كانت تجلس على أحد المقاعد في كوريدور إحدى المستشفيات وقد تحجرت الدموع في عيناها تأبى النزول لكنها ترفض أن توافق الألم الذي يهتز له قلبها وقد تلطخت ملابسها بالدماء وكذلك حجابها الأبيض الطويل حتى أن بعض قطرات الدماء لوثت وجهها الملائكي وكانت تنظر أمامها ساكنة لا تابه لنظرات المارة المستغربة لحالها فقط عيناها متعلقة بأحد الأبواب تريد أن تخترقه لتطمئن على الشخص الممد تحت أيدي الأطباء يحاولون جاهدين إنقاذ حياته ويتردد في ذهنها سؤال واحد : هل سيموت ؟؟؟
في حين كانت قد جلست جوارها إحدى الممرضات تبدو في أواخر عقدها الرابع وتبدو على ملامحها الطيبة تحدثها ولكنها لا تجد منها أي التفاتة أو ايماءة فقط نظرها معلق بالباب .
الممرضة : قومي يا بنتي اغسلي وشك كده ونضفي هدومك إن شاء الله خير
الفتاة : ………………..
الممرضة : يا حبيبتي إن شاء الله ربنا هينجيهولك بس أنتِ قومي اتوضي وصلي ركعتين لله وادعيله
الفتاة : …………………
الممرضة في نفسها : لا حول ولا قوة الا بالله دي البنت في ملكوت تاني خااالص أما أقومها أنا أغسلها وشها وانضفلها هدومها يمكن تفوق شوية
وما إن همت الممرضة بجذب يدها حتى اجفلت الفتاة شاعرة بألم شديد في ذراعها فأطلقت صرخة مدوية ونظرت تجاهها بسرعة وقد تجمعت الدموع في عينيها عندها تفاجات الممرضة بأن ذراعها مكسور .
ظلت تحدق بالفتاة لبرهة ولسان حالها يقول : للدرجة دي كل حواسك معاه حتى ألم ذراعك المكسور مش حاسة بيه
ولكنها تداركت نفسها سريعاً : إيه يا بنتي ده ذراعك مكسور أنتِ إزاي مقولتيش لدلوقتي ثواني اندهلك دكتور يشوفك
ذهبت الممرضة سريعاً لتنادي على زميلة تساعدها في أخذ الفتاة إلى أحد أطباء العظام بالمشفى وعادت الفتاة بنظرها إلى نفس الباب الموصد الذي كتب بجانبه لافتة (( غرفة العمليات ))
عادت الممرضة بعد فترة ومعها إحدى الممرضات الشابات بالمشفى ذلك النوع من الفتيات اللواتي أخذتهم زينة الحياة وغرهم جمالها تلك اللواتي يرون أن زينة الفتاة وجمالها في مظهرها الأخاذ وفي نظرة إعجاب الشبان لهن فيما يرتدينه من ملابس ربما هي ساترة بالنسبة لهم لكنها تجسدهم كما قال عنهم نبينا صلى الله علية وسلم (( كاسيات عاريات ))
الممرضة بحنان وهي تحثها على النهوض : قومي يا بنتي نروح قسم العظام عشان الدكتور يجبسلك ايدك
الفتاة كما هي : ………….
الممرضة : طب بالله عليكِ يا بنتي مينفعش كده ايدك هيحصلها مضاعفات أنتِ بقالك خمس ساعات قاعدة عالحال ده
الممرضة الشابة بنفاذ صبر وصوت عالي نسبياً : ما تقومي ياختي إحنا هنتحايل عليكِ ما تقومي بدل مانتي عملالنا فيها الملاك المجروح يعني إيه أصله الدلع ده
الممرضة الكبرى وقد نظرت لها شرزاً : اخرسي يا عبير أنا غلطانة أني ندهتلك
عبير : يا أبلة رقية ما أنتِ شيفاها أهي قاعدة متنحة لأوضة العمليات ومش معبرانا ولا أكن دراعها مكسور أصلاً هو أنتِ متأكدة إن دراعها مكسور ؟!
رقية متجاهلة الرد على عبير وقد أخذت في مساعدة الفتاة على الوقف ولو رغماً عنها : قومي يا حبيبتي عالمدكتور يجبسلك ايدك يكون خرج من العمليات بألف سلامة إن شاء الرحمن
نظرت إليها الفتاة وكأنها تتوسلها أن يكون كلامها صحيحاً وبدأت في السير وكان لسان حالها يقول : إن كان القدوم معكم سيجعل الوقت يمضي بسرعة لأعود ثانية فأجده وقد خرج وزال الخطر عنه فأنا سأتي فلم أعد اتحمل الانتظار
جلست الفتاة على أحد المقاعد المخصصة في عيادة الكسور في المشفى وبدأ الطبيب بمعاونة مساعده في رد ذراعها المكسور لكنه فوجئ بشيء غريب .
لم يسمع صراخاً وعويلاً من مريضته كما اعتاد أن يسمع من مرضاه دائماً .
نظر إليها فوجدها فقط تنظر باتجاه غرفة العمليات والتي كانت في نفس الدور ودموعها تنهمر على خديها بغزارة وبصمت عندها نظر إلى رقية التي أحضرتها محركاً شفتاه دون إصدار صوت : مالها ؟
أجابته رقية بنفس الطريقة : جوزها في العمليات
عندها أعاد الطبيب نظرة إليها مرة أخرى ليجد دموعها تنسكب بغزارة .
نعم كانت قد بدأت بالبكاء لكن حتى هي لا تدري كيف هبطت دموعها .
كانت بداخلها الكثير من المشاعر … الحزن لا بل اليأس .. الخوف لا بل الرعب …. الألم لا بل هو العذاب بعينه
وأخيراً الأمل كان الأمل في الله هو الشعور الايجابي الوحيد بداخلها تعلم جيداً أن لا أحد ينجيه إلا الله ولا أحد يشعر بمدى حبها له إلا الله ولا أحد يشعر بمدى معاناتها بل معاناتهما معاً إلا الله كما تعلم أنه ما جمع قلبيهما بكل هذا الحب إلا الله فهي تعلم جيداً أن القلوب بيد الرحمن يقلبها كيف يشاء
وأخيراً انتهى الطبيب بتثبيت الجبيرة ليدها قائلاً في مرح ليحاول تلطيف الجو وهو ينظر إلى مريضته : شوفتي أنا شاطر إزاي خلصت الجبس في ثواني مش زي العالم بتوع العمليات دووول ولا كأننا واقفين في طابونة دول …………..
قاطعة صوت رقية : إيه ده الدكتور طلع من العمليات
أيقن الجميع بأن الفتاة ستكون أمام غرفة العمليات في أقل من ثانية لكن ردة فعلها الجمتهم فقد ظلت ساكنة قابعة مكانها فقط اتجهت بعينيها البنيتين الواسعتين المليئتان بالدموع والرجاء إلى حيث تقف رقية قائلة بصوت باكي مرتجف : هيموت ؟
يــــتـــــبـــــع
كملى يا ساره