فقد الشهية العصبي
يتميز هذا المرض النادر بسلوك متعمد ومقصود لإنقاص الوزن والانشغال الدائم بوزن الجسم وبالطعام وبطريقة غريبة في كيفية التعامل مع الأكل والخوف الشديد من زيادة الوزن ويتميز كذلك باضطراب كبير في صورة جسم المريض في ذهنه وانقطاع الطمث لدى الإناث.
تجدر الإشارة إلى أن كلمة (فقد الشهية أو Anorexia) لا تصف حقيقة ما يحدث وبالذات في بداية المرض إذ لا يكون هناك فقد حقيقي للشهية إلا نادرا وأكثر ما يميز هذا المرض هو تلك الصورة الخاطئة في ذهن المريض عن جسمه(بأنه سمين) ويجب أن ينقص وزنه.
المرض يصيب الإناث أكثر بكثير من الذكور ويبدأ عادة في سن مبكرة عند مرحلة البلوغ. ويعزي البعض نشوء المرض في هذه المرحلة إلى وجود صراع نفسي داخلي عند الفتاة على شكل تخوف من (التحول من فتاة إلى إمرأه)
طرأت زيادة في عدد المصابين بهذا المرض في العقود الأخيرة مع تركز الإصابة في سنين المراهقة الأولى في الفتيات والأولاد(بنسبة أقل) وعادة بين سن الــ 14 و الــ 18. ولكن قد تتأخر الإصابة بهذا المرض إلى بدايات العقد الثالث (العشرينات) من العمر في ما نسبته 5% من الحالات. تصاب حوالي 5 إلى 10 من كل ألف فتاة مراهقة بهذا الاضطراب ولكن قد توجد بعض أعراض المرض (وليس كلها) لدى ما يقرب من 50 من كل ألف من الفتيات المراهقات. تصاب الإناث أكثر من الذكور بحوالي 10 إلى 20 ضعف. تشير الدراسات الأخيرة أنه لا يوجد فرق في نسبة الإصابة بين مختلف الطبقات الاجتماعية ( غنية كانت أو فقيرة) إلا إنه يوجد أكثر في الدول المتقدمة بشكل أكبر وفي النساء اللواتي تتطلب مهنهن الرشاقة والنحافة وتكون المنافسة في ذلك على أشدها كعارضات الأزياء والممثلات وراقصات الباليه والمشاهير ونجمات السينما.
يصاحب هذا المرض الإصابة بالاكتئاب(السوداوية) بنسبة قد تصل إلى 65% والرهاب الاجتماعي بنسبة 35% والوسواس القهري بنسبة 25% من الحالات.
أسباب المرض
عوامل بيولوجية:
تساهم المهدئات الطبيعية التي يفرزها الجسم (Endogenous Opioids) على إنكار أو تقليل الشعور بإحساس الجوع في المرضى المصابين بفقد الشهية العصبي. فقد أظهرت بعض الدراسات زيادة كبيرة في الوزن عند إعطاء المريض مضادات لمفعول هذه المهدئات الطبيعية.
اختلال وظائف النواقل العصبية وبالذات السيروتونين وكذلك الأدرينالين والدوبامين والتي تشكل أهمية بالغة في تنظيم الشهية للطعام من خلال الهيبوثلاموس. وكذلك اختلال وظائف الغدة الدرقية والهرمونات بشكل عام.
أظهرت الكثير من الدراسات الإشعاعية بالأشعة المقطعية وجود توسع في الفراغات التي تحوي السائل الدماغي والتي قد تعود لطبيعتها بمجرد زيادة الوزن.
بالطبع لا ننسى أهمية الوراثة فالزيادة ملحوظة عند التوائم المتماثلة عنها في التوائم غير المتماثلة.
عوامل اجتماعية:
أثبتت الدراسات أن علاقة المصابين بهذا المرض مع ذويهم مضطربة رغم قربهم منهم.
كما دلت البحوث أن الجو الأسري لهؤلاء المرضى يتميز بأجواء عدوانية وعاصفة وتعاني من درجة كبيرة من الانعزالية وقلة الشعور بالتعاطف بين أفرادها.
3) عوامل نفسية و (التحليل النفس ديناميكي):
عوامل نفسية
(التحليل النفسي ديناميكي):
يظهر أن سلوك المراهقة (أو المراهق) المصاب هو محاولة للاستقلالية أو محاولة إثباتها ذلك لأنهم يشعرون بأن أجسامهم تحت سيطرة الوالدين بشكل أو بآخر ولذلك ينهجون طريقة الإضراب عن الطعام كمحاولة لخلق شخصية مستقلة.
يجمع الكثير من المعالجين النفسيين لهذه الحالات على أن المرضى يعانون من عدم القدرة على الاستقلال عن الأم بالذات ويميل البعض الآخر إلى تفسير سلوكهم على أنه عبارة عن محاولة غير واعية لتدمير أجسادهم المسكونة بآثار الأم المتسلطة.
التشخيص و الصورة الاكلينيكية
هناك خوف شديد من زيادة الوزن لدى كل المصابين بهذا المرض بحيث لا يحتفظ المريض بأقل مقاييس الوزن المطلوبة والمناسبة لسنه وطوله وغالبا ما تكون أقل من 85% من النسبة المطلوبة. هذا الخوف يساهم بشكل كبير في عدم رغبتهم بل حتى مقاومتهم لأي محاولة للعلاج. تهدف أكثر سلوكيات المريض إلى إنقاص الوزن بسرية تامة بعيدا عن أعين الآخرين وعادة ما يرفضون تناول الطعام مع الأهل أو في الأماكن العامة كالمطاعم والحفلات. عادة ما ينقصون كمية الطعام بطريقة قاسية جدا ويبتعدون بالذات عن الأطعمة الدسمة والسكريات. ولا ينتج هذا كما ذكرنا نتيجة نقص في الشهية إلا في المراحل المتأخرة من المرض بل هو سلوك متعمد من قبل المريض. ومن غرائب سلوكيات هؤلاء المرضى أنهم يهتمون بالطعام وطرق تحضيره بل وحتى تجهيزه ولكن للآخرين فقط
بعض المصابين بمرض فقد الشهية العصبي لا يستطيعون الاستمرار لوقت طويل على هذا النوع القاسي من الرجيم فيظهر لديهم سلوك من نوع آخر وهو نوبات من التهام الطعام بشراهة وعادة ما يكون هذا التصرف سريا وفي الليل ثم يتبعه تعمد التقيؤ وذلك بإدخال الإصبع في الفم أو أي طريقة أخرى.
يسيء المرضى ايضا استخدام الأدوية المسهلة وأحيانا المدرة للبول لإنقاص وزنهم بالإضافة للقيام بكافة أشكال التمارين الرياضية كالجري وركوب الدراجة بشكل متكرر ومبالغ فيه للهدف ذاته.
يظهر المرضى علاقة شاذة بالطعام مثل إخفائه في أماكن مختلفة في المنزل ويحملون في جيوبهم كمية كبيرة من الحلويات(دون أكلها بالطبع).وأثناء تناولهم للطعام قد يخبئون الطعام في جيوبهم أو حتى في ملابسهم الداخلية. عادة ما يقطعون شرائح اللحم إلى قطع صغيرة جدا ويصرفون الكثير من وقتهم في ترتيبها في الصحن وكذلك في ترتيب الأشياء الموجودة على طاولة الطعام كالسكاكين والشوك والأطباق. وإذا ما أشار لهم أحد الحاضرين بأن سلوكهم غريب يرفضون غرابة سلوكهم أو ببساطه يرفضون الرد أو المناقشة.
تصاحب المرض سلوكيات وسواسيه وأعرض اكتئابية وقلق وعادة ما يكونون متصلبين في آرائهم ويحرصون على الكمالية والحدة في سلوكهم. تصاحب المرض أيضا أعراض نفس جسمانية كآلام المعدة مثلا كما يظهر لديهم الميل إلى السرقة القسرية وبالذات للحلويات والأدوية المسهلة وأحيانا الملابس.
عادة يعاني المصابون بهذا المرض من مشاكل نفسية مرتبطة بالسلوك الجنسي وغالبا ما تكون على شكل تأخر في فهمهم وممارستهم للجنس وحتى لو أصيب البالغ بهذا الاضطراب فإنه تظهر لديه نفس المشاكل الجنسية مع بداية المرض. في نسبة بسيطة من المرضى يكون لديهم سلوك جنسي داعر(عُذراً) أو إدمان للمواد المخدرة قبل إصابتهم بالمرض وغالبا لا تظهر لديهم أي مشاكل مع الجنس حال إصابتهم بفقد الشهية العصبي.
نظرا لوجود نوعين من هذا المرض فقد تتشابه صورته الإكلينيكية مع مرض الشره (الضور) العصبي(Bulimia Nervosa) إذ كما أسلفت قد يصاب المريض بنوبات من الشره والأكل الكثير ثم التخلص منه بشتى الطرق.
مضاعفات المرض
لا يبدأ غالبية المرضى بتلقي الخدمة الطبية إلا بعد أن تصبح أجسادهم نحيلة جدا وعندما يصلون لهذه المرحلة تبدأ لديهم مشاكل طبية مثل انخفاض درجة الحرارة( تتدنى لأقل من 35 درجة), تورم القدمين, بطء ضربات القلب, انخفاض ضغط الدم, وتغير الشعر بحيث يظهر كشعر المواليد. بعض المصابات يذهبن للطبيب مبكرا بسبب انقطاع الدورة الشهرية حتى قبل أن تقل أوزانهن. بعض المرضى يلجأ لاستخدام المسهلات بكثرة مما يؤدي لتغير في درجة حموضة الدم. تظهر لدى المرضى اضطرابات في ضربات القلب وصغر حجمه وبالذات في المراحل المتأخرة من المرض وقد يكون السبب في هذه الاضطرابات انخفاض البوتاسيوم في الدم والذي قد يكون مميتا للمريض.