( والعاديات ضبحا ( 1 ) فالموريات قدحا ( 2 ) فالمغيرات صبحا ( 3 ) فأثرن به نقعا ( 4 ) فوسطن به جمعا ( 5 ) إن الإنسان لربه لكنود ( 6 ) وإنه على ذلك لشهيد ( 7 ) وإنه لحب الخير لشديد ( 8 ) أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور ( 9 ) وحصل ما في الصدور ( 10 ) إن ربهم بهم يومئذ لخبير ( 11 ) )
يقسم تعالى بالخيل إذا أجريت في سبيله فعدت وضبحت ، وهو : الصوت الذي يسمع من الفرس حين تعدو . ( فالموريات قدحا ) يعني اصطكاك نعالها للصخر فتقدح منه النار .
( فالمغيرات صبحا ) يعني : الإغارة وقت الصباح ، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير صباحا ويتسمع أذانا ، فإن سمع وإلا أغار .
[ وقوله ] ( فأثرن به نقعا ) يعني : غبارا في [ مكان ] معترك الخيول .
( فوسطن به جمعا ) أي : توسطن ذلك المكان كلهن جمع .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا عبدة ، عن الأعمش ، عن إبراهيم عن عبد الله : ( والعاديات ضبحا ) قال : الإبل .
وقال علي : هي الإبل . وقال ابن عباس : هي الخيل . فبلغ عليا قول ابن عباس ، فقال : ما كانت لنا خيل يوم بدر . قال ابن عباس : إنما كان ذلك في سرية بعثت .
قال ابن أبي حاتم وابن جرير : حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني أبو صخر ، عن أبي معاوية البجلي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس حدثه ، قال : بينا أنا في الحجر جالسا ، جاءني رجل فسألني عن : ( والعاديات ضبحا ) فقلت له : الخيل حين تغير في سبيل الله ، ثم تأوي إلى الليل ، فيصنعون طعامهم ، ويورون نارهم . فانفتل عني فذهب إلى علي رضي الله عنه ، وهو عند سقاية زمزم فسأله عن ( والعاديات ضبحا ) فقال : سألت عنها أحدا قبلي ؟ قال : نعم ، سألت ابن عباس فقال : الخيل حين تغير في سبيل الله . قال : اذهب فادعه لي . فلما وقف على رأسه قال : تفتي الناس بما لا علم لك ، والله لئن كان أول غزوة في الإسلام بدر ، وما كان معنا إلا فرسان : فرس للزبير وفرس للمقداد ، فكيف تكون العاديات ضبحا ؟ إنما العاديات ضبحا من عرفة [ ص: 466 ] إلى المزدلفة ، ومن المزدلفة إلى منى .
قال ابن عباس : فنزعت عن قولي ورجعت إلى الذي قال علي رضي الله عنه .
وبهذا الإسناد عن ابن عباس قال : قال علي : إنما ( والعاديات ضبحا ) من عرفة إلى المزدلفة ، فإذا أووا إلى المزدلفة أوروا النيران .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : هي الخيل .
وقد قال بقول علي : إنها الإبل جماعة . منهم : إبراهيم وعبيد بن عمير وبقول ابن عباس آخرون ، منهم : مجاهد ، وعكرمة ، وعطاء ، وقتادة ، والضحاك . واختاره ابن جرير .
قال ابن عباس وعطاء : ما ضبحت دابة قط إلا فرس أو كلب .
وقال ابن جريج ، عن عطاء : سمعت ابن عباس يصف الضبح : أح أح .
وقال أكثر هؤلاء في قوله : ( فالموريات قدحا ) يعني : بحوافرها . وقيل : أسعرن الحرب بين ركبانهن . قاله قتادة .
وعن ابن عباس ومجاهد : ( فالموريات قدحا ) يعني : مكر الرجال .
وقيل : هو إيقاد النار إذا رجعوا إلى منازلهم من الليل .
وقيل : المراد بذلك : نيران القبائل .
وقال من فسرها بالخيل : هو إيقاد النار بالمزدلفة .
وقال ابن جرير : والصواب الأول ; أنها الخيل حين تقدح بحوافرها .
وقوله ( فالمغيرات صبحا ) قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : يعني إغارة الخيل صبحا في سبيل الله .
وقال من فسرها بالإبل : هو الدفع صبحا من المزدلفة إلى منى .
وقالوا كلهم في قوله : ( فأثرن به نقعا ) هو : المكان الذي إذا حلت فيه أثارت به الغبار ، إما في حج أو غزو .
وقوله : ( فوسطن به جمعا ) قال العوفي ، عن ابن عباس ، وعطاء ، وعكرمة ، وقتادة ، والضحاك : يعني جمع الكفار من العدو .
ويحتمل أن يكون : فوسطن بذلك المكان جميعهن ، ويكون ( جمعا ) منصوبا على الحال المؤكدة .
وقد روى أبو بكر البزار هاهنا حديثا [ غريبا جدا ] فقال : حدثنا أحمد بن عبدة ، حدثنا حفص بن جميع ، حدثنا سماك ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا [ ص: 467 ] فأشهرت شهرا لا يأتيه منها خبر ، فنزلت : ( والعاديات ضبحا ) ضبحت بأرجلها ( فالموريات قدحا ) قدحت بحوافرها الحجارة فأورت نارا ( فالمغيرات صبحا ) صبحت القوم بغارة ( فأثرن به نقعا ) أثارت بحوافرها التراب ( فوسطن به جمعا ) قال : صبحت القوم جميعا .
وقوله : ( إن الإنسان لربه لكنود ) هذا هو المقسم عليه ، بمعنى : أنه لنعم ربه لجحود كفور .
قال ابن عباس ، ومجاهد ، وإبراهيم النخعي ، وأبو الجوزاء ، وأبو العالية ، وأبو الضحى ، وسعيد بن جبير ، ومحمد بن قيس ، والضحاك ، والحسن ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، وابن زيد : الكنود : الكفور . قال الحسن : هو الذي يعد المصائب ، وينسى نعم ربه .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو كريب ، حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن جعفر بن الزبير ، عن القاسم ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الإنسان لربه لكنود ) قال : " الكفور الذي يأكل وحده ، ويضرب عبده ، ويمنع رفده " .
ورواه ابن أبي حاتم ، من طريق جعفر بن الزبير – وهو متروك – فهذا إسناد ضعيف . وقد رواه ابن جرير أيضا من حديث حريز بن عثمان ، عن حمزة بن هانئ ، عن أبي أمامة موقوفا .
وقوله : ( وإنه على ذلك لشهيد ) قال قتادة وسفيان الثوري : وإن الله على ذلك لشهيد . ويحتمل أن يعود الضمير على الإنسان ، قاله محمد بن كعب القرظي ، فيكون تقديره : وإن الإنسان على كونه كنودا لشهيد ، أي : بلسان حاله ، أي : ظاهر ذلك عليه في أقواله وأفعاله ، كما قال تعالى : ( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر ) [ التوبة : 17 ]
وقوله : ( وإنه لحب الخير لشديد ) أي : وإنه لحب الخير – وهو : المال – لشديد . وفيه مذهبان :
أحدهما : أن المعنى : وإنه لشديد المحبة للمال .
والثاني : وإنه لحريص بخيل ; من محبة المال . وكلاهما صحيح .
ثم قال تعالى مزهدا في الدنيا ، ومرغبا في الآخرة ، ومنبها على ما هو كائن بعد هذه الحال ، وما يستقبله الإنسان من الأهوال : ( أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور ) أي : أخرج ما فيها من الأموات ( وحصل ما في الصدور ) قال ابن عباس وغيره : يعني أبرز وأظهر ما كانوا يسرون في نفوسهم ( إن ربهم بهم يومئذ لخبير ) أي : لعالم بجميع ما كانوا يصنعون ويعملون ، مجازيهم عليه أوفر الجزاء ، ولا يظلم مثقال ذرة . آخر [ تفسير ] سورة " والعاديات " ولله الحمد [ والمنة ، وحسبنا الله ]