لا يعرف من يؤسس موقعا إسلاميا أو صفحة أو مدونة للدعوة على الشبكة العالمية من ينتفع بها من البشر، وما مدى انتفاعهم بها، وقد يسلم أناس بسبب معلومة في الموقع لا يتخيل صاحب المعلومة حين نشرها أنها تلج قلب كافر بالله تعالى فتزيل عنه حجاب الكفر، وتهديه إلى الله سبحانه، وتحببه في دينه، فينطق بالشهادة، وما أسلم إلا بسبب ذلك الموقع – بعد توفيق الله تعالى- وصاحب الموقع لا يعلم شيئا عن ذلك، فهنيئا لمن سعى في نشر الخير بكل وسيلة، ودعا إلى دين الله تعالى بكل طريقة..
في بلد صغير من بلاد نيوزلاندا ليس فيه مسلمون عاش فتى من أصول بريطانية اسمه (زيين) سماه والده بطريقة طريفة؛ إذ جاءه نبأ ولادة ابنه وأمامه خريطة فأغمض عينيه ووضع أصبعه على الخريطة وقال: ما اسم هذه المدينة؟ قالوا: زيين – وهي من بلاد الصين- قال: فهو اسم ابني..
أصول أسرته يهودية، وجداه نصرانيان متدينان، وأبواه علمانيان ملحدان، ووالد جده يهودي كان ماهرا في صناعة السفن، وكان عاملا في الخلافة العثمانية التي أكرمته بشهادات وجوائز على إتقانه لحرفته..
عاش (زيين) كأي فتى نصراني في بلاد علمانية ديمقراطية، وانتقل والده بعقد عمل في البحرين والفتى صبيٌّ دون البلوغ ليتعرف على صبيان مسلمين في سنه لكن الإسلام لم يعنِ له شيئا، ولم يأبه به، مع أن صبيان الحي الذي هو فيه أنطقوه الشهادة فنطقها مجاملة لهم، ولا يعرف معناها، ولم يلتزم بمقتضاها، ليعود والده مرة أخرى إلى بلده الأصلي..
وفي فترة البلوغ وما بعدها كان (زيين) كأي فتى لاه عابث، يشرب الخمور، ويقارف الزنا، ولا يلتزم بدين، ويرى أن الفتوة والشجاعة في التمرد على قوانين المجتمع، فيسرق ويتاجر في المخدرات، ويشاكس أقرانه، ويؤذي جيرانه.. وهكذا عاش لا هدف له ولا غاية، ويظن أن ما هو فيه هو السعادة..
وفي خضم مشاكساته مع أقرانه قصده شاب أكبر منه في بيته وقاتله بسكين حتى جرحه وكاد أن يقتله، ودافع زيين عن نفسه فكسر رجل المعتدي، الذي سبق ذووه للشرطة وقدموا شكوى على زيين مدعين أنه اعتدى على ولدهم وكسر قدمه وإنما كان زيين يدافع عن نفسه، فسجن شهرين، فأقسم في التحقيق أنه إنما كان يدافع عن نفسه.. وحيث لا بينات ولا شهود أخذ بقول من سبق وهو المعتدي، وبدأت محاكمة طويلة استمرت سنة، أجبر زيين خلالها على الإقامة الجبرية فاختار منزل جده..
كان هذا الظلم الذي وقع عليه خيرا له، ونقطة تحول في حياته؛ إذ إن مرارة الظلم أبت أن تبارحه، فظل أثناء إقامته الجبرية في بيت جده يبحث عن أحقية الدفاع عن نفسه في الديانات والقوانين، وذلك بالسؤال المباشر وبدخول مواقع الأنترنت فلاحظ تكريس هذا الحق في المواقع الإسلامية أكثر من غيرها، وأفادته أن الإسلام يكفل ذلك، وأن من قتل دون نفسه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد، وأنه لا تقبل دعوى إلا ببينة، وإلا كان اليمين على المدعى عليه، فأذهلته هذه الأحكام في عدلها ودقتها وحفظها لحقوق الجميع..
وأخذ يبحث أكثر في الإنترنت عن الإسلام حتى وقع على محاضرة للدكتور بلال فيليبس يتحدث عن الله تعالى وأسمائه وصفاته، فاقتنع أن هذا هو الإله الحق الموصوف بصفات الكمال، وأثر فيه كثيرا حديث الجارية التي سألها النبي صلى الله عليه وسلم: ((أين الله؟ قالت في السماء)) وتحطمت في نفسه على هذه العقيدة الصلبة الواضحة في إثبات علو الله تعالى على خلقه، وإحاطته بهم بعلمه وقدرته، ما كان يتلقنه في النصرانية من أن الله تعالى بذاته في كل مكان، واقتنع بالإسلام لكنه لم يلتق مسلما بعد ولا يدري كيف يسلم..
بدأ وهو لم يسلم بعد يفتح مواقع تسجيل القرآن ويطرب لسماعه، وأدمن الاستماع لمشاهير القراء، ويردد خلفهم آيات القرآن، حتى حفظ سورتي لقمان والرحمن وهو لم يسلم بعد، ولم يعرف معناهما، ولم يطلع على ترجمة لمعاني القرآن الكريم.
اقتنع بالإسلام من تلقاء نفسه، ولم يقابل مسلما ولا استمع إليه، ولم يدعه أحد إلى الإسلام إلا ما كان أيام صباه في البحرين، فعادت به الذكريات إلى ذلك الحين، وأحس بأنه قد فرط في الإسلام يومئذ، واستطاع وهو في إقامته الجبرية الحصول على رقم أحد المسلمين في مدينة هاملتون فاتصل به وسأله أسئلة عن الإسلام زادته يقينا بأنه الدين الصحيح، واستطاع بعد ذلك أن يقابله وينطق بالشهادتين، وتسمى في الإسلام بداود، وكان له مع الابتلاء بقرابته بعد الإسلام موعد: فغضب جده وجدته وكانا متمسكين بالنصرانية، وقاطعه أخوه الأصغر فلم يكلمه بعدها، وأخوه الآخر يناقشه يشككه في الإسلام بتحريض من جده لثنيه عما اختار.. وصار الرهبان يترددون على بيت جده لمناقشته ونصحه بأن يرجع عن إسلامه، لكنه كان صلبا، وما اختار الإسلام إلا عن قناعة..
وجد متنفسا في إقامته الجبرية بالسماح له بالخروج ساعات معينة يجب أن لا تطول، وذلك أثناء سير محاكمته فاستطاع أن يزور أقرب بلد فيها مسجد تبعد عن بلده ساعة ونصف، وصلى ست جمعات متتالية، يخرج قبل الجمعة بساعتين ويصلي ثم يعود إلى بلده، فلما صدر الحكم عليه بأن لا يبارح بيت جده وما حوله لم يستطع السفر لحضور الجمعة، ودخل عليه رمضان وهو في بلده وكان متشوقا جدا للصيام، وأعلمه المسلمون بدخول الشهر وكيف يصوم، وكان قد أتقن الصلاة، وأخذ يقرأ عن الصوم في الإنترنت كثيرا، ويطبق ما يقرأ.. وهو الآن يتسحر وحده طلبا للبركة والأجر، وإذا غابت الشمس أفطر وحده، وأذن وصلى المغرب وحده، ويصلي التراويح وحده..
أخبرني الدكتور محمد أنور أن داود اتصل به يوما وقد ضاق صدره بسبب خصومة بينه وبين جده، كان سببها أن جديه إذا جلسا على مائدة الطعام يتلوان دعاء الشكر الذي هو من عادات النصارى المتدينين، وهو يفارق المائدة أثناء تلاوتهما للدعاء يخاف الوقوع فيما يغضب الله تعالى، فيخرج إلى فناء المنزل حتى ينتهيان من دعائهما، فغضب جده ذات مرة لأجل ذلك وترك الطعام وخرج من المنزل، فكان داود بين أمرين صعبين: بر جده وطلب رضاه لكن الثمن المشاركة في شعائر الكفار، أو الابتعاد والخروج أثناء الدعاء مع غضب جده، فلما أزعجه ذلك اتصل بالداعية الدكتور محمد أنور يشتكي له فأخبره أنور بأنه يمكنه أن يبقى ولا يشارك في الدعاء بل يسكت، ولا يكون في ذلك معصية، فسري عنه كثيرا، وكأن جبلا أزيح عن كاهله..
يتعلم داود كل يوم شيئا من دينه عن طريق الإنترنت، وأدمن سماع القرآن ولا سيما بعد علمه أن رمضان شهر القرآن، وهو عازم بعد انتهاء فترة عقوبته في الإقامة الجبرية أن ينتقل إلى بلد فيها مسلمون، وأن يسكن بجوار المركز الإسلامي ليحافظ على الصلوات الخمس فيه ويتعلم أمور دينه..
فالحمد لله الذي هداه للإسلام، وأسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياه عليه إلى الممات، وأن يستعملنا في طاعته.. آمين..
وكم في الأرض من أمثال داود أسلموا ولم تذكر قصصهم؟! وكم فيها من ضالين هم أحوج ما يكونون إلى هدايتهم ودلالتهم على الإسلام؟! فلا يحقرن أحد شيئا يبذله لدين الله تعالى..فمن يدري لعله يبلغ نفعا لا يظنه صاحبه..
قال هرقل لأبي سفيان في شأن النبي صلى الله عليه وسلم: ((وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ، فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ. وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ الإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ. وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ القُلُوبَ)) متفق عليه.
فعلاً النت بحر واسع ويجب استخدامه في كل معلومة صغيرة تنفع الناس
لا عدمنا مواضيعك المميزة