الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،،،
ففي هذه الحلقة نذكر:
أهمية النية في السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم:
إن في السنة النبوية أحاديث كثيرة تشيد بفضل النية والإخلاص، مظهرة ما لها من أثر على الأعمال والعاملين، وهذا عرض لبعض النصوص في هذا الباب:
1 ـ النية مصدر قبول الأعمال:
روى النسائي بإسناد جيد عن أبي أمامة الباهلي، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلًا غزا يلتمس الأجر والذكر، ماله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا شيء له» فأعادها ثلاث مرات، يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم «لاشيء له»، ثم قال: «ألا إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا وابتغى به وجهه» .
إن نوايانا هي التي تشكل أعمالنا وتوجهها، والعمل مهما تكن ضخامته وخطره، لا يكون جليلًا ولا يكتب له القبول الحق إلا بقدر ما تكون النوايا جليلة وصادقة، وما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم في وصيته لمعاذ حين وجهه إلى اليمن: «أخلص دينك يكفك العمل القليل»
2ـ الجزاء على العمل يتنوع بتنوع النية:
روى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الخيل ثلاثة، ففرس للرحمن، وفرس للإنسان، وفرس للشيطان، فأما فرس الرحمن فالذي يربط في سبيل الله، فعلفه وروثه وبوله حسنات في ميزانه يوم القيامة، وأما فرس الشيطان فالذي يقامر أو يراهن عليه، وأما فرس الإنسان فالفرس يرتبطها الإنسان يلتمس بطنها فهي تستر من فقر»
ومن ثم وجب على المؤمن – خاصة الداعية – أن يحسن نيته، فإن ما افترق الناس في غالب أحوالهم إلا من هذا الباب، لأن الغالب على بعضهم تقارب أفعالهم، ثم إنهم يفترقون في الخيرات والبركات بحسب مقاصدهم وتنمية أفعالهم.
3- النية الصالحة تجعل العادة عبادة والمباح طاعة:
إن الإخلاص والنية الصالحة هما (إكسير) العمل، الذي إذا وضعا على أي عمل ولو كان من المباحات والعادات حوله إلى عبادة وقربة لله تعالى.
فعن أبي ذر أن ناسًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: «أوليس قد جعل الله لكم ما تتصدقون به؟ إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة»، قالوا: يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر» .
قال القرطبي: فيه دليل على أن النيات الصادقات تقلب المباحات إلى الطاعات
4- صدق النية يثمر نجاح العمل ولو وقع خطأ أو لم يتم:
عن أبي يزيد معن بن يزيد بن الأخنس ، قال: كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها، فأتيته بها، فقال: والله ما إياك أردت، فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: «لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن»
وعن أبي كبشة الأنماري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «…إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلمًا، فهو يتقى فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم أن لله فيه حقًا، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علمًا ولم يرزقه مالًا، فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالًا لعملت بعمل فلان، فهو بنيته، فأجرها سواء…»
5- صدق النية يثمر للعبد كفاية الله ومعونته:
من بركات النية الخالصة أن صاحبها يستجلب عون الله له، وقرب الله منه، ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ومن أخذ أموال الناس يريد أدائها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله»
وفي رواية ابن حبان والحاكم من حديث ميمونة: «ما من أحد يدان دينًا يعلم الله أنه يريد قضاءه إلا أداءه الله عنه في الدنيا»
وقد جاء عن عمر في رسالته الشهيرة في القضاء قوله: «فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين بما ليس فيه شانه الله».
قال ابن القيم في شرح هذه الكلمات: «هذا شقيق كلام النبوة، وهو حري بأن يخرج من مشكاة المحدث الملهم، وهاتان الكلمتان من كنوز العلم، ومن أحسن الإنفاق منهما نفع غيره، وانتفع غاية الانتفاع، فأما الكلمة الأولى فهي منبع الخير وأصله، والثانية أصل الشر، فإن العبد إذا خلصت نيته لله تعالى، وكان قصده وهمه وعمله لوجهه سبحانه كان الله معه، فإنه سبحانه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، ورأس التقوى والإحسان خلوص النية لله في إقامة الحق، والله سبحانه لا غالب له، فمن كان معه فمن ذا الذي يغلبه أو يناله بسوء؟ فإن كان لله مع العبد فمن يخاف؟ وإن لم يكن معه فمن يرجوا؟ وبمن يثق؟ ومن ينصره من بعده؟»
وفي السنة نصوص كثيرة توضح قدر النية وتظهر فضل الإخلاص لكننا نكتفي بما ذكرناه، ففيه الخير والكفاية.
والله يجعل ما قدمتِ في ميزآن اعمالك