تفسير سورة القلم
تفسير الآيات (26- 33)
{ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33)}
{إنا لضالون}: أي مخطئوا الطريق أي ما هذا طريق جنتنا ولا هي هذه.
{بل نحن محرمون}: أي لما علموا أنها هي وقد احترقت قالوا بل نحن محرومون منها لعزمنا على حرمان المساكين منها.
{قال أوسطهم}: خيرهم تقوى وأرجحهم عقلا.
{لولا تسبحون}: أي تسبحون الله وتستثنون عندما قلتم لنصرمنها مصبحين.
{يتلاومون}: أي يلوم بعضهم بعضاً تندماً وتحسراً.
{إنا إلى ربنا راغبون}: أي طامعون.
{كذلك العذاب}: أي مثل هذا العذاب بالحرمان العذاب لمن خالف أمرنا وعصانا.
معنى الآيات
( 26 : 33 )فلما رأوا حديقتهم محترقة أنكروها، وقالوا: لقد أخطأنا الطريق إليها، فلما عرفوا أنها هي جنتهم، قالوا: بل نحن محرومون خيرها؛ بسبب عزمنا على البخل ومنع المساكين. قال أعدلهم: ألم أقل لكم هلا تستثنون وتقولون: إن شاء الله؟ قالوا بعد أن عادوا إلى رشدهم: تنزَّه الله ربنا عن الظلم فيما أصابنا، بل نحن كنا الظالمين لأنفسنا بترك الاستثناء وقصدنا السيِّئ. فأقبل بعضهم على بعض، يلوم كل منهم الآخر على تركهم الاستثناء وعلى قصدهم السيِّئ، قالوا: يا ويلنا إنَّا كنا متجاوزين الحد في منعنا الفقراء ومخالفة أمر الله، عسى ربنا أن يعطينا أفضل من حديقتنا؛ بسبب توبتنا واعترافنا بخطيئتنا. إنا إلى ربنا وحده راغبون، راجون العفو، طالبون الخير. مثل ذلك العقاب الذي عاقبنا به أهل الحديقة يكون عقابنا في الدنيا لكل مَن خالف أمر الله، وبخل بما آتاه الله من النعم فلم يؤدِّ حق الله فيها، ولَعذاب الآخرة أعظم وأشد مِن عذاب الدنيا، لو كانوا يعلمون لانزجروا عن كل سبب يوجب العقاب.
فى ظلال الآيات
• ويبدو أنه كان له رأي غير رأيهم . ولكنه تابعهم عندما خالفوه وهو فريد في رأيه , ولم يصر على الحق الذي رآه فناله الحرمان كما نالهم . ولكنه يذكرهم ما كان من نصحه وتوجيهه قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) ?!
• والآن فقط يسمعون للناصح بعد فوات الأوان قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) )?!
• وكما يتنصل كل شريك من التبعة عندما تسوء العاقبة , ويتوجه باللوم إلى الآخرين . . ها هم أولاء يصنعون:فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30)
• ثم ها هم أولاء يتركون التلاوم ليعترفوا جميعا بالخطيئة أمام العاقبة الرديئة . عسى أن يغفر الله لهم , ويعوضهم من الجنة الضائعة على مذبح البطر والمنع والكيد والتدبير:
(قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32)
_ وقبل أن يسدل السياق الستار على المشهد الأخير نسمع التعقيب:
(كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33)}). .
• وكذلك الابتلاء بالنعمة . فليعلم المشركون أهل مكة . (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة)ولينظروا ماذا وراء الإبتلاء . . ثم ليحذروا ما هو أكبر من ابتلاء الدنيا وعذاب الدنيا:
(ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون)!
وكذلك يسوق إلى قريش هذه التجربة من واقع البيئة , ومما هو متداول بينهم من القصص , فيربط بين سنته في الغابرين وسنته في الحاضرين ; ويلمس قلوبهم بأقرب الأساليب إلى واقع حياتهم . وفي الوقت ذاته يشعر المؤمنين بأن ما يرونه على المشركين – من كبراء قريش – من آثار النعمة والثروة إنما هو ابتلاء من الله , له عواقبه , وله نتائجه . وسنته أن يبتلي بالنعمة كما يبتلي بالبأساء سواء . فأما المتبطرون المانعون للخير المخدوعون بما هم فيه من نعيم , فذلك كان مثلا لعاقبتهم: (ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون). . وأما المتقون الحذرون فلهم عند ربهم جنات النعيم:
(إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم). .
من هداية الآيات
1- الابتلاء يكون بالسراء والضراء أي بالخير والشر وأسعد الناس عند السراء الصابرون على طاعة الله ورسوله عند الضراء.
2- مشروعية التذكير بأحوال المبتلين والمعافين ليتخذ من ذلك طريق إلى الشكر والصبر.
3– صلاح الآباء ينفع أبناء المؤمنين فقد انتفع أصحاب الجنة بصلاح أبيهم الذي كان يتصدق على المساكين من غلة بستانه وعلامة انتفاعهم توبتهم.
4- مشروعية الاستثناء في اليمين وأنه تسبيح لله تعالى، وأن تركه يوقع في الإثم ولذا إذا حنث الحالف الذي لم يستثن تلوثت نفسه بإثم كبير لا يُمحى إلا بالكفارة الشرعية التي حددها الشارع وهي إطعام أو كسوة عشرة مساكين أو عتق رقبة فإن لم يقدر على واحدة من هذه الأنواع صام ثلاثة أيام ليمحي ذلك الذنب من نفسه.
فائدة
ذكر ابن كثير فى تفسيره
• عن الحسين بن علي بن أبي طالب أنّض رسول الله صلى اله عليه وسلم
نهَى عن الجِدادِ باللَّيلِ ، والحصادِ باللَّيلِ . قال جعفرُ بنُ محمَّدٍ : أراه من أجلِ المساكينِ
المحدث:الألباني المصدر:السلسلة الصحيحة الجزء أو الصفحة:2393 حكم المحدث:إسناده صحيح على شرط مسلم
• ثم قد ذكر بعض السلف أن هؤلاء قد كانوا من أهل اليمن – قال سعيد بن جبير : كانوا من قرية يقال لها ضروان على ستة أميال من صنعاء . وقيل : كانوا من أهل الحبشة – وكان أبوهم قد خلف لهم هذه الجنة ، وكانوا من أهل الكتاب ، وقد كان أبوهم يسير فيها سيرة حسنة ، فكان ما استغله منها يرد فيها ما يحتاج إليها ، ويدخر لعياله قوت سنتهم ، ويتصدق بالفاضل . فلما مات ورثه بنوه ، قالوا : لقد كان أبونا أحمق إذ كان يصرف من هذه شيئا للفقراء ، ولو أنا منعناهم لتوفر ذلك علينا . فلما عزموا على ذلك عوقبوا بنقيض قصدهم ، فأذهب الله ما بأيديهم بالكلية ، ورأس المال ، والربح ، والصدقة ، فلم يبق لهم شيء .
جزاكم الله خيراً على طيب المتابعة .. دمتم طيبين
______________________________________
المراجع
_ابن كثيرتفسير القرآن العظيم
_السعدى تيسير الكريم الرحمن فى تفسير كلام المنان
_ في ظلال القرآن الكريم سيد قطب
_الجزائرى أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير.
|
اللهم آمين بارك الله فيكَِ وأسعدكِ فى الدارين ووفقكِ لما يحب ويرضى