تخطى إلى المحتوى

تفسير الآية 5 من سورة مريم 2024

  • بواسطة
{وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا}
الونشريس
إعراب الآية :
الجار "من ورائي" متعلق بحال من "الموالي"، وجملة "وكانت" حالية من التاء في "خفت"، وجملة "فهب" معطوفة على جملة "إني خفت".
الونشريس
الألفاظ المشتركة في الآية الكريمة :
خوف
– الخوف: توقع مكروه عن أمارة مظنونة، أو معلومة، كما أن الرجاء والطمع توقع محبوب عن أمارة مظنونة، أو معلومة، ويضاد الخوف الأمن، ويستعمل ذلك في الأمور الدنيوية والأخروية. قال تعالى: (ويرجون رحمته ويخافون عذابه( [الإسراء/57]، وقال: (وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله( [الأنعام/81]، وقال تعالى: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا( [السجدة/16]، وقال: (وإن خفتم ألا تقسطوا( [النساء/3]، وقوله: (وإن خفتم شقاق بينهما( [النساء/35]، فقد فسر ذلك بعرفتم (قال أبو عبيدة في مجاز القرآن 1/126: قوله: (وإن خفتم( : أيقنتم)، وحقيقته: وإن وقع لكم خوف من ذلك لمعرفتكم. والخوف من الله لا يراد به ما يخطر بالبال من الرعب، كاستشعار الخوف من الأسد، بل إنما يراد به الكف عن المعاصي واختيار الطاعات، ولذلك قيل: لا يعد خائفا من لم يكن للذنوب تاركا. والتخويف من الله تعالى: هو الحث على التحرز، وعلى ذلك قوله تعالى: (ذلك يخوف الله به عباده( [الزمر/16]، ونهى الله تعالى عن مخافة الشيطان، والمبالاة بتخويفه فقال: (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين( [آل عمران/175]، أي: فلا تأتمروا لشيطان وائتمروا لله، ويقال: تخوفناهم أي: تنقصناهم تنقصا اقتضاه الخوف منه. وقوله تعالى: (وإني خفت الموالي من ورائي( [مريم/5]، فخوفة منهم: أن لا يراعوا الشريعة، ولا يحفظوا نظام الدين، لا أن يرثوا ماله كما ظنه بعض الجهلة، فالقنيات الدنيوية أخس عند الأنبياء عليهم السلام من أن يشفقوا عليها. والخيفة: الحالة التي عليها الإنسان من الخوف، قال تعالى: (فأوجس في نفسه خيفة موسى فلنا: لا تخف( [طه/67]، واستعمل استعمال الخوف في قوله: (والملائكة من خيفته( [الرعد/13]، وقوله: (تخافونهم كخيفتكم أنفسكم( [الروم/28]، أي: كخوفكم، وتخصيص لفظ الخيفة تنبيها أن الخوف منهم حالة لازمة لا تفارقهم، والتخوف: ظهور الخوف من الإنسان، قال: (أو يأخذهم على تخوف( [النحل/47].

– لدن أخص من (عند) ؛ لأنه يدل على ابتداء نهاية. نحو أقمت عنده من لدن طلوع الشمس إلى غروبها، فيوضع لدن موضع نهاية الفعل. وقد يوضع موضع (عند) فيما حكي. يقال: أصبت عنده مالا، ولدنه مالا. قال بعضهم: لدن أبلغ من عند وأخص (انظر مغني اللبيب ص 208). قال تعالى: (فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا( [الكهف/76]، (ربنا آتنا من لدنك رحمة( [الكهف/10]، (فهب لي من لدنك وليا( [مريم/5]، (واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا( [الإسراء/80]، (علمناه من لدنا علما( [الكهف/65]، (لينذر بأسا شديدا من لدنه( [الكهف/2]. ويقال من لدن، ولد، ولد، ولدى (انظر: اللسان (لدن) ). واللدن: اللين.

– الولاء والتوالي: أن يحصل شيئان فصاعدا حصولا ليس بينهما ما ليس منهما، ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان، ومن حيث النسبة، ومن حيث الدين، ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد، والولاية النصرة (قال الفراء: وكسر الواو في الولاية أعجب إلي من فتحها؛ لأنها إنما تفتح أكثر من ذلك إذا كانت في معنى النصرة، وكان الكسائي يفتحها ويذهب بها إلى النصرة. انظر: معاني القرآن 1/418)، والولاية: تولي الأمر، وقيل: الولاية والولاية نحو: الدلالة والدلالة، وحقيقته: تولي الأمر.والولي والمولى يستعملان في ذلك. كل واحد منهما يقال في معنى الفاعل.أي: الموالي، وفي معنى المفعول. أي: الموالى، يقال للمؤمن: هو ولي الله عز وجل ولم يرد مولاه، وقد يقال: الله تعالى ولي المؤمنين ومولاهم، فمن الأول قال الله تعالى: (الله ولي الذين آمنوا( [البقرة/257]، (إن وليي الله( [الأعراف/ 196]، (والله ولي المؤمنين( [آل عمران/68]، (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا( [محمد/11]، (نعم المولى ونعم النصير( [الأنفال/40]، (واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى( [الحج/78]، قال عز وجل: (قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس( [الجمعة/6]، (وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه( [التحريم/4]، (ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق( [الأنعام/62] والوالي الذي في قوله: (وما لهم من دونه من وال( [الرعد/11] بمعنى الولي، ونفى الله تعالى الولاية بين المؤمنين والكافرين في غير آية، فقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود( إلى قوله: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم( [المائدة/51] (الآية: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم( )، (لا تتخذوا آباءكم وأخوانكم أولياء( [التوبة/23]، (ولا تتبعوا من دونه أولياء( [الأعراف /3]، (ما لكم من ولايتهم من شيء( [الأنفال/72]، (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء( [الممتحنة/1]، (ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا( إلى قوله: (ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء( [المائدة/80 – 81] (الآية: (ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله… ( )وجعل بين الكافرين والشياطين موالاة في الدنيا، ونفى بينهم الموالاة في الآخرة، قال الله تعالى في المولاة بينهم في الدنيا: (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض( [التوبة/67] وقال: (إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله( [الأعراف/30]، (إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون( [الأعراف/27]، (فقاتلوا أولياء الشيطان( [النساء/76] فكما جعل بينهم وبين الشيطان موالاة جعل للشيطان في الدنيا عليهم سلطانا فقال: (إنما سلطانه على الذين يتولونه( [النحل/100] ونفى الموالاة بينهم في الآخرة، فقال في موالاة الكفار بعضهم بعضا: (يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا( [الدخان/41]، (ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض( [العنكبوت/25]، (قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا( الآية [القصص/63]، وقولهم تولى إذا عدي بنفسه اقتضى معنى الولاية، وحصوله في أقرب المواضع منه يقال: وليت سمعي كذا، ووليت عيني كذا، ووليت وجهي كذا: أقبلت به عليه، قال الله عز وجل: (فلنولينك قبلة ترضاها( [البقرة/144]، (فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره( [البقرة/144] وإذا عدي ب (عن) لفظا أو تقديرا اقتضى معنى الإعراض وترك قربه.فمن الأول قوله: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم( [المائدة/51]، (ومن يتول الله ورسوله( [المائدة/56].ومن الثاني قوله: (فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين( [آل عمران/63]، (إلا من تولى وكفر( [الغاشية/23]، (فإن تولوا فقولوا اشهدوا( [آل عمران/64]، (وإن تتولوا يستبد قوما غيركم( [محمد/38]، (فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين( [التغابن/12]، (وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم( [الأنفال/40]، (فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون( [آل عمران/82] والتولي قد يكون بالجسم، وقد يكون بترك الإصغاء والائتمار، قال الله عز وجل: (ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون( [الأنفال/20] أي: لا تفعلوا ما فعل الموصوفون بقوله: (واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا( [نوح/7] ولا ترتسموا قول من ذكر عنهم: (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه( [فصلت/26] ويقال: ولاه دبره: إذا انهزم.وقال تعالى: (وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار( [آل عمران/ 111]، (ومن يولهم يومئذ دبره( [الأنفال/16]، وقوله: (فهب لي من لدنك وليا( [مريم/5] أي: ابنا يكون من أوليائك، وقوله: (خفت الموالي من ورائي( [مريم/5] قيل: ابن العم، وقيل مواليه.وقوله: (ولم يكن له ولي من الذل( [الإسراء/111]، فيه نفي الولي بقوله عز وجل (من الذل( إذ كان صالحو عباده هم أولياء الله كما تقدم لكن مولاتهم ليستولي هو تعالى بهم، وقوله: (ومن يضلل الله فلن تجد له وليا( [الكهف/17]، والولي: المطر الذي يلي الوسمي، والمولى يقال للمعتق، والمعتق، والحليف، وابن العم، والجار، وكل من ولي أمر الآخر فهو وليه، ويقال: فلان أولى بكذا. أي أحرى، قال تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم( [الأحزاب/6]، (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه( [آل عمران/68]، (فالله أولى بهما( [النساء/135]، (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض( [الأنفال/75] وقيل: (أولى لك فأولى( [القيامة/34] من هذا، معناه: العقاب أولى لك وبك، وقيل: هذا فعل المتعدي بمعنى القرب، وقيل: معناه انزجر. ويقال: ولي الشيء الشيء، وأوليت الشيء شيئا آخر أي: جعلته يليه، والولاء في العتق: هو ما يورث به، و (نهي عن بيع الولاء وعن هبته) (عبد الله بن عمر يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وعن هبته. أخرجه البخاري في العتق، باب بيع الولاء وهبته 5/167؛ ومسلم برقم (1506) )، والموالاة بين الشيئين: المتابعة.

وهب
– الهبة: أن تجعل ملكك لغيرك بغير عوض. يقال: وهبته هبة وموهبة وموهبا. قال تعالى: (ووهبنا له إسحق( [الأنعام/84]، (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق( [إبراهيم/39]، (إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا( [مريم/19]، فنسب الملك إلى نفسه الهبة لما كان سببا في إيصاله إليها، وقد قرئ: (ليهب لك( (وبها قرأ قالون بخلف عنه، وورش وأبو عمرو ويعقوب. الإتحاف ص 298) فنسب إلى الله تعالى، فهذا على الحقيقة، والأول على التوسع. وقال تعالى: (فوهب لي ربي حكما( [الشعراء /21]، (ووهبنا لداود سليمان( [ص/30]، (ووهبنا له أهله( [ص/43]، (ووهبنا له من رحمتنا أخاه هرون نبيا( [مريم/53]، (فهب لي من لدنك وليا يرثني( [مريم/5]، (ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين( [الفرقان/ 74]، (هب لنا من لدنك رحمة( [آل عمران/8]، (هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي( [ص/35]، ويوصف الله تعالى بالواهب والوهاب (انظر: الأسماء والصفات ص 97) بمعنى: أنه يعطي كلا على استحقاقه، وقوله: (إن وهبت نفسها( [الأحزاب/50]. والاتهاب: قبول الهبة، وفي الحديث: (لقد هممت أن لا أتهب إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي) (الحديث عن ابن عباس أن أعرابيا وهب للنبي صلى الله عليه وسلم هبة فأثابه عليها، قال: رضيت؟ قال: لا، فزاده، قال: رضيت؟ قال: لا، فزاده، قال: رضيت؟ قال: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد هممت أن لا أتهب هبة إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي). أخرجه أحمد في المسند 1/295؛ وأبو داود مختصرا 3/290؛ والنسائي 6/280).
الونشريس
تفسير الجلالين :
5 – (وإني خفت الموالي) أي الذين يلوني في النسب كبني العم (من ورائي) أي بعد موتي على الدين أن يضيعوه كما شاهدته في بني إسرائيل من تبديل الدين (وكانت امرأتي عاقرا) لا تلد (فهب لي من لدنك) من عندك (وليا) ابنا
الونشريس
تفسير ابن كثير :
" وإني خفت الموالي من ورائي " بتشديد الفاء بمعنى قلت عصباتي من بعدي وعلى القراءة الأولى وجه خوفه أنه خشي أن يتصرفوا من بعده في الناس تصرفا سيئا فسأل الله ولدا يكون نبيا من بعده ليسوسهم بنبوته ما يوحى إليه فأجيب في ذلك لا أنه خشي من وراثتهم له ماله فإن النبي أعظم منزلة وأجل قدرا من أن يشفق على ماله إلى ما هذا وحده وأن يأنف من وراثة عصباته له ويسأل أن يكون له ولد ليحوز ميراثه دونهم هذا وجه " الثاني " أنه لم يذكر أنه كان ذا مال بل كان نجارا يأكل من كسب يديه ومثل هذا لا يجمع مالا ولا سيما الأنبياء فإنهم كانوا أزهد شيء في الدنيا " الثالث " أنه قد ثبت في الصحيحين من غير وجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا نورث ما تركنا صدقة " وفي رواية عند الترمذي بإسناد صحيح " نحن معشر الأنبياء لا نورث " وعلى هذا فتعين حمل قوله " فهب لي من لدنك وليا يرثني " على ميراث النبوة ولهذا قال " ويرث من آل يعقوب " كقوله " وورث سليمان داود " أي في النبوة إذ لو كان في المال لما خصه من بين إخوته بذلك ولما كان في الإخبار بذلك كبير فائدة إذ من المعلوم المستقر في جميع الشرائع والملل أن الولد يرث أباه فلولا أنها وراثة خاصة لما أخبر بها وكل هذا يقرره ويثبته ما صح في الحديث " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا فهو صدقة " .
الونشريس
تفسير القرطبي :
فيه سبع مسائل : الأولى : قوله تعالى : " وإني خفت الموالي " قرأ عثمان بن عفان ومحمد بن علي وعلي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما ويحيى بن يعمر " خفت " بفتح الخاء وتشديد الفاء وكسر التاء وسكون الياء من " الموالي " لأنه في موضع رفع " بخفت " ومعناه انقطعت بالموت . وقرأ الباقون " خفت " بكسر الخاء وسكون الفاء وضم التاء ونصب الياء من " الموالي " لأنه في موضع نصب ب " خفت " و " الموالي " هنا الأقارب وبنو العم والعصبة الذين يلونه في النسب . والعرب تسمي بني العم الموالي . قال الشاعر : مهلا بني عمنا مهلا موالينا لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : خاف أن يرثوا ماله وأن ترثه الكلالة فأشفق أن يرثه غير الولد . وقالت طائفة : إنما كان مواليه مهملين للدين فخاف بموته أن يضيع الدين , فطلب وليا يقوم بالدين بعده ; حكى هذا القول الزجاج , وعليه فلم يسل من يرث ماله ; لأن الأنبياء لا تورث . وهذا هو الصحيح من القولين في تأويل الآية , وأنه عليه الصلاة والسلام أراد وراثة العلم والنبوة لا وراثة المال ; لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة ) وفي كتاب أبي داود : ( إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم ) . وسيأتي في هذا مزيد بيان عند قوله : " يرثني " . الثانية : هذا الحديث يدخل في التفسير المسند ; لقوله تعالى : " وورث سليمان داود " وعبارة عن قول زكريا : " فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب " وتخصيص للعموم في ذلك , وأن سليمان لم يرث من داود مالا خلفه داود بعده ; وإنما ورث منه الحكمة والعلم , وكذلك ورث يحيى من آل يعقوب ; هكذا قال أهل العلم بتأويل القرآن ما عدا الروافض , وإلا ما روي عن الحسن أنه قال : " يرثني " مالا " ويرث من آل يعقوب " النبوة والحكمة ; وكل قول يخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم فهو مدفوع مهجور ; قال أبو عمر . قال ابن عطية : والأكثر من المفسرين على أن زكريا إنما أراد وراثة المال ; ويحتمل قول النبي صلى الله عليه وسلم ( إنا معشر الأنبياء لا نورث ) ألا يريد به العموم , بل على أنه غالب أمرهم ; فتأمله . والأظهر الأليق بزكريا عليه السلام أن يريد وراثة العلم والدين , فتكون الوراثة مستعارة . ألا ترى أنه لما طلب وليا ولم يخصص ولدا بلغه الله تعالى أمله على أكمل الوجوه . وقال أبو صالح وغيره : قوله " من آل يعقوب " يريد العلم والنبوة . الثالثة : قوله تعالى : " من ورائي " قرأ ابن كثير بالمد والهمز وفتح الياء . وعنه أنه قرأ أيضا مقصورا مفتوح الياء مثل عصاي . الباقون بالهمز والمد وسكون الياء . والقراء على قراءة " خفت " مثل نمت إلا ما ذكرنا عن عثمان . وهي قراءة شاذة بعيدة جدا ; حتى زعم بعض العلماء أنها لا تجوز . قال كيف يقول : خفت الموالي من بعدي أي من بعد موتي وهو حي ؟ ! . النحاس : والتأويل لها ألا يعني بقوله : " من ورائي " أي من بعد موتي , ولكن من ورائي في ذلك الوقت ; وهذا أيضا بعيد يحتاج إلى دليل أنهم خفوا في ذلك الوقت وقلوا , وقد أخبر الله تعالى بما يدل على الكثرة حين قالوا " أيهم يكفل مريم " . ابن عطية : " من ورائي " من بعدي في الزمن , فهو الوراء على ما تقدم في " الكهف " . الرابعة : قوله تعالى : " وكانت امرأتي عاقرا " امرأته هي إيشاع بنت فاقوذا بن قبيل , وهي أخت حنة بنت فاقوذا ; قاله الطبري . وحنة هي أم مريم حسب ما تقدم في " آل عمران " بيانه . وقال القتبي : امرأة زكريا هي إيشاع بنت عمران , فعلى هذا القول يكون يحيى ابن خالة عيسى عليهما السلام على الحقيقة . وعلى القول الآخر يكون ابن خالة أمه . وفي حديث الإسراء قال عليه الصلاة والسلام : ( فلقيت ابني الخالة يحيى وعيسى ) شاهدا للقول الأول . والله أعلم . والعاقر التي لا تلد لكبر سنها ; وقد مضى بيانه في " آل عمران " . والعاقر من النساء أيضا التي لا تلد من غير كبر . ومنه قوله تعالى : " ويجعل من يشاء عقيما " [ الشورى : 50 ] . وكذلك العاقر من الرجال ; ومنه قول عامر بن الطفيل : لبئس الفتى إن كنت أعور عاقرا جبانا فما عذري لدى كل محضر الخامسة : قوله تعالى : " فهب لي من لدنك وليا " سؤال ودعاء . ولم يصرح بولد لما علم من حاله وبعده عنه بسبب المرأة . قال قتادة : جرى له هذا الأمر وهو ابن بضع وسبعين سنة . مقاتل : خمس وتسعين سنة ; وهو أشبه ; فقد كان غلب على ظنه أنه لا يولد له لكبره ; ولذلك قال : " وقد بلغت من الكبر عتيا " . وقالت طائفة : بل طلب الولد , ثم طلب أن تكون الإجابة في أن يعيش حتى يرثه , تحفظا من أن تقع الإجابة في الولد ولكن يخترم , ولا يتحصل منه الغرض . السادسة . قال العلماء : دعاء زكريا عليه السلام في الولد إنما كان لإظهار دينه , وإحياء نبوته , ومضاعفة لأجره لا للدنيا , وكان ربه قد عوده الإجابة , ولذلك قال : " ولم أكن بدعائك رب شقيا " , أي بدعائي إياك . وهذه وسيلة حسنة ; أن يتشفع إليه بنعمه , يستدر فضله بفضله ; يروى أن حاتم الجود لقيه رجل فسأله ; فقال له حاتم : من أنت ؟ قال : أنا الذي أحسنت إليه عام أول ; فقال : مرحبا بمن تشفع إلينا بنا . فإن قيل كيف أقدم زكريا على مسألة ما يخرق العادة دون إذن ؟ فالجواب أن ذلك جائز في زمان الأنبياء وفي القرآن ما يكشف عن هذا المعنى ; فإنه تعالى قال : " كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب " [ آل عمران : 37 ] فلما رأى خارق العادة استحكم طمعه في إجابة دعوته ; فقال تعالى : " هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة " [ آل عمران : 38 ] الآية . السابعة : إن قال قائل : هذه الآية تدل على جواز الدعاء بالولد , والله سبحانه وتعالى قد حذرنا من آفات الأموال والأولاد , ونبه على المفاسد الناشئة من ذلك ; فقال : " إنما أموالكم وأولادكم فتنة " [ التغابن : 15 ] . وقال : " إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم " [ التغابن : 14 ] . فالجواب أن الدعاء بالولد معلوم من الكتاب والسنة حسب ما تقدم في " آل عمران " بيانه . ثم إن زكريا عليه السلام تحرز فقال : ( ذرية طيبة ) وقال : " واجعله رب رضيا " . والولد إذا كان بهذه الصفة نفع أبويه في الدنيا والآخرة , وخرج من حد العداوة والفتنة إلى حد المسرة والنعمة . وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لأنس خادمه فقال : ( اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته ) فدعا له بالبركة تحرزا مما يؤدي إليه الإكثار من الهلكة . وهكذا فليتضرع العبد إلى مولاه في هداية ولده , ونجاته في أولاه وأخراه اقتداء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام والفضلاء ; وقد تقدم في " آل عمران " بيانه .

    جزاكى الله خيرا

    بارك الله فيكى

    جزاكى الله خيرا

    جزانا واياكم حبايبي

    جزيت الفردوس الاعلى يا قمر

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.