تخطى إلى المحتوى

نزول المطر 2024

نزول المطر

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسولِ الله، وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ الله وحْده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه.

وبعد:
فإنَّ من فضْل الله ورحْمتِه بعباده نزولَ هذه الأمْطار المباركة؛ قال تعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ﴾ [ق: 9]، وقال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [فصلت: 39].

قال ابن القيم – رحِمه الله -:
"ثمَّ تأمَّل الحِكْمة البالغة في إنزاله بقدرِ الحاجة، حتَّى إذا أخذتِ الأرضُ حاجتَها منه، وكان تتابُعُه عليها بعد ذلك يضرّها، أقلع عنها وأعقبه بالصَّحو، فهُما – أعني الصَّحو والتَّغييم – يعتقِبان على العالم لِما فيه صلاحُه، ولو دام أحدُهُما كان فيه فسادُه، فلو توالتِ الأمْطار لأهلكتْ ما على الأرض، ولو زادتْ على الحاجة أفسدتِ الحبوب والثِّمار، وعفنت الزُّروع والخضروات، وأرْخت الأبدان، وخثرت الهواء، فحدثت ضروب من الأمراض، وفسد أكثَرُ المآكِل، وتقطَّعت المسالك والسُّبُل، ولو دام الصَّحو لجفَّت الأبدان، وغِيض الماء، وانقطع مَعين العيون والآبار والأنْهار والأودِية، وعظم الضَّرر، واحتدم الهواء، فيبس ما على الأرْض، وجفَّت الأبدان، وغلب اليُبْسُ، وأحدث ذلك ضروبًا من الأمراض عسرة الزَّوال، فاقتضت حكمة اللَّطيف الخبير أن عاقبَ بين الصَّحو والمطَر على هذا العالَم، فاعتدل الأمْر، وصحَّ الهواء، ودفع كلُّ واحد منهما عادية الآخر، واستقام أمْرُ العالَم وصلح"[1].

ومن الأذكار التي تُقال عند نزول المطر ما رواه البخاري ومسلم في صحيحَيْهما من حديث زيد بن خالد الجهَني، قال: صلَّى لنا رسول الله – صلَّى الله عليْه وسلَّم – صلاةَ الصُّبح بالحُدَيبية على إثر سماء كانتْ من اللَّيلة، فلمَّا انصرف أقْبل على النَّاس فقال: ((هل تدْرون ماذا قال ربُّكم؟)) قالوا: اللهُ ورسوله أعلم، قال: ((أصبح مِن عبادي مؤمنٌ بي وكافر، فأمَّا مَن قال: مُطِرْنا بفضْل الله ورحْمته، فذلك مؤمنٌ بي وكافر بالكوكَب، وأمَّا مَن قال: بنوْءِ كذا وكذا، فذلك كافرٌ بي ومؤمِن بالكوْكب))[2].

وروى البُخاريّ في صحيحه من حديث عائشة – رضي الله عنْها – أنَّ النَّبيَّ – صلَّى الله عليْه وسلَّم – كان إذا رأى المطَر قال: ((اللَّهُمَّ صيِّبًا نافعًا))[3]، وروى مسلمٌ في صحيحه من حديث أنس – رضي الله عنه – قال: أصابَنا ونحن مع رسول الله – صلَّى الله عليْه وسلَّم – مطرٌ، قال: فحسر رسولُ الله – صلَّى الله عليْه وسلَّم – ثوبَه حتَّى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله، لِمَ صنعتَ هذا؟ قال: ((لأنَّه حديثُ عهدٍ بربِّه تعالى))[4] [5].

وميكائيل موكَّل بنُزُول المطر؛ ففي الحديث الَّذي رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن عبَّاس – رضي الله عنه – قال: أقبلت يهود إلى رسول الله – صلَّى الله عليْه وسلَّم – فقالوا: يا أبا القاسم، إنَّا نسألك عن خمسة أشياء، فإنْ أنبأْتَنا بهنَّ عرفنا أنَّك نبيّ واتَّبعناك، وفي آخر الحديث قالوا: إنَّه ليْس من نبيّ إلاَّ له ملَك يأتيه بالخبر، فأخبرنا من صاحبك؟ قال: ((جبريلُ – عليه السَّلام)) قالوا: جبريل! ذاك الَّذي ينزل بالحرب والقِتال والعذاب عدوُّنا، لو قلتَ: ميكائيل الَّذي ينزل بالرَّحمة والنَّبات والقطر، لكان، فأنزل الله – عزَّ وجلَّ -: ﴿ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَْ ﴾ [البقرة: 97][6].

ويشرع للمسلم أن يُكْثِر من الدُّعاء عند نزول المطر؛ لما رواه الشَّافعي في "الأمّ" من حديث مكحول مُرْسلاً، أنَّ النَّبيَّ – صلَّى الله عليْه وسلَّم – قال: ((اطلبوا استِجابة الدُّعاء عند الْتِقاء الجيوش، وإقامة الصَّلاة، ونزول الغيْث))[7].

ويُشرع للمسلم الذِّكْر عند سماع الرَّعْد؛ لما رواه مالكٌ في "الموطأ" من حديث عامر بن عبدالله بن الزبير موقوفًا عليه أنَّه كان إذا سمع الرَّعد ترك الحديث، وقال: "سبحان الَّذي يسبِّح الرَّعد بحمْده والملائِكة من خِيفتِه"، ثمَّ يقول: "إنَّ هذا لوعيدٌ لأهل الأرض شديد"[8].

روى التِّرمذي في سننه من حديثِ ابن عبَّاس – رضي الله عنهما – أنَّ النَّبي – صلَّى الله عليْه وسلَّم – قال: ((الرَّعد ملَك من ملائكة الله موكَّل بالسَّحاب، معه مخاريق من نارٍ يسوق بها السَّحاب حيث شاء الله))[9]، وقد يسقي هذا الملَك بأمر الله بلادًا دون بلاد، أو قرية دون أُخرى، وقد يؤمَر بأن يسقي زرْع رجُل واحدٍ دون سواه، كما روى مسلمٌ في صحيحه من حديث أبي هُريرة – رضي الله عنه – عن النَّبي – صلَّى الله عليْه وسلَّم – قال: ((بيْنا رجُل بفلاةٍ من الأرض، فسمِع صوتًا في سحابة: اسقِ حديقة فلان، فتنحَّى ذلك السَّحاب، فأفرغ ماءه في حرَّة، فإذا شرجة من تلك الشّراج قد استوعبت ذلك الماء كلَّه، فتتبَّع الماء، فإذا رجُل قائم في حديقتِه يحول الماء بمسحاته، فقال له: يا عبد الله، ما اسمُك؟ قال: فلان؛ للاسم الَّذي سمع في السَّحابة، فقال له: يا عبد الله، لِمَ تسألُني عن اسمي؟ فقال: إنّي سمعت صوتًا في السَّحاب الَّذي هذا ماؤه يقول: اسقِ حديقة فلان، لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أما إذ قلت هذا، فإنّي أنظُر إلى ما يخرُج منها فأتصدَّق بثلثه، وآكُل أنا وعيالي ثلثًا، وأردّ فيها ثلثه))[10].

وإذا نزل المطر وكان غزيرًا وخِيفَ منه الضَّرر، فإنَّه يشرع للمسلِم أن يدْعوَ الله بتخفيفه، روى البُخاري ومسلم في صحيحيْهما من حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – أنَّ رجلاً دخل المسجِد يوم جمعة من بابٍ كان نحو دار القضاء ورسولُ الله – صلَّى الله عليْه وسلَّم – قائم يخطب، فاستقْبَلَ رسولَ الله – صلَّى الله عليْه وسلَّم – قائمًا ثمَّ قال: يا رسولَ الله، هلكت الأموالُ، وانقطعت السُّبُل، فادْعُ الله يُغيثُنا، فرفع رسولُ الله – صلَّى الله عليْه وسلَّم – يديْه ثمَّ قال: ((اللَّهُمَّ أغِثْنا، اللَّهمَّ أغثْنا، اللَّهُمَّ أغِثْنا))، قال أنس: ولا والله، ما نرى في السَّماء من سحاب، ولا قزعة[11]، وما بيننا وبين سلع[12] من بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائِه سحابة مثل الترس[13]، فلمَّا توسَّطت السَّماء انتشرت ثمَّ أمطرت، فلا والله ما رأيْنا الشَّمس ستًّا[14]، ثمَّ دخل رجُل من ذلك الباب في الجمعة – يعني اليوم الثاني – ورسول الله – صلَّى الله عليْه وسلَّم – قائم يخطب، فاستقبله قائمًا، فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السُّبُل، فادْعُ الله يُمسِكها عنَّا، قال: فرفع رسولُ الله – صلَّى الله عليْه وسلَّم – يديْه، ثمَّ قال: ((اللَّهُمَّ حوالَينا ولا عليْنا، اللهُمَّ على الآكام[15] والظّراب[16] وبطون الأودية ومنابت الشَّجَر))، قال: فأقلعتْ، وخرجْنا نمشي في الشَّمس[17].

قال النَّووي: وفي الحديث الإخبار عن معجزة الرسول – صلَّى الله عليْه وسلَّم – وعظيم كرامته على ربِّه – سبحانه وتعالى – بإنزال المطر سبعة أيَّام متواصلة بسؤالِه، من غير تقدُّم سحاب ولا قزع ولا سببٍ آخَر ظاهِر ولا باطن[18][19].

والحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على نبيّنا محمَّد وعلى آله وصحْبِه أجْمعين.

_________________________
[1] "مفتاح دار السعادة" (2/99).
[2] ص172 برقم 846، وصحيح مسلم ص 59 برقم 71.
[3] ص205 برقم 1032.
[4] ص347 برقم 898.
[5] معناه أنَّ المطر رحمة، وهي قريبة العهد بخلْق الله تعالى لها فيتبرك بها.
[6] (4/284-285) برقم 2483 وقال محقّقوه: إسناده حسن دون قصَّة الرعد.
[7] (1/253) وصحَّحه الألباني – رحمه الله – في "السلسلة الصحيحة" (3/453) برقم 1469.
[8] ص655 برقم 3055 وقال محقّقوه: صحيح مقطوع أو موقوف.
[9] ص496 برقم 3117، وصححه الألباني – رحمه الله – في صحيح سنن الترمذي (3/64) برقم 2492.
[10] ص 1196، برقم 2984.
[11] القطعة من السحاب.
[12] جبل بقرب المدينة.
[13] وهو ما يُتوقَّى به السَّيف.
[14] أي: أسبوعًا.
[15] وهي دون الجبل وأعلى من الرَّابية.
[16] وهي الجبل المنبسط ليس بالعالي.
[17] ص202 برقم 1014، وصحيح مسلم ص 346 برقم 897.
[18] شرح صحيح مسلم (2/192).
[19]انظر: عالم الملائكة الأبرار، للدكتور عمر الأشقر ص80-81.

    لكى جزيل الشكر

    وإذا نزل المطر وكان غزيرًا وخِيفَ منه الضَّرر، فإنَّه يشرع للمسلِم أن يدْعوَ الله بتخفيفه

    بارك الله فيك غاليتى

    شكرا على المرور الرائع

    الونشريس

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.