ويعترف بهذه الحقيقة حتى صانعي الحليب. ولدى وصول حليب الأم إلى معدة الرضيع،
يتحوّل إلى حبيبات يسهل هضمها، علماً أن الرضيع الذي يتناول حليب الأم بكميات
كبيرة يكتسب سهولةً في التبوّل. وحليب الأم خالٍ من كل الجراثيم وصافٍ ويمتلك
حرارة الجسم. ولكن، ما هي حسنات الإرضاع من الثدي؟ وهل تسمح بمكافحة أمراض
الطفولة؟ وكيف تحمي هذه العملية الأم المرضعة؟ «سيدتي» حملت هذه الأسئلة إلى
الإختصاصي في طب الأطفال الدكتور جورج أبي فارس.
يتكوّن حليب الأم من البروتين والأملاح المعدنية،
وهو مفيد لنموّ جسم ودماغ الطفل بشكل سليم، لأنه غني بـ «اللاكتوز» و«الأسيد»
المشبّع وهي مكوّنات هامّة لنمو الدماغ. ويحمي الإرضاع من الثدي الطفل من الإسهال
والتهابات الأذن والتنفّس والسكري والبدانة وتسوّس الأسنان وضعف البصر
و«الكوليسترول».
مضاد للإلتهابات
– ما هي أبرز فوائد الإرضاع من الثدي؟
من أبرز فوائد الإرضاع من الثدي أنه يحمي المولود
الجديد من الحساسية والإلتهابات، فالمولود الذي يتمّ إرضاعه الحليب الطبيعي يصمد
أكثر في وجه الإلتهابات كما يكتسب مناعةً ضدّها، لأن حليب الأم مكوّن من عدد كبير
من مضادات الجسم التي تقاوم عدداً من البكتيريا التي تصيب الرئتين،
كـ «ستافيلوكوك» و«ستريبتوكوك» و«البنوموكوك»،
كما تقاوم الإلتهابات التي تكون الأم قد تلقّحت ضدها كـ «التيتانوس» وشلل
الأطفال…
ولحليب الأم أثر بكتيري على بعض الجراثيم وجهاز
المناعة الذي يكوّنه الطفل من خلال الرضاعة، يدعمه نظام بيولوجي، موجود أصلاً في
حليب الأم وفيه درجة عالية من «اللاكتوز»، ما يكسب الطفل سهولةً في الهضم وإخراج
البراز. وفي حليب الأم نوع من البروتين، يكسب المولود مضادات ضد التورّم.
– ما هو دور الرضاعة في الحماية من الحساسية؟
يكسب حليب الأم الرضيع حمايةً ضد الحساسية،
خصوصاً لدى الأشخاص الذين هم عرضة لذلك. وفي هذا الإطار، أثبتت الدراسات أن حليب
الأم يشكّل حمايةً ضد الحساسية بأنواعها، شريطة أن يتبعه في ما بعد، نظام غذائي
محدّد من قبل الأم كأن تبتعد عن تناول السمك والبيض قبل أن يبلغ مولودها شهره
التاسع، لأن النظام الغذائي للأم أساسي في حماية الولد من حساسية الجلد
و«الأكزيما».
لذا، يجدر بالأم الإبتعاد عن الحليب والسمك
والبيض والحمضيات والمكسرات ليصبح مفعول حليبها أقوى، وإلا فلن يكفي الحليب وحده
لحماية الطفل من الحساسية.
ولكن، يعتقد بعض الأطباء أنه ربما من غير الكافي
حماية الطفل من الربو من خلال الإرضاع من الثدي، ومن الصعب أن يتحقّق ذلك لأن
النظام الغذائي وحده لا يؤمّن الحماية، والسبب يعود إلى محفّزات أخرى تؤدّي إلى
هذا النوع من الحساسية.
الصمغ في حليب الأم
– كيف تتغيّر تركيبة حليب الأم؟
خلال الأيام الستة الأولى، يتكوّن حليب الأم من
«الكولوستروم» أي الصمغ، ويكون فقيراً بالسكر والدهنيات وغنياً للغاية بالأملاح
المعدنية والبروتين.
وفي عمر 6 أيام حتى 14 يوماً، يسمّى «الحليب
الإنتقالي» لأنه يصبح أكثر سماكةً مع الوقت. وبعد اليوم الرابع عشر، يصبح هذا
الحليب أكثر سماكةً ومركّزاً بالدهنيات
بنسبة 4 مرّات إضافية.
ويتوافق حليب الأم مع النظام الغذائي للطفل أي أن
حليب النهار (من السادسة إلى العاشرة صباحاً) يكون غنياً في الدهنيات، فيما تنخفض
هذه النسبة، ليلاً. وبعد أشهر من الإرضاع، يفتقر الحليب بشكل تدريجي إلى مادة
«اللاكتوفيرين» و«الزنك». وتجدر الإشارة إلى أنه لم يتمكّن أي حليب صناعي حتى
اليوم من تأمين حاجة المولود إلى هذه المواد التي تشكّل أساس تركيبة حليب الأم.
– هل من رابط نفسي يجمع الأم وطفلها أثناء فترة
الإرضاع من الثدي؟
يشكّل الإرضاع من الثدي فترة تبادل بين الأم
وطفلها، فهي توطّد العلاقة بينهما. من هنا، يشدّد عدد من علماء النفس على أهمية
الرضاعة الطبيعية في التطوّر النفسي والعاطفي للطفل.
ولتركيبة الحليب الفيزيولوجية علاقة بالجانب
النفسي العاطفي، لأن الطفل حين يلثم حلمة ثدي الأم يساعدها على إفراز مادة
«البرولاكتين» التي تحدّد نسبة إفراز الحليب، علماً أنه حين تتمّ عملية الإرضاع في
ظلّ جوّ عاطفي تساعد على زيادة إفراز هذه المادة. أما إذا تمّت بكثير من القلق
فيخفّ إفرازها، وبالتالي يخفّ إفراز الحليب.
سرطانا الثدي والمبيض
– كيف تستفيد الأم من الإرضاع من الثدي؟ وهل
تحميها هذه العملية من الأمراض؟
إذا تمكّنت الأم من إرضاع طفلها لفترة اثني عشر
شهراً متواصلة، فإنها تستطيع التخفيف من نسبة إصابتها بسرطان الثدي إلى %30. أما
إذا تمكّنت من الإرضاع لفترة أقلّها شهران، فإنها تخفّض نسبة إصابتها بسرطان
المبيض إلى %25.
ورغم التقنيات المتقدّمة لصناعة الحليب، إلا أنها
لم تستطع أن تحلّ مكان حليب الأم، لناحية تأمين نظام الحماية الطبيعي للرضيع.
– هل من مشكلات يسبّبها الإرضاع من الثدي؟
إن الإرضاع من الثدي هو بالطبع أصعب من تقديم
الحليب للولد بواسطة الزجاجة، كما يمكن أن ينتج عنه تسرّب الحليب من الثدي بشكل
دائم. ويعتبر عدد من النساء أن الإرضاع من الثدي يسيء إلى شكله حيث يكبر حجمه بسبب
وجود الحليب، فضلاً عن مشكلات تشقّق الثدي التي يسبّبها الإرضاع الطبيعي، وهي
مؤلمة ولا تزول أبداًً. وفي هذا الإطار، من الهام ألا تكتسب الأم كيلوغرامات
إضافية كثيرة خلال الحمل وأن ترتدي حمّالات الصدر بشكل دائم. ولكن، باختصار إن
المشكلات الفعلية للإرضاع من الثدي قليلة للغاية، وحتى بعض الأمراض الموسمية
كالإلتهاب في الحنجرة أو الرشح لا تعوقه، إلا في حال تناولت الأم بعض الأدوية
المزعجة والتي لا تتلاءم معه. ولكن، الإصابة ببعض الأمراض كالسيدا أو السلّ لا
تسمح للأم أبداً بالرضاعة الطبيعية.