جزيرة كريت
تعد جزيرة كريت مركزاً مهماً من مراكز الثقافة الإيجية القديمة. وفي العام 67ق.م تعرضت للغزو الروماني، وبين الأعوام 395 ـ 823 ، و961 ـ 1204م كانت في عداد الامبراطورية البيزنطية، أما بين الأعوام 823 ـ 961م فقد كانت تحت السيطرة العربية، وفي العام 1204م استولى عليها الصليبيون.
ومنذ العام 1715م أصبحت كريت تحت سيطرة الامبراطورية العثمانية. وقد شارك سكان كريت في الحرب الوطنية لتحرير اليونان، وكذلك في الثورة التي قامت بين عامي 1821 ـ 1829م لتحرير كريت من الاحتلال العثماني، وفي انتفاضة 1866 ـ 1869 و1896 ـ 1897م. حصلت كريت في عام 1898م على استقلالها الذاتي ووضعت تحت حماية الدول العظمى، ومنذ عام 1913م صارت كريت تابعة لدولة اليونان.
لم تكن حضارة بحر إيجة معروفة للعالم، وكان المؤرخون يعتمدون في كتابة التاريخ الإغريقي على ملحمتي «الإلياذة» و«الأوديسا» للشاعر الإغريقي هوميروس Homère (القرن 8ق.م) الذي تجول بين عامي 850 ـ 800ق.م في البلدان الإغريقية.
إلا أن الحفريات التي قام بها العالم الألماني هاينريش شليمَن Heinrich Schliemann في آسيا الصغرى وبلاد اليونان، وزميله الإنكليزي آرثر إيفانز Arthur Evans في جزيرة كريت في أواخر القرن العشرين كشفت عن مدن في كريت ومسينا Mycènes بها قصور وعمائر، كما كشف الأول أيضاً عن مدينة طروادة Troie.
سبقت حضارة كريت جميع حضارات بحر إيجة، إلا أن الأعمال الفنية كانت قليلة، وتقدمت حضارة كريت في العصر البرونزي الوسيط أي نحو عام 2024ق.م، واستمرت حتى عصر الدولة الوسطى في مصر أي نحو العام 1500ق.م، وعرفت باسم الحضارة المينوسية نسبة إلى الملك مينوس Minos الذي ذكر هوميروس أنه كان يحكم في العاصمة كنوسوس Knossos. وظهرت القصور في مدن كنوسوس وفايستوس Phaistos وماليا Malia وكانديا Kandia التي كانت مراكز مهمة للتجارة في بحر إيجة. وفي أواخر العصر البرونزي الذي يعاصر أوائل الدولة الحديثة في مصر الفرعونية ازدهرت الفنون المينوسية مرة ثانية، إلا أنها دمرت في عام 1400ق.م بالغزو الإغريقي، كما دمرتها الزلازل أيضاً.
وقد دلت الآثار التي عثر عليها على أن تلك الحضارات كانت متقدمة ومركزها جزيرة كريت. ومهدت الحضارة الكريتية إلى قيام الحضارة الإغريقية في شبه جزيرة اليونان التي كانت تسكنها قبائل بدائية هاجرت إليها، وظهرت آثار الحضارة الكريتية في مبانٍ بمدينة مسينا.
مخازن الجرار في قصر كنوسوسحجارة وأدوات لطحن الحبوب وجرشها (فايستوس)
نحو عام 1500ق.م أغار على جزيرة كريت من الشمال قبائل الدوريين، واستقروا فيها وفي عام 1100ق.م دمر الدوريون أيضاً الحضارة المسينية وضاع كل أثر للكريتيين والمسينيين، وتأثرت هذه القبائل بالحضارات السابقة فتمثلتها وأخرجت من هذه الفنون المجتمعة فناً جديداً خاصاً بها تميز بطابع فردي لم يعرف من قبل لدى شعوب العالم القديم.
وبالرغم من أن مسينا تقع في بلاد اليونان، ويرجع أصل شعبها إلى السلالة الإغريقية، إلا أن حضارتهم وفنونهم كانت متأثرة أكثر بحضارة كريت وفنونها.
شُيدت في المدن الكريتية قصور تميزت عمارتها بفن رفيع. ولم تكن هذه المدن محصنة بأسوار؛ مما جعلها عرضة لهجوم قبائل الدوريين. وكان قصر الملك مينوس من أحسن قصور مدينة كنوسوس العاصمة، ويقوم طراز العمارة فيه على عدم التنظيم سواء في وضع الغرف والدهاليز أم في مستويات الأرض. وهو ذو طابق واحد في قسم منه، وذو طابقين في قسم آخر. وقد تميز هذا القصر بطراز معماري متقدم من إنارة إلى وسائل لتصريف المياه.
استخدمت الحجارة في تشييد قصر مينوس الذي يحوي عدداً من الغرف ذات السقف المنخفض. أما السقوف فإنها تقوم على أعمدة ملونة رفيعة من أسفل وغليظة من الأعلى، ذات تيجان تشبه الوسادة في الطراز الدوري. وكانت هذه الأعمدة قد ظهرت في الشرفات والدرجات من الخشب. ويعتقد بعضهم أن شكل هذه الأعمدة مستمد من العمود المصري؛ مما يرجح استعانة المينوسيين بمهندسين من مصر. ولم يهتم المهندسون في تصميم القصر بإظهار عظمة الحكام على الزائر مثلما وجد في قصور الآشوريين. وقد بلغت عمارة المقابر الملكية شأناً عظيماً منذ العام 1300ق.م وهي تشبه مقابر المصريين في طيبة مما يرجح الرأي السابق أنهم استعانوا بمهندسين مصريين في بنائها.
وكانت جثث الملوك تكفن بلفافات على طريقة قدماء المصريين، كما غطيت الوجوه بأقنعة من الذهب تشبه في فكرتها الأقنعة التي كانت تغطي مومياء ملوك الدولة الفرعونية الحديثة.
واشتهرت كريت بالخزف وبصياغة الذهب، واكتشفت فيها قطع أثرية صغيرة الحجم من البرونز والخزف المزخرف faïence تدل على ذوق رفيع مثل: «الإلهة ذات الأفاعي» من الخزف الملون والمطلي، و«أقراط من البرونز والذهب» ومجموعة من الصور الجدارية الفريسك fresque مثل: «قاطفو الزعفران» و«الأمير والزنبق» و«الباريسية»، وبرع الكريتيون أيضاً في أعمال الفخار وصنع الأواني والمزهريات.
ومن الأشياء الشخصية التي عثر عليها في المقابر أوانٍ للشراب، ومصوغات وأسلحة، وأغلبها من الذهب تدل على درجة كبيرة من الجودة، وقد انتقلت هذه الفنون إلى شبه جزيرة اليونان بعد سقوط كريت. ومن أفضل الأمثلة لهذه الفنون إناء من الذهب مزخرف بنقش بارز منخفض يمثل أشخاصاً يطاردون ثيراناً.
وتسلم الايادى