نعمة الرضا والقَبول أهم من نعمة العمل والمثول؛ فقد يُفتح للعبد باب العمل، ويغلَق عليه باب القَبول، ويتخلَّى عنه دليل الوصول! لذلك كان القَبول دعوة إبراهيم وإسماعيل وهما يرفعان قواعد البيت للعاكفين والركَّع السجود؛ ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 127]، وكان دعوة امرأة عمرانَ وهي تنذر لله ما في بطنها محرَّرًا من كل شائبة: ﴿ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [آل عمران: 35]، كانت النتيجة قَبولاً طيِّبًا، وإنباتًا حسنًا، ورزْقًا أوسع بغير حساب؛ ﴿ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 37] وقد يُغلَق الباب أمام الكفرة والعصاة؛ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ ﴾ [آل عمران: 90]، حتى ولو افتدَوا بكل ما يملِكون، فلن يُجدي معهم شيئًا؛ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 36].
وغيرهم من المنافقين كذلك: ﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 53]، وسواهم من الكسالى والبخلاء: ﴿ وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾ [التوبة: 54].
أمَّا المتَّقون، فـ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾ [الأحقاف: 16].
وقد يفتَح باب القَبول لعبد دون شقيقه، والفيصل هنا هو تقوى الله؛ ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِين ﴾ [المائدة: 27].
المداومة والاستمرار: يجب أن يُداوِم العبد على الطاعات، فعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا عمِل عملاً أثبتَه؛ رواه مسلم، وقال: ((أحَبُّ الأعمال إلى الله أدومُها وإن قلَّ))؛ متفق عليه، ولَمَن داوم على عمَل صالح، ثم انقطَع عنه بسبب مرض أو سفر أو نوم، كُتِب له أجره كاملاً؛ قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إذا مرِض العبد أو سافر، كُتِب له مِثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا))؛ رواه البخاري، وهذا في حقِّ من كان يعمل طاعةً فحصَل له ما يمنعه منها، وكانت نيته أن يداوم عليها، قال – صلى الله عليه وسلم -: ((ما من امرئ تكون له صلاة بليل فغلَبه عليها نوم، إلا كتَب الله له أجر صلاته، وكان نومه صدقة عليه))؛ أخرَجه النَّسائي، وهنا يتوفَّر للعبد صلاحيات كاملة على مدار العمر، كيف؟ قيام الليل والنوافل مع الفرائض، صيام النفل بعد صيام الفرض، الصدقة مع الزكاة، العمرة مع الحج، عِلمًا بأن عمرة رمضان تكتَب كحَجَّة، ((مَن صلّى الصبح في جماعة ثم جلس في مصلاه يذكر الله حتى تطلُع الشمس فصلَّى ركعتين، كان له بها أجر عمرة وحجة تامتين تامتين تامتين))؛ صحيح، ثم ذكر الله على الدوام.
ما أحسَن الحسنة بعد السيئة تمحوها، وأحسن منها الحسنة بعد الحسنة تتلوها وتعضدها! وإن من توفيق الله للعبد إعانته على طاعات بعد طاعة.
الاستقامة: في وقت الاحتضار يحتاج المحتضَر إلى من يثبِّته عند الموت، ويطمئنه على مَن خلَف، و يبشِّره بما هو آتٍ، المؤمن المستقيم على أمر الله يبعث الله له ملائكة كِرامًا تثبِّته عند السؤال، وتطمئنه على من خلف، وتبشِّره بما هو آتٍ؛﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ [فصلت: 30 – 32]، بل تهنِّئه بالفوز بالجنة والنجاة من النار؛ ﴿ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 23، 24]، ومن جرَّب لذة الطاعة، هل يعود إلى مرارة العصيان؟ ينتهي ألم الطاعة، ويبقى عند الله أجرُها، وتنتهي لذة المعصية، ويبقى عند الله وِزرها، هل نعود إلى الضلال بعد الهدى؟ هل نعود إلى الظلام بعد النور؟ كلا! وإنما دليل قَبول طاعتك أن تستقيم على أمر الله؛ لهذا قال حارثة للنبي – صلى الله عليه وسلم – وقد سأله: ((كيف أصبحتَ يا حارثة؟)) قال: أصبحتُ مؤمنًا حقًّا، قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((إن لكل حقٍّ حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟)) قال: عزَفت نفسي عن الدنيا؛ فأسهرتُ ليلي، وأظمأتُ نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزًا، وإلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وإلى أهل النار يُعذَّبون فيها، فقال: ((عبْد نوَّر الله قلبَه، يا حارثة، عرَفت فالزم)).
شُكر النعمة يَزيدها: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، ﴿ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [لقمان: 12]، إن دليل قَبول الطاعة أن يوفَّق العبد لطاعة بعدها، ودليل قَبول الحسنة فِعل الحسنة بعدها؛ فالعمل الصالح شجرة طيبة، تحتاج إلى سِقاية ورعاية، حتى تنمو وتثبُت، وتؤتي ثمارها.
الخوف والإشفاق: المؤمن مع شدة إقباله على الطاعات، والتقرب إلى الله بأنواع القُربات، إلا أنه مشفِق على نفسه أشد الإشفاق، يخشى أن يُحرَم من القبُول؛ فعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: سألت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن هذه الآية: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ [المؤمنون: 60]: أهم الذين يشربون الخمر ويسرِقون؟! قال: ((لا يا ابنة الصديق! ولكنهم الذين يصومون ويصلّون ويتصدَّقون، وهم يخافون ألاَّ يُقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات)).
إن مواسم الطاعات تستَمر مع العبد في حياته كلها، ولا تنقضي حتى يدخل العبدُ قبره، فهو ينتقِل من شهر رمضان إلى موسم الحج، ومع كل ذلك العيدان وبينهما الصلوات والخلوات!
قيل لبِشْر الحافي – رحمه الله -: إن قومًا يتعبَّدون ويجتهدون في رمضان، فقال: بئس القوم قوم لا يعرفون لله حقًّا إلا في شهر رمضان، إن الصالح الذي يتعبَّد ويجتهد السنة كلها.
الذي وفِّق للقبُول يُهنَّأ، والمحروم يُعزَّى: يقول علي -رضي الله عنه- ليت شِعري، من المقبول فنُهنِّيَه، ومن المحروم فنعزيَه! ويقول أيضًا: لا تهتموا لقِلة العمل، واهتموا للقَبُول؛ ألم تسمعوا الله – عز وجل – يقول: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27]؟
ويقول ابن مسعود – رضي الله عنه -: أيها المقبول هنيئًا لك، أيها المردود جبَر الله مصيبتكَ.
إن التوفيق للعمل الصالح نعمة عظيمة: ولكنها لا تتِم إلا بنعمة أخرى أعظم منها، وهي نعمة القبول.
وإذا علِم العبد أن كثيرًا من الأعمال تردُّ على صاحبها لأسباب كثيرة، كان أهم ما يُهِمه معرفة أسباب القبول، فإذا وجدها في نفسه فليحمَد الله، وليعمل على الثبات على الاستمرار عليها، وإن لم يجدها فليكن أول اهتمامه أن يستجلِب هذه الأسباب، عِلمًا بأن الرجوع إلى الذنب علامة مقت وخُسران، قال يحيى بن معاذ: من استغفَر بلسانه وقلبُه على المعصية معقود، وعزمه أن يرجع إلى المعصية بعد الشهر ويعود، فصومه عليه مردود، وباب القَبول في وجهه مسدود.
المؤمنون يستصغرون أعمالهم: ولا يرونها شيئًا؛ حتى لا يعجبوا بها، ولا يُصيبهم الغرور فيحبط أجرهم، ويكسلوا عن الأعمال الصالحة، ومما يُعين على استصغار العمل: معرفة الله تعالى، ورؤية نعمه، وتذكُّر الذنوب والتقصير، وقيل: لأن تبِيت نائمًا، وتصبح نادمًا خيرٌ لك من أن تبيت قائمًا، وتُصبح معجَبًا، والله تعالى يقول لنبيه: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ﴾ [المدثر: 1 – 6]، فمن معاني الآية ما قاله الحسن البصري: لا تَمنُن بعملك على ربك تستكثِره.
حبك للطاعة دليل قبُولها: أن يحبِّب الله في قلبك الطاعة، فتُحبها وتأنس بها، وتطمئن إليها؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، وبُغضك للمعصية من علامات القُرب من الله وقَبول طاعته؛ اللهم حبِّب إليَّ الإيمان، وزيِّنه في قلبي، وكرِّه إليَّ الكفر والفسوق والعصيان، واجعلني من الراشدين.
وإذا قبِلت طاعتك، يسَّر لك أخرى لم تكن في الحسبان، بل وأبعدك عن معاصيه ولو اقتربت منها؛ ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ [الليل: 5 – 10].
حب الصالحين ومرافقتهم: وبُغض الطالحين ومقاطعتهم إن لم ينتصِحوا، دليل قَبول الطاعة أن يُحبِّب الله إلى قلبك الصالحين، فتُرافقهم ولا ترافق العصاة والمذنبين، بل يبغِّض إلى قلبك الفاسدين أهل المعاصي ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ [الفرقان: 27 – 29]؛ ولذلك قيل: قل لي مَن تحب، مَن تجالس، مَن تَودّ، أقل لك مَن أنت.
قال عطاء الله السكندري: إذا أردتَ أن تعرف مقامك عند الله، فانظُر أين أقامك.
لزوم الاستغفار: الأحرى لقبُول الطاعات ووصول صاحبها لمرضاة الله أن تُختم بالاستغفار، فبعد أن يؤدِّي العبد مناسك الحج ﴿ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 199]، ولقد علَّمنا النبي – صلى الله عليه وسلم – أن نستغفر الله ثلاثًا دُبر كل صلاة، وأهل القيام بعد قيامهم يختِمون ذلك بالاستغفار في الأسحار ﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 18]، وقال: ((من لزِم الاستغفار، جعل الله له من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزَقه من حيث لا يحتسب))، صحيح، والرزق هنا قد يكون القبُول، وأوصى الله نبيَّه – صلى الله عليه وسلم – بقوله: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾ [محمد: 19].
ونعاه إلى أمته بعد حياة عامرة بالجهاد والكفاح والنضال بسورة النصر، يقول فيها: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر: 1 – 3].
أن يرزق العبد الطاعة بعد الطاعة: دليل قَبول الطاعةِ الطاعةُ بعدها، والحسنة تنادي أختها، والموفَّق من حافَظ على حسناته من الضياع، واستمَر على الطاعات حتى يأتيه الموت وهو على أحسن حال؛ من الإنابة والإقبال على الله؛ لذا كان أهل الطاعات أرق الناس قلوبًا، وأكثرهم صلاحًا، وأعظمهم فلاحًا، وأسرَعهم نَجاحًا، وأهل المعاصي أغلظ الناس قلوبًا، وأشدهم فسادًا، وأعظمهم عذابًا في الدنيا وفي الآخرة، والصوم عبادة من العبادات، ورحمة من الرحمات، ونفحة من النفحات، التي تطهِّر القلوب من أدرانها، وتَشفي الأبدان من أمراضها، وتُنقِّي الصدور من أحقادها، وتُجلي النفوس من عُجْبها وبخلها.
لذلك أرشَد الرسول أمَّتَه إلى فضل الست من شوال، وحثَّهم بأسلوب يرغِّب في صيام هذه الأيام، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((من صام رمضان ثم أتبَعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر))؛ رواه مسلم وغيره.
قال العلماء: وإنما كان كصيام الدهر؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها.
قال الحافظ ابن رجب – رحمه الله -: فأما مقابلة نعمة التوفيق لصيام شهر رمضان بارتكاب المعاصي بعده، فهو من فِعل من بدَّل نعمة الله كُفْرًا.
اللهم اجعلنا من جند الحق، وأتباع الرُّسل، وأنصار الله، اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل، ولا تجعل الدنيا أكبر همِّنا، ولا مبلَغ عِلمنا، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى أهله وصحبه وسلِّم، والحمد لله رب العالمين.