حقيقة الإيمان
اعزائى عضوات مدونة عدلات ، تعالوا نعرف اليوم على قصة حقيقة الإيمان، وهي مليئة بالدروس المفيدة؛ ولهذا نزلت بسببها آيات من القرآن الكريم، فتعالوا نسمع الحكاية من بدايتها:
كانت للزبير بن العوام الصحابي الجليل أرضٌ يزرعها في المدينة، وكانت أرضًا مرتفعة قليلاً عن الأرض التي تجاورها، وكان ماء المطر إذا نزل تجمع في واديين كبيرين بالمدينة، ثم ينحدر الماء منهما إلى الأراضي التي حولهما، ولأن أرض الزبير كانت عالية، وأول أرض في طريق الماء، فإن الزبير كان يحجز هذا الماء ليسقي أرضه، ثم يتركه يجري ليسقي بقية الأراضي التي تجاوره.
الطلب الغريب
وذات يوم، فوجئ الزبير وهو يحجز الماء ليستكمل سقي أرضه بالماء المنحدر من مسيل الوادي- أي موضع جريان الماء من الوادي- فوجئ بجاره صاحب الأرض المجاورة لأرضه، يأمره بترك الماء ينزل إلى أرضه قبل أن يستكمل الزبير سقي أرضه، فتعجب الزبير من هذا التصرف المفاجئ والطلب الغريب؛ لأن معناه أن يترك الماء يمرَّ دون أن يسقي أرضه، وأن تبقي أرضه عطشى، ويجف زرعها، لأن الماء سيتجمع بذلك في أرض جاره المنخفضة عن أرضه، ولن يستطع الزبير أن يعيد رفع الماء إلى أرضه بعد أن ينتهي الجار من السَّقْي، فلم يوافق الزبير على طلب جاره، وحاول أن ينصحه بأن يستمر الأمر كما كان، لكن الرجل غضب وأصرَّ علي طلبه.
اعتراض مذموم
فلم يجد الزبير بدًّا من رفع الأمر إلى رسول الله
فغضب جارُ الزبير ولم يُعجبه حُكْم النبي صل الله عليه وسلم، وقال في ثورة غضبه: أن كان ابن عمتك- يقصد: حكمتَ له وقدَّمته عليَّ وظلمتني لأنه ابن عمتك يا رسول الله.
فظهر الغضبُ على وجه النبي صل الله عليه وسلم من هذه المقولة التي لا تصدر عن مسلم آمن بالله ربًّا، ورضي بمحمدصل الله عليه وسلم نبيًّا ورسولاً.
إذ كيف يشهد مسلم أن محمدًا رسول اللهصل الله عليه وسلم، ويعلم أن طاعته من طاعة الله، ثم يتهمه بالظلم ومحاباة أقربائه.
لقد كان حكم النبيصل الله عليه وسلمفيه إحسان وتلطُّف بهذا الجار؛ مراعاة للجوار بالمعروف، إذ كان معناه ألا يتمهل الزبير في سقي أرضه- مع أن هذا من حق الزبير- وأن يُعجِّل في الري؛ حفاظًا على استمرار المودة مع جاره الغاضب.
فلما قال هذا الجار قولته القبيحة الظالمة، التي كانت زلَّة من الشيطان أخرجه بها عن الصواب في التعامل مع النبي الكريم صل الله عليه وسلم، فأصدر النبيصل الله عليه وسلم حكمه العدل الذي يعطي لكل صاحب حق حقه؛ لأن هذا الجار لم يستحقَّ الإحسان- يعني الزيادة عن حقه تفضلاً وتلطُّفًا- الذي كان في الحكم الأول، ولأن هذا الجار قابل الإحسان بالطمع واتهام النبيصل الله عليه وسلم، قالصل الله عليه وسلم : "اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر".
أي استوفِ (أي خذ حقك كاملاً وافيًا غير منقوص) يا زبير حقَّك، وأتم سقي أرضك حتى ترتوي وتبلغ تمام الشرب، ثم أرسلها بعد ذلك لمن بعدك.
وعندئذٍ أنزل الله قوله تعالى إرشادًا وتعليمًا للصحابة ولنا؛ حتى لا نقع في مثل خطأ هذا الجار: )فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا([سورة النساء: 65].
والمعنى: أن الله يقسم بذاته المقدسة أنه لا يؤمن أحد تمام الإيمان؛ حتى يُحكِّم الرسول صل الله عليه وسلمفي خلافاته وقضاياه، فما حكم به هو الحق الذي يجب الانقياد له ظاهرًا (أي بالتنفيذ العملي)، وباطنًا (أي بالرضا النفسي بحكمه)، ثم لا يجد الذين حكَّمُوك في نفوسهم ضيقًا أو غضبًا مما حكمتَ به، ويرضوا به رضاء كاملاً.
كيف أحكم النبي
صل الله عليه وسلم في حياتي:ويجب أن نفهم هنا شيئًا مهمًّا يا عدولاتى الاعزاء، وهو أن قوله تعالى: "حتى يحكموك" ليس المقصود به وقت حياة النبيصل الله عليه وسلم فقط، بل يشملنا هذا الأمر بعد موتهصل الله عليه وسلم أيضًا، بحيث نحكمه في أمورنا وقضايانا في كل وقت؛ وفي كل مكان، فتسأل: وكيف ذلك؟
فأقول لك: إن النبي صل الله عليه وسلم لم يأت لزمان معين، ولا لمكان معين، وإنما هو رسول الله لكل زمان ومكان، وهو معنا بما تركه لنا من القرآن الكريم وسنته المطهرة، اللذين يمثلان منهجًا ودستورًا لحياة المسلم الملتزم بتعاليم دينه، فإذا حكمناهما في حياتنا، فكأننا حكمنا النبي صل الله عليه وسلم في كل شؤوننا وحياتنا؛ فننال رضا الله، ويدخلنا جنته.