تخطى إلى المحتوى

جناحا العروج إلى فردوس الإيمان 2024

الونشريس

الونشريس


جناحا العروج إلى فردوس الإيمان

الإسلام دين عظيم يرتقي بالإنسان إلى أعلى درجات الإيمان حيث الإحسان، ولا فرق في ذلك بين العبادات اللازمة (حقوق الله) والعبادات المتعدية (حقوق الإنسان). فإن الإيمان يزيد وفقًا لزيادة المدخلات في هاتين الدائرتين، سواء في جهة الزيادة الكمية أو الزيادة الكيفية، عروجًا نحو "الإحسان" في المعاش والفردوس في المعاد.
ومن المعلوم بالضرورة، أن الإيمان يزيد وينقص لتصريح القرآن بذلك: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾(محمد:17).
فكيف يعرج الإنسان في سماوات الإيمان وكيف يصل إلى فردوسه؟ لقد منح الله سبحانه وتعالى عبده جناحين بهما يستطيع العروج إلى الذرى الملائكية وهما: جناح الزيادة الأفقية (الكمية) وجناح الزيادة الرأسية (النوعية)، وحول هذين الأمرين ستدندن هذه الحروف وتتمحور هذه المقالة.

الإسراء في أرض الشُّعب الإيمانية

المؤمن الحق هو الذي يدخل إلى الإيمان من أبوابه المتفرقة، الإيمان الذي ينتظم شِعاب الحياة عبر شُعبه التي قال عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: "الإيمان بضع وستون -أو وسبعون- شعبة أعلاها: قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان".
والناظر في نصوص هذا الدين ومقاصده، يجد أن كل ما يتحقق للناس مصلحة في معاشهم أو معادهم، جعله الإسلام شعبة من شُعب الإيمان به "فريضة واجبة"، وكل ما يؤدي إلى مفسدة في المعاش أو المعاد، جعله كبيرة من الكبائر يحرم الاقتراب منها، وهي تنتظم كل أبعاد الشخصية البشرية ومجالات الحياة الإنسانية، بحيث يصبح الكون كله محرابًا لعبادة المؤمن في مشاعره وشرائعه، في أقواله وأفعاله، في حركاته وسكناته: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾(الأنعام:162).

إن أبواب الجنة ثمانية، وكل باب منها عنوان لبضع من الشُّعب المتقاربة والمتشابهة، لكنها بأجمعها تمثل الطريق لعمارة الحياة في الدارين، لأن عمارة الدنيا -لا عبادتها- هي الطريق لعمارة الآخرة، والوصول إلى فردوس الجنة ليس له إلا طريق واحد وهو الوصول إلى فردوس الإيمان. والإيمان الكامل هو الذي يصنع فردوس الدنيا عبر الترقي في معارج عمارة الحياة وخدمة حقوق الإنسان.

الإيمان الذي يدمج بين خلافة الله في الأرض وعمارتها جاعلاً منها مضمونًا للعبادة الشاملة، غير مفرق بين عبادة الله في "محراب الصلاة" وعبادته في "محراب الحياة". ومن هنا طالبنا الله تعالى بالدخول إلى الإيمان من كل الأبواب المنضوية تحت دائرة "الاستطاعة" فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾(البقرة:208)، وخطوات الشيطان سِلمٌ موصلٌ إلى الكبائر وهي عكس شُعب الإيمان.

وفي سبيل الدفع بالمؤمن إلى التغلغل في شعاب الحياة من خلال الانضباط بمقاصد شُعب الإيمان، فإن الله لا يذكر التفاصيل وإنما يركز على العناوين التي تدخل تحت كل منها الكثير من الشُّعب، مثل مصطلح "الخير" ومصطلح "الصالحات" كما قال تعالى: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾(البقرة:215)، ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾(الزلزلة:7)، ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ﴾(الجاثية:15).
ولما كانت إحدى وظائف السنة النبوية تنزيل وتجسيد كليات القرآن وعمومياته، فقد أشارت السنة النبوية إلى الكثير من طرق الخير التي خرجت اليوم من دائرة الإيمان في وعي وسلوكيات كثير من المسلمين، مما أوصلنا إلى هذه الحالة من الغثائية ووهن الفاعلية.

وعلى سبيل المثال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كل معروف صدقة" (رواه البخاري)، وقال: "أربعون خصلة أعلاها منيحة العنز، ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلا أدخله الله بها الجنة" (رواه البخاري)، و"المنيحة" هي "المنحة"؛ أي أن يعطي المرء غيره عنزة يشرب لبنها ويردها إليه، وهذا دفع نبوي عظيم للاعتناء برعاية حقوق الناس وخدمتهم، والاهتمام بكل ما يجلب لهم المنافع ويدفع عنهم المضار، وهو ما غفل عنه المسلمون المتأخرون وما بدأت تؤسس له تيارات التجديد والإصلاح في العالم الإسلامي، وتدعو له وتعمل من أجله، وعلى رأسها تيار الخدمة في تركيا الذي أسسه المفكر الداعية الأستاذ "فتح الله كُولَن".
ولا يستثني الإسلام في هذا الطريق شيئًا ولا يستصغر أمرًا، فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم إتيان المرء شهوته الجنسية بالطرق المشروعة، من شعب الإيمان التي يستحق مقابلها الأجر: "وفي بُضع أحدكم صدقة" (رواه مسلم).
وفي ذات السياق ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أصنافًا كثيرة من الأعمال والخدمات الداخلة تحت مسمى "الإيمان" مثل: إماطة الأذى عن الطريق، إزالة النخاعة من المسجد، الصدقة، الذكر، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إعانة الصانع، الصناعة للأخرق والعاجز، الابتسامة، الإصلاح بين المتخاصمين، إعانة الرجل على دابته أو مساعدته في حمل متاعه، الكلمة الطيبة، رفع الأحجار والأشواك والعظام عن طريق الناس، المعونة، الهدية، الرحمة بالحيوان؛ حتى أن رجلاً دخل الجنة لأنه سقى كلبًا شربة ماء، ودخلت امرأة النار لأنها حبست هرة عن طعامها كما ورد في الأحاديث الصحيحة.
ولما كانت أعظم العبادات المتعدية هي التي تستغرق أكثر ساعات اليوم، وهي المرتبطة بالتخصص الحياتي والمهنة اليومية التي يقوم بها المؤمن، فقد حث الإسلام على احترام التخصصات، جاعلاً إياها من أبواب الخير التي ينبغي التسابق على ولوجها وتجويدها وصولاً إلى الإحسان الذي يستحق به المؤمن الفردوسَ في الجنة، لأن الإحسان في عمارة الحياة هو الذي يصنع فردوس المؤمن في الدنيا.
وفي هذا السبيل وردت آيات كثيرة من مثل قوله تعالى: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾(البقرة:147)

    بارك الله فيكى موضوع اكثر من رائع

    الونشريس

    شكرا على المرور الجميــــــــل

    الونشريس

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.