصرفحسب بل في بلادهم نفسها أصبحوا يستخدمون اللغة الإغريقية، ويتخذون أسماء إغريقيةوغير ذلك من المظاهر الخارجية للحضارة الإغريقية.

    وقد رأينا الدليل على حدببطلميوس الثالث على اليهود وتسامحه معهم إلى حد أنه منح أحد هياكلهم حق حمايةاللاجئين إليه. أما بطلميوس الرابع فإنه نهج سياسة معادية لليهود، فالكتاب الثالثمن تاريخ المكابيين يروي كيف أن هذا الملك زار بيت المقدس، عقب انتصاره في موقعةرفح، وأعرب عن رغبته في دخول قدس الأقداس في معبد اليهود. وقد احتج كبير الكهنةواليهود دون طائل، ولم يحل دون رغبة الملك إلا العناية الإلهية، لأنه خر مريضًابالباب، مما كان سببًا في السياسة العدائية التي اتبعها فيما بعد إزاءاليهود.

    اليهود فى عهد بطليموس الرابع
    عندما عاد بطلميوس الرابع إلى مصر طلب إلى اليهود أنيعبدوا ديونيسوس، غير أنه عندما رفضت غالبيتهم الإرتداد عن دينها، وجه الملك إلىقواده وجنوده في أنحاء البلاد رسالة يذكر فيها أنه كان يريد معاملة اليهود بكرموسخاء، وأنه كان ينوي رفعهم إلى مستوى مواطني الإسكندرية، ويجعل في الإمكان اختياركهنة الديانة الرسمية الإغريقية العامة من بينهم، لكنه عندما وجد أنهم متعصبون لايمكن التفاهم معهم، وأنهم اضطهدوا النفر القليل الذين قبلوا ما أغدقه عليهم، فقدرأى تفاديًا لحدوث فتنة مباغتة أن يسجل جميع رجالهم ونسائهم وأطفالهم ويرحلوا إلىالإسكندرية لإعدامهم. ويحدثنا هذا المصدر بأن أعدادًا كبيرة منهم أرسلت إلى حلبةسباق الخيل في الإسكندرية لتطأهم بأقدامها فيلة ثملة، لكن الفيلة هاجمت جنودبطلميوس بدلاً من اليهود، فثاب الملك إلى رشده وحرر اليهود. واحتفاء بذلك اعتاداليهود أن يقيموا كل عام في مدينة بطوليميس عيدًا يدوم أربعين يومًا من 25 بشنص (Pachan) إلى الرابع من أبيب

    ويرى بعض المؤرخين أن هذه القصةمخترعة من أولها إلى أخرها لعدم وجود ما يؤيدها، بينما يرى البعض الآخر أنها مزيجمن الخيال والحقيقة. ويبدو الخيال واضحًا في محاولة صاحب هذه القصة تصوير العنايةالإلهية على نحو تبدو معه كأنها تقف على الدوام بالمرصاد لإنقاذ "الشعب المختار"،لكن الحفل الذي كان يهود مصر يقيمونه في وقت معين لم يكن اختراعًا بل حقيقيًا ولابدمن أن له منشأ تاريخيًا. ونحن نميل إلى الاعتقاد بأن هذه القصة لم تخل من الحقيقة،إذ لا يستبعد على هذا الملك الماجن رغبته في دخول أقدس مكان في الديانة اليهوديةبدافع الرغبة في الاستطلاع، وباعتباره هو نفسه إلهًا يعبد في سائر معابد مصر،ولاسيما ان القرار الذي اتخذه مؤتمر الكهنة المصريين في منف في شهر نفومبر بأنالملك طاف بأماكن أخرى تحت سيطرته ودخل المعابد التي توجد فيها، ولايبعد أن معبدبيت المقدس كان أحد هذه المعابد.

    ويحتمل أن بطلميوس الرابع، وكان متحمسًا لعبادةديونيسوس، قد خدعته شدة الشبه في الاسم بين ساباتزيوس (Sabazios) وساباوث (Sabaoth)، فاعتقد أن اليهود كانوا يعبدون ديونيسوس تحت اسم وشكل آخرين، وبما أنديونيسوس كان يسوى بسيرابيس كبير آلهة مصر الرسمي في عهد البطالمة، فلا يبعد أنهكان يحلم بإقامة عبادة واحدة في الإمبراطورية هي عبادة ديونيسوس، لتوحد بين العناصرالجنسية المختلفة في الإمبراطورية، أو على الأقل لتزيل الفوارق الدينية بين أهمعنصرين من عناصر السكان في الإسكندرية. ولا ندري إذا كان قد حاول إدخال عبادةديونيسوس في بلاد اليهود، ولكن يحتمل إنه حاول فرض هذه العبادة على يهود مصر،وعندما أبوا عليه ذلك جردهم من امتيازاتهم ولم يستردوها إلا بعد دفع غرامة مالية. وعلى كل حال لا شك في أن اليهود قد لاقوا شيئًا من الاضطهاد على يدي هذاالملك.
    اليهود في عهد بطلميوس الخامس والسادس
    وليس هناك ما يستحق الذكر فيما يتعلق باليهود في عهد بطلميوس الخامس. أما في عهد بطلميوس السادس، فقد نزح إلى مصر كثير من اليهود بسبب الأحداث التي وقعتفي فلسطين من جراء السياسة التي اتبعها أنطيوخوس الرابع هناك. وذلك لأنه عندماأرغمتته روما في عام 168 على ترك مصر وشأنها، رأى أنه لا يستطيع الاحتفاظ بملكهأمام قوة روما، إلا إذا وحد شعوب إمبراطوريته بفرض الحضارة والديانة الإغريقيةعليها جميعًا، مما أفضى إلى ذلك الاصطدام العنيف بينه وبين اليهود، على نحو مارأينا في معرض الكلام عن السياسة الخارجية.
    اليهود في عهد بطلميوس السابع
    وفي عهد بطلميوس السابع التجأ إلى مصر اليهود الناقمون على أسرة سلوقس، وكان على رأسهم أونياس الرابع (Onias) ابن أونياس الثالث، الذي كان فيما مضى كاهنًا أكبر في بيت المقدس وقضى نحبهفي مكافحة السوقيين. ويبدو أنه قد رافق أونياس عدد كبير من أتباعه، لأن بطلميوسالسادس منحهم قطعة من الأرض على فرع النيل الشرقي في المديرية العربية (Arabia)،عرفت فيما بعد باسم "إقليم أونياس".

    وحوالي عام 160 سمح لأونياس بأن يبنى على مكان معبد مصري قديم في ليونتو بولي سمعبداً يهوديًا على نمط معبد بيت المقدس، وبأ، يقيم هناك طقوس الديانة اليهودية هوموقع معبد أونياس، فقد ثبت له أن هذا التل الكبير الصناعي المعروف باسم تل اليهوديةهو موقع معبد أونياس، فقد ثبت له أن هذا التل أقيم دفعة واحدة في خلال القرنالثاني، ولاسيما أن الأطلال تتفق مع ما ذكره المؤرخ اليهودي يوسف، من أن البناءالرئيسي في المعبد الذي أقيم على التل كان يرجا يبلغ ارتفاعه ستين ذراعًا. وكان هذاالمعبد نموذجًا صغيرًا لمعبد سليمان، وقد نظم ما حوله من الأرض لتشبه على وجهالتقريب معالم الأرض المحيطة ببيت المقدس. وقد ظلت الطقوس اليهودية تقام في المعبد،إلى أن أغلقه الإمبراطور فسباسيانوس (Vespasianus) في عام 73 للميلاد. وبالرغم منأن أكثر اليهود محافظة وتقوى كانوا لا يعترفون إلا بمعبد بيت المقدس، لتمسكهم بألايبنى معبد للإله الأعظم خارج تلك المدينة، فإنه من المحتمل أن غالبية يهود مصركانوا يعتبرون معبد أونياس كعبتهم.

    وينهض كل هذا دليلاً على العطف الذيأولاه فيلومتور لليهود، والذي يتجلى كذلك في تنصيب أونياس حاكمًا على المديريةالعربية (Arabarches)، حيث أسكن اليهود وسمح لهم بإقامة معبدهم. لكن الشك يخامرنافي أن أونياس الرابع أصبح كبير قواد فيلومتور وساعده الأيمن إلى حد أنه كان يوجه السياسة المصرية. ولعل ذلك إحدى مبالغات اليهود لتأييد ادعائهم بما كان لهم من ماضمجيد. وقد حدا عطف فيلومتور على اليهود ببعض المؤخين إلى أن يعزوا إلى هذا المك ـبدلاً من فيلالفوس ـ ترجمة كتب اليهود المقدسة إلى الإغريقية. لكن هذا الرأي الذيبدا قويًا في أول ظهوره قد أصبح غير مقبول، لأن المؤرخ اليهودي د، الذي تدل القرائنعلى أنه لم يعمر بعد حكم بطلميوس الرابع، يرينا بعض الإلمام بهذه الترجمة. ولعل هذاالعطف الشديد الذي أظهره فيلومتور نحو اليهود يرجع إلى أنه، إزاء محبة أخيه بطلميوسالصغير لدى الإسكندريين وعداء المصريين للبطالمة بوجه عام، اتجه فيلومتور إلى اليهود يوليهم عطفه لكسب تأييدهم وسط المتاعب التي أكتفته من كل جانب.

    ويعتبر هذا العطف نحو اليهود نقطة هامة لا في تاريخ اليهود فحسب بل فيتاريخ مصر أيضاً، فإنه منذ ذلك الوقت بدأت تظهر الرسائل الإغريقية التي تهاجماليهود والرسائل اليهودية التي تهاجم الإغريق، كل تلك الرسائل التي ملأت تاريخالعصر الهلينيسي بالأكاذيب، وهبطت بمستوى الأمنة في كل أدب القرن الثاني قبلالميلاد. فقد اتهم الإغريق اليهود بأن حضارتهم ليست أصيلة وإنما منقولة عن غيرهم،وأنه لا ترطبهم بالأجناس الأخرى أية مشاعر إنسانية ولذلك يعيشون منطويين علىأنفسهم، وأنهم ملحدون لا يتعرفون بوجود آلهة أخرى غير يهوه. وقد دافع اليهود عنأنفسهم وأسرفوا في دفاعهم إلى حد أنهم زعموا أن حضارتهم أقدم الحضارات، وأنهم همالذين ابتدعوا العلوم والفنون والفلسفة ولقنوها للشعوب الأخرى.

    اليهود في عهد بطلميوس الثامن
    أما بطلميوسالثامن يورجتيس الثاني فكان يضمر حقدًا دفينًا لليهود، لأنهم أولاً شدوا أزر أخيهبطلميوس السادس وأخته كليوبترا الثانية ضده، وثانيًا كانوا يؤيدون كليوبترا الثانيةضده بعد وفاة بطلميوس السادس. ويروي المؤرخ يوسف عن بطلميوس الثامن، بعد عودته إلىالإسكندرية وارتقائه عرش مصر في أعقاب وفاة بطلميوس السادس، القصة التي يرويهاالكتاب الثالث من تاريخ المكابيين عن بطلميوس الرابع. إذ أن يوسف يحدثنا بأنبطلميوس الثامن حاول إهلاك حشد من اليهود تحت أقدام الفيلة، لكن هذه الحيوانات هجمتعلى جنود الملك بدلاً من اليهود، وبأ،ه لم ينقذ اليهود من انتقام الملك إلا توسلاتمحظيته، وبأن يهود الإسكندرية كانوا يحتلفون كل عام بذكرى نجاتهم. وعلى كل حال تشيربعض القرائن إلى أنه في أواخر حكم بطلميوس الثامن تحسنت علاقاته مع اليهود وأصبحت ودية.

    وفي عهد هذا الملك نشطت الرسائل المعادية لليهود والمناصرة لهم، إذ يبدو أن تأييد اليهود لبطلميوس السادس في حياته، ثم لابنه وزوجه بعد مماته، أثار فيرجال بطلميوس الثامن الرغبة في القضاء على كرامة اليهود وأهميتهم، ومن ثم ظهرتحملات لاذعة ضد اليهود الذين قابلوها بالسلاح نفسه. ومهما تكن قيمة هذه الرسائل، فإنها تشير إلى عداء الملك وأعوانه لليهود واستمرار العداء بين الإغريقواليهود.
    وقد ساعد على استمرار العداء بين الإغريق واليهود النزاع الذي وقع في عهد الحكم التالي بين كليوبترة الثالثة وابنها بطلميوس التاسع سوتر الثاني. وكانهذا الملك يميل إلى شد أرز أنطيوخوس التاسع ضد أخيه أنطيوخوس الثامن واليهود، علىحين أن كليوبترا الثالثة كانت تود مناصرة الجانب الآخر لكراهيتها لأنطيوخوس التاسعفضلاً عن رغبتها في مساعدة يهود فلطسين، ليسهل عليها التدخل في شئون سوريا، ولكي تضمن ولاء يهود مصر في النزاع الداخلي. ولذلك فإن كليوبترا الثالثة أقتفت أثر أبيها فيلومتور وأمها كليوبترا الثانية، واتبعت سياسة مشبعة بالعطف نحو اليهود.

    وليس في المصادر ما يشير إلى أن اليهود لقوا أي اضطهاد في عهد البطالمة الذين تبوأوا عرش مصر بعد ذلك، لكنه يبدو أن العداء بين الإغريق واليهوداستمر قائمًا حتى نهاية أسرة البطالمة. غير أن هذا العداء، الذي كان منشؤه سياسيًاقبل كل شيء، لم يتخذ شكلاً عنيفًا ويتعد المشادات الكلامية إلا في العصرالروماني.

    ويمكننا أن تستخلص مما مر بنا أن سياسة البطالمة الدينية بوجه عامإزاء اليهود كانت تقوم على أساس التسامح الديني، الذي قامت عليه سياستهم الدينيةإزاء المصريين والإغريق. وليس أدل على ذلك من كثرة عددهم في مصر، حتى أن عدد يهودمصر بلغ في العصر المسيحي نحوًا من مليون، في وقت كان كل سكان مصر يبلغون فيهنحوًا من سبعة ملايين ونصف مليون نفس. وذلك بالرغم من الاضطهادات العنيفة الدمويةالتي شهدها يهود مصر وذهب الكثير منهم ضحيتها في العصر الروماني، منذ عهد كاليجولا (37-41) حتى هادريانوس (118-138).

    ويمكننا أن تسخلص مما مر بنا أن سياسةالبطالمة الدينية بوجه عام إزاء اليهود كانت تقوم على أساس التسامح الديني، الذيقامت عليه سياستهم الدينية إزاء المصريين والإغريق. وليس أدل على ذلك من كثرة عددهمفي مصر، حتى أن عدد يهود مصر بلغ في العصر المسيحي نحوًا من مليون، في وقت كان كلسكان مصر يبلغون فيه نحوًا من سبعة ملايين ونصف مليون نفس. وذلك بالرغم منالاضطهادات العنيفة الدموية التي شهدها يهود مصر وذهب الكثير منهم ضحيتها في العصرالروماني، منذ عهد كاليجولا (37-41) حتى عهد هادريانوس (118-138).

    ويبدو أن سياسة البطالمة بوجه عام كانت مشبعة بالعطف على اليهود، لأن فلسطين كانت واقعة بينشقي الرحي، أو بعبارة أخرى كانت ميدان الحروب بين البطالمة والسلوقيين، الذين كانوا ينافسونهم في الاستيلاء عليها. وبطبيعة الحال كان عطف البطالمة على يهود مصر يكسبهم تأييد يهود فلسطين، ويساعدهم على تحقيق أهدافهم في سوريا .

    يتـــــــــبع

    يهود مصر في العصر الروماني
    رحب اليهود بدخول الرومان لمصر في عهد أخر ملوك البطالمة، الملكة كليوبترا السابعة، و قد كافىء أكتافيوس، الذي عرف فيما بعد بإسم أغسطس، اليهود على تأييدهم إياه، بأن أبقى لهم حقهم في مجلس للشيوخ و أكد على إحترام جميع حقوقهم التي كانت لهم في العصر البطلمي. في حين حرم سكان الأسكندرية الذين رفضوا الإحتلال الروماني لمصر، من حقهم في وجود مجلس لهم، بما جعل العلاقة بين اليهود و سكان الأسكندرية متوترة طوال العهد الروماني، و وصلت لحد الصدمات المسلحة الدموية في بعض الأحيان، و رفع أحيانا كل طرف شكواه للعاصمة الرومانية روما. على إن اليهود لم يحافظوا على المزايا التي تمتعوا بها طوال العهد الروماني بمصر، و ذلك لثوراتهم المتعددة على إمتداد القرنين الأول و الثاني للميلاد. و كانت أكبر ثوراتهم في عهد الإمبراطور ترجان عام 115 للميلاد و إستمرت لفترة وجيزة من عهد الإمبراطور هدريان، فبالرغم من إنها أخمدت بسرعة في الأسكندرية إلا إنها ظلت مشتعلة لثلاث أعوام في صعيد مصر من نهاية الدلتا إلى إقليم طيبة بصعيد مصر، و ظل صعيد مصر ميدانا لحرب عصابات خلال تلك الأعوام الثلاثة.

    و قد ظل المصريين في بعض مناطق مصر الوسطى، يتذكرون أحداث تلك الثورة بالرغم مرور مائة عام على إشتعالها، و ظل المصريين في تلك المناطق يذكرون الرومان بصدقاتهم عندما حاربوا معهم جنبا إلى جنب ضد اليهود، و ظلت ذكرى إخماد تلك الثورة إحتفالا للمصريين بالرغم من مرور مائة عام على حدوثها، فقد كانت ثورة مدمرة دمرت فيها طرق و أحرقت فيها بيوت و خربت فيها ممتلكات. كانت نتيجة ثورات اليهود، أن قلص الرومان إمتيازتهم، ففي عام 70 للميلاد، و بالرغم من عدم اشتراك يهود مصر في الثورة التي حدثت في فلسطين، فإن السلطات الرومانية أغلقت معبد اليهود بمنف، كما ألزم اليهود بدفع ضريبة قيمتها درخمتان عن كل ذكر بالغ، و التي كانوا يقدمونها من قبل للمعبد الرئيسي ببيت المقدس، و ذلك لبناء معبد للإله الروماني جوبيتر الذي أحرق اليهود معبده في ثورتهم تلك ببيت المقدس. و قد إستمر الرومان في جباية تلك الضريبة حتى بعد إنتهاء بناء المعبد و ذلك حتى القرن الثاني للميلاد. على إن الرومان لم يحاولوا رغم ذلك أن يرغموا اليهود بمصر على التحول عن عاداتهم، فأبقي لهم حق العيش حسب معتقداتهم و عادتهم، و سمح لهم بختان مواليدهم، و هو الأمر الذي حرم منه المصريين فيما عدا الذين يسلكون سلك الكهنوت

    أما عن أعداد اليهود في ذلك العصر، فيلاحظ ضخامتها بالمقارنة بالعصور التالية مع إنتشار المسيحية و الإسلام، حيث وصل عدد اليهود في دول حوض البحر المتوسط في العصر الروماني إلى ما لا يقل عن عشرة بالمائة من السكان. و ذكر العهد الجديد الكثير من تلك التجمعات، و أورد فيلون السكندري اليهودي أن تعداد يهود الأسكندرية في حياته كان مليونانسمة و كان الحي اليهودي هو أحد الأحياء الخمسة بالمدينة. على إنه يجب الأخذ في الإعتبار بأن اليهود في العصرين البطلمي و الروماني عرف عنهم نشاطهم التبشيري المحموم، و الذي أشار إليه الإنجيل، بما يعني أن هناك فارق بين اليهودي في العصرين الإغريقي و الروماني و ما سيليهما من عصور، و بين بني إسرائيل الأصليين .

    يهود مصر. . من الازدهار إلى الشتات

    الكتاب : يهود مصر. . من الازدهار إلى الشتات
    المؤلف : محمد أبو الغار
    دار الهلال – مصر
    قليلة هي الكتب والمراجع التي تحدثت بالتفصيل عن حال اليهود العرب وخاصة اليهود في مصر لكن هذا الكتاب يروي بأسلوب اقرب إلى الحكاية قصة اليهود المصريين في القرن العشرين ويشرح أصولهم ومذاهبهم المختلفة ونشاطهم الاقتصادي بجوانبه المختلفة ونشاطهم السياسي الذي تركز في الانتماء إلى التيارات الشيوعية أو الصهيونية. ولم يغفل الكتاب الذي يقع في 246 صفحة من القطع المتوسط دور يهود مصر الثقافي وعلاقتهم بالفن والصحافة الصاعدة آنذاك في مصر على أنه يلقي الضوء أيضاً على علاقة يهود مصر بالحركة الصهيونية منذ نشأتها وكذلك علاقة بقية الشعب المصري مسلميه ومسيحييه بيهود مصر والتطور المثير في تلك العلاقة من الشراكة في المواطنة إلى العداء.
    وإمعاناً في إظهار مكونات يهود مصر يصور الكتاب الحياة الاجتماعية لهذه الأقلية المتغلغلة في النسيج الاجتماعي عبر المدارس والمستشفيات والمعابد والمتاجر الكبرى ووظائف الدولة المرموقة، معرجاً على التطور الهائل الذي حدث في الشخصية اليهودية المصرية وكيف أدى التطور في القضية الفلسطينية إلى إحداث شرخ في علاقة يهود مصر بباقي المصريين.

    ما حدث لليهود في مصر خلال عهد ازدهارهم ويشرح أسباب هجرتهم ووجهتهم، لكنه في كل مفاصله تقريباً يشدد على لعب اليهود المصريين دوراً غاية في الانسلاخ من الأمة المصرية بمجرد تشكل بداية دولة لليهود في فلسطين.
    كما ناه يركز على حقيقة أن يهود مصر كانوا وجهاء ومثقفين وأغنياء خلافاً للشعب المصري الفقير آنذاك الأمر الذي فاقم من عزلتهم في كانتونات وأحياء خاصة كما هو حالهم دائماً.

    حال اليهود المصريين من مذاهب وأصول عرقية إنهم مختلفون ومتفرقون ما بين سكان حارة اليهود في القاهرة ويهود الإسكندرية وما بين السفارديم والاشكناز وطائفتي اليهود القرائين واليهود الربانيين اللتين اختصت بهما مصر دون غيرها من الدول العربية باعتبارهما أكثر الطوائف اليهودية قرباً من المصريين لغة وواقعاً اجتماعياً.

    إلى أن ثمة صراعات داخلية بين طوائف يهود مصر.
    وبكثير من التفصيل أيضا يجيب الكاتب عن سؤال الجنسية المصرية واليهود في مصر باعتبارهم مصريين أولاً وأخيراً
    تلك المرحلة التاريخية التي جمعت وجودهم على أرض مصر وصعود "مصر الفتاة" و" الإخوان المسلمين " وكنوع من التاريخ يقسم الكاتب تاريخ يهود مصر إلى فترتين: الأولى قبل الخمسينيات والثانية من عام 1957 إلى نهاية الستينيات حيث انتهى الوجود اليهودي في مصر تماماً
    أهم الشخصيات اليهودية التي لعبت دورا مهما في تاريخ مصر من أبي حصيرة و "موسي قطاوي" باشا و"يعقوب صنوع" و"فكتور نحمياس" كرموز اقتصادية وسياسية مروراً برموز الفن كـ"ليلى مراد" و"توجو مزراحي" وانتهاء بعشرات العائلات المصرية اليهودية الشهيرة مثل: "شملا"، و"حاييم" و"نجار" و"سموحة" وغيرها…

    وحول مشاركة اليهود في الحياة السياسية في مصر
    إن يهود مصر لعبوا أدواراً معلنة وأخرى مستترة في السياسة المصرية منذ القرن التاسع عشر ومن ضمن الأدوار المعلنة تأييد ثورة عرابي ومن ثم ثورة سعد زغلول، والمثير أن اليهود كانوا على علاقة بالحكم في مصر منذ عهد محمد علي حتى الملك فاروق وحتى بعد ذلك بكثير.
    أما الصحافة اليهودية فقد كان لها صولات وجولات في مصر حيث أنشأ اليهود خلال ستة عقود أكثر من 50 صحيفة بلغات متعددة خاصة الفرنسية منها حيث كانت لغة التخاطب والدراسة لأغنياء يهود مصر.
    ومن هذه الصحف صحيفة " إسرائيل" التي صدرت عام 1920 بثلاث لغات: العربية والعبرية والفرنسية لصاحبها اليهودي المصري ألبرت موصيري.

    والأكثر غرابة من إنشاء صحف يهودية في مصر في وقت مبكر هو تعاطف صحف مصرية غير يهودية مع "الصهيونية" ومع اليهود آنذاك.
    هو الذي يحدث عن يهود مصر ودورهم ومواقفهم داخل الكيان المصطنع والدولة العبرية وصولاً إلى حقيقة تاريخية تقول إن أكثر اليهود عداءً للعرب هم اليهود العرب!

    اليهود فى مصر بعد انقلاب 23 يوليو 1952

    ثلاثة انفجارات مدوية هزت اوضاع اليهود في مصر بعد الثورة وجعلتهم يغلقون ابوابهم على انفسهم، وينتظرون اللحظة المناسبة للهرب الى اسرائيل، كان الانفجار الاول المانياً في صحراء مصر الغربية، والثاني مصرياً عالمياً عقب اشتعال حرب 56، اما الانفجار الثالث فقد كان يكمن في شخصية اليهود انفسهم الذين كان من السهل عليهم ان يتحولوا الى طابور خامس لاسرائيل.
    تعددت الاسباب والنتيجة واحدة وهو خروج اليهود من مصر ولكن يظل السؤال معلقا الى الان: هل خسرت مصر بخروج اليهود، وكسبت اسرائيل؟

    قبل ان نصل لمرحلة الثورة كان لابد من الرجوع الى حقيقة وضع اليهود في مصر قبل قيام ثورة يوليو 1952 وبداية هجرة اليهود الى مصر بتشجيع من محمد علي. وقد تمتع اليهود الذين زادت هجرتهم الى مصر في عهد الخديوي اسماعيل بكل الامتيازات الاجنبية، وحسب تعداد السكان لعام 1917 فقد بلغ عدد افراد الجالية اليهودية في مصر 59.581 نسخة، وكان التطور الاقتصادي في مصر هو عامل الجذب الاساسي لقدومهم واستيطانهم فيها.

    سيطرة اليهود على البنوك

    ويرتبط تاريخ البنوك في مصر بإنشاء اليهود لها، وقد نجح اليهود بعقليتهم الاقتصادية المشهورين بها في احتكار هذا المجال. واشتهرت عائلات بعينها في عالم البنوك مثل عائلة: قطاوي والموسيري وسوارس.

    كان البنك العقاري المصري والذي تأسس عام 1880 اول بنوك مصر واسسته ثلاث عائلات يهودية سوارس ـ رولو ـ قطاوي. كان رأسمال البنك عند تأسيسه 40 مليون فرنك فرنسي، وصل الى 8 ملايين جنيه عام 1942 وقد لعب هذا البنك دورا خطيرا في الاقتصاد الزراعي المصري فنتيجة القروض التي منحها للملاك الزراعيين اصبح يتحكم في اكثر من مليون فدان مصري.

    وفي عام 1898 تم انشاء البنك الاهلي المصري والذي لعب دورا هاما في تاريخ مصر الاقتصادي، كان رأسماله 3 ملايين جنيه استرليني، وقد تحول الى بنك مركزي عام 1951، وكان «روفائيل سوارس» هو صاحب امتياز التأسيس يشاركه «ميشيل سلفاجو» و«ارنست كاسل».
    كذلك البنك التجاري المصري والذي عرف وقت تأسيسه عام 1905 باسم بنك التسليف الفرنسي ثم تحول الى شركة مساهمة مصرية باسم البنك التجاري المصري عام 1920 وكان رأسماله مليون و200 الف جنيه استرليني.
    هذه البنوك الثلاثة كانت اشهر البنوك التي سيطر عليها يهود، وكان هناك بنوك اخرى صغيرة ساهمت في تشكيل الحياة الاقتصادية في مصر.

    سيطرة اليهود على الاقتصاد المصرى

    والى جانب البنوك امتدت سيطرة اليهود لمجالات اخرى هامة مثل قطاع البترول فقد قام اميلي عدس بتأسيس الشركة المصرية للبترول برأسمال 75000 جنيه في بداية العشرينات، في الوقت الذي احتكر فيه اليهود «ايزاك ناكامولي» تجارة الورق في مصر.
    كما اشتهر اليهود في تجارة الاقمشة والملابس والاثاث حتى ان شارع الحمزاوي والذي كان مركزاً لتجارة الجملة كان به عدد كبير من التجار اليهود، كذلك جاءت شركات مثل شركة شملا: وهي محلات شهيرة اسسها «كليمان شملا» كفرع لمحلات شملا باريس، وقد تحولت الى شركة مساهمة عام 1946 برأسمال 400.000 جنيه مصري.

    شيكوريل: اسستها عائلة شيكوريل عام 1887 ورأس مجلس ادارتها «مورنيو شيكوريل» عميد العائلة، وكان رأسمال الشركة 500.000جنيه، وعمل بها 485 موظفاً اجنبياً و142 موظفاً مصرياً.

    بونتر يمولي: اشهر شركات الديكور والاثاث، اسسها هارون وفيكتور كوهين.
    جاتينيو: سلسلة محلات اسسها موريس جاتينيو الذي احتكر تجارة الفحم ومستلزمات السكك الحديدية وقد كان لموريس جاتينيو دور في دعم الحركة الصهيونية ومساعدة المهاجرين اليهود.
    وكانت عائلة «عدس» من العائلات اليهودية الشهيرة في عالم الاقتصاد واسست مجموعة شركات مثل بنزايون ـ عدس ـ ريفولي ـ هانو ـ عمر افندي.

    كما احتكر اليهود صناعات اخرى مثل صناعة السكر ومضارب الارز التي اسسها سلفاتور سلامة عام 1947 برأسمال 128.000 جنيه مصري، وكانت تنتج 250 طن ارز يوميا، وشركة الملح والصودا التي اسستها عائلة قطاوي عام 1906.
    كذلك وصلت سيطرة اليهود الى قطاع الفناق فقد ساهمت موصيري في تأسيس شركة فنادق مصر الكبرى برأسمال 145.000 جنيه وضمت فنادق كونتيننتال ـ ميناهاوس ـ سافوي ـ سان ستيفانو.

    نشط اليهود ايضا في امتلاك الاراضي الزراعية وتأسست شركات مساهمة من عائلات احتكرت بعض الزراعات مثل شركة وادي كوم امبو التي تأسست عام 1904 بامتياز مدته 99 عاماً، ورأسمال 300.000 جنيه مصري وامتلكت 30.000 فدان في كوم امبو غير 21.000 فدان وشقت 91كم من المصارف والترع و48 كم من السكك الحديدية.

    كذلك شركة مساهمة البحيرة التي تأسست في يونيو 1881 برأسمال 750.000 جنيه مصري وامتلكت 120.000 فدان.
    وعلى هذا الاساس استطاع اليهود في مصر تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة بلغت اقصاها في الفترة من 1940 وحتى 1946 في الوقت الذي كان الاقتصاد العالمي يعاني ركودا نتيجة ظروف الحرب العالمية الثانية واستطاع يهود مصر ان يصبحوا اغنى طائفة يهودية في الشرق الاوسط، ولم يتأثروا بالغاء الامتيازات الاجنبية عام 1937 أو انخفاض معدلات الهجرة الى مصر، أو حتى صدور قانون الشركات رقم 138 والذي صدر في يوليو 1947 لتنظيم الشركات المساهمة.

    يتبع

    يقول الكاتب المصري محمد أبو الغار فى كتابه «يهود مصر من الازدهار إلى الشتات»

    وقد كانت هناك جالية يهودية في الإسكندرية منذ نشأتها، وكان عدد يهود الإسكندرية في القرن التاسع عشر نحو 4 آلاف يهودي، ووصل عددهم إلى 18 ألفا في أوائل القرن العشرين، وارتفع إلى أربعين ألفا عام 1948، وكانت الهجرة من اليونان وتركيا وسورية ولبنان وفلسطين والمغرب وكذلك ايطاليا وفرنسا وكان نصف يهود الإسكندرية من اليهود المصريين والنصف الآخر ينقسم إلى ثلاثة أقسام أولهم اللادينو من سكان البحر الأبيض المتوسط الذين هاجروا من أسبانيا والثلث الثاني من يهود إيطاليا وشرقي أوروبا، والثلث الثالث من يهود المغرب والشرق الأوسط الذين يتكلمون العربية

    وفي أوائل الثلاثينات هاجرت مجموعة من يهود سالونيكي والنمسا والمجر وبولندا إلى مصر هربا من صعود النازية في ألمانيا.الهجرة إلى فلسطين عند اندلاع الحرب العالمية الأولى، قامت السلطات العثمانية في فلسطين بترحيل نحو خمسة آلاف يهودي إلى مصر

    وحسبما يورد الكتاب فان سوارس رئيس الجالية اليهودية في الإسكندرية قام بالضغط على
    القنصليات الأجنبية في الإسكندرية لتلعب دورا في حماية ومساعدة اليهود، وقد أنشأت الجالية مدارس لأطفالهم وكان عدد التلاميذ يتعدى الالف، وكانت لغة التدريس هي العبرية وظلت هذه المدارس مفتوحة لمدة 3 سنوات حتى عام 1918 حين عاد اليهود إلى القدس مرة أخرى وساهم في توفير الأموال اللازمة للمهاجرين يهود القاهرة وإنجلترا وأميركا.

    وكان اليهود المصريون يعاملونهم بكثير من
    الحذر والقلق لانهم لاحظوا انهم مختلفون، بينما كان اليهود المهاجرون يعتقدون أن اليهود المصريين كسالى ومحافظون للغاية.ويشير أبو الغار الى ان اليهود لعبوا دورا مهما في مصر الحديثة
    التي يمكن أن يعد قدوم الحملة الفرنسية نقطة بداية لها، وكانت دعوة نابليون اليهود إلى الوقوف في صفه ومساعدته وما أبداه من تعاطف مع فكرة إعطاء وطن قومي لليهود هي أول بادرة في هذا الاتجاه من قوة أوروبية كبرى.

    واثناء حكم محمد علي حدث انفتاح كبير في مصر على الأوروبيين والأرمن ومختلف الجنسيات الأجنبية.وقد بدأ اليهود حينئذ يحتلون وضعا متميزا، ووصل عددهم لما يقرب من تسعة الاف يهودي في عهده. وبدأت الجالية اليهودية تتبوأ مناصب مهمة، وكان أهمهم يعقوب مؤسس عائلة قطاوي الشهيرة، وقد تولى منصب رئيس الصرافيين وجامعي الضرائب وعدة مناصب توازي منصب وزير الخزانة الآن، وفي تعداد عام 1927 أصبح عدد اليهود 55063 ثم اصبح 64165 عام 1947 وهو اخر تعداد قبل هجرة اليهود النهائية من مصر خلال العقد التالي، وهناك من يقدرهم بنحو 75 الفا حيث ان الكثيرين منهم لم يسجلوا انفسهم في التعداد.وقد لعب اليهود دورا كبيرا ـ حسب الكتاب ـ في الاقتصاد المصري فمنهم شيكوريل الذي أسس متاجر شيكوريل وريكو وساهم في تأسيس بنك مصر.

    وكان شيكوريل الأب رئيسا للغرفة التجارية المصرية وقاضيا في المحكمة المختلطة وانشأ سوارس بنكا، وسمي احد ميادين القاهرة المهمة باسمه، لكن تغير الاسم عام 1922 إلى ميدان مصطفى كامل. وهناك موسى قطاوي الذي أسس خط سكة حديد أسوان وشرق الدلتا وشركة ترام وسط الدلتا. وهناك أيضاً عائلة منشه ـ من اصل نمساوي ـ وعاشت في الإسكندرية وحضر عميدها إلى مصر أثناء افتتاح قناة السويس وبدأ حياته صرافا ثم اشترك في مشروعات كثيرة. مشروع استيلاء على وطن

    * تذكر كتب التاريخ ان هناك ثلاثة مشروعات للاستيطان اليهودي أثنان منها في مصر احدهما في منطقة شرم الشيخ، وآخر في العريش، اما الثالث فكان في فلسطين. وقد فشل مشروع شرم الشيخ الذي بدأ نهاية القرن الـ 19 بسبب المعارضة العثمانية، وهجوم زعماء البدو، ثم كان مشروع العريش الذي يذكر أبو الغار أنه وافقت عليه بريطانيا، كما يذكر المؤلف.. وقد وصلت البعثة الصهيونية إلى مصرعام 1903 لعمل ترتيبات لاستيطان منطقة العريش وهجرة ملايين اليهود اليها، مع عمل الترتيبات اللازمة لفتح مياه النيل إلى المنطقة.

    لكن المشروع تأجل بسبب معارضة قوية من اللورد كرومر بالرغم من موافقة الحكومة البريطانية، فقد كان يرفض أن يتدخل أحد في مشروعاته الزراعية في مصر التي تعتمد على النهر.ويذكر الكتاب إلى ان أول جمعية صهيونية في مصر تكونت عام 1897 وسرعان ما تكونت 14 جمعية في القاهرة والإسكندرية واتحدت عام 1917 وكونت الاتحاد الصهيوني وكان رئيسه جاك موصيري واصدروا مجلة «إسرائيل» بالفرنسية، ونظموا احتفالا كبيرا بمناسبة إصدار وعد بلفور، حضره 8 آلاف يهودي، كما ارسل موصيري برقية شكر إلى رئيس وزراء بريطانيا لويد جورج. ومعروف ان 4 الاف يهودي فقط غادروا مصر إلى فلسطين في الفترة من 1917 ـ إلى 1947 ومعظمهم لم يكونوا مصريين أصلا بل مغاربة ويمنيين واشكيناز ويرجع البعض ذلك إلى الحالة المادية الممتازة لليهود المصريين والأمن الذي كان يتمتعون به.

    خروج اليهود

    لكن كان لقيام اسرائيل عام 1948 واندلاع الحرب بين اليهود والعرباثره في تحديد دور طائفة اليهود في مصر، وبعد قيام ثورة يوليو، ازداد الموقف اضطرابا، بعد ان تغيرت موازين القوى بين العائلات اليهودية والسلطة الحاكمة في مصر،فقام معظمهم بتصفية اعماله واملاكه، وهاجر الكثير منهم الى اوروبا واميركا واسرائيل.

    وقد ازدادت هجرة اليهود من مصر بعد فضيحة لافون عام 1955، تلك العملية التي حاول فيها الموساد الاسرائيلي افساد العلاقة بين مصر والدول الاجنبيةعن طريق اظهار عجز السلطة عن حماية المنشآت والمصالح الاجنبية. وقتها كان عدد اليهود في مصر 145 الف يهودي جرى تهريبهم بأموالهم عن طريق شبكة «جوشين» السريةالتي كانت تتولى تهريب اليهود المصريين الى فرنسا ـ ايطاليا ـ ثم الى اسرائيل.
    وقد تضاربت الآراء حول مسألة خروج اليهود من مصر، البعض اكد ان عبدالناصر طردهم، واخرون قالوا انهم خرجوا من تلقاء انفسهم

    يقول الدكتور محمد ابو الغار

    لماذا خرج اليهود من مصر؟ يقول أبو الغار ان ما حدث للفلسطينيين في الأربعينات غير مسار الشارع من تيار مصري وطني إلى تيار عربي قومي، ولو كان اليهود المصريون يريدون فعلا ان ينصهروا في بوتقة الشعب المصري لأعلنوا بوضوح ان ما يحدث في فلسطين عمل غير إنساني، وانهم يتفقون مع الشعب المصري في تأييده للفلسطينيين، لكن ذلك لم يحدث، بل بالعكس عندما قويت شوكة الدولة اليهودية حتى قبل إعلانها تحول بعض اليهود المصريين إلى الصهيونية وبدأت هجرة البعض إلى إسرائيل

    وعندما قامت ثورة يوليو 1952 كانت حريصة على طمأنة اليهود والحفاظ على ممتلكاتهم وأمنهم، وكانت هناك أقاويل عن احتمال قيام مباحثات بين عبد الناصر وإسرائيل لكن الحكومة الإسرائيلية سرعان ما نفذت عملية سوزان التي جندت فيها يهودا مصريين، والتي يعتبرها أبو الغار أظهرت اليهود بمظهر الطابور الخامس في وطنهم، وردا على إعدام اثنين من الإرهابيين اليهود، قامت اسرائيل بالهجوم على غزة، ثم كان العدوان الثلاثي الذي اشتركت فيه إسرائيل بدون سبب وشارك ضمن جنودها اليهود المصريون الذين جندوا في إسرائيل ومن الأسباب أيضا ازدياد نفوذ الصهيونية العالمية التي ضغطت على اليهود المصريين لترك مصر ترغيبا في حياة افضل في إسرائيل

    كما ان التوجه المصري كان ضد القوى المرتبطة بقوى أجنبية وبهذا خرج من مصر ما بين عامي 56 و1960 نحو 36 ألف يهودي منهم 13 ألف يهودي نقلتهم الوكالة اليهودية إلى إسرائيل وبقيت أعداد قليلة اخذت تهاجر رويدا رويدا حتى لم يتبق منهم سوى 300 يهودي فقط عام 1970 من اصل ألف يهودي في عام النكبة

    ويقول الدكتور نبيل عبد الحميد استاذ التاريخ المعاصر والحديث:

    كل الظروف تضافرت في اخراج اليهود من مصر بعد الثورة فعبد الناصر كزعيم له مسار وطني شعر أن من واجبه اخراج اليهود، وبخاصة بعد فضيحة لافون، بالاضافة الى ان الفكرة الصهيونية سيطرت على عقول اليهود في مصر ففي اسرائيل كانوا يروجون لفكرة ارض الميعاد، والاستقرار والوطن القومي، وهذه تيمات عزف عليها الصهاينة لكن الترحيل الفعلي لباقي اليهود تم بعد عام 1961 بعد صدور قرارات التأميم، فلم يعد لليهود مكان في الحياة الاقتصادية ففروا بأموالهم وانفسهم.

    لكن ينبغي الا ننسى ان هناك يهودا لم ينظروا لديانتهم على انها جنسية، ولكنها مجرد ديانة وكانوا مصريين حتى النخاع، وهناك المحامي الشهير المصري اليهودي شحاته هارون الذي اصر على عدم ترك مصر، ومات فيها وبعد وفاته رفضت عائلته استقدام حاخام من اسرائيل للصلاة عليه.
    أما د. رفعت السعيد امين عام حزب التجمع يقول: 80% من سماسرة البورصة المصرية كانوا يهودا ولكن لا ننسى ان الثورة لم تتعرض لمشكلة اليهود الا بعد عدوان 1956 لانه لم تظهر مشكلة منهم قبل ذلك، وليس صحيحاً انه تم ترحيل اليهود بسبب ديانتهم، ولكن بسبب الخوف من أن يصيروا طابورا خامسا لاسرائيل في مصر. ورغم ذلك بقي في مصر عدد من اليهود الذين لم يكونوا على علاقة باسرائيل والرافضين للصهيونية.

    والثورة لم تفكر في التصدي لمشكلة اليهود بعد قيامها لانها لم تكن مستعدة لاستيعاب البنية الاقتصادية المملوكة لليهود ولا شك ان هناك يهوداً ظلموا من جراء هذا القرار والنتائج طبعا كانت تركهم لمصانعهم وارضهم وشققهم وكلنا يعلم اين ذهبت شقق اليهود اخذتها الحراسة وتم توزيعها على ضباط الجيش.

    ويقول د. يونان لبيب رزق: خروج اليهود من مصر بدأ مع تقدم القوات الالمانية في صحراء مصر الغربية فقد خشي اليهود من انتصار الالمان في الحرب، وتكرار مذابح النازي في مصر ففروا الى جنوب افريقيا ومع قيام الثورة كان هناك حرص على عدم الصدام باليهود لكن اول صدام بين اليهود والثورة كان بعد غارة اسرائيل على غزة عام 1955، ثم كانت التصفية الاجبارية بعد عدوان 1956 كان اليهود شاعرين بوجود عداء ضدهم في الوقت الذي بدأ فيه تمصير المؤسسات الاقتصادية فشعروا ان هناك اتجاهاً ضدهم. ولا شك ان اسرائيل كسبت من يهود مصر الذين مثلوا اضافة اقتصادية لها، والان لا نستطيع القول هل اخطأ عبد الناصر أم لا، فالمسائل لا تؤخذ الا بوضع الظروف التاريخية المحيطة بالقرار في عين الاعتبار.

    ويؤيد خالد محيي الدين عضو مجلس قيادة ثورة يوليو ذلك قائلا: كان الجو العام ضد اليهود، الناس في الشارع كانت ترفض ما يحدث، ليس السلطة بمفردها، وعبد الناصر كان حريصاً على ان يمنعهم من اللعب بمقدرات البلاد، وامسك البلد بيد من حديد، وهذا لم يرض اليهود، وكان خروج الكثير منهم بعد عام 1956

    حارة اليهود

    لم تكن حارة اليهود حارة بالمعنى الحرفي، فهي كما يورد أبو الغار، في الحقيقة حي كامل فيه شوارع وحارات كثيرة متصلة ببعضها البعض، وتقع في وسط القاهرة بين القاهرة الإسلامية والخديوية،

    وسكنها أعداد كبيرة من المسلمين والأقباط. وكان سكانها من اليهود مرتبطين بأمرين أولهما الدخل المحدود والثاني القرب من مصادر الرزق بالنسبة للحرفيين في الصاغة وغيرها. أما من تحسنت احواله المادية فكان يهجر الحارة إلى عابدين أو باب اللوق أو باب الشعرية. ومن يغتني أكثر، ينتقل إلى العباسية أو مصر الجديدة، ولم تكن الحارة ـ الشهيرة ـ مكانا إجباريا ملزما لسكن اليهود في أي زمان من التاريخ الحديث لمصر.

    المعابد اليهودية فى مصر

    معبد القاهرةالكبير

    تمتع يهود مصر بحريتهم في ممارسة شعائرهم الدينية واستفادوا منمساندة الحكومة المصرية لهم والتي تمثلت في تزويدهم بأراضي البناء واموال لاقامةالمعابد، اشهر تلك المعابد والموجودة حتى الان معبد القاهرة الكبير في 17 شارع عدليوقد شيدته عائلة موصيري عام 1903 ويعد من اجمل المعابد اليهودية في القاهرة، تمتجديدة عام 1981 باموال تبرع بها المليونير الصهيوني «نسيم جاعون». هذا المعبد يحرصعلى زيارته السائحون اليهود والطائفة اليهودية في مصر يؤدون صلواتهم فيه، قام شيمعون بيريس بافتتاح تجديد المعبد رسميا عام 1990.

    معبد فيثالي مادجار
    معبد فيثالي مادجار بشارع المسلة
    وهو على بعد خطوات من قصر الرئاسة المصرية بمنطقة مصر الجديدة
    معبد مائير انائيم
    المعادي يوجد معبد مائير انائيم في 55 شارع 13 وكان المحامي اليهودي يوسف سلامةمقيما به حتى وفاته في سبتمبر عام 1981

    معابد الأسكندرية

    كلها معابد صغيرة مثل الزوايا التى تقام فيها الصلوات الخاصة بنا نحن المسلمين وللعلم فأن عدد اليهود بمدينة الأسكندرية 24 فرد فقط وتقول هيئة الأثار أنه لا يوجد بالأسكندرية غير معبد واحد.

    معبد <الياهوحنابى >

    بشارع النبي دانيال:
    وهو من أقدم وأشهر معابد اليهود في الإسكندرية. شيد عام 1354 تعرض للقصف من قبل الحملة الفرنسية علي مصر عندما أمر نابليون بقصفه لإقامة حاجز رماية للمدفعية بين حصن كوم الدكة والبحر، وأعيد بناؤه مرة أخرى عام 1850 بتوجيه ومساهمة من أسرة محمد علي.
    رئيس الطائفة اليهودية الحالي بالأسكندرية د. ماكس سلامه، طبيب الاسنان المعروف بالإسكندرية، 92 عاما. و يرأس الطائفة منذ 6 سنوات

    دكتور / ماكس سلامة

    بمدخل المعبد، تطالعك آيات قرآنية معلقة في حجرة، إنها حجرة الأستاذ عبد النبي أبوزيد المسؤول الإداري بالمعبد، يعمل به منذ 20 عاماًتأتي الوفود للاحتفال برأس السنة اليهودي في شهر سبتمبر (أيلول)، وعيد الغفران والحانوكاة والبوريم وعيد المظلة، وسمحات أورات وعيد الفصح

    معبد «منشه»

    أسسه البارون يعقوب دي منشه عام 1860 بميدان المنشية، وهو مبني بسيط مكون من طابقين معبد «الياهو حزان»:
    بشارع فاطمة اليوسف بحي سبورتنج الذي أنشئ عام 1928
    معبد جرين:الذي شيدته عائلة جرين بحي محرم بك عام 1901
    ومعبد يعقوب ساسون عام 1910 بجليم
    ومعبد كاسترو الذي أنشأه موسي كاسترو عام 1920 بحي محرم بك
    ومعبد نزاح اسرائيل الاشكنازي عام 1920،

    معبد «شعار تفيله» أسسته عائلتا «انزاراوت» و«شاربيه» عام 1922 بحي كامب شيزار، هذا الى جانب بعض المعابد التي هدمت واندثرت.

    يتصفح الموضوع حالياً : 79 (1 عدلات و 78 زائرة) ‏ريموووو

    الف شكر

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.