14دليلاً على إيمانه من الفصول المختارة سيِّدُ الطائفة الشريفُ المرتضى
قال (رضوان الله عليه):
وسمعت الشيخ [يعني شيخه المفيد] أدام الله عزه يقول: ممَّا يدلُّ على إيمان أبي طالب رضي الله عنه:
1ـ إخلاصُهُ في الود لرسول الله (صلى الله عليه وآله).
2ـ والنُّصرةُ له بقلبِهِ ويدِهِ ولسانِهِ
3ـ وأمرُهُ ولدَيْه عليَّاً (عليه السلام) وجعفراً (رضي الله عنه) باتِّباعه.
4ـ وقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه عند وفاته : "وصلتك رحم وجزيت خيرا يا عم" فدعا له، وليس يجوز أن يدعو رسولي الله (صلى الله عليه وآله) بعد الموت لكافر ولا أن يسأل الله [له] خيرا.
5ـ ثم أمره عليا (عليه السلام) خاصَّةً من بين أولاده الحاضرين، بتغسيله وتكفينه وتوريته، دون عقيل ابنه، وقد كان حاضرا، ودون طالب أيضا، ولم يكن من أولاده من قد آمن في تلك الحال إلا أمير المؤمنين (عليه السلام) وجعفر، وكان جعفر غائبا في بلاد الحبشة، فلم يحضر من أولاده مؤمنٌ إلا أمير المؤمنين (عليه السلام)، فأمرَهُ أن يتولَّى أمرَهُ دون من لم يكن على الإيمان، ولو كان ـ رحمة الله عليه ـ كافرا لما أمر ابنه المؤمن بتولية أمره ولكان الكافر أحق به .
6ـ مع أن الخبر قد ورد على الاستفاضة بأن جبرئيل – عليه السلام – نزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند موت أبي طالب رضوان الله عليه فقال له : " يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول لك أخرج من مكة فقد مات ناصرك ".
وهذا يبرهن على إيمانه لتحققه بنصرة الرسول (صلى الله عليه وآله) وتقوية أمره .
7ـ ويدل على ذلك قوله رضوان الله عليه لعلي – عليه السلام – حين رآه يصلي مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) : " ما هذا يا بني " ، فقال : " دين دعاني إليه ابن عمي " فقال له : " اتبعه فإنه لا يدعوك إلا إلى خير ".
فاعترف بصدق رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذلك حقيقة الإيمان.
8ـ وقوله رحمة الله عليه وقد مر على أمير المؤمنين – عليه السلام – وهو يصلي عن يمين رسول الله ومعه جعفر ابنه فقال : " يا بني صل جناح ابن عمك " فصلى جعفر معه وتأخر أمير المؤمنين – عليه السلام – حتى صار هو وجعفر خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فجاءت الرواية بأنها أول صلاة جماعة صليت في الإسلام، ثم أنشأ أبو طالب يقول:
إن عليا وجعفرا ثقتي * عند ملم الزمان والكرب
والله لا أخذل النبي ولا * يخذله من بني ذو حسب
لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * أخي لأمي من بينهم وأبي
فاعترف بنبوة النبي (صلى الله عليه وآله) اعترافا صريحا في قوله : " والله لا أخذل النبي ".
ولا فصل بين أن يصف رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالنبوة في نظمه وبين أن يقر بذلك في نثر كلامه ويشهد عليه من حضره .
9ـ ومما يدل على ذلك أيضا قوله في قصيدته اللامية :
ألم تعلموا أن ابننا لا مكذب * لدينا ولا يعني بقول الأباطل
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل
فشهد بتصديق رسول الله (صلى الله عليه وآله) شهادة ظاهرة لا تحتمل تأويلا ونفى عنه الكذب على كل وجه ، وهذا هو حقيقة الإيمان.
10ـ ومنه قوله:
ألم تعلموا أن النبي محمدا * رسول أمين خط في سالف الكتب
وهذا إيمان لا شبهة فيه لشهادته له في الإيمان برسول الله (صلى الله عليه وآله).
11ـ وقد روى أصحاب السير أن أبا طالب رضوان الله عليه لما حضرته الوفاة اجتمع إليه أهله فأنشأ يقول :
أوصي بنصر النبي الخير مشهده * عليا ابني وشيخ القوم عباسا
وحمزة الأسد الحامي حقيقته * وجعفرا أن يذودوا دونه الناسا
كونوا فداء لكم أمي وما ولدت * في نصر أحمد دون الناس أتراسا
فأقر للنبي (صلى الله عليه وآله) بالنبوة عند احتضاره ، واعترف له بالرسالة قبل مماته ، وهذا أمر يزيل الريب في إيمانه بالله عز وجل وبرسوله (صلى الله عليه وآله) وبتصديقه له وإسلامه .
12ـ ومنه قوله المشهور عنه بين أهل المعرفة ، وأنت إذا التمسته وجدته في غير موضع من المصنفات ، وقد ذكره الحسين بن بشر الآمدي في كتاب ملح القبائل :
أترجون أن نسخي بقتل محمد * ولم تختضب سمر العوالي من الدم
كذبتم وبيت الله حتى تفرقوا * جماجم تلقى بالحطيم وزمزم
وتقطع أرحام وتسبى حليلة * حليلا ويغشى محرم بعد محرم
وينهض قويم في الحديد إليكم * يذودون عن أحسابهم كل مجرم
على ما أتى من بغيكم وضلالكم * وغشيانكم في أمرنا كل مأثم ب
ظلم نبي جاء يدعو إلى الهدى * وأمر أتى من عند ذي العرش مبرم
فلا تحسبونا مسلميه ومثله * إذا كان في قوم فليس بمسلم
فهذي معاذير وتقدمة لكم * لئلا يكون الحرب قبل التقدم
وهذا أيضا صريح في الاقرار بنبوة رسول الله (صلى الله عليه وآله) كالذي قبله على ما بيناه.
13ـ وقد قال في قصيدته اللامية ما يدل على ما وصفناه في إخلاصه في النصرة حيث يقول :
كذبتم وبيت الله نسلم أحمدا * ولما نطاعن دونه ونناضل
ونسلمه حتى نصرع دونه * ونذهل عن أبنائنا والحلائل
[رد شبهة]
فإن تعلقوا بما يؤثر عنه من قوله لرسول الله (صلى الله عليه وآله) :
والله لا وصلوا إليك بجمعهم * حتى أغيب في التراب دفينا
فامض ابن أخ فما عليك غضاضة * وأبشر بذاك وقر منك عيونا
ودعوتني وزعمت أنك ناصح * ولقد صدقت وكنت ثم أمينا
لولا المخافة أن تكون معرة * لوجدتني سمحا بذاك مبينا
فقالوا : هذا الشعر يتضمن أنه لم يؤمن برسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يسمح له بالإسلام والاتباع خوف المعرة والتسفيه فكيف يكون مؤمنا مع ذلك ؟
فإنه يقال لهم : إن أبا طالب رحمه الله لم يمتنع من الإيمان برسول الله (صلى الله عليه وآله) في الباطن والاقرار بحقه من طريق الديانة ، وإنما امتنع من إظهار ذلك لئلا تسفهه قريش وتذهب رئاسته ويخرج منها من كان متبعا له عن طاعته وتنخرق هيبته عندهم فلا يسمع له قول ولا يمتثل له أمر ، فيحول ذلك بينه وبين مراده من نصرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا يتمكن من غرضه في الذب عنه.
فاستتر الإيمان وأظهر منه ما كان يمكنه إظهاره على وجه الاستصلاح ليصل بذلك إلى بناء الإسلام وقوام الدعوة واستقامة أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان في ذلك كمؤمني أهل الكهف الذين أبطنوا الإيمان وأظهروا ضده للتقية والاستصلاح فأتاهم الله أجرهم مرتين.
14ـ والدليل على ما ذكرناه في أمر أبي طالب رحمه الله قوله في هذا الشعر بعينه :
ودعوتني وزعمت أنك ناصح ولقد صدقت وكنت ثم أمينا
فشهد بصدقه واعترف بنبوته وأقر بنصحه وهذا محض الإيمان على ما قدمناه.