تخطى إلى المحتوى

الآن عرفت السـر 2024

الونشريس

الونشريس

الساعة تجاوزت الواحدة بعد منتصف الليل، تجلس أمي على الأريكة وعلامات القلق ترتسم على وجهها الملائكي..
، تنظر بارتقاب إلى عقارب الساعة، عيناها لم تلتفتان عنها لحظة.
أمي، ما بك؟

انتبهت إلى وجودي فخرجت عن شرودها، تنهدت بهدوء: لا شيء عزيزي، أشعر بأن والدك قد تأخر قليلاً.
الساعة لا تزال الواحدة: أمي، لم يتأخر للدرجة التي تقلقنا بعد..
، ولكن إن كنت قلقة عليه، اتصلي به وطمئني نفسك.
لم تنتظر أمي لأكمل كلامي، فيدها التقطت سماعة الهاتف بمجرد أن نطقت باسمه، وكأنها كانت متأهبة لسماع هذه الكلمة..
، بالتأكيد كانت تشاور عقلها بالاتصال به، وأنا أتحدث معها.
اتصلت به، مرت بضع ثوانٍ حتى أتاها صوته، أمي التي كانت تكاد أن تموت من القلق منذ لحظات، رسمت على وجهها ابتسامة عاشقة تجلس مع معشوقها على شاطئ البحر لحظة الغروب:
– حبيبي، قلقت عليك، أين أنت؟
– حسنًا، أنا في انتظارك، أحبك، في أمان الله.
أغلقت الهاتف، قامت مسرعة إلى غرفتها، وأغلقت عليها الباب، بضع دقائق مرت، دقَّ جرس المنزل أعقبه صوت فتح أبي لباب الشقة، مقترنًا بصوت فتح أمي لباب غرفتها، أسرعت إلى الباب تستقبله، وقد تزينت وارتدت ثوبًا أنيقًا زادها جمالاً على جمالها، تبادلا ابتسامة رقيقة، طبع كل منهما قبلة سريعة على وجنة الآخر، نظرت إلى يده التي يخفيها وراء ظهره، وكأنها طفلة تنتظر الحلوى من والدها، تبسَّم لها بسمة مداعبة، وأعطاها الوردة التي اعتاد أن يحضرها لها كل يوم، ابتسمت في سعادة، وأمسكت بيده، وجلسا على الأريكة:
– حمدًا لله على سلامتك، يا الله، تبدو مرهقًا.
– نعم كان يومًا عصيبًا، لكني نسيت كل همي عندما رأيتك.
– أنت تنسى همك عندما تراني، أما أنا فأنسى نفسي عندما أراك.
– ههه، أعلم أني لن أستطيع مجاراتك، ما أجمل أن تكون زوجتك أديبة مفوهة!.
– حبيبي، أنت من تكتب لي كل يوم بأفعالك أروع قصيدة.
– وأنتِ أجمل قصيدة قرأتها في حياتي، طمئنيني، كيف كان يومك؟
– الحمد لله بخير.
– وكيف حال الأولاد؟
ظلا يتحاوران، كنت أراهما كشخص واحد له جسدان، كنت أشاهد قصة حبٍ تضاهي في روعتها أساطير الأدب الرومانسية، عشرون عامًا مضت على زواجهما، وكأني أشعر أن اليوم هو يوم زفافهما، أنظر إلى عيونهما عندما يلتقيان فأرى حكاية عشق زادها الزمان جمالاً.
أردت كثيرًا أن أعرف سر هذا العشق، كيف يجعلان من الزمان ماءً يرويان به شجرة حبهما، فكلما مر الزمان بهما، نمت الشجرة وتشعبت في الأرض جذورها، ليتني أعرف السر.
مرت الأيام وعقلي منشغل بهذا السر، حتى أتت ليلة قمت فيها من نومي قبل موعد استيقاظي، كان الظلام حالكًا، وصوت التواشيح الذي ينبعث من مسجد بعيد عن بيتنا أعلمني أن الفجر لم يؤذن بعد، تحسست الطريق إلى باب غرفتي، فتحت الباب بهدوء حتى لا أوقظ من في البيت، انتبهت إلى أن هناك ضوءًا خافتًا ينبعث من غرفة المعيشة، ربما قد نسيه أحد إخوتي مفتوحًا، ذهبت لأطفئه، اقتربت من الباب، هممت بالدخول، لكني تسمَّرت في مكاني، فقد سمعت صوتًا يأتي من داخل الغرفة، إنه صوت أبي، حاولت ألا أصدر أي صوت كيلا أفزعه، مددت رأسي إلى داخل الغرفة لأرى ما يحدث، يا الله، أبي يؤم أمي بركعتي قيام، مشهد لن أنساه ما حييت، أبي يتضرع إلى الله بالدعاء، وأمي تؤمنّ على دعائه:
"اللهم بارك لي في حبيبتي، اللهم بارك لها فيّ، اللهم اجعلني لحبيبتي نعم الزوج، واجعلها لي نعم الزوجة، اللهم كما جمعتنا في الدنيا على طاعتك اجمعنا في الآخرة في جنتك، اللهم ألف بين قلبينا، اللهم بارك لنا في أولادنا، واجعلهم سببًا في نصرة دينك..".
أبي يبكي وهو يدعو.. أمي تبكي وهي تؤمِّن، وأنا أبكي وأنا أشاهدهما.
الآن اتضحت لي الرؤيا، وانكشف الستار عن آخر خيوط اللغز "الآن عرفت السـر".
الونشريس
الونشريس

    مشكوووووووووووورة

    بارك الله فيكِ

    جميله

    روعه يسلمو ياقلبوووو

    جميله تسلمى

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.