أهم الاكتشافات العلمية التي عرفها الإنسان في العصر الحديث
: النظائر المشعة ماهيتها وتطبيقاتها
تعد النظائر المشعة من أبرز اكتشافات العلم الحديث، ومن أهم ما حققه الفكر الإنساني في الغوص إلى عالم الصغائر، وللإجابة عن تساؤلات الحضارات المتلاحقة حول المادة وسر تكونها،
فقد جرت الإجابة عن الكثير من التساؤلات، وأعطت النظائر المشعة بعض الإجابات الوافية والشافية عن تكوين الذرة والغوص في عمق النواة، وما زالت تساؤلات أخرى يطمح العقل البشري إلى الإجابة عنها كي يتعرف بصورة موثوقة ومؤكدة على قوانين الطبيعة، التي تتحكم في الكون من أصغر الصغائر (الذرة) إلى أكبر الكبائر (الكون بما فيه وبمن فيه).
ما هي النظائر المشعة؟
تحوي المادة المكونة للطبيعة على اثنين وتسعين عنصراً طبيعياً، نظمها العالم (مندلييف) في جدول دوري، ورتبها في بيوت حسب رقمها الذري من الهيدروجين (1) إلى اليورانيوم (92)، وأضيف إليها أكثر من عشرين عنصراً جرى ويجري تصنيفها واكتشافها وتحديد مكانها في جدول العناصر بعد بيت اليورانيوم. وقد كانت النظرية السائدة أن كل ذرات العنصر الواحد متماثلة في الخاصيات، وتعطي النتائج نفسها في التفاعلات الكيميائية، ثم تبيَّن من خلال دراسة العناصر بطريقتي القطوع وبالمحلل الطيفي للكتلة، أن أغلب العناصر تعطي أكثر من مقطع واحد ومن طيف واحد، وهذا يتناقض مع نظرية التماثل والتجانس التي تستوجب وجود قطع واحد وطيف واحد. واستنتج من التجارب أن ذرات العنصر الواحد غير متماثلة في الكتلة، وبالتالي فهي مزيج ذو خاصيات كيميائية واحدة وفيزيائية مختلفة، وبما أن ذراته متوازنة كهربائياً فهي تضم في مداراتها الإلكترونات ذات الشحنة السالبة، التي يساوي عددها العدد نفسه من البروتونات ذات الشحنة الموجبة الموازنة في النواة.
وبينت التجارب على الأكسجين الطبيعي أنه مزيج من ثلاث نظائر مستقرة (O16/، والأوكسجين (O17/، والأوكسجين (O18/. وأن الزئبق مزيج من تسعة نظائر… إلخ، وأطلق على هذه النظائر اسم (isotopes) من اليونانية، ويعني المقطع iso (نفس)، والمقطع topes تعني (المكان)، للتذكير بأنها في المكان ذاته من جدول مندلييف الدوري للعناصر. وقد أعطى اكتشاف النترون عام 1932 تفسيراً جديداً لتركيب النواة، وصار التعريف الجديد للنظائر هو الذرات التي تضم العدد نفسه من الإلكترونات والبروتونات، لكنها تختلف في عدد نيتروناتها.
وكان لهذا الاختلاف في عدد النيترونات نتائج هامة في الفيزياء النووية، إذ تتغير بنية النواة، وتتبدل خصائصها واستقرارها بإضافة نيترون واحد أو حذفه منها، فتصبح فاقدة للاستقرار. وفي حالة هيجان، تصدر إشعاعات تختلف نوعيتها حسب درجة الإثارة، وتسمى هذه الذرات الهائجة بالنظائر المشعة. وتتكون الإشعاعات التي تصدرها الذرات المشعة طبيعياً، أو الذرات المستقرة التي حصل تهييجها وإثارتها في المفاعلات أو بالمسرعات من إشعاعات ذات طاقة مرتفعة (غاما)، أو من جزيئات مادية مشحونة بالكهرباء السالبة والموجبة مثل جزيئات (بيتا) و(ألفا)، وكذلك إشعاعات أخرى صُنفت في مجموعات هي: الفوتونات، واللبتونات، والميزونات، والباريونات.
تطبيقات النظائر المشعة
جرى الكشف عن النظائر المشعة في البداية بوساطة جهاز بسيط مكون من وريقات ذهب، وأول من فكر في استعمال المكشاف لاقتفاء أثر المادة المشعة هو العالم (هيفزي)، الحاصل على جائزة نوبل عام 1943 عندما كان مدرساً في جامعة مانشستر، وقد جرى اكتشاف بعض العناصر المشعة في الطبيعة مثل الراديوم، لكن أكثر الذرات المشعة تنتج في المفاعلات النووية أو في المسرعات. وقد تمكن العلماء من تحضير نظائر مشعة لأغلب العناصر الطبيعية وفصلوها عن مزيجها. وأهم تطبيقات النظائر المشعة هو اقتفاء حركة بعض الذرات وتعقب مسارها في الغازات والسوائل وفي الكائنات الحية الحيوانية والنباتية، وتشمل هذه الحالات مجالات عديدة ومختلفة تمس مباشرة حياة الإنسان وترتبط بتحسين معيشته في بيئة سليمة من التلوث، وبتوفير في الماء والغذاء وفي المعالجة الصحية الناجعة.
استعملت النظائر المشعة في مجال البيئة للكشف عن ملوثات البيئة وتحليلها ومراقبتها المستمرة، كي لا تتأثر مياه الشرب بكمية غير مسموح بها من النترات المتسربة من الأسمدة أو مبيدات الحشرات أو من الفضلات السائلة، إضافة إلى استعمال الأشعة في تطهير مياه الصرف الصحي وفي معالجة الفضلات الصناعية.
واستعملت النظائر المشعة في مختلف اختصاصات الطب: للتشخيص، والتصوير، والمعالجة، والتكهن بتطور المرض، وفي تعقيم الأدوات الطبية والضمادات، وفي تطوير اللقاح لحماية الكائنات من الأمراض، إضافة إلى المعالجة الدقيقة لمرض السرطان بأشعة اليود وأشعة الكوبالت حسب مكان الورم.
واستعملت النظائر المشعة في مجال الغذاء والزراعة لتحسين الإنتاج الزراعي من خلال تحديد كمية الأسمدة اللازمة، ولإنتاج أصناف تعطي محصولين أو ثلاثة في العام، وفي مكافحة الحشرات الضارة والناقلة للعدوى. وكذلك استعملت في مراقبة الهرمونات التي تتحكم في تكاثر الحيوانات بتقصير المدة بين الولادات،
والزيادة في عددها، وتحسين نوعيتها، إضافة إلى استعمالها في تعقيم الأغذية (حبوب، فواكه، لحوم، أسماك)، وحفظها من التفكك والتعفن والتلف لمدة طويلة. وأما في مجال مكافحة الحشرات الضارة بالإنتاج الزراعي، والتي تنقل العدوى، مثل ذبابة تسي تسي والبعوض، فقد أمكن للنظائر المشعة أن تعطي نتائج هامة في هذه المكافحة أفضل من نتائج المبيدات الكيميائية، التي أصبحت لا تؤثر على بعض الحشرات المكتسبة للمقاومة. إضافة إلى أنها تترك آثاراً سامة وخطيرة على جسم الإنسان، وتحدث تلوثاً للبيئة إلى درجة أن بعض المواد الكيميائية منع استعمالها.
كما استعملت النظائر المشعة في مجال المياه لقياس السيلان السطحي لمياه الأمطار والثلوج، ولمعرفة الجريان في الأودية والأنهار، ولقياس تسرب المياه من السدود والبحيرات، وكذلك في دراسة المياه الجوفية من خلال تحديد مصدرها وعمرها وسرعة جريانها واتجاهها، وكذلك لمعرفة الاتصال بين الأحواض المائية وقابلية ترشحها.