تفسيرسورة الحاقة الآيات52:48
(آخر السورة)
وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)}
.شرح الكلمات:
{وإنه لحسرة على الكافرين}: أي التكذيب بالقرآن حسرة يوم القيامة على المكذبين به.
{وإنه لحق اليقين}: أي الثابت يقينا أو اليقين الحق.
{فسبح باسم ربك العظيم}: أي نزه ربك العظيم الذي كل شيء أمام عظمته صغير حقير أي قل سبحان ربي العظيم.
.معنى الآيات:
• وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ
يعني : القرآن كما قال : ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى ) [ فصلت : 44 ] .
_ يتذكرون به مصالح دينهم ودنياهم، فيعرفونها، ويعملون عليها، يذكرهم العقائد الدينية، والأخلاق المرضية، والأحكام الشرعية، فيكونون من العلماء الربانيين، والعباد العارفين، والأئمة المهديين.
• وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ
أي : مع هذا البيان والوضوح ، سيوجد منكم من يكذب بالقرآن . تفسير ابن كثير
• وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ
فإنهم لما كفروا به، ورأوا ما وعدهم به، تحسروا إذ لم يهتدوا به، ولم ينقادوا لأمره، ففاتهم الثواب، وحصلوا على أشد العذاب، وتقطعت بهم الأسباب.
• وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ
{ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ } أي: أعلى مراتب العلم، فإن أعلى مراتب العلم اليقين وهو العلم الثابت، الذي لا يتزلزل ولا يزول.
= واليقين مراتبه ثلاثة، كل واحدة أعلى مما قبلها:
– أولها: علم اليقين، وهو العلم المستفاد من الخبر.
– ثم عين اليقين، وهو العلم المدرك بحاسة البصر.
-ثم حق اليقين، وهو العلم المدرك بحاسة الذوق والمباشرة.
وهذا القرآن الكريم، بهذا الوصف، فإن ما فيه من العلوم المؤيدة بالبراهين القطعية، وما فيه من الحقائق والمعارف الإيمانية، يحصل به لمن ذاقه حق اليقين.
• فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ
أي: نزهه عما لا يليق بجلاله، وقدسه بذكر أوصاف جلاله وجماله وكماله
تفسير السعدى.
فى ظلال الآيات:
• وأخيرا تجيء الخاتمة التقريرية بحقيقة هذا الأمر وطبيعته القوية:
وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48).
-فهذا القرآن يذكر القلوب التقية فتذكر .
إن الحقيقة التي جاء بها كامنة فيها . فهو يثيرها فيها ويذكرها بها فتتذكرها .
– فأما الذين لا يتقون فقلوبهم مطموسة غافلة لا تتفتح ولا تتذكر , ولا تفيد من هذا الكتاب شيئا .
– وإن المتقين ليجدون فيه من الحياة والنور والمعرفة والتذكير ما لا يجده الغافلون .
• (وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) .
ولكن هذا لا يؤثر في حقيقة هذا الأمر , ولا يغير من هذه الحقيقة . فأمركم أهون من أن يؤثر في حقائق الأمور .
(وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50).
حسرةبما يرفع من شأن المؤمنين , ويحط من قدر المكذبين وبما ينتهي إليه من إقرار الحق وإزهاق الباطل الذي يستمسك به الكافرون . ثم إنه حجة عليهم عند الله في اليوم الآخر , حيث يعذبون.
وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)
(وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ). . مع تكذيب المكذبين . حق اليقين . فليس مجرد اليقين , ولكنه الحق في هذا اليقين . وهو تعبير خاص يضاعف المعنى ويضاعف التوكيد . وإن هذا القرآن لعميق في الحق , عميق في اليقين . وإنه ليكشف عن الحق الخالص في كل آية ما يشي بأن مصدره هو الحق الأول الأصيل . .
• فهذه هي طبيعة هذا الأمر وحقيقته المستيقنة . لا هو قول شاعر . ولا هو قول كاهن . ولا هو تقول على الله . إنَّما هو التنزيل من رب العالمين . وهو التذكرة للمتقين . وهو حق اليقين .
• هنا يجيء التلقين العلوي للرسول الكريم , في أنسب وقت وأنسب حالة لهذا التلقين:
(فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ). .
التسبيح بما فيه من تنزيه وتمجيد . وبما فيه من اعتراف وتحقيق . وبما فيه من عبودية وخشوع . . . هو الشعور الذي يخالج القلب , بعد هذا التقرير الأخير , وبعد ذلك الاستعراض الطويل , لقدرة الله العظيم , وعظمة الرب الكريم . .
من هداية الآيات:
– مشروعية التسبيح بقول سبحان ربي العظيم إن صح أنه لما نزلت قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه اجعلوها في ركوعكم فكانت سنة مؤكدة سبحان ربي العظيم ثلاثا في الركوع أو أكثر.
فائدة
قوله تعالى (وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50).
فهذا كقوله تعالى:
•{وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [مريم: 39].
{أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} [الزمر: 56].
•{يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر: 52].
• {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا} [الفرقان: 27-29].
• {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ} [يونس: 45]، وقال تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات: 46].
*وهكذا يأمر الله تعالى نبيَّه محمدًا – صلى الله عليه وسلم – أن يُنْذِرَ الناسَ يومَ الحسرة والندامة، وهو يوم القيامة؛ حيث تَشْتَدُّ فيه الحسرة، وتَعْظُم فيه الندامة، وأي حسرةٍ أعظم من فَوات رضا الله وجنَّته، واستحقاق سَخَطِه، والخلود في نارِه، على وجهٍ لا يَتمكَّن فيه أحدٌ من الرُّجوع إلى الدنيا ليستأنِف العمل..اللهم عافنا نسألكَ رضاكِ والجنّة ونعوذ من عقابك والنار
*بارك الله فيكم على طيب ا لمتابعة..دمتم برعاية الرحمن
المراجع:
تفسير القرآن العظيم ابن كثير
تيسير الكريم الرحمن فى تفسير
كلام المنان للسعدى.
سيد قطب فى ظلال القرآن.
الجزائرى أيسر التفاسير.