تخطى إلى المحتوى

مبطلات الأعمال 2024

  • بواسطة

مبطلات الأعمال

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعدُ:

قال – تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 57 – 61].

عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: "سألتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن هذه الآية: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ}، قالت عائشة: "هم الذين يشربون الخمر، ويسرقون؟"، قال: ((لا يا بنتَ الصدِّيق، ولكنهم الذين يصومون، ويصلُّون، ويتصدَّقون، وهم يخافون ألاَّ يُقبَل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات))[1].

ولقد كان أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مع اجتهادهم في الأعمال الصالحة، يخْشَوْنَ أنْ تَحْبَطَ أعمالُهم، وألاَّ تقبل منهم؛ لرُسوخِ عِلمِهِم، وعَمِيقِ إيمانِهم، قال أبو الدَّرداء: "لئن أعلم أن الله تقبَّل مني ركعتين، أحب إليَّ من الدنيا وما فيها؛ لأن الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]".

قال عبدالله بن أبي مُلَيْكَة: "أدركتُ ثلاثين من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – كلهم يخاف النفاقَ على نفسه، ما منهم من أحدٍ يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل".

ومبطلات الأعمال كثيرة؛ منها ما يُبطِل جميع الأعمال، مثل: الشِّرك، والرِّدَّة، والنفاق الأكبر، ومنها ما يبطل العملَ نفسَه، كالمنِّ بالصَّدَقة، وغير ذلك.

وسوف أقتصر على ذكر خمسة أمور، وعسى أن يكون فيها تنبيه على ما سواها:
الأول الشِّرك:
فإنه محبطٌ لجميع الأعمال؛ قال – تعالى – لنبيِّه محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65]، وقال – تعالى -: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23].

عن أبي سعد بن أبي فضالة الأنصاري – وكان من الصحابة – قال: سمعتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((إذا جمع الله الناسَ يوم القيامة ليوم لا ريب فيه، نادى منادٍ: مَن كان أشرك في عمل عمله لله أحدًا، فلْيَطْلُبْ ثوابَهُ مِن عند غيرِ الله؛ فإنَّ اللهَ أغْنَى الشُّرَكاء عنِ الشرك))[2].

الثاني: الرياء، وهو على قسمين:
الأول: أن يقصد بعمله غير وجه الله، فهذا شرك أكبر، محبط لجميع الأعمال، ويسميه بعض أهل العلم: شرك النِّية والإرادة والقصد، قال – تعالى -: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15، 16].

قال ابن عباس: "إنَّ أهل الرِّياء يُعطَون بحسناتهم في الدنيا، وذلك أنهم لا يُظلَمون نقيرًا، يقول: مَن عمل صالحًا التماسَ الدنيا صومًا، أو صلاة، أو تهجُّدًا بالليل، لا يعمله إلا التماسَ الدنيا، يقول الله – تعالى -: أُوفيهِ الذي التمس في الدنيا منَ المثابة، وحبط عمله الذي كان يعمله لالتماس الدنيا، وهو في الآخرة منَ الخاسرين"[3].

القسم الثاني: أن يعمل العمل يقصد به وجه الله، ثم يطرأ عليه الرياء بعد الدخول فيه، فهذا شرك أصغر.

عن محمود بن لبيد – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر))، قالوا: "وما الشرك الأصغر؟"، قال: ((الرياء، يقول الله – تعالى – يوم القيامة إذا جازَى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تُراؤُونَ في الدنيا، فانظروا هل تَجدُون عندهم جزاء؟))[4].

وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم من المسيح الدجَّال؟ الشرك الخفي؛ أن يقوم الرجل فيصلي، فيزيِّن صلاته؛ لما يرى مِن نَظَر رجل))[5].

وقد يتهاوَنُ بعْضُ النَّاسِ بهذا النوعِ؛ بتسميته شركًا أصغرَ، وهو إنما سُمي أصغر بالنسبة للشرك الأكبر، وإلا فهو أكبر من جميع الكبائر؛ ولذلك قال العلماء:
1- إن الشرك الأصغر إذا دخل عملاً فسَد ذلك العمل وحبِط.
2- إن الشرك الأصغر لا يُغفر لصاحبه، وليس فاعله تحت المشيئة كصاحب الكبيرة؛ بل يُعذَّب بقدْره، قال – تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 116].

فالواجب على المؤمن أن يحذرَ منَ الشرك بجميع أنواعه، وأن يخشى على نفسه منه، فقد خاف إبراهيم – عليه السلام – من الشرك، وهو إمام الموحدين؛ فقال لربه: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35]، قال إبراهيم التيمي: "ومَن يأمن البلاء بعد إبراهيم – عليه السلام؟!"[6].

ثالثًا المنُّ والأذى:
قال – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة: 264]، وقال – تعالى -: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُواُ مَنًّا وَلَا أَذًى} [البقرة: 262].


قال الشاعر:


أَفْسَدْتَ بِالمَنِّ مَا أَسْدَيْتَ مِنْ حَسَنٍ *** لَيْسَ الكَرِيمُ إِذَا أَسْدَى بِمَنَّانِ

عن أبي ذر – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكِّيهم، ولهم عذاب أليم))، قال: "فقرأها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثلاث مرات"، قال أبو ذَرٍّ: "خَابُوا وخسروا، مَن هم يا رسول الله؟"، قال: ((المُسْبِل، والمَنَّان، والمنفِّق سلعتَه بالحلف الكاذب))[7].

رابعًا ترك صلاة العصر:
قال – تعالى -: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238].

عن بريدة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((مَن ترك صلاة العصر حَبِط عملُه))[8].

خامسًا التألِّي على الله:
فعن ضمضم بن جوس اليمامي، قال: "دخلتُ مسجد المدينة فناداني شيخ، فقال: "يا يمامي تعالَ"، وما أعرفه، فقال: "لا تقولنَّ لرجل: والله لا يغفر الله لك أبدًا، ولا يدخلك الله الجنَّة أبدًا"، فقلت: ومَن أنت – يرحمك الله؟ قال: "أبو هريرة"، قال: فقلت: إن هذه الكلمة يقولها أحدُنا لبعض أهله إذا غضب أو لزوجته، قال: فإنِّي سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((إن رجلين كانا في بني إسرائيل متحابَّين، أحدُهما مجتهد في العبادة، والآخر كأنه يقول مذنب، فجعل يقول: أقصر أقصر عما أنت فيه، قال: فيقول: خلِّني وربي، قال: حتى وجده يومًا على ذنب استعظمه، فقال: أقصر، فقال: خلني وربي، أبُعثتَ علينا رقيبًا، فقال: والله لا يغفر الله لك أبدًا، ولا يدخلك الله الجنة أبدًا، قال: فبعث الله إليهما ملَكًا فقبض أرواحَهما، فاجتمعا عنده، فقال للمذنب: ادخل الجنةَ برحمتي، وقال للآخر: أتستطيع أن تحظرَ على عبدي رحمتي، فقال: لا يا رب، قال: اذهبوا به إلى النار))، قال أبو هريرة – رضي الله عنه -: والذي نفسي بيده لتكلَّم بكلمة أوبقتْ دنياه وآخرته"
[9].

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

_______________________________
[1] "سنن الترمذي" (5/327-328)، برقم: (3175).
[2]
"سنن الترمذي" (5/314)، برقم: (3154).
[3]
"تفسير ابن كثير" (2/439).
[4]
"مسند الإمام أحمد" (5/428).
[5]
"مسند الإمام أحمد" (3/30).
[6]
"فتح المجيد" (ص74).
[7]
"صحيح مسلم" (1/102)، برقم (106).
[8]
"صحيح البخاري" (1/200)، برقم (594).
[9] "شرح السنة" (14، 384، 385).

    تسلللمي حبيبتي ع الموضوووع القيم

    بآرك الله فيك وفي ميزاان حسناآتك ياا رب

    شكرا جزيلا جعله الله في ميزان حسناتك ، تم تقييم الموضوع لانه فعلا يستحق ذلك

    بارك الله فيكي

    شكرا على المرور الجميل

    تسلم ايدك ياقممممممر

    جــــزآآآكـ الله خيــــراً

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.