{ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم}
إعراب الآية :
جملة "وخرُّوا" معطوفة على جملة "رفع" ، "سجَّدا" حال من الواو في "خرُّوا"، "يا أبت": منادى مضاف منصوب بالفتحة المُقَدَّرة على ما قبل ياء المتكلم المنقلبة تاء، ونقلت كسرة المناسبة إلى التاء، الجار "مِنْ قبل" متعلق بحال من "رؤياي"، "حقا" مفعول ثان، وجملة "قد جعلها" حال من "رؤياي"، وجملة "وقد أحسن بي" معطوفة على مقول القول، وجملة "أخرجني" مضاف إليه، "إذ" ظرف زمان متعلق بـ"أحسن"، والمصدر "أن نزغ" مضاف إليه. قوله "لما يشاء": اللام زائدة للتقوية؛ لأن "لطيف" بمعنى مدبِّر، "ما" اسم موصول مفعول به، والضمير "هو" توكيد للهاء في "إنه"، وجملة "إنه هو العليم" مستأنفة.
الألفاظ المشتركة في الآية الكريمة :
بدا
– بدا الشيء بدوا وبداء أي: ظهر ظهورا بينا، قال الله تعالى: (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون( [الزمر/47]، (وبدا لهم سيئات ما كسبوا( [الزمر/48]، (فبدت لهما سوآتهما( [طه/121].والبدو: خلاف الحضر، قال تعالى: (وجاء بكم من البدو( [يوسف/100] أي: البادية، وهي كل مكان يبدو ما يعن فيهن أي: يعرض، ويقال للمقيم بالبادية: باد، كقوله تعالى: (سواء العاكف فيه والباد( [الحج/25]، (لو أنهم بادون في الأعراب( [الأحزاب/20].
سجد
– السجود أصله: التطامن (التطامن: الانحناء) والتذلل، وجعل ذلك عبارة عن التذلل لله وعبادته، وهو عام في الإنسان، والحيوانات، والجمادات، وذلك ضربان: سجود باختيار، وليس ذلك إلا للإنسان، وبه يستحق الثواب، نحو قوله: (فاسجدوا لله واعبدوا( [النجم/62]، أي: تذللوا له، وسجود تسخير، وهو للإنسان، والحيوانات، والنبات، وعلى ذلك قوله: (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال( [الرعد/ 15]، وقوله: (يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله( [النحل/48]، فهذا سجود تسخير، وهو الدلالة الصامتة الناطقة المنبهة على كونها مخلوقة، وأنها خلق فاعل حكيم، وقوله: (ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون( [النحل/49]، ينطوي على النوعين من السجود، التسخير والاختيار، وقوله: (والنجم والشجر يسجدان( [الرحمن/6]، فذلك على سبيل التسخير، وقوله: (اسجدوا لآدم( [البقرة/34]، قيل: أمروا بأن يتخذوه قبلة، وقيل: أمروا بالتذلل له، والقيام بمصالحه، ومصالح أولاده، فائتمروا إلا إبليس، وقوله: (ادخلوا الباب سجدا( [النساء/154]، أي: متذللين منقادين، وخص السجود في الشريعة بالركن المعروف من الصلاة، وما يجري مجرى ذلك من سجود القرآن، وسجود الشكر، وقد يعبر به عن الصلاة بقوله: (وأدبار السجود( [ق/40]، أي: أدبار الصلاة، ويسمون صلاة الضحى: سبحة الضحى، وسجود الضحى، (وسبح بحمد ربك( [طه/130] قيل: أريد به الصلاة (أخرج عبد الرزاق وغيره عن ابن عباس في الآية قال: هي الصلاة المكتوبة)، والمسجد: موضع الصلاة اعتبارا بالسجود، وقوله: (وأن المساجد لله( [الجن/18]، قيل: عني به الأرض، إذ قد جعلت الأرض كلها مسجدا وطهورا كما روي في الخبر (عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نصرت بالرعب، وأوتيت جوامع الكلم، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وبينا أنا نائم أتيت بمفاتح خزائن الأرض فتلت في يدي) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام 13/209؛ وانظر: شرح السنة 13/198)، وقيل: المساجد: مواضع السجود : الجبهة والأنف واليدان والركبتان والرجلان، وقوله: (ألا يسجدوا لله( [النمل/25] (هي بتخفيف ألا، على أنها للاستفتاح، وبها قرأ الكسائي ورويس وأبو جعفر. الإتحاف 336) أي: يا قوم اسجدوا، وقوله: (وخروا له سجدا( [يوسف/100]، أي: متذللين، وقيل: كان السجود على سبيل الخدمة في ذلك الوقت سائغا، وقل الشاعر:- 226 – وافى بها لدراهم الإسجاد(هذا عجز بيت، وشطره:من خمر ذي نطف أغن منطقوهو للأسود بن يعفر، والبيت في المفضليات ص 218؛ والمجمل 2/486)عنى بها دراهم عليها صورة ملك سجدوا له.
عرش
– العرش في الأصل: شيء مسقف، وجمعه عروش. قال تعالى: (وهي خاوية على عروشها( [البقرة/259]، ومنه قيل: عرشت الكرم وعرشته: إذا جعلت له كهيئة سقف، وقد يقال لذلك المعرش. قال تعالى: (معروشات وغير معروشات( [الأنعام/141]، (ومن الشجر ومما يعرشون( [النحل/68]، (وما كانوا يعرشون( [الأعراف/137]. قال أبو عبيدة (راجع: مجاز القرآن 1/227) : يبنون، واعترش العنب: ركب عرشه، والعرش: شبه هودج للمرأة شبيها في الهيئة بعرش الكرم، وعرشت البئر: جعلت له عريشا. وسمي مجلس السلطان عرشا اعتبارا بعلوه. قال: (ورفع أبويه على العرش( [يوسف/100]، (أيكم يأتيني بعرشها( [النمل/38]، (نكروا لها عرشها( [النمل/41]، (أهكذا عرشك( [النمل/42]، وكني به عن العز والسلطان والمملكة، قيل: فلان ثل عرشه. وروي أن عمر رضي الله عنه رؤي في المنام فقيل: ما فعل بك ربك؟ فقال: لولا أن تداركني برحمته لثل عرشي (انظر: البصائر 4/24؛ وعمدة الحفاظ: عرش). وعرش الله: ما لا يعلمه البشر على الحقيقة إلا بالاسم، وليس كما تذهب إليه أوهام العامة؛ فإنه لو كان كذلك لكان حاملا له، تعالى عن ذلك، لا محمولا، والله تعالى يقول: (إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده( [فاطر/41]، وقال قوم: هو الفلك الأعلى والكرسي فلك الكواكب، واستدل بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما السموات السبع والأرضون السبع في جنب الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة والكرسي عند العرش كذلك) (الحديث عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله أيما أنزل عليك أعظم؟ قال: (آية الكرسي)، ثم قال: (يا أبا ذر ما السموات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة). أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات ص 511؛ وابن أبي شيبة في كتاب العرش ص 77. وهو ضعيف) وقوله تعالى: (وكان عرشه على الماء( [هود/7]، تنبيه أن العرش لم يزل منذ أوجد مستعليا على الماء، وقوله: (ذو العرش المجيد( [البروج/15]، (رفيع الدرجات ذو العرش( [غافر/15]، وما يجري مجراه قيل: هو إشارة إلى مملكته وسلطانه لا إلى مقر له يتعالى عن ذلك.
لطف
– اللطيف إذا وصف به الجسم فضد الجثل، وهو الثقيل، يقال: شعر جثل (الجثل والجثيل من الشجر والثياب والشعر: الكثير الملتف، وقيل: هو من الشعر ما غلظ وقصر. وقيل: ما كثف واسود. انظر: اللسان (جثل) ؛ وتهذيب اللغة 11/20)، أي: كثير، ويعبر باللطافة واللطف عن الحركة الخفيفة، وعن تعاطي الأمور الدقيقة، وقد يعبر باللطائف عما لا تدركه الحاسة، ويصح أن يكون وصف الله تعالى به على هذا الوجه، وأن يكون لمعرفته بدقائق الأمور، وأن يكون لرفقه بالعباد في هدايتهم. قال تعالى: (الله لطيف بعباده( [الشورى/19]، (إن ربي لطيف لما يشاء( [يوسف/100] أي: يحسن الاستخراج. تنبيها على ما أوصل إليه يوسف حيث ألقاه إخوته في الجب، وقد يعبر عن التحف المتوصل بها إلى المودة باللطف، ولهذا قال: (تهادوا تحابوا) (الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تهادوا تحابوا) أخرجه البخاري في الأدب المفرد برقم (594)، وسنده حسن كما قال الحافظ ابن حجر؛ وأخرجه ابن عدي في الكامل 4/1441). وقد ألطف فلان أخاه بكذا.
نزغ
– النزغ: دخول في أمر لإفساده. قال تعالى: (من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي( [يوسف/100].
تفسير الجلالين :
100 – (ورفع أبويه) أجلسهما معه (على العرش) السرير (وخروا) أي أبواه وإخوته (له سجدَّاً) سجود انحناء لا وضع جبهة ، وكان تحيتهم في ذلك الزمان (وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً وقد أحسن بي) إلي (إذ أخرجني من السجن) لم يقل من الجب تكرماً لئلا يخجل إخوته (وجاء بكم من البدو) البادية (من بعد أن نزغ) أفسد (الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم) بخلقه (الحكيم) في صنعه ، وأقام عنده أبواه أربعا وعشرين سنة أو سبع عشرة سنة وكانت مدة فراقه ثماني عشرة أو أربعين أو ثمانين سنة وحضره الموت فوصى يوسف أن يحمله ويدفنه عند أبيه فمضى بنفسه ودفنه ثمة ، ثم عاد إلى مصر وأقام بعده ثلاثا وعشرين سنة ولما تم أمره وعلم أنه لا يدوم تاقت نفسه إلى الملك الدائم فقال
تفسير ابن كثير :
وقوله " ورفع أبويه على العرش" قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد يعني السرير أي أجلسهما معه على سريره " وخروا له سجدا" أي سجد له أبواه وإخوته الباقون وكانوا أحد عشر رجلا " وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل" أي التي كان قصها على أبيه من قبل " إني رأيت أحد عشر كوكبا " الآية وقد كان هذا سائغا في شرائعهم إذا سلموا على الكبير يسجدون له ولم يزل هذا جائزا من لدن آدم إلى شريعة عيسى عليه السلام فحرم هذا في هذه الملة وجعل السجود مختصا بجناب الرب سبحانه وتعالى هذا مضمون قول قتادة وغيره وفي الحديث أن معاوية قدم الشام فوجدهم يسجدون لأساقفتهم فلما رجع سجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما هذا يا معاذ ؟ فقال إني رأيتهم يسجدون لأساقفتهم وأنت أحق أن يسجد لك يا رسول الله فقال لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها وفي حديث آخر : أن سلمان لقي النبي صلى الله عليه وسلم في بعض طرق المدينة وكان سلمان حديث عهد بالإسلام فسجد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لا تسجد لي يا سلمان واسجد للحي الذي لا يموت والغرض أن هذا كان جائزا في شريعتهم ولهذا خروا له سجدا فعندها قال يوسف" يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا " أي هذا ما آل إليه الأمر فإن التأويل يطلق على ما يصير إليه الأمر كما قال تعالى " هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله " أي يوم القيامة يأتيهم ما وعدوا به من خير وشر وقوله " قد جعلها ربي حقا " أي صحيحة صدقا يذكر نعم الله عليه" وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو " أي البادية قال ابن جريج وغيره كانوا أهل بادية وماشية وقال كانوا يسكنون بالعربات من أرض فلسطين من غور الشام قال وبعض يقول كانوا بالأولاج من ناحية شعب أسفل من حسمى وكانوا أصحاب بادية وشاء وإبل " من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء " أي إذا أراد أمرا قيض له أسبابا وقدره ويسره" إنه هو العليم " بمصالح عباده الحكيم " في أقواله وأفعاله وقضائه وقدره وما يختاره ويريده قال أبو عثمان النهدي عن سليمان كان بين رؤيا يوسف وتأويلها أربعون سنة قال عبد الله بن شداد وإليها ينتهي قص الرؤيا رواه ابن جرير وقال أيضا حدثنا عمر بن علي حدثنا عبد الوهاب الثقفي حدثنا هشام عن الحسن قال كان منذ فارق يوسف يعقوب إلى أن التقيا ثمانون سنة لم يفارق الحزن قلبه ودموعه تجري على خديه وما على وجه الأرض عبد أحب إلى الله من يعقوب وقال هشيم عن يونس عن الحسن ثلاث وثمانون سنة وقال مبارك بن فضالة عن الحسن ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة فغاب عن أبيه ثمانين سنة وعاش بعد ذلك ثلاثا وعشرين سنة فمات وله عشرون ومائة وقال قتادة كان بينهما خمس وثلاثون سنة وقال محمد بن إسحاق : ذكر والله أعلم أن غيبة يوسف عن يعقوب كانت ثماني عشرة سنة قال وأهل الكتاب يزعمون أنها كانت أربعين سنة أو نحوها وأن يعقوب عليه السلام بقي مع يوسف بعد أن قدم عليه مصر سبع عشرة سنة ثم قبضه الله إليه وقال أبو إسحاق السبيعي عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال : دخل بنو إسرائيل مصر وهم ثلاثة وستون إنسانا وخرجوا منها وهم ستمائة ألف وسبعون ألفا وقال أبو إسحاق عن مسروق دخلوا وهم ثلثمائة وتسعون بين رجل وامرأة فالله أعلم وقال موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن شداد اجتمع آل يعقوب إلى يوسف بمصر وهم ست وثمانون إنسانا صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وأنثاهم وخرجوا منها وهم ستمائة ألف ونيف .
تفسير القرطبي :
قال قتادة : يريد السرير , وقد تقدمت محامله ; وقد يعبر بالعرش عن الملك والملك نفسه ; ومنه قول النابغة الذبياني : عروش تفانوا بعد عز وأمنة وقد تقدم .
إعراب الآية :
جملة "وخرُّوا" معطوفة على جملة "رفع" ، "سجَّدا" حال من الواو في "خرُّوا"، "يا أبت": منادى مضاف منصوب بالفتحة المُقَدَّرة على ما قبل ياء المتكلم المنقلبة تاء، ونقلت كسرة المناسبة إلى التاء، الجار "مِنْ قبل" متعلق بحال من "رؤياي"، "حقا" مفعول ثان، وجملة "قد جعلها" حال من "رؤياي"، وجملة "وقد أحسن بي" معطوفة على مقول القول، وجملة "أخرجني" مضاف إليه، "إذ" ظرف زمان متعلق بـ"أحسن"، والمصدر "أن نزغ" مضاف إليه. قوله "لما يشاء": اللام زائدة للتقوية؛ لأن "لطيف" بمعنى مدبِّر، "ما" اسم موصول مفعول به، والضمير "هو" توكيد للهاء في "إنه"، وجملة "إنه هو العليم" مستأنفة.
الألفاظ المشتركة في الآية الكريمة :
بدا
– بدا الشيء بدوا وبداء أي: ظهر ظهورا بينا، قال الله تعالى: (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون( [الزمر/47]، (وبدا لهم سيئات ما كسبوا( [الزمر/48]، (فبدت لهما سوآتهما( [طه/121].والبدو: خلاف الحضر، قال تعالى: (وجاء بكم من البدو( [يوسف/100] أي: البادية، وهي كل مكان يبدو ما يعن فيهن أي: يعرض، ويقال للمقيم بالبادية: باد، كقوله تعالى: (سواء العاكف فيه والباد( [الحج/25]، (لو أنهم بادون في الأعراب( [الأحزاب/20].
سجد
– السجود أصله: التطامن (التطامن: الانحناء) والتذلل، وجعل ذلك عبارة عن التذلل لله وعبادته، وهو عام في الإنسان، والحيوانات، والجمادات، وذلك ضربان: سجود باختيار، وليس ذلك إلا للإنسان، وبه يستحق الثواب، نحو قوله: (فاسجدوا لله واعبدوا( [النجم/62]، أي: تذللوا له، وسجود تسخير، وهو للإنسان، والحيوانات، والنبات، وعلى ذلك قوله: (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال( [الرعد/ 15]، وقوله: (يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله( [النحل/48]، فهذا سجود تسخير، وهو الدلالة الصامتة الناطقة المنبهة على كونها مخلوقة، وأنها خلق فاعل حكيم، وقوله: (ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون( [النحل/49]، ينطوي على النوعين من السجود، التسخير والاختيار، وقوله: (والنجم والشجر يسجدان( [الرحمن/6]، فذلك على سبيل التسخير، وقوله: (اسجدوا لآدم( [البقرة/34]، قيل: أمروا بأن يتخذوه قبلة، وقيل: أمروا بالتذلل له، والقيام بمصالحه، ومصالح أولاده، فائتمروا إلا إبليس، وقوله: (ادخلوا الباب سجدا( [النساء/154]، أي: متذللين منقادين، وخص السجود في الشريعة بالركن المعروف من الصلاة، وما يجري مجرى ذلك من سجود القرآن، وسجود الشكر، وقد يعبر به عن الصلاة بقوله: (وأدبار السجود( [ق/40]، أي: أدبار الصلاة، ويسمون صلاة الضحى: سبحة الضحى، وسجود الضحى، (وسبح بحمد ربك( [طه/130] قيل: أريد به الصلاة (أخرج عبد الرزاق وغيره عن ابن عباس في الآية قال: هي الصلاة المكتوبة)، والمسجد: موضع الصلاة اعتبارا بالسجود، وقوله: (وأن المساجد لله( [الجن/18]، قيل: عني به الأرض، إذ قد جعلت الأرض كلها مسجدا وطهورا كما روي في الخبر (عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نصرت بالرعب، وأوتيت جوامع الكلم، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وبينا أنا نائم أتيت بمفاتح خزائن الأرض فتلت في يدي) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام 13/209؛ وانظر: شرح السنة 13/198)، وقيل: المساجد: مواضع السجود : الجبهة والأنف واليدان والركبتان والرجلان، وقوله: (ألا يسجدوا لله( [النمل/25] (هي بتخفيف ألا، على أنها للاستفتاح، وبها قرأ الكسائي ورويس وأبو جعفر. الإتحاف 336) أي: يا قوم اسجدوا، وقوله: (وخروا له سجدا( [يوسف/100]، أي: متذللين، وقيل: كان السجود على سبيل الخدمة في ذلك الوقت سائغا، وقل الشاعر:- 226 – وافى بها لدراهم الإسجاد(هذا عجز بيت، وشطره:من خمر ذي نطف أغن منطقوهو للأسود بن يعفر، والبيت في المفضليات ص 218؛ والمجمل 2/486)عنى بها دراهم عليها صورة ملك سجدوا له.
عرش
– العرش في الأصل: شيء مسقف، وجمعه عروش. قال تعالى: (وهي خاوية على عروشها( [البقرة/259]، ومنه قيل: عرشت الكرم وعرشته: إذا جعلت له كهيئة سقف، وقد يقال لذلك المعرش. قال تعالى: (معروشات وغير معروشات( [الأنعام/141]، (ومن الشجر ومما يعرشون( [النحل/68]، (وما كانوا يعرشون( [الأعراف/137]. قال أبو عبيدة (راجع: مجاز القرآن 1/227) : يبنون، واعترش العنب: ركب عرشه، والعرش: شبه هودج للمرأة شبيها في الهيئة بعرش الكرم، وعرشت البئر: جعلت له عريشا. وسمي مجلس السلطان عرشا اعتبارا بعلوه. قال: (ورفع أبويه على العرش( [يوسف/100]، (أيكم يأتيني بعرشها( [النمل/38]، (نكروا لها عرشها( [النمل/41]، (أهكذا عرشك( [النمل/42]، وكني به عن العز والسلطان والمملكة، قيل: فلان ثل عرشه. وروي أن عمر رضي الله عنه رؤي في المنام فقيل: ما فعل بك ربك؟ فقال: لولا أن تداركني برحمته لثل عرشي (انظر: البصائر 4/24؛ وعمدة الحفاظ: عرش). وعرش الله: ما لا يعلمه البشر على الحقيقة إلا بالاسم، وليس كما تذهب إليه أوهام العامة؛ فإنه لو كان كذلك لكان حاملا له، تعالى عن ذلك، لا محمولا، والله تعالى يقول: (إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده( [فاطر/41]، وقال قوم: هو الفلك الأعلى والكرسي فلك الكواكب، واستدل بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما السموات السبع والأرضون السبع في جنب الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة والكرسي عند العرش كذلك) (الحديث عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله أيما أنزل عليك أعظم؟ قال: (آية الكرسي)، ثم قال: (يا أبا ذر ما السموات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة). أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات ص 511؛ وابن أبي شيبة في كتاب العرش ص 77. وهو ضعيف) وقوله تعالى: (وكان عرشه على الماء( [هود/7]، تنبيه أن العرش لم يزل منذ أوجد مستعليا على الماء، وقوله: (ذو العرش المجيد( [البروج/15]، (رفيع الدرجات ذو العرش( [غافر/15]، وما يجري مجراه قيل: هو إشارة إلى مملكته وسلطانه لا إلى مقر له يتعالى عن ذلك.
لطف
– اللطيف إذا وصف به الجسم فضد الجثل، وهو الثقيل، يقال: شعر جثل (الجثل والجثيل من الشجر والثياب والشعر: الكثير الملتف، وقيل: هو من الشعر ما غلظ وقصر. وقيل: ما كثف واسود. انظر: اللسان (جثل) ؛ وتهذيب اللغة 11/20)، أي: كثير، ويعبر باللطافة واللطف عن الحركة الخفيفة، وعن تعاطي الأمور الدقيقة، وقد يعبر باللطائف عما لا تدركه الحاسة، ويصح أن يكون وصف الله تعالى به على هذا الوجه، وأن يكون لمعرفته بدقائق الأمور، وأن يكون لرفقه بالعباد في هدايتهم. قال تعالى: (الله لطيف بعباده( [الشورى/19]، (إن ربي لطيف لما يشاء( [يوسف/100] أي: يحسن الاستخراج. تنبيها على ما أوصل إليه يوسف حيث ألقاه إخوته في الجب، وقد يعبر عن التحف المتوصل بها إلى المودة باللطف، ولهذا قال: (تهادوا تحابوا) (الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تهادوا تحابوا) أخرجه البخاري في الأدب المفرد برقم (594)، وسنده حسن كما قال الحافظ ابن حجر؛ وأخرجه ابن عدي في الكامل 4/1441). وقد ألطف فلان أخاه بكذا.
نزغ
– النزغ: دخول في أمر لإفساده. قال تعالى: (من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي( [يوسف/100].
تفسير الجلالين :
100 – (ورفع أبويه) أجلسهما معه (على العرش) السرير (وخروا) أي أبواه وإخوته (له سجدَّاً) سجود انحناء لا وضع جبهة ، وكان تحيتهم في ذلك الزمان (وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً وقد أحسن بي) إلي (إذ أخرجني من السجن) لم يقل من الجب تكرماً لئلا يخجل إخوته (وجاء بكم من البدو) البادية (من بعد أن نزغ) أفسد (الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم) بخلقه (الحكيم) في صنعه ، وأقام عنده أبواه أربعا وعشرين سنة أو سبع عشرة سنة وكانت مدة فراقه ثماني عشرة أو أربعين أو ثمانين سنة وحضره الموت فوصى يوسف أن يحمله ويدفنه عند أبيه فمضى بنفسه ودفنه ثمة ، ثم عاد إلى مصر وأقام بعده ثلاثا وعشرين سنة ولما تم أمره وعلم أنه لا يدوم تاقت نفسه إلى الملك الدائم فقال
تفسير ابن كثير :
وقوله " ورفع أبويه على العرش" قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد يعني السرير أي أجلسهما معه على سريره " وخروا له سجدا" أي سجد له أبواه وإخوته الباقون وكانوا أحد عشر رجلا " وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل" أي التي كان قصها على أبيه من قبل " إني رأيت أحد عشر كوكبا " الآية وقد كان هذا سائغا في شرائعهم إذا سلموا على الكبير يسجدون له ولم يزل هذا جائزا من لدن آدم إلى شريعة عيسى عليه السلام فحرم هذا في هذه الملة وجعل السجود مختصا بجناب الرب سبحانه وتعالى هذا مضمون قول قتادة وغيره وفي الحديث أن معاوية قدم الشام فوجدهم يسجدون لأساقفتهم فلما رجع سجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما هذا يا معاذ ؟ فقال إني رأيتهم يسجدون لأساقفتهم وأنت أحق أن يسجد لك يا رسول الله فقال لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها وفي حديث آخر : أن سلمان لقي النبي صلى الله عليه وسلم في بعض طرق المدينة وكان سلمان حديث عهد بالإسلام فسجد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لا تسجد لي يا سلمان واسجد للحي الذي لا يموت والغرض أن هذا كان جائزا في شريعتهم ولهذا خروا له سجدا فعندها قال يوسف" يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا " أي هذا ما آل إليه الأمر فإن التأويل يطلق على ما يصير إليه الأمر كما قال تعالى " هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله " أي يوم القيامة يأتيهم ما وعدوا به من خير وشر وقوله " قد جعلها ربي حقا " أي صحيحة صدقا يذكر نعم الله عليه" وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو " أي البادية قال ابن جريج وغيره كانوا أهل بادية وماشية وقال كانوا يسكنون بالعربات من أرض فلسطين من غور الشام قال وبعض يقول كانوا بالأولاج من ناحية شعب أسفل من حسمى وكانوا أصحاب بادية وشاء وإبل " من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء " أي إذا أراد أمرا قيض له أسبابا وقدره ويسره" إنه هو العليم " بمصالح عباده الحكيم " في أقواله وأفعاله وقضائه وقدره وما يختاره ويريده قال أبو عثمان النهدي عن سليمان كان بين رؤيا يوسف وتأويلها أربعون سنة قال عبد الله بن شداد وإليها ينتهي قص الرؤيا رواه ابن جرير وقال أيضا حدثنا عمر بن علي حدثنا عبد الوهاب الثقفي حدثنا هشام عن الحسن قال كان منذ فارق يوسف يعقوب إلى أن التقيا ثمانون سنة لم يفارق الحزن قلبه ودموعه تجري على خديه وما على وجه الأرض عبد أحب إلى الله من يعقوب وقال هشيم عن يونس عن الحسن ثلاث وثمانون سنة وقال مبارك بن فضالة عن الحسن ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة فغاب عن أبيه ثمانين سنة وعاش بعد ذلك ثلاثا وعشرين سنة فمات وله عشرون ومائة وقال قتادة كان بينهما خمس وثلاثون سنة وقال محمد بن إسحاق : ذكر والله أعلم أن غيبة يوسف عن يعقوب كانت ثماني عشرة سنة قال وأهل الكتاب يزعمون أنها كانت أربعين سنة أو نحوها وأن يعقوب عليه السلام بقي مع يوسف بعد أن قدم عليه مصر سبع عشرة سنة ثم قبضه الله إليه وقال أبو إسحاق السبيعي عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال : دخل بنو إسرائيل مصر وهم ثلاثة وستون إنسانا وخرجوا منها وهم ستمائة ألف وسبعون ألفا وقال أبو إسحاق عن مسروق دخلوا وهم ثلثمائة وتسعون بين رجل وامرأة فالله أعلم وقال موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن شداد اجتمع آل يعقوب إلى يوسف بمصر وهم ست وثمانون إنسانا صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وأنثاهم وخرجوا منها وهم ستمائة ألف ونيف .
تفسير القرطبي :
قال قتادة : يريد السرير , وقد تقدمت محامله ; وقد يعبر بالعرش عن الملك والملك نفسه ; ومنه قول النابغة الذبياني : عروش تفانوا بعد عز وأمنة وقد تقدم .
جزاك الله خيرا
جزانا وياكي الجنة حبيبتي
جعله الله في ميزان حسناتك
ربي يعطيكي الصحة والعافية
ربي يعطيكي الصحة والعافية
امين يارب العالمين
ربنا يكرمك وينولك اللي في بالك يارب