فرض الإسلام على المرأة العلم، وهذا الفرض يتناول أركان الإيمان، ومعرفة التوحيد معرفة صحيحة سليمة من أي بدعة أو خرافة أو تعلّق بغير الله سبحانه من حيث السؤال والرغبة والطلب، وأداء الفرائض الشرعيّة والواجبات الدينية، ويتناول أيضاً معرفة ما تحتاج إليه للقيام بواجباتها نحو زوجها وأسرتها، ويتناول أيضاً ما يصلح قلبها من الآفات والأمراض ( الحسد، الغيبة، … )، وما يصلح قالبها وبدنها من طمع الأشرار وشياطين الإنس والجان، فعليها أن تعرف أحكام الزينة وستر العورة، وشروط الحجاب الشرعي وأحكام الخلوة والاختلاط والنظر وفقاً للثابت في كتاب الله وسنة رسول الله .
وشعرت النساء في القرون المفضلة بحاجتهن إلى العلم؛ فجئن إلى رسول الله وطلبن منه مجلساً خاصًّا بهن، ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري قال : جاءت امرأة إلى رسول الله فقالت : يا رسول الله ! ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه تعلّمنا ممّا علّمك الله، فقال : " اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا "، فاجتمعن، فأتاهنّ فعلّمهنّ ممّا علّمه الله .
وكان في برهة من الزمن لا تجهّز العروس إلاّ ومعها بعض الكتب الشرعية النافعة، فمثلاً؛ ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء أن البِكر كان في جهازها عند زفافها نسخة من كتاب
( مختصر المزني ) .
ولم يقتصر دور المرأة على تعلّم العلم وطلبه، بل تعدّاه إلى المشاركة في تعليمه ورواية كتبه وتدريسها، وقد وُجِدَ في التاريخ الإسلامي نوابغ من النساء في كافة الفنون والعلوم، وتراجمهنّ حافلة في الكتب، فوُجِدَ منهنّ الفقيهات والمفسّرات والأديبات والشاعرات والعالمات في سائر علوم الدين واللغة، وها هي أسماء بعضهنّ –
على سبيل المثال لا الحصر – بدءاً من عصر الصحابيات :
أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : فهي كبيرة محدّثات عصرها، ونابغته في الذكاء والفصاحة، وكانت عاملاً كبيراً ذا تأثير عميق في نشر سنة رسول الله ، وقد روت – كما ذكر ابن حزم في " أسماء الصحابة الرواة وما لكل واحد من العدد " – 2210 أحاديث، وقال الحاكم النيسابوري : فحُمِلَ عنها رُبع الشريعة، وكانت أم المؤمنين من كبار المفتين في عصرها، وكان كبار أصحاب النبي يسألونها عن الفرائض ويرجعون إليها لحلّ ما أشكِلَ عليهم؛ حتى ألّف الزركشي كتاب " الإجابة لِما استدركته عائشة على الصحابة " .
أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها : عدّ لها ابن حزم 387 حديثاً .
أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها : عدّ لها 76 حديثاً .
أم المؤمنين حبيبة رضي الله عنها : عدّ لها 65 حديثاً .
أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها : عدّ لها 60 حديثاً .
أسماء بنت يزيد بن السكن رضي الله عنها : عدّ لها 81 حديثاً .
أسماء بنت عميس رضي الله عنها : عدّ لها 60 حديثاً .
أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما : عدّ لها 58 حديثاً .
أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها : عدّ لها 46 حديثاً .
وغيرهنّ الكثير ممّن روين عشرات وآحاد أحاديث الشريعة عن رسول الله .
عصر التابعيات
عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية، كانت عالمة ثقة فقيهة حجّة كثيرة العلم، حدّثت عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما وعن غيرهما، وهي تربية عائشة وتلميذتها، توفّيت قريباً من سنة مئة هجرية .
حفصة بنت سيرين، امرأة جليلة من التابعيات، اشتهرت بالعبادة والفقه وقراءة القرآن والحديث، روت عن أم عطيّة رضي الله عنها وعن مولاها أنس بن مالك وغيرهما، توفّيت بعد المئة .
أم الدرداء الصغرى هُجَيمة الأوصابية، كانت فقيهة كبيرة، وعالمة عاملة واسعة الاطلاع كثيرة الرواية، روت عن زوجها أبي الدرداء وسلمان الفارسي وعائشة وأبي هريرة رضي الله عنهم، وعن طائفة، توفّيت بعد سنة إحدى وثمانين .
مصدر البحث : "عناية النساء بالحديث النبوي " لفضيلة الشيخ مشهور سلمان حفظه الله
منقول للفائدة