كانت الإوَزَّةُ (لؤلؤةُ) تَشْعُرُ بسعادةٍ كبيرةٍ فهذِهِ هى أولُ مرًَةٍ تُهاجرُ فيها مع بقيةِ الطًُيورِ .
وكانت (لؤلؤةُ) تُحسِنُ الطَّيرانَ والتحليقَ بمهارةٍ فائقةٍ وكانت دائماً تقولُ لجارتِها (هدوءَ) التى تكبُرها فى السنَّ : سوف أقطَعُ مسافةَ السفرِ فى أسرعِ وقتٍ ممكنٍ وسوفَ أصِلُ إلى الجنوبِ قبلَ أىَّ إوزَّةٍ أخرى
ثم نفشَت ريشِها ورفعتْ رأسِها إلى أعلى قائلةً : بل إنَّنى سوفَ أصِلُ قبلكِ أنتِ يا (هدوءٌ) على الرغمِ من أنَّك قَدْ هاجرتِ قبلى مراتٍ ومراتٍ ! !
وأعتقدُ انَّكِ لن تَسْتَطِعى ان تُسايرينى فى هذِهِ الرِّحْلَةِ الطويلةِ وأنَّك سَوْف تَتْعَبِين كثيراً أَثْنَاءَها وأضْطَرَّ إلى مساعدتِك .
نَظَرت الإوزَّةُ الكبيرةُ إلى الإوزَّةِ الصغيرةِ فِى هُدُوءٍ شديدٍ ولم تَنْطِقْ بِكلمةٍ واحدةٍ بَلْ رَاحتْ فى نومٍ عميقٍ حتَّى الصَّبَاحِ .
وما إن أشْرَقتِ الشمسُ حتى استعدََتْ جميعُ الطيورِ للرحلةِ الطويلةِ فملأت بطونَها بالطَّعَامِ والشَّرَابِ بينَما انشغلتْ (لؤلؤةُ) بالطيرانِ هُنا وهُناك لتستعرِضَ ريشَها الغزيرَ وعضلاتِها القويةَ ومهارتَها فى الطيرانِ .
وبدأتِ الرحلةُ وتشكَّلت جُمُوعُ الإوزِّ إلى مجموعاتٍ منظمةٍ يقودُ كلَّ مجموعةٍ قائدٌ مُدرَّبٌ تطيرُ خلفَهُ بقيةُ الإوَزِّ فى نظامٍ بديعٍ علَى شكلِ رقم (7) .
كان الإوَزُّ يُحَلَّقُ عالياً فى الفضاء الرَّحْبَ وكانتِ الأرضُ تبدُو من تحتِهِ وكأنَّها بقعةٌ صغيرةٌ وكانت (لؤلؤةُ) تطيرُ فى مجمُوعتِها مُعتزَّةً بنفسِها وكانت من حينٍ إلى آخرَ تَخْرُجُ عن السِّرْبِ وتَنْطَلِقُ كالسَّهْمِ بَعِيداً جداًّ ثُمَّ تعودُ إلى السِّرْبِ ثانيةً ! !
فنظَر إليها قائدُ السِّرْبِ فى غَضَبٍ وقال : لابدَّ أن تَلْتَزِمِى بمكانِكِ فى آخرِ الصَّفَّ لأن الإوَزَّ الذِى يَسْبِقُكِ فى الصفَّ يُخَلْخِلُ الهواءِ أمامَك مما يُسَهِّلُ عليكِ الطيرانَ وإكمالَ الرحلةِ .
لكنَّ الإوَزَّةَ الصغيرةَ لم تهتمَّ بكلامِ قائدِ السِّربِ وأخذتْ تقولُ لزميلاتِها : ما أبْطَأَ طيرانَكن ! ! يالَهُ من سَفَرٍ مُملًّ ! ! ثم أَخَذَتْ تَطِيرُ حتى أصابَها التعبُ . وبعد فترةٍ دخَل قائدُ السِّرْبِ إلى وَسَطِ التشكيلِ ليستريحَ ثم تولَّى طائرٌ آخرُ القيادةَ بدلاً منه .
كان البردُ قارِساً والرياحُ شديدةً فحاولتِ الإوَزَِّةُ الصغيرةُ أن تقاوِمَ الجُوعَ والبردَ والتعبَ لكنها لم تستطِعْ وأخذتْ تترنحُ يميناً ويساراً حتَّى أوشَكتْ على السقوطِ لكنها وَجَدتْ جارتَها (هدوءَ) إلى جوارِها تساعدُها وتشجَّعها على الطيرانِ .
وبعد قليلٍ أشارَ قائدُ المجموعةِ إلى الإوزَّةِ (هدوءَ) وإوَزَّةٍ أخرى بالهبوطِ إلى الأرضِ حتى تنالَ الإوزَّةُ الصغيرةُ قِسْطاً من الراحةِ وظلَّتِ الإوَزَّةُ الطيبةُ وزميلتُها إلى جِوارِ الإوَزَّةِ الصغيرةِ حتى استعادَت قوَّتَها ونشاطَها من جديدٍ ثم طاروا جميعاً معاً ولحِقوا بالسربِ ووصلوا جميعاً إلى الجنوبِ بسلامٍ .
نظرت الإوزةُ الصغيرةُ إلى جارتِها الطيبةِ (هدوءَ) وقالت : شُكْراً لكِ يا جارتى العزيزةَ لقد علمتِنى دَرْساً لن أنساه أبداً وسوفَ أستعدُّ لرحلةِ العودةِ إلى الشَّمال من يومِنَا هذَا .