تخطى إلى المحتوى

الأعجاز العلمى فى الشجر الأخضر الشجر الأخضر ونار الحياة 2024

الونشريس

الشجر الأخضر ونار الحياة

حث الله – سبحانه وتعالى – الإنسان في كتابه الكريم على التفكر والتدبر في السموات والأرض، وفي الخليفة بأشكالها وأنواعها، وذلك لترسيخ الإيمان وتعميقه في نفوس البشر، وأن يزدادوا إيمانًا بالخالق – سبحانه- ثم بكتابه، وليتخذوه دستوراً لحياتهم، ولقد كتبت مؤلفات كثيرة في إعجاز الخلق، سواءً في الأحياء أو الجماد، ومع تقدم العلم الحديث يزداد هنا الإعجاز وضوحاً حيث يتم الكشف عن مدى دقة الخلق الذي يفوق كل تصور، ويزخر القرآن الكريم بالآيات التي لها دلالات علمية واضحة والتي سبق بها كل المعارف البشرية، وتجلت معانيها بعد تقدم العلوم التجريبية في هذا العصر.
وفي هذا المقال سأتناول آية كريمة من كتاب الله كمثال على هذا الإعجاز، وهو قوله – تعالى -: (هو الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا فإذا أنتم منه توقدون) [يس:80]. ظاهر الآية واضح لكل إنسان، وبالذات في عصر نزول القرآن الكريم، فإن المصدر الوحيد للوقود في جميع أنحاء العالم كان الشجر الأخضر ومشتقاته الذي يجف ويتحول إلى خشب، والناس كانوا يستعملون هذا الخشب للتدفئة والطهي، علماً بأن الله يمكنه أن يذكر لنا الخشب أو الشجر اليابس بطريقة بلاغية مشابهة للإشارة إلى نفس الموضوع، نعم ولكن لنستعرض ما قاله المفسرون في تفسير هذه الآية الكريمة.
يقول ابن كثير في تفسيره (مجلد 3: 172): "أي الذي بدأ خلق هذا الشجر ماء، حتى صار خضراً نضراً ذا ثمر وينع، ثم إعادة إلى أن صار حطباً يابساً توقد به النار، كذلك هو فعال لما يشاء قادر على ما يريد لا يمنعه شيء، قال قتادة: يقول هذا الذي أخرج هذه النار من هذا الشجر قادر على أن يبعثه وقيل: المراد بذلك شجر المرخ والعفار ينبت في أرض الحجاز فيأتي من أراد قدح نار وليس معه زناد، فيأخذ عودين أخضرين، ويقدح أحدهما بالآخر، فتتولد النار بينهما كالزناد".
وفي تيسير الكريم الرحمن (مجلد:6): "فإذا أخرج النار اليابسة، من الشجر الأخضر، الذي هو غاية الرطوبة، مع تضادهما، وشدة تخالفهما، فإخراجه الموتى من قبورهم، مثل ذلك".
وقال القرطبي (جزء 15: 55): "نبه – تعالى -على وحدانيته، ودل على كمال قدرته في إحياء الموتى بما يشاهدونه من إخراج المحرق اليابس من العود الندي الرطب، وذلك أن الكافر قال: النطفة حارة رطبة بطبع الحياة فخرج منها الحياة، والعظم بارد يابس بطبع الموت فكيف تخرج منه الحياة، فأنزل الله – تعالى -: (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً) [يس:80]، أي: إن الشجر الأخضر من الماء والماء بارد رطب ضد النار وهما لا يجتمعان، فأخرج الله منه النار، فهو القادر على إخراج الضد من الضد، وهو على كل شيء قدير، ويعني بالآية ما في المرخ والعفار، وهي زنادة العرب".
وفي زاد المسير(6: 285) قال ابن قتيبة: "أراد الزنود التي توري بها الأعراب من شجر المرخ والعفار".
وفي فتح القدير (مجلد:4): "ودل على قدرته على إحياء الموات بما يشاهدونه من إخراج النار المحرقة من العود الندي الرطب، وذلك أن الشجر المعروف بالعفار إذا قطع منهما غصنان وقدح أحدهما بالآخر انقدحت منهما النار وهما أخضران، قيل المرخ هو الذكر والعفار هو الأنثى".
وهذه تفسيرات ربما تكون ملائمة لحينها ومكانها ويؤخذ منها ويرد عليها؛ حيث أني تحريت شخصياً إمكانية إحداث النار بقدح أغصان شجر المرخ الأخضر ببعضها فلم يحدث شيء مما قيل، وفي هذا العصر وما كشفه العلم مما يقوم به الشجر الأخضر -أؤكد الأخضر- من وظائف في غاية الدقة والتعقيد وفي منتهى الإبداع والتي لا تستطيع جميع مصانع البشر حتى تقليدها إلى يومنا هذا، يفتح الباب أمام تفسيرات أخرى يدل على إعجاز علمي رائع في الشجر الأخضر.
إن عملية التركيب الضوئي التي تتم في الورقة الخضراء عملية في غاية الأهمية للنبات والإنسان والحيوان، فمن خلال هذه العملية يصنع النبات مادة الجلوكوز أو السكر الأحادي ثم تتحد وحدات الجلوكوز لتكون سلسلة طويلة من السكريات والتي نسميها بالنشا(STARCH) والذي يخزن في النبات ويستعمله الإنسان والحيوان كمصدر أساسي للطاقة، والورقة الخضراء من خلال سلسلة من التفاعلات الكيميائية الطويلة والتي أخذت من العلماء المختصين في هذا المجال عشرات السنين لاكتشاف تفاصيلها ويمكن اختصارها في المعادلة التالية:
أشعة الشمس 6CO2 + 6H2O – C6H12O6+6O2
والمواد التي تدخل في هذه المعادلة غاية في البساطة والوفرة، فالماء يشغل ثلاثة أرباع مساحة الكرة الأرضية، وثاني أكسيد الكربون ينطلق دوماً من جميع الكائنات الحية من حيوان ونبات خلال عملية التنفس كمادة ضارة يجب التخلص منها، إضافة إلى المصانع، فترى بديع صنع الله في هذه المعادلة فالأطنان من ثاني أكسيد الكربون المطلقة من الكائنات الحية لو تراكمت ستؤدي حتماً إلى زيادة نسبتها في الجو بشكل مستمر، وفي حالة تخطيها حداً معيناً يمكن أن تعطل الحياة في جميع الكائنات، لكن الورقة الخضراء بأمر الله تنقذنا من هذه المادة الضارة لا بل تحولها إلى مادة هي مصدر طاقة أساسي لمعظم الكائنات الحية ألا وهو الجلوكوز الناتج من المعادلة، والأروع من هذا والأبدع هو الناتج الثاني وهو الأكسجين -وهو بيت القصيد في هذه المقالة- فمع تصنيع كل جزيئه الجلوكوز تنتج ست جزيئات من الأوكسجين، وما هي أهمية الأوكسجين؟
في هذا العصر حتى تلاميذ المدارس الابتدائية يعرفون أهمية الأوكسجين، أنه ضروري لاشتعال النيران –اللهب-، فلا نار يمكن أن توقد من دون أوكسجين، وكم من الكم الهائل من النيران توقد يومياً على هذه الأرض للطهي وفي الصناعات، وكلها لن توقد من دون أوكسجين فمن يعوض كل هذه الكميات المستهلكة من الأوكسجين؟ إنه لو استمر استهلاك الأوكسجين من دون تعويض فسيأتي يوم لن توقد فيه نار أبدًا، أجل إنه الشجر الأخضر.
وهناك نار أهم من هذه النار التي نراها، هناك نار خفية بطيئة توقد في كل آن وحين وفي كل كائن حي -إلا القليل جداً- في كل خلية من خلايا أجسام الكائنات الحية، ومنع الأوكسجين عنها يطفأ نار الحياة، فالعالم والجاهل والصغير والكبير يعلم أنك إذا أردت أن تقتل حيواناً أو إنساناً تستطيع أن تفعل ذلك بخنقه؟ وماذا يعني بخنقه؟ بكل بساطة أن تمنع إيصال الهواء إلى دورته الدموية.
وماذا في الهواء؟ اليوم أصبح بديهياً للجميع بأن الأوكسجين هو المادة الحيوية فيه، فأين يذهب الأوكسجين؟ وماذا يفعل؟ في كل خلية من خلايا الكائن الحي هناك طاحونة تعمل ليلاً ونهاراً بلا كلل ولا ملل، أستطيع أن أسميها "طاحونة التمثيل الغذائي"، يتم فيها تكسير الجلوكوز والأحماض الدهنية والبروتينات، يتم فيها طحنها وتكسيرها رويداً رويداً، وتؤخذ منها الطاقة التي تصنع بفعلها مادة مهمة هي الوقود الأساسي لجميع نشاطات الخلية، سواءً كانت خلية عصبية أو خلية عضلية أو خلية في الجهاز الهضمي، فكل خلية تقوم بتصنيع المادة في مصنعها الخاص (الميتاكوندريا) التي تمدها بالطاقة لجميع نشاطاتها وهذه المواد تسمى بالمواد الغنية بالطاقة (Energy Rich Compounds)، ومن أشهرها وأكثرها استعمالاً المادة التي تسمى (بالأدينوسين ثلاثي الفوسفات) ويختصر بالـ (ATP).
والدورة التي تتم فيها تكسير المواد السالفة الذكر وانتزاع الهيدروجينات تسمى (بدورة كربس) (KREBS CYCLE) -نسبة إلى العالم الذي اكتشف تفاعلات هذه الدورة-، وهي ثمرة بحوث مضنية لعشر سنوات متواصلة أجراها هذا العالم.
الميتاكوندريا: المصنع الذي يقوم بتكسير الاسيتايل كوانزيم -أحد أنواع نواتج الجلوكوز- في دورة كربس ثم يحولها إلى السلسلة التنفسية أو سلسلة نقل الإلكترونات لإنتاج مادة (الادنيوسيك ثلاثي الفوسفات).
دورة كربس: سلسلة من التفاعلات لتكسير الكولوكوز، ويظهر هنا عدة مواقع يتم فيها انتزاع الهيدروجينات وإدخالها في نظام النقل الإلكتروني لإنتاج مادة (ATP).
ومن اللطائف -التي لا أنساها- والتي حصلت حين كنت طالبًا في الجامعة وكان أستاذ الكيمياء الحيوية يشرح لنا تفاعلات دورة كربس، وفي نهاية المحاضرة سأل الطلاب عن مدى استيعابهم للمادة فكان جواب معظم الطلاب سلباً، فرد مبتسماً إن ما اكتشفه "كربس" في عشر سنوات لن تفهموه في محاضرة واحدة، سنعود إلى الموضوع في المحاضرة القادمة، فالهيدروجينات (الإلكترونات) المنتزعة من المواد الداخلة في دورة كربس تمر في سلسلة أخرى من التفاعلات تسمى بالسلسلة التنفسية أو سلسلة الفسفرة التأكسدية تنحدر فيها الهيدروجينات من مستوى طاقة عالية إلى مستوى أخفض، وفرق الطاقة هذا يستعمل في ربط مجموعة فوسفات بجزيئه من مادة (لأدينوسين ثاني الفوسفات-ADP) لتتكون جزيئه من مادة (الأدينوسين ثلاثي الفوسفات)، حيث تخزن الطاقة في الآصرة الثالثة (ADP~P) ويتم في نهاية السلسلة استقبال الهيدروجينات من قبل الأوكسجين لتكوين جزيء ماء، بعد أن تكون استخلصت منها الطاقة وتم تحويل جزيئين أو ثلاثة من مادة (الأدينوسين ثنائي الفوسفات-ADP) إلى (الأدينوسين ثلاثي الفوسفات).
(والادينوسين ثلاثي الفوسفات) هي الوقود للخلية تستعمله لأي نشاط ومتى شاءت؛ وذلك بشطر الفوسفور الثالث وإطلاق الطاقة المخزنة فيها، وللأوكسجين هنا دور البطولة حيث أنه يستقبل الهيدروجينات ليتكون الماء -كما أسلفنا- وتوقف تزويد الخلايا بالأوكسجين يؤدي إلى توقف السلسلة التنفسية وبالتالي نضوب الأدنوثين ثلاثي الفوسفات وانقطاع الأوكسجين من معظم الخلايا يؤدي إلى موتها، فخلايا الدماغ يصيبها التلف الجزئي خلال ثوان، وإذا استمر لدقائق فإنه يؤدي إلى تلف دائم في الدماغ، وهكذا جميع خلايا الجسم وفي فترات زمنية متفاوتة.
والآن أليس الأوكسجين هو وقود الحياة، وتستعمله البلايين من الكائنات الحية في كل آن ومصيره حتمي إلى النضوب لو لم يعوض، فمن يعوضه غير الشجر الأخضر، وفي التفاعل الكيميائي البديع الذي قرأته فان الشجر الأخضر ينقذنا من ثاني أكسيد الكربون الزائدة الذي نتيجة كمادة ثانوية بل أكثر من هذا يحوله إلى جلوكوز نستخدمه كمصدر طاقة لأجسامنا، والأبدع من هذا وذاك فإنه يزودونا بالأوكسجين الذي نوقد به نارنا ونار خلايانا في أجسامنا.
وأخيراً.. ألا تشاركني عزيزي القاري التأمل في بديع صنع الله، وعند تدبر هذه الكلمة، وأليس لهذه الكلمة (الأخضر) في هذه الآية الكريمة: (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون)، ألا نجد فيها معنى أعمق وأعمق ومن ثم فيها إعجازاً علمياً واضح؟

الونشريس

    الونشريس

    نورتييينى يا قمر

    الونشريس

    الونشريس

    الونشريس

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.