بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد ابن عبدالله، وبعد:
لأي معنى قدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
هو فرض كفاية، ومع ذلك قدّمه الله في هذه الآية على إقامة الصلاة، وإتيان الزكاة فقال سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبه:71] فلا شك أن قدّم لعظم الحاجة إليه، وشدة الضرورة إلى القيام به.
لأن بتحقيقه تصلح الأمة ويكثر فيها الخير، وتظهر فيها الفضائل، وتختفي منها الرذائل، ويتعاون أفرادها على الخير، وبإضاعته والقضاء عليه تكون الكوارث العظيمة، والشرور الكثيرة، وتفترق الأمة، وتقسوا القلوب أو تموت، وتظهر الرذائل.
من هم أهل رحمة الله؟
وبيَّن سبحانه أن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والمقيمين للصلاة والمؤتين الزكاة والمطيعين لله ولرسوله هم أهل الرحمة فقال سبحانه وتعالى: {أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} [التوبة:71]، فدل ذلك على أن الرحمة إنما تنال بطاعة الله، واتباع شريعته، ومن أخص ذلك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
وقد جاءت سنة الرسول صلى الله عليه وسلم تؤيد هذا الأمر، وتبين ذلك أعظم بيان، فيقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» [أخرجه مسلم]. فبيَّن المصطفى صلى الله عليه وسلم مراتب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر الثلاث، وهي:
المرتبة الأولى: الإنكار باليد مع القدرة، وذلك بإراقة أواني الخمر، وكسر آلات اللهو، ومنع من أراد الشر بالناس وظلمهم من تنفيذ مراده، إن استطاع ذلك كالسلطان ونحوه، من أهل القدرة، وكإلزام الناس بالصلاة، وبحكم الله الواجب اتباعه ممن يقدر على ذلك إلى غير هذا مما أوجب الله.
وهكذا المؤمن مع أهله وولده، يلزمهم بأمر الله، ويمنعهم مما حرّم الله، باليد إذا لم ينفع فيهم الكلام.
المرتبة الثانية:
وهي الإنكار باللسان فيأمرهم باللسان، وينهاهم، كأن يقول: "يا قوم اتقوا الله"، "يا إخواني اتقوا الله، صلوا وأدوا الزكاة، واتركوا هذا المنكر، وافعلوا كذا، دعوا ما حرم الله"، ويتحرى الأشياء التي يفعلونها حتى ينبههم عليها. ويعاملهم بالأسلوب الحسن، مع الرفق، يقول عليه الصلاة و السلام: «إن الرفق لا يكون في شئ إلا زانه، ولا ينزع من شئ إلا شانه».
المرتبة الثالثة:
إذا عجز المؤمن عن الإنكار باليد واللسان انتهى إلى القلب، يكره المنكر بقلبه، ويبغضه ولا يكون حليساً لأهله. وروى عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال له بعض الناس: "هلكت إن لم آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر". فقال له رضي الله عنه: "هلكت إن لم يعرف قلبك المعروف وينكر المنكر".
لماذا لا يستجاب الدعاء؟
ومما يتعلق بموضوعنا: موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ما ورد من حديث حذيفة، قال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لتأمرون بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده ثم لتدعونه فلا يستجيب لكم» [رواه أحمد].
حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
وقد يكون هذا الواجب فرض عين على بعض الناس، إذا رأى المنكر، وليس عنده من يزيله غيره، فإنه يجب عليه أن يزيله مع القدرة، لما سبق من قوله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، ومن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» [أخرجه مسلم].
أما إن كانوا جماعة، فإنه يكون في حقهم فرض كفاية في البلد أو قرية أو القبيلة، فمن أزاله منهم حصل به المقصود، وفاز بالأجر، وإن تركوه جميعاً أثموا، كسائر فروض الكفايات.
وإن لم يكن في البلد أو القبيلة إلا عالم واحد، وجب عليه عيناً أن يعلم الناس، ويدعوهم إلى الله، ويأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، حسب طاقته، لما تقدم من الأحاديث، ولقوله سبحانه وتعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16].
الصبر والإحتساب:
ومن وفقه الله للصبر والإحتساب من العلماء والدعاة، والآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر، والإخلاص لله، نجح ووفق، وهدى ونفع الله به، كما قال سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2]. فالرابحون الناجون في الدنيا والآخرة، هم أهل الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.
ومعلوم أن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، من جملة التقوى ولكن الله سبحانه خصها بالذكر لمزيد من الإيضاح والترغيب. والمقصود أن من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ودعا إلى الله وصبر على ذلك، فهو من أهل هذه الصفات العظيمة، الفائزين بالربح الكامل والسعادة الأبدية إذا مات على ذلك.
التفقه في دين الله تعالى:
فلابد يا أخي المسلم أن تعرف المعروف بالتعلم، والتفقه في الدين، ولا بد أن تعرف أن المنكر بذلك، ثم تقوم بالواجب من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فالتصبر والتفقه في الدين من علامات السعادة، ودلائل أن الله تعالى أراد بالعبد خيراً، كما في الصحيحين عن معاوية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين».
فإذا رأيت الرجل يتبع حلقات العلم، ويسأل عن العلم، ويتفقه ويتصبر فيه، فذلك من علامات أن الله تعالى أراد به خيراً فليلزم ذلك، وليجتهد ولا يمل ولا يضعف، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة» [رواه مسلم].
ويكون أيضاً بحفظ كتاب الله عز وجل، وهو الأصل في العلم، فالقرآن الكريم رأس كل علم، وهو الأساس العظيم وهو حبل الله المتين، وهو أعظم كتاب وأشرف كتاب، وهو أعظم قائد إلى الخير، وأعظم ناهٍ عن الشر.
فوصيتي لكل مؤمن ومؤمنة، العناية بالقرآن الكريم والإكثار من تلاوته، والحرص على حفظه، أو ما تيسر منه، والتدبر والتعقل، ففيه الهُدى والنور، كما قال سبحانه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9].
وهكذا سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم هي الوحي الثاني، وهي الأصل الثاني، وهي المفسرة لكتاب الله والدالة عليه.
وأسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا أن يوفقنا وجميع المسلمين، للعلم النافع، والعمل الصالح، وأن يمنحنا الفقه في دينه، والثبات عليه، وأن يرزقنا جميعاً القيام بهذا الواجب، حسب الطاقة والإمكان، وأن يوفق ولاة أمور المسلمين للقيام بهذا الواجب، والصبر عليه، وأن يوفق من أسند إليه هذا الواجب، أن يقوم به على خير ما يرام، وأن يعين الجميع على أداء حقه، والنصح له ولعباده، إنه تعالى جواد كريم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان.
كتيب: وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
لسماحة الشيخ: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز. رحمه الله.
مفتي عام المملكة العربية السعودية