جاء في كتاب مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح"كتاب الآداب"
باب التوكل والصبر
[ ص: 3315 ] [ 4 ] باب التوكل والصبر
الفصل الأول
5295 – عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – :
" يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب ، هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون " .
متفق عليه .
الحاشية رقم: 1
[ 4 ] باب التوكل والصبر
قال تعالى : "ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله يحب المتوكلين"
وقال تعالي :
" واصبر وما صبرك إلا بالله ، إن الله مع الصابرين "
جمع بينهما لتلازمهما وعدم انفكاكهما ، وقدم التوكل لأنه منتج الصبر ،
وبه يحلو المر وينكشف الضر ، ومن توكل على الله كفاه .
وقال بعضهم : التوكل على أحد هو أن يتخذه بمنزلة الوكيل القائم بأمره المتكفل بإصلاح حاله على قدره .
وقال ابن الملك : المراد بالتوكل هو أن يتيقن أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله عليه من النفع والضر ، انتهى .
والصبر على مراتب من حبس النفس عن المناهي وعن المشتهيات والملاهي ، وعلى تحمل المشقات في أداء العبادات ،
وعلى تجرع المرارات عند حصول المصيبات ووصول البليات ،
هذا وفي النهاية يقال :
توكل بالأمر إذا ضمن القيام به ، ووكلت أمري إلى فلان أي : ألجأته إليه واعتمدت فيه عليه ، ووكل فلان فلانا إذا استكفاه أمره ثقة بكفايته أو عجزا عن القيام بأمر نفسه ،
والوكيل هو القيم الكفيل بأرزاق العباد ، وحقيقته أنه مستقل بأمر الموكول إليه .
وقال الراغب : الصبر الإمساك في ضيق .
يقال : صبرت الدابة حبستها بلا علف ، والصبر حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع ، أو عما يقتضيان حبسها عنه ،
فالصبر لفظ عام ، وربما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه ،
فإن كان حبس النفس لمصيبة سمي صبرا لا غير ، ويضاده الجزع ، وإن كان في محاربة سمي شجاعة ويضاده الجبن ،
وإن كان في نائبة مضجرة سمي رحب الصدر ويضاده الضجر ،
وإن كان في إمساك الكلام سمي كتمانا وضده الإفشاء ، وزاد في عين العلم : وفي فضول العيش زهد وضده الحرص ،
وفي اليسير من الدنيا قناعة وضده الشره انتهى .
والتوكل بلسان العارفين على ما قال السري السقطي : هو الانخلاع من الحول والقوة بلا نزاع .
وقال ابن مسروق : التوكل هو الاستسلام لجريان القضاء في الأحكام .
وقال الجنيدي – رحمه الله – : التوكل أن يكون لله كما لم يكن فيكون الله له كما لم يزل ،
ثم قيل الصبر على ثلاثة أنواع :
صبر العوام وهو حبس النفس على ما يكره ،
وصبر الخواص وهو تجرع المرارة من غير تعبس ،
وصبر أخص الخواص وهو التلذذ بالبلاء ، وبه يصل إلى مرتبة الشكر وغاية الرضا بالقضاء ،
وقد ورد : اعبد الله على الرضا فإن لم تستطع فالصبر على ما تكره خير كثير .
وقال تعالى :
" فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ."