يُسلِّطُ اللهُ علي الظالم ظالمًا أقوى منه، كما قال سبحانه: وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأنعام: 129]. قال جل وعلا: وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ [الأنبياء: 11]. قال ابن القيم رحمه الله: "إذا أراد اللهُ أن يُهلِكَ أعداءَه ويمحقَهم قيَّضَ لهم الأسبابَ التي يستوجِبُون بها هلاكهم ومحقهم، ومن أعظمها بعد كُفرهم: بغيُهم وطغيانُهم ومُبالغتُهم في أذى أوليائه ومُحاربتِهم وقتالهم والتسلُّطِ عليهم".
فالاستقواء على الناس من أبشع الأخلاق وأسوأها فإن كنت ذا قوة أدبية أو مادية إذا أحسست أنك قوي معنويا أو ماديا , فلا ينبغي أن يدفعك ذلك إلى الاستقواء على الناس، كذلك إن كنت ذا منصب فالنفس البشرية قابلة للطغيان خاصة إذا أحست بقوتها {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى , أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى }
لابد أن تكون هذه الحقيقة واضحة في أذهاننا، مهما كنت قوي لابد ألا تستقوي على الآخر ، ينبغي أن تتذكر قدرة الله عليك دائما، وأعلم أنه أقوي منك ,وانة سيسلط عليك من هو اقوى منك ولا تغتر بأن الأمور استقرت لك بل يكون هذا ابتلاءً من الله واستدراجا منه قال صلى الله عليه وسلم "ان الله يملي للظالم فإذا أخذه فلم يفلته، يملي أي يستدرجه، ثم قرأ قول الله تعالى من سورة هود {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ }
قال ابن الجوزي:
قوله تعالى: {وكذلك نولِّي بعض الظالمين بعضًا}
في معناه أربعة اقوال.
أحدها: نجعل بعضهم أولياء بعض، رواه سعيد عن قتادة.
والثاني: نُتْبِعُ بعضهم بعضًا في النار بأعمالهم من الموالاة، وهي المتابعة، رواه معمر عن قتادة.
والثالث: نسلِّط بعضهم على بعض، قاله ابن زيد.
والرابع: نكل بعضهم إلى بعض ولا نعينهم، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: {بما كانوا يكسبون} أي: من المعاصي. اهـ.
.قال القرطبي:
قوله تعالى: {وكذلك نُوَلِّي بَعْضَ الظالمين بَعْضًا}
المعنى وكما فعلنا بهؤلاء مما وصفته لكم من استمتاع بعضِهم ببعض أجعل بعض الظالمين أولياء بعض، ثم يتبرأ بعضهم من بعض غدًا.
ومعنى {نُوَلِّي} على هذا نجعل ولِيًّا.
قال ابن زيد: نسلّط ظلمة الجِنّ على ظلمة الإنس.
وعنه أيضًا: نسلّط بعض الظلمة على بعض فيهلكه ويذِلّه.
وهذا تهديد للظالم إن لم يمتنع من ظلمه سلّط الله عليه ظالمًا آخر.
ويدخل في الآية جميعُ مَن يظلم نفسه أو يظلم الرعية، أو التاجر يظلم الناس في تجارته أو السارق وغيرهم.
وقال فُضيل بن عِياض: إذا رأيت ظالمًا ينتقم من ظالم فقِف، وانظر فيه متعجِّبًا.
وقال ابن عباس: إذا رضي الله عن قوم ولَّى أمرهم خيارَهم، وإذا سخِط الله على قوم ولّى أمرهم شرارهم.
وفي الخبر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من أعان ظالمًا سلّطه الله عليه»
يدل عليه قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30]. اهـ.
وفي النَّهاية أقول:
الحذرَ الحذر يا مَنْ تظلمُ نفسَكَ وغيَرك إنَّك على خطر، توشِك لِأنْ تصلَى سقر، وما أدْراك ما سقر، لا تُبقي و لا تذر، لواحةٌ للبشر، عليها تسعة عشر.
فالبدار البدار والعجلَ العجلَ بالتَّوبةِ إلى اللهِ تعالى من الزللِ، والإقبال عليه بصالحِ العمل، وإيَّاك إيَّاكَ والغرورَ بطولِ الأمل، فإنَّك لا تدري متى يهجمُ الأجل.فلا ينفعُ المرءُ ما عَمِل.