أحبتي الكرام إن المتأمل لحال الكثير من الناس في هذه الأزمان التي أبتعد الناس فيها عن منهج النبوة في التعامل مع الكثير من القضايا الإسلامية وخاصة منها قضية ولاة الأمور.
والمتأمل لحال الكثيرين يجدهم قد أخلوا بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وخالفوا أوامر الشريعة إما عن جهل أو تجاهل وخاصة من يهتمون بالسياسة والساسة والكتاب في هذا المجال .
ولذا رأيت أنه من الواجب بيان حكم الشارع في الدعاء للسلطان وتحريم سبهم والامتناع عن الدعاء لهم وقد أخذت هذا الكلام من رسالة للشيخ الفاضل احمد عمر بازمول حفظه الله تعالى بعنوان السنة فيما يتعلق بولي الأمة نقلت منها الكلام لما فيه من الفائدة وهي رسالة لكثير من الناس الذين يسبون الحكام على المنابر والتجمعات والمواقع الإلكترونية وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا فهذا حكم الشرع فهلا كفت أقلامهم ومن كانت له نصيحة لذي سلطان فليجعلها سرا وليتركوا التشهير بهم فإنه منهج الخوارج كلاب النار كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم والآن مع المراد والله الموفق وهو الهادي إلى السبيل
الدعاء لولي الأمر من النصيحة :
النصيحة لولي الأمر من أهم أمور الدين كما أخرج مسلم في الصحيح عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ".
و إن من لوازم النصيحة لولي الأمر حبه و طاعته و الدعاء له قال الإمام ابن رجب : "النصيحة لأئمة المسلمين حب صلاحهم و رشدهم و عدلهم و حب اجتماع الأمة عليهم و كراهة افتراق الأمة عليهم و التدين بطاعتهم في طاعة الله عز و جل و البغض لمن رأى الخروج عليهم و حب إعزازهم في طاعة الله عز و جل "
و قال الشيخ ابن باز :" من مقتضى البيعة النصح لولي الأمر و من النصح الدعاء له بالتوفيق و الهداية و صلاح النية و العمل و صلاح البطانة "
و قد كان السلف يحرصون و يحثون على الدعاء لولي الأمر بالصلاح و الخير فقد كان الفضيل بن عياض يقول :" لو كانت لي دعوة [مستجابة] ما جعلتها إلا في السلطان .
قيل للفضيل : فسر لنا هذا ؟
فقال الفضيل : إذا جعلتها في نفسي لم تَعْدُني ـ أي تتجاوزني ـ و إذا جعلتها في السلطان صلح فصلح بصلاحه العباد و البلاد " .
و قال الإمام البربهاري :" أمرنا أن ندعو لهم بالصلاح و لم نؤمر أن ندعو عليهم و إن ظلموا و جاروا لأن ظلمهم و جورهم على أنفسهم و صلاحهم لأنفسهم و للمسلمين"
علامة أهل السنة الدعاء لولي الأمر و من علامات المبتدعة الدعاء على ولي الأمر :
و من علامات أهل السنة الدعاء لولي الأمر بالخير و الصلاح و التوفيق و من علامات أهل البدع الدعاء على ولي الأمر قال الإمام البربهاري : "إذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى .و إذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله "
الامتناع عن الدعاء لولي الأمر :
و بعض الناس يمتنع عن الدعاء لولي الأمر و لاشك أن هذا خطأ قال العلامة ابن باز رحمه الله فيمن يمتنع عن الدعاء لولي الأمر : "هذا من جهله و عدم بصيرته الدعاء لولي الأمر من أعظم القربات و من أفضل الطاعات و من النصيحة لله و لعباده .
و النبيrلما قيل له إِنَّ دَوْسًا عَصَتْ ! قال : اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ ". يدعو للناس و السلطان أولى من يدعى له لأن صلاحه صلاح للأمة فالدعاء له من أهم الدعاء "
تحريم سب ولي الأمر :
الشرع الحنيف نهى عن سب ولاة الأمر لما في سبهم من الإفضاء إلى عدم طاعتهم في المعروف و إلى إيغار صدور العامة عليهم مما يفتح مجالاً للفوضى التي لا تعود على الناس إلا بالشر المستطير كما أن مطاف سبهم ينتهي بالخروج عليهم و قتالهم و تلك الطامة الكبرى و المصيبة العظمى .
و الوقيعة في أعراض الأمراء و الاشتغال بسبهم و ذكر معائبهم خطيئة كبيرة و جريمة شنيعة نهى عنها الشرع المطهر و ذم فاعلها و هي نواة الخروج على ولاة الأمر الذي هو أصل فساد الدين و الدنيا معاً و قد علم أن الوسائل لها أحكام المقاصد فكل نص في تحريم الخروج و ذم أهله دليل على تحريم السب و ذم فاعله
و أخرج ابن عبدالبر في التمهيد عن أنس بن مالكtأنه قال : " كان الأكابر من أصحاب رسول اللهrينهوننا عن سبِّ الأمراء" .
النصيحة لولي الأمر :
النصيحة لولي الأمر من أهم أمور الدين كما أخرج مسلم في الصحيح عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ".
و أخرج الترمذي في السنن عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ ".
و معنى الحديث أن هذه الثلاثة : وهي إخلاص العمل لله و مناصحة ولي الأمر و لزوم الجماعة ، من فعلها فليس في قلبه غل و غش و حقد .
قال أبونعيم الأصبهاني :" من نصح الولاة و الأمراء اهتدى و من غشهم غوى و اعتدى "
صور النصيحة لولي الأمر :
النصيحة لولي الأمر لها أربع صور :
الأولى:نصيحة ولي الأمر فيما بينه وبين الناصح سراً.
و الثانية:نصيحة ولي الأمر أمام الناس علانية بحضرته مع إمكان نصحه سراً .
والثالثة:نصيحة ولي الأمر فيما بينه وبين الناصح سراً ثم يخرج من عنده وينشرها بين الناس .
و الرابعة: الإنكار على السلطان في غيبته من خلال المجالس والمواعظ والخطب والدروس ونحوها .
هذه أربع صور سنأتي إن شاء الله تعالى على صورة صورة :
الصورة الأولى : النصيحة لولي الأمر فيما بينه وبين الناصح سراً .
النصيحة لولي الأمر سراً أصل من أصول المنهج السلفي الذي خالفه أهل الأهواء والبدع كالخوارج :
إذ الأصل في النصح لولي الأمر الإسرار بالنصيحة وعدم العلن بها ويدل عليه ما أخرجه أحمد في المسند عن عِيَاض قال قال رَسُولُ اللَّهِr :" مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ فَلَا يُبْدِ لَهُ عَلَانِيَةً وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَيَخْلُوَ بِهِ فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ ".
فقوله(من أراد أن ينصح لسلطان بأمر )) فيه العموم في الناصح والعموم في المنصوح به
و قوله من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله).
قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن عثيمين ـ رحمه الله- : " إذا كان الكلام في الملك بغيبة أو نصحه جهراً أو التشهير به من إهانته التي توعد الله فاعلها بإهانته فلا شك أنه يجب مراعاة ما ذكرناه " ـ يريد الإسرار بالنصح ونحوه ـ .
قال الشيخ السعدي ـ رحمه الله- : "أحذر أيها الناصح لهم على هذا الوجه المحمود ـ أي : سراً بلطف ولين ـ أن تفسد نصيحتك بالتمدح عند الناس فتقول لهم : إني نصحتهم وقلت وقلت ؛ فإن هذا عنوان الرياء وعلامة ضعف الإخلاص وفيه أضرار أخرى معروفة "
منقول للفائدة وللتجنب الوقوع في الخطأ هدانا الله وياكم
قال ابن أبي عاصم في كتاب السنة : " باب كيف نصيحة الرعية للولاة "، وأسند فيه عن شريح بن عبيد الحضرمي وغيره قال: جلد عياض بن غنم صاحبَ دار حين فتحت، فأغلظ له هشام بن حكيم القول حتى غضب عياض، ثم مكث ليالي فأتاه هشام بن حكيم فاعتذر إليه، ثم قال هشام لعياض: ألم تسمع النبي -صلى الله عليه وسلم – يقول: إن مِن أشد الناس عذابا أشدهم عذابا في الدنيا للناس ، فقال عياض بن غنم: " يا هشام بن حكيم قد سمعنا ما سمعتَ ورأينا ما رأيتَ، أو لم تسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم – يقول: مَن أراد أن يَنصح لسلطان بأمر فلا يُبْدِ له علانية، ولكن ليأخذ بيده فيَخْلُو به، فإن قَبِلَ منه فذاك، وإلا كان قد أدّى الذي عليه له ، وإنك يا هشام لأنت الجريء إذ تجتريء على سلطان الله، فهلاّ خشيتَ أن يقتلك السلطان فتكون قتيل سلطان الله تبارك وتعالى؟!".
وحتى لا يَعظم عليك أن نسبتُ مخالفي هذا المنهج إلى مسلك الخوارج، فإنني أورد هنا ما رواه الترمذي وغيره عن زياد بن كُسيب العدوي قال: كنتُ مع أبي بكرة تحت منبر ابن عامر، وهو يخطب وعليه ثياب رقاق، فقال أبو بلال: انظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفساق، فقال أبوبكرة: اسكت؛ سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم – يقول: من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله .